(بيروت) ـ قالت كل من منظمات هيومن رايتس ووتش والكرامة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، ومنظمة إندكس أون سنسورشيب، إن سلطات الإمارات العربية المتحدة مطالبة بإحالة أحد ضحايا الاختفاء القسري، وهو أحمد السويدي، إلى السلطات القضائية، وفتح تحقيق مدقق ومحايد في مزاعم ذات مصداقية تفيد بتعذيبه في مقرات أمن الدولة.
في 10 سبتمبر/أيلول 2012 كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان قائلة إن انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 19 يوليو/تموز هو خطوة إيجابية. إلا أن هيومن رايتس ووتش أبدت أيضاً قلقها من مزاعم تعذيب مواطنين سوريين اثنين في عهدة الإمارات العربية المتحدة، هما عبد الإله الجدعاني ومصعب خليل العبود.
قال جو ستورك، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تعد مزاعم التعذيب والاختفاء القسري لأحمد السويدي من بواعث القلق الشديد، كما تدل على تصاعد وحشية الأساليب التي يلجأ إليها جهاز أمن الدولة الإماراتي. ينبغي ألا يلتزم حلفاء الإمارات العربية المتحدة في الغرب الصمت حيال تلك الجرائم الدولية الخطيرة".
أحمد السويدي، الذي ظهرت حقيقة وضعه مؤخراً، هو واحد من 60 من نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين تحتجزهم سلطات الإمارات العربية المتحدة بدون اتهام في أعقاب مطالبتهم السلمية بالإصلاح السياسي. يضم هؤلاء اثنين من أبرز المحامين هما محمد الركن ومحمد المنصوري. وقالت المنظمات الموقعة على البيان إن حالة بقية المحتجزين بدورها تدعو للقلق، بعد تقارير من أشخاص شاهدوهم في جلسة قضائية بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول مخصصة لتمديد احتجاز ستة منهم.
تم اعتقال السويدي في 26 مارس/آذار وأخذه إلى مقر احتجاز الشهامة. في 26 أبريل/نيسان زعمت السلطات في الشهامة أنها نقلته إلى سجن الصدر، إلا أن المسؤولين في الصدر ادعوا عدم العلم بمكانه، حين حاول شقيقه زيارته بعد ذلك بقليل. لم تنكر سلطات الإمارات العربية المتحدة استمرار احتجازه، إلا أنها رفضت الكشف عن مكانه. يزداد اختفاء السويدي القسري إثارة للقلق على ضوء مزاعم التعذيب الأخيرة بأحد مقرات أمن الدولة، على حد قول المنظمات الموقعة على البيان.
يحمل السويدي شهادة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا، وكان يعمل في وزارة المالية بحكومة أبو ظبي طوال 17 عاماً حتى تقاعد في 2007. كما أنه أيضاً ناشط سياسي، وكان نشاطه السبب في قيام السلطات بتجريده هو وستة إماراتيين آخرين من الجنسية في مايو/أيار 2011. كان هؤلاء "الإماراتيون السبعة"، كما اشتهروا، من بين أوائل المعتقلين في الحملة القمعية الحالية الموجهة ضد حرية التعبير. في 26 مارس/آذار، في محطة وقود بين أبو ظبي ودبي، أحاطت ست سيارات بدون لوحات بالسيارة التي كان يستقلها السويدي وقاض سابق هو أحمد الزعبي، وقام رجال بثياب مدنية لم يكشفوا عن هويتهم باقتياد الرجلين. لم يجر احتجاز السويدي في جناح منفصل عن الآخرين في مركز الاحتجاز، وكان أول وآخر اتصال له بعائلته هو مكالمة هاتفية وجيزة يوم 27 أغسطس/آب، بعد اعتقاله بخمسة أشهر.
بموجب القانون الدولي، تنتهك الدولة الحظر المفروض على الاختفاء القسري حين يتحفظ أعوانها على أحد الأشخاص ثم تنكر الدولة أنها تحتجزه أو تمتنع عن الكشف عن مكانه. كما يتعرض الأشخاص "المختفين" لخطر التعذيب.
كان الجدعاني، أحد السوريين اللذين زعما تعرضهما للتعذيب في عهدة السلطات الإماراتية، كان يعمل في الإمارات العربية المتحدة منذ فبراير/شباط 2008 في شركة صغيرة للنقل بالشاحنات. قال الجدعاني لـ هيومن رايتس ووتش بعد الإفراج عنه إنه في صباح 8 مايو/أيار 2011 قامت 4 سيارات بدون لوحات وبها نحو 15 رجلاً بثياب مدنية، قامت بإيقاف شاحنته على طريق إي311 الإماراتي بينما كان ينقل شحنة من مواد البناء من راس الخيمة إلى جبل علي.
قال الجدعاني إن الرجال أجبروه على مغادرة الشاحنة وركوب إحدى سياراتهم، وصادروا حافظته وجواز سفره، وقيدوا يديه وعصبوا عينيه، ثم اقتادوا الجدعاني إلى مسكنه في الشارقة حيث فتشوا أمتعته وصادروا حاسبه الشخصي. وبعد هذا اقتادوه إلى مركز احتجاز مسور، حيث وضعه الحراس في زنزانة بدون نوافذ بمساحة 3 أمتار في مترين ومزودة بكاميرا للمراقبة. قام الضباط، الذين كانوا يتحدثون بلكنة خليجية، قاموا بتعريف المنشأة على أنها أحد مقرات أمن الدولة.
وفي عصر كل يوم طوال الـ18 يوماً التالية، على حد قول الجدعاني، كانوا يضربونه ويجلدونه، ويثبتونه في أوضاع مجهدة ومؤلمة، ويعلقونه من ذراعيه وساقيه. كما تعرض أيضاً للحرمان الشديد من النوم والبرد الشديد في زنزانته. وكان استجوابه يركز على ارتباطه المزعوم بأشخاص مشاركين في الانتفاضة السورية، وبالأخص رفيقه في الاحتجاز مصعب خليل العبود، وهو مواطن سوري آخر من معارفه المقربين. كانت السلطات الإماراتية قد اعتقلت العبود في 6 مايو/أيار بينما كان يحاول العودة إلى سوريا لحضور جنازة والده.
طالب مستجوبو الجدعاني بمعلومات عما زعموا أنها مشاركة العبود في العنف السياسي في سوريا. وركزت جلسات الاستجواب اللاحقة على ما زعم المستجوبون أنها صلات الجدعاني والعبود بالجماعات الإسلامية العنيفة، مثل القاعدة.
تم حبس الجدعاني والعبود انفرادياً في مقرات أمن الدولة لمدة 3 شهور، بدون مساعدة قانونية أو اتصال بذويهما. بعد تلك المدة تم نقلهما إلى سجن الوثبة في أبو ظبي، حيث قال العبود للجدعاني وسجناء آخرين إنه تعرض بدوره للتعذيب المنتظم في أثناء مدة الحبس الانفرادي في أحد مقرات أمن الدولة. أفرجت محكمة إماراتية عن الجدعاني في يناير/كانون الثاني، لكنها أدانت العبود بتهم تتعلق بالإرهاب وحكمت عليه بالسجن لمدة 3 سنوات. يؤكد كلا الرجلين أنهما بريئان من أية مشاركة في أنشطة إرهابية. أضرب العبود عن الطعام منذ 27 يونيو/حزيران.
قالت المنظمات الموقعة على البيان إن على السلطات الإماراتية أن تجري تحقيقات جنائية مستقلة وناجزة في مزاعم التعذيب والاختفاء القسري ذات المصداقية هذه، بما يؤدي إلى تحديد هوية المسؤولين وملاحقتهم قضائياً.
يقوم الربط بين التعذيب والاختفاء القسري على أساس راسخ في القانون الدولي، وقد وجدت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان أن العزلة المطولة والحرمان من الاتصال بالعالم الخارجي يمثلان بذاتهما ضرباً من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية. كما أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن انعدام اليقين والشك والتوجس التي تعاني منها عائلات الأشخاص المختفين على مدى فترة زمنية طويلة ومستمرة هي انتهاك للحظر المطلق والقطعي المفروض على التعذيب.
في 30 أغسطس/آب قام فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري أو غير الطوعي، ولجنة الأمم المتحدة حول الاختفاء القسري، اللذين يراجعان التزام الدول بالاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، قاما بإصدار تصريح مشترك بمناسبة يوم الأمم المتحدة العالمي الثاني لضحايا الاختفاء القسري. وورد في التصريح أن "الاختفاء القسري ليس مجرد جريمة، فهو فعل ينفي جوهر البشرية ذاته ويناقض أعمق القيم في أي مجتمع".
منذ 26 أبريل/نيسان لم تحصل زوجة أحمد السويدي ولا عائلته على أي معلومات عن مكان احتجازه أو الظروف التي يجري احتجازه فيها أو المعاملة التي يتعرض لها. تم السماح للمحتجزين الـ57 الآخرين بمكالمات هاتفية متقطعة ومراقبة مع ذويهم، إلا أن سلامتهم الذهنية والبدنية تبعث على القلق بدورها.
في 6 سبتمبر/أيلول تم عرض ستة من المحتجزين، واحداً فواحد، على قاض بالمحكمة العليا، حيث كان المسؤولون يسعون إلى تمديد احتجازهم. شهد الجلسة محام إماراتي هو عبد الحميد الكميتي، وتمكن من التحدث مع بعض المحتجزين. كما لم يكن أسامة الناجر، ابن أحد المحتجزين، داخل القاعة، إلا أنه تمكن من رؤية المحتجزين أثناء إدخالهم إلى القاضي، وقد بدوا مشعثين ومشوشين ومجهدين.
بدا اثنان من المحتجزين، سالم الشحي وعيسى الساري، وكأنهما يقويان على السير بالكاد، كما بدا الشحي عاجزاً عن متابعة الإجراءات. قال رشيد الشمسي، وهو محتجز آخر، قال للقاضي إنه يعاني من الهزال بسبب إعطائه حبوباً منومة. رفض القاضي شرح الأساس القانوني لاحتجاز الرجال للكميتي.
يجب على سلطات الإمارات العربية المتحدة أن تفرج عن المحتجزين الـ60 جميعاً على الفور أو توجه إليهم الاتهام بمخالفة جنائية معروفة، كما قالت المنظمات الموقعة. ويجب حصول كل من زعم تعرضه للانتهاك على فحص طبي شرعي مستقل. ويجب استبعاد أي دليل تم الحصول عليه بالتعذيب من أية محاكمة.
ينبغي أخذ أحمد السويدي إلى قاض وإطلاق سراحه أو اتهامه بجريمة محددة ومحاكمته بإجراءات محايدة ونزيهة. كما ينبغي منحه حق التواصل مع عائلته ومع ممثلين قانونيين، وتوفير المساعدة الطبية له إذا وجبت.
قال رشيد مسلي، مدير القسم القانوني في الكرامة: "المجرمون في هذه القضية هم المسؤولون عن اختفاء أحمد السويدي، وليس هؤلاء العشرات من الإماراتيين الشجعان الذين يدافعون عن حقهم في حرية التعبير".