Skip to main content

رسالة إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان

10سبتمبر/أيلول 2012
 

صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان،
رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
 

صاحب السمو،

نودّ أن نشيد بانضمام حكومة سموكم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة في 19 يوليو/تموز 2012. ويُعتبر التقيد بالتزامات المعاهدة لحظر ومنع وتجريم التعذيب خطوة هامة، ويضفي مادة مرحب بها على الحظر العام للتعذيب الذي تنص عليه المادة 26 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة. في 26 أغسطس/آب، أشار الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في مقال رأي صدر في صحيفة ذي ناشيونل، إلى ما اعتبره فشل المنظمات الحقوقية الدولية في الاعتراف بانجازات دولة الإمارات العربية المتحدة. ونأمل أن تبدد هذه الرسالة شيئاً من القلق الذي قد تشعرون به في هذا الصدد.

إن الدور الأساسي لـ هيومن رايتس ووتش يتمثل في مراقبة احترام الدول لالتزاماتها تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. إننا نستغل هذه الفرصة لتسجيل قلقنا العميق تجاه مزاعم ذات مصداقية بوقوع أعمال تعذيب وسوء معاملة في سجن أمن الدولة في أبو ظبي. وهذه المزاعم، إذا ثبتت صحتها، فإنها تتنافى مع التزامات دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه الاتفاقية وتنتهك القانون العرفي الدولي الذي يحظر التعذيب. ونحن ندعو سموكم إلى ضمان فتح تحقيق جنائي ذي مصداقية في هذه المزاعم لتحديد ومحاكمة مرتكبي التعذيب وسوء المعاملة.

واستنادًا إلى شهادة تحصلت عليها هيومن رايتس ووتش من عبد الإله الجدعاني في صباح 8 مايو/أيار 2011، فإن أربع سيارات رياضية قامت بإيقاف شاحنته على طريق الإمارات E311عندما كان ينقل معدات بناء من رأس الخيمة إلى جبل علي. وكان الجدعاني قد قدم إلى الإمارات في فبراير/شباط 2008، وعمل مع أفراد عائلته في شركة نقل صغيرة. وخرج من السيارات 15 رجلا في ملابس مدنية، وأخرجوا عبد الإله الجدعاني من شاحنته ووضعوه في إحدى سياراتهم. كما قاموا بمصادرة محفظته وجواز سفره، وأوثقوا يديه وعصبوا عينيه. كما قال الجدعاني أن الرجال، الذين لم يعرّفوا بأنفسهم، اقتادوه إلى مسكن في الشارقة، وهناك فتشوا ممتلكاته وصادروا حاسوبه الشخصي. وبعد ذلك اقتادوه إلى مركز اعتقال حيث وضعه الحراس في زنزانة دون نوافذ، طولها ثلاثة أمتار وعرضها مترين، ومجهزة بكاميرا مراقبة. كما زعم إن الضباط أخضعوه إلى استجواب دام 18 يومًا، ومارسوا انتهاكات جسدية ونفسية في حقه بشكل منتظم. ويُعرّف القانون الدولي التعذيب على أنه ارتكاب أذى جسدي أو ألم أو معاناة عقلية.

كما ادعى عبد الإله الجدعاني إن الضباط عرّفوا المكان على أنه تابع لأمن الدولة، وإنهم كانوا يتحدثون لهجات خليجية، وإنهم كانوا يضربونه ويجلدونه كل مساء في نفس الغرفة، ويرغمونه على البقاء في وضعيات مؤلمة، ويعلقونه على الجدار من يديه ورجليه. كما حرموه من النوم لفترات طويلة في زنزانة شديدة البرودة. وتركز استجواب الجدعاني في معظمه على علاقاته المزعومة بأفراد ضالعين في الانتفاضة السورية، وخاصة مصعب خليل عبود، وهو مواطن سوري آخر رهن الاعتقال وأحد معارفه، وكان قد اعتقله ضباط إماراتيون في 6 مايو/أيار 2011 بينما كان يحاول العودة إلى سوريا لحضور جنازة والده. وطالب المحققون من الجدعاني الإفصاح عن معلومات حول مزاعم تتعلق بمشاركة عبود في أعمال عنف في سوريا. وركزت جلسات استجواب لاحقة على العلاقات التي تربطه وعبود بالمجموعات الإسلامية مثل القاعدة. 

وبعد 18 يومًا، انتهى التحقيق مع عبد الإله الجدعاني، ولكنه بقي رهن الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أشهر، وهي الفترة التي قال إنه كان يسمع أثناءها  صرخات ألم من نفس الغرفة التي تم فيها استجوابه. وبعد نقله إلى سجن الوثبة في أبو ظبي، التقى عبد الإله الجدعاني بـ موسى خليل عبود الذي زعم أنه تعرض لنفس النوع من التعذيب وسوء المعاملة أثناء استجوابه.

وفي يناير/كانون الثاني 2012، قامت محكمة إماراتية بإطلاق سراح عبد الإله الجدعاني بينما أدانت عبود بتهم تتعلق بالإرهاب، وأصدرت في حقه حكمًا بالسجن لمدة ثلاث سنوات. ولم يتمكن كل من الجدعاني وعبود من الحصول على مساعدة قانونية أثناء الاعتقال. أما في ما يتعلق بقضية عبود، فإنه توجد أسباب منطقية للاعتقاد في أن إدانته اعتمدت على اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب. ومازال الرجلان يؤكدان على براءتهما من الضلوع في أي أنشطة إرهابية.

إن المعاملة التي زعم عبد الإله الجدعاني أنه تعرض لها وعبود على يدي المحققين الإماراتيين تعتبر تعذيبًا حسب تعريف القانون الدولي: أي أن مسؤولين يمارسون مهامهم بشكل رسمي قاموا بتعريضهم إلى الألم الشديد بهدف انتزاع معلومات أو اعترافات. إن حظر التعذيب قاعدة آمرة من قواعد القانون العرفي الدولي، ولذلك فهي ملزمة لدولة الإمارات العربية المتحدة حتى قبل انضمامها لاتفاقية مناهضة التعذيب. ثم إن حظر التعذيب، في طبيعته غير قابلة للانتقاص، يعني أنه لا توجد أي ظروف يكون فيها التعذيب مسموح به. ويُعتبر التعذيب جريمة خطيرة جدًا، وارتكاب أعمال تعذيب يجعل جميع الدول ملزمة باتخاذ إجراءات في حق من يرتكبه.

إن انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب يعني اعتراف الحكومة بالطبيعة الجنائية للتعذيب، ولكن هذا الاعتراف يبقى لا معنى له إذا لم يكن مصحوبًا بالالتزام بقوانينه. ورغم أن هذه القوانين ليست ذات أثر رجعي، فإننا ندعو حكومة سموكم إلى التعبير عن نواياها الحسنة للانخراط في الاتفاقية بضمان فتح تحقيق شامل ومحايد في المزاعم المتعلقة بحصول أعمال تعذيب. كما يجب تقديم كل شخص ثبتت مسؤوليته في إصدار أوامر بالتعذيب، أو ممارسته، أو التغاضي عن ممارسته، إلى المحاكمة الجنائية.

كما نلتمس من سموكم التدخل بشكل إنساني في قضية مصعب خليل عبود، الذي دخل في إضراب عن الطعام منذ ستين يومًا احتجاجًا على إدانته، والذي يبعث وضعه الصحي على القلق الشديد. ثم إن فتح تحقيق في ملابسات إدانة عبود أمر أساسي لضمان أنها لم تعتمد على اعتراف تم انتزاعه تحت التعذيب. وفي هذه الحالة، سوف تكون حكومة سموكم ملزمة بإطلاق سراحه، إذا كانت السلطات لديها الأسباب المنطقية للاعتقاد في أنه ارتكب جريمة، والشروع في محاكمة جديدة تستجيب للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

كما نود أيضًل لفت انتباه سموكم إلى الإعلان الذي صرحت به الإمارات العربية المتحدة عند انضمامها لاتفاقية مناهضة التعذيب:

 

تؤكد دولة الإمارات أن العقوبات القانونية المطبقة بموجب القانون الوطني أو الألم أو المعاناة الناشئة أو الملازمة لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية له، لا تدخل ضمن مفهوم التعذيب المعرف في المادة 1 من الاتفاقية أو ضمن المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الواردة في الاتفاقية.
 

إن الألم الشديد أو المعاناة الناشئة من أو الملازمة للعقوبات والتي تكون نتيجة عرضية له، حتى وان سمحت بها القوانين الوطنية، تُصنف أيضًا في خانة التعذيب كما تعرّفه المادة 1. ولا يسمح قانون المعاهدات الدولية بالإشارة إلى القوانين الوطنية لتبرير عدم تنفيذ التزامات المعاهدة، وهي مسألة قد تتطرق إليها لجنة مناهضة التعذيب في أول مراجعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. ونحن ندعو سموكم إلى سحب هذا الإعلان دون تأخير.

 

كما ندعو سموكم إلى مراجعة القوانين الإماراتية بشكل شامل لضمان تطابقها مع الاتفاقية، بما في ذلك تعريف التعذيب في القانون الجنائي، وضمان عدم وجود تبرير أو حصانة قانونية للتعذيب، وعدم الاعتماد على الأدلة التي تم جمعها تحت التعذيب، وواجب التحقيق مع أي شخص في الإمارات العربية المتحدة يُشتبه في أنه ارتكب جرائم تعذيب في أي مكان في العالم، ومحاكمته أو تسليمه.

كما ندعو سموكم إلى سحب تحفظكم على شروط المادة 28، والاعتراف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب في التحقيق في التقارير ذات المصداقية حول التعذيب وزيارة اللجنة للإمارات عند الحاجة.

مع فائق الاحترام والتقدير،

 

جو ستورك
نائب المدير التنفيذي
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة