(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على السلطات المصرية أن تُسقط الاتهامات المنسوبة إلى 43 من العاملين في منظمات غير حكومية متهمين بإدارة منظمات "بدون ترخيص" من واقع قانون قمعي.
من المقرر أن تعاود محكمة جنايات جنوب القاهرة النظر في المحاكمة في 8 مارس/آذار 2012 بعد أن تنحت هيئة القضاة التي كانت تباشر القضية وبعد أن أحالت محكمة النقض القضية إلى دائرة جديدة. في الوقت نفسه، يعكف البرلمان المصري على صياغة قانون جديد لمنظمات المجتمع المدني، ليأتي بديلاً عن قانون جمعيات مبارك، الذي يمنح الحكومة سلطات مفرطة في تنظيم وتقييد عمل هذه المنظمات.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قام قضاة مصر في الماضي بحماية جمعيات أهلية وأسقطوا الاتهامات المسيسة المنسوبة للمعارضين. إن هذه فرصة هامة لوضع حد لهذه التمثيلية السياسية من خلال إسقاط القضية، فيما يقوم البرلمان بإعداد قانون جديد لا يجرم النشاط السلمي لمنظمات المجتمع المدني".
أدى رفع حظر السفر عن الرعايا الأجانب المتهمين في المحاكمة إلى موجة استنكار وغضب في مصر، صاحبتها تصريحات من نواب البرلمان بأن هذا الأمر حصل بتدخل من السلطة التنفيذية. إلا أن هذا الغضب يجب ألا يكون سبباً لمعاقبة العاملين بالمنظمات، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
بدأ التحقيق مع المنظمات الخاضعة للمحاكمة – بالإضافة إلى العشرات من منظمات حقوق الإنسان المصرية الأخرى – بمبادرة من وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا. أمر مجلس الوزراء بفتح التحقيق مع المنظمات غير المسجلة بموجب قانون 84 لسنة 2002 للجمعيات الأهلية. وحدثت الإحالة إلى المحكمة بعد 4 شهور من التحقيقات على يد قاضيا التحقيق سامح أبو زيد وأشرف عشماوي، وكانا ضمن فريق الادعاء بمحاكم أمن الدولة الاستثنائية، المُنشئة بموجب قانون الطوارئ الذي فُرض على مصر على مدار السنوات الثلاثين الماضية.
محاكمة الـ 43 العاملين بمنظمات المجتمع المدني – وهم 16 مصرياً و27 أجنبياً – بدأت في 26 فبراير/شباط أمام محكمة جنايات شمال القاهرة. أمر قاضيا التحقيق بفرض حظر سفر على 16 مواطناً أجنبياً كانوا في مصر في ذلك التوقيت. كان الـ 11 الآخرين خارج البلاد وقتها.
بعد افتتاح المحاكمة بيومين، تنحت هيئة القضاة، مع توضيح رئيس المحكمة القاضي محمد شكري أنه يستشعر "حرجاً" في القضية. في اليوم التالي أعلنت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية أنه قد تم رفع حظر السفر المفروض على المتهمين في القضية.
نسب قضاة التحقيق اتهامات بموجب المادة 98 (ج) (1) من قانون العقوبات المصري، التي تنص على: "كل من انشا او اسس او نظم او ادار في الجمهورية المصرية من غير ترخيص من الحكومة جمعيات او هيئات او انظمة من اى نوع كان ذات صفة دولية او فروعا لها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر او بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه [82 دولاراً]". كما اتُهم المدعى عليهم بتلقي تمويل دون تصريح، وهو ما قد تصل عقوبته إلى السجن خمس سنوات.
قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 سيئ السمعة يعيق ممارسة المصريين لحقهم في إدارة جمعيات مستقلة. فهو يمنح الحكومة سلطات زائدة في رفض ومنع التصاريح والتدخل في عمليات تسجيل وإدارة وتشغيل المنظمات غير الحكومية. ويعتبر إصلاح هذا القانون من المطالب التي يرفعها المجتمع المدني المصري منذ فترة طويلة
وقال جو ستورك: "في عهد مبارك كانت الحكومة والأجهزة الأمنية تتهم العاملين بالمجتمع المدني بالتجسس وتهديد الأمن القومي ووحدة البلاد، من أجل نزع المشروعية عنهم". وتابع: "حملة تشويه السمعة التي شنها المسؤولون المصريون في الإعلام الحكومي على مدار الشهر الماضي هي تأكيد على أن مصر لم يتغير فيها الكثير".
الإعلان الخاص برفع حظر السفر عن العاملين الأجانب أدى إلى موجة من الغضب والاستنكار في البرلمان، بما أنه يبدو أن القوانين المصرية تنص على أن رئيس القضاة في المحاكمة هو وحده القادر على تقرير رفع السفر بعد أن تحيل النيابة أو قضاة التحقيق القضية إلى المحكمة. هذا يعني أنه بما أن هيئة القضاة قد تنحت عن القضية، فإن هيئة القضاة التالية هي وحدها القادرة على اتخاذ هذا القرار. على مدار اليوم التالي غادر مصر سبعة أمريكيين وألمانيين اثنين وثلاثة من الصرب ونرويجي وفلسطيني.
تقوم لجان في مجلسي الشعب والشورى بمناقشة هذه القضية، وبعض النواب يطالبون بفتح تحقيق ويدعون أن رفع حظر السفر هو نتيجة لتدخل من السلطة التنفيذية. عقد البرلمان جلسات طارئة في 6 مارس/آذار لاستجواب مجلس الوزراء عن كيفية رفع حظر السفر ومن المقرر عقد جلسة في 11 مارس/آذار لاستجواب رئيس الوزراء.
قال جو ستورك: "في الوقت الذي يتعين فيه أن يثق المصريون بالقضاء، من المهم أن يكون القضاة مستقلين عن السلطة التنفيذية وأن يُنظر إليهم على أنهم كذلك". وأضاف: "لكن هذا لا يغير من حقيقة أنه يجب ألا يُقاضَى أحد بقوانين عهد مبارك التي تنتهك الحق في تكوين الجمعيات".
بموجب القوانين المصرية، فإنه من الممكن محاكمة الرعايا الأجانب المتهمين في القضية غيابياً وسوف يُدانون بشكل تلقائي إثر عدم مثولهم أمام المحكمة. في العادة يفرض القضاة الحد الأقصى للعقوبة في المحاكمات الغيابية. المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية نصت صراحة على حرمان المُحاكم غيابياً من الحق في أن يتم تمثيله في المحاكمة. لا يُسمح للمحامي بتمثيل المدعى عليه إلا بغرض توضيح أسباب غياب المدعى عليه وللترتيب لظهوره في المحكمة. إذا عاد المدعى عليهم إلى مصر، فلا يمكن تنفيذ العقوبة إلى أن يعيد القضاة محاكمتهم.
القانون الدولي لا يفضل المحاكمات الغيابية لكنه لا يمنعها تماماً. على نظم العدالة الوطنية التي تحتفظ بهذه الممارسة – في الحد الأدنى – فرض تدابير حماية إجرائية لضمان الحقوق الأساسية للمدعى عليهم، على حد قول هيومن رايتس ووتش. هذه التدابير تشمل الحق في أن يمثل المدعى عليه الخاضع للمحاكمة الغيابية محامٍ وأن تُفتح القضية من جديد إذا لم يصل الإخطار بالمحاكمة للمدعى عليه شخصياً أو إذا كان الإخطار لا يتيح مدة كافية للتحضير.
بدأ التحقيق الجنائي مع العاملين بمنظمات المجتمع المدني يوليو/تموز الماضي وكان يستند إلى قانون رقم 84. في عهد مبارك، كانت الحكومة ترفض تسجيل منظمات حقوق الإنسان المستقلة ومنظمات دعم الديمقراطية، والسبب في العادة هو الاعتراض عليها من الأجهزة الأمنية. في مؤتمر صحفي بتاريخ 2 أغسطس/آب 2011 قال قاضيا التحقيق عشماوي وأبو زيد إن تسجيل منظمات المجتمع المدني الدولية الخاضعة للمحاكمة قد رُفض من قبل جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية ومن المخابرات المصرية، لكن استمرت هذه المنظمات في العمل رغم ذلك، وهو التصريح الذي يؤكد على دور الأجهزة الأمنية في تحديد قدرة منظمات المجتمع المدني على العمل بشكل قانوني.
تشمل الأجندة التشريعية للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب القيام بصياغة قانون جديد للجمعيات، وقد عقدت اللجنة جلستين حضرها ممثلون عن الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة القانون. تعكف اللجنة حالياً على مراجعة عدد من مشروعات قوانين للجمعيات مقدمة من جمعيات أهلية ومنظمات سياسية، وتعمل على صياغة للقانون حتى تقدمه لنواب المجلس لمناقشته في الأسابيع القليلة القادمة.
في فبراير/شباط 2010 حضرت مصر أول مراجعة دورية شاملة لملفها أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. في ذلك التوقيت قبلت حكومة مبارك أربع توصيات بإصلاح قانون 84 لسنة 2002، منها توصية بـ "مراجعة الإجراءات الحاكمة لتسجيل منظمات المجتمع المدني من أجل ضمان الإجراءات الشفافة وغير التمييزية والسريعة واليسيرة المتفقة مع معايير حقوق الإنسان الدولية".
وقال جو ستورك: "قبول حكومة مبارك لفكرة الحاجة لإصلاح قانون رقم 84 هو أمر يُظهر الطبيعة القمعية للقانون". وتابع: "ما كان يجب تطبيق هذا القانون أبداً بعد إزاحة مبارك، ويجب ألا يُطبق الآن، ولا أن يُطبق حتى يتم إقرار قانون جديد يحترم الحقوق الأساسية".