وطأت قدم كارول ملروز أرض البحرين منذ ما يقرب من 21 عاماً، أي في أعقاب حرب الخليج الأولى مباشرة، حيث استهلت نشاطها العملي في مجالي التسويق والعلاقات العامة.
أخبرتني ملروز، وهي مواطنة بريطانية تبلغ من العمر 55 عاماً، أن "البحرين كانت تسعى لإبراز نفسها في المشهد باعتبارها مكاناً ملائماً للأنشطة التجارية".
دفعت إثارة الفرصة الجديدة بملروز للعمل لدى شركات شتى إلى أن دشنت بحلول عام 1977 مشروعها الخاص حيث عملت في تنظيم المناسبات وأداء مهمام العلاقات العامة لصالح عملاء متنوعين.
وقد سارت الأمور على ما يرام حتى عام 2009، حيث عجز بعض عملاء ملروز عندئذ عن سداد ما عليهم مقابل خدمات كانت قد قدمتها لهم، وذلك بحسب روايتها. وفي ذات الوقت تقريباً انهارت واحدة من شركات الأعمال كانت ملروز قد استثمرت أموالاً بها، وكان من جراء ذلك أن أثقلت الديون الجسيمة كاهلها. وتقول ملروز أنها لم تكتشف أن الدائنين والبنوك الدولية قد تقدموا بطلبات لمنعها من السفر إلا حين احجمت سلطات المطار عن السماح لها بمغادرة البحرين في رحلة عمل.
ونتيجة لتصميم ملروز على سداد ديونها فقد قبلت على الفور الالتحاق بإحدى الوظائف.
ولكن عندما حاولت في مارس/آذار 2010 تجديد تصريح إقامتها وكذلك تصريح عملها بالبلاد، بحيث يمكنها تسلم العمل؛ تلقت الرفض من سلطات الهجرة استناداً لحظر السفر.
ملروز هي واحدة من عشرات العاملين ذوي الياقات البيضاء المغتربين ممن حظرت السلطات مغادرتهم البحرين لأسباب تتعلق بالديون، فيما ترفض تلك السلطات من ناحية أخرى تجديد تصاريح إقامتهم وعملهم. وفي مثل ذلك المأزق الشاذ لا يكون بإمكان أولئك العاملين كسب المال داخل البحرين أو العمل خارج البحرين لسداد الديون.
وتؤثر مشكلة حظر السفر على عدد غير معلوم من العاملين. وقد جاء مؤخراً على لسان مهان كومار سفير الهند لدى البحرين أن زهاء العشرات من مواطني الهند يواجهون في الأساس نفس المشكلة التي تواجهها ملروز، كذلك ذكر لصحيفة غلف ويكلي "إن الهند تود أن تتيح الحكومة البحرينية لأولئك الأشخاص حرية ممارسة النشاط الاقتصادي ليكون بمقدورهم الاعتناء بذواتهم". إن السماح لهؤلاء الأشخاص بالعمل لهو أمر بالغ الأهمية.
اجتذب رد الفعل الوحشي تجاه التظاهرات المطالبة بالديموقراطية اهتمام وسائل الإعلام ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم منذ شهر فبراير/شباط 2011. ووجدت انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة بحق المشتبه في كونهم من الخصوم تفسيراً لها في رغبة الأسرة الحاكمة العارمة في البقاء في السلطة دون قيد أو شرط. ولكن من غير الواضح أن هناك أساس منطقي البتة لذلك الموقف المتصلب تجاه العاملين الأجانب غير القادرين سواء على الرحيل أو على البحث عن أعمال علها تسمح لهم بسداد ديونهم.
عندما التقيت ملروز وعديدين غيرها في مواقف مشابهة، أي أناس كانوا قد عاشوا وعملوا لسنوات في البحرين بصورة قانونية، أخبرونا أن حظر السفر، إضافة لتلك القيود التي تحول بينهم وبين العمل، قدأفضت بهم إلى فقر مدقع، دون أن يكون لديهم ما يكفي من الموارد حتى لسداد مقابل احتياجاتهم الأساسية كالمسكن والرعاية الصحية. وقالت ملروز أن كلاً من وزارة التجارة وأحد القضاة قد دعماها بشهادتيهما إبان سعيها لتجديد تصريح عملها إلا أن التجاهل كان من نصيب الشهادتين في مكتب الهجرة.
يجيز القانون البحريني للبنوك وسواها من الدائنين التقدم للمحاكم المدنية بطلب حظر السفر بغرض منع البحرينيين أو غير البحرينيين سواء بسواء من مغادرة البلاد لحين وفائهم بما عليهم من ديون، شخصية كانت أو ذات صلة بأعمالهم.
ولا يجادل المغتربون الذين التقيت بهم في كونهم مدينين بديون تجارية. بل أنهم يرغبون في حقيقة الأمر في سداد تلك الديون بأسرع ما يمكن. وقد طلبت هيومن رايتس ووتش كتابة من وزارة الخارجية البحرينية في أغسطس/آب 2011 أن تتولى معالجة هذا الموقف، وأن تمكن أولئك المدينين من العمل سواء في البحرين أو في غيرها لكي يكون بمقدورهم تحديداً سداد تلك الديون. إلا أن السلطات لم تبد أية استجابة.
يتباهى مجلس التنمية الاقتصادية، وهو هيئة بحرينية منوطة بالإشراف على الاستراتيجية الاقتصادية، بشعارات من قبيل "أنظر إلى البحرين إذا ما أردت لعملك أن يكلل بمثل ذلك النجاح".
غير أنه إذا رغبت البحرين في تشجيع أصحاب الأعمال والعاملين المغتربين على "النظر إلى البحرين"، فإنه يتعين على السلطات أن تنهي بصورة فورية العمل بسياسة عقابية، وتعسفية، وغير متناسبة إلى حد بعيد. وعليها أن تجد من طرائق العمل ما يحترم الحقوق الأساسية للدائنين والمدينين ويكف عن وضع الأشخاص في مثل تلك المواقف المستحيلة.
أما ملروز فلم يعد لديها المزيد من ذلك الولع بالبحرين بعد أن أصبحت عاجزة عن السفر أو العمل لما يقرب الآن من ثلاثة أعوام. وقد عبرت عن ذلك بقولها "كل ما أرغب فيه هو الخروج من هذا المكان".
*مريوان حمه سعيد باحث في شئون البحرين في هيومن رايتس ووتش.