(لندن، 18 يناير/كانون الثاني 2012) – قالت ثلاث منظمات غير حكومية تدخلت في قضية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الخاصة بترحيل مواطن أردني من المملكة المتحدة إن حُكم المحكمة الصادر في 17 يناير/كانون الثاني 2012 في القضية يمكن أن تكون له عواقب جسيمة على حماية حقوق الإنسان في أوروبا.
قالت كل من منظمات العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش و"العدالة" (جاستيس) إن قرار المحكمة بأنه لا يمكن ترحيل عمر عثمان (يُعرف ايضاً باسم "أبو قتادة") من بريطانيا، قرار هام. قرار المحكمة استند إلى حقيقة أن أية محاكمة في الأردن يُرجح أن تشمل استخدام الشهادات الواردة من أفراد آخرين تعرضوا للتعذيب، وهو ما يرقى إلى "الحرمان البيّن" من حقوق المحاكمة العادلة الخاصة بأبو قتادة.
إلا أن المحكمة رأت أيضاً أن ترحيل أبو قتادة بناء على الضمانات الدبلوماسية التي تم التفاوض عليها بين الحكومتين البريطانية والأردنية لن يخرق الحظر على إرسال أفراد إلى مكان يتعرض فيه لخطر التعذيب، رغم أدلة عرضتها المنظمات الثلاث على أن هذه الوعود لا يمكن التعويل عليها في تقليص ذلك الخطر.
وقالت جوليا هول، خبيرة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب: "موقف المحكمة الأوروبية الحازم ضد استخدام الأدلة المنتزعة تحت تأثير التعذيب تطور إيجابي مهم. لكن طغى عليه قرار المحكمة بأن الضمانات الدبلوماسية يمكن أن تكون كافية لتقليص خطر التعذيب. هذه انتكاسة خطيرة لتدابير حماية حقوق الإنسان في شتى أنحاء المنطقة، وهو حُكم يأخذنا خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف".
قضت المحكمة الأوروبية بأن الضمانات الواردة من الأردن شملت "مذكرة تفاهم" مع بريطانيا، واتفاق مراقبة بعد عودة أبو قتادة، مما يقلص من خطر تعرضه للتعذيب لدى عودته، وانتهت إلى أن هذه الضمانات تفوق وعود عدم التعذيب التي فحصتها المحكمة في قضايا أخرى مشابهة.
تدخل كل من العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش و"عدالة" في القضية شمل عرض أدلة على انتشار التعذيب في الأردن. رأت المنظمات الثلاث أن الضمانات ضد التعذيب غير فعالة من حيث المبدأ وغير كافية، وانتهت إلى أن استخدام هذه الضمانات يعني الالتفاف حول التزام الدول قانوناً بعدم إعادة الأفراد إلى مكان يتعرضون فيه لخطر التعذيب الحقيقي. التقرير المشترك الذي أرسلته المنظمات الثلاث أشار إلى أن برامج المراقبة بعد العودة لا توفر حماية كافية، إن كانت توفر أي حماية، ومن أسباب ذلك خوف المحتجز من الانتقام إذا هو أبلغ المراقبين بأي انتهاكات تعرض لها.
وقال بنجامين وارد، نائب مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "حُكم اليوم يُرسل رسالة مختلطة بشأن التعذيب. فهو يمنع الترحيل لأن محاكم الأردن قد تستخدم أدلة منتزعة بالتعذيب، لكنه يقبل بالخطأ بحجة الحكومة البريطانية بأن الضمانات تكفل الحماية من التعذيب، وهو ما يفتح الباب للتوسع في استخدام الضمانات".
أقرت المحكمة الأوروبية بأن التعذيب مشكلة ممنهجة ومزمنة في الأردن، وأن المسؤولين عن التعذيب نادراً ما يُحاسبون. حكم قضية "عثمان ضد المملكة المتحدة" أقر أيضاً بأن التعذيب يجري في السر وأن ممثلي الحكومات يتفقون على تغطية التعذيب وعدم كشفه وينكرون وقوعه. وقالت المنظمات إن الوعد بعدم التعذيب لا يعني إلا القليل إذ ترفض الحكومة الإقرار بتفشي مشكلة التعذيب. لكن المحكمة انتهت إلى أن "مذكرة التفاهم" بين بريطانيا والأردن كافية لتقليص خطر تعرض عثمان للتعذيب إذا تم ترحيله للأردن.
وقال روجر سميث، مدير منظمة "عدالة": "لقد أرسلت المحكمة رسالة غير مسبوقة عن استبعاد الأدلة المنتزعة بعد التعذيب. الترحيل إلى المحاكمة بناء على أدلة تعذيب موافقة ضمنية على التعذيب، وهي رسالة غير قانونية وغير أخلاقية. لكن قرار المحكمة عن الاستخدام الموسع للتعذيب وأدلة التعذيب في المحاكم الأردنية يقوض من قرارها بأن الاتفاق الودي بين الحكومات سيمنع الأردن من أعمال التعذيب إذا عاد عثمان إلى الأردن".
وثقت هيومن رايتس ووتش تعذيب دائرة المخابرات العامة الأردنية للأفراد منذ عام 2006، وكذلك أعمال التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز. في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 مات شاب رهن الاحتجاز في المخابرات العسكرية في ظروف مريبة، بعد أيام من اعتقاله. قوانين الأردن تجرم التعذيب وليس المعاملة السيئة، ولا تعتبر سلطات السجون الحبس في مجموعات صغيرة أو الحبس الانفرادي معاملة سيئة، وهي ظروف احتجاز أغلب المحتجزين والسجناء الإسلاميين.
قالت المنظمات الثلاث إن على مدار السنوات العشر الأخيرة، لا سيما في سياق مكافحة الإرهاب، عملت الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة على تقويض الحظر على التعذيب. هذا الحُكم يعطي الحكومات الضوء الأخضر كي تعتمد على ضمانات دبلوماسية غير موثوقة التنفيذ لتبرير إعادة أفراد إلى أماكن يتعرضون فيها لخطر هذه الانتهاكات، ويسهم في تآكل الحظر على التعذيب أكثر وأكثر.
خلفية
عمر عثمان – المعروف أيضاً باسم "أبو قتادة" – مواطن أردني وصل إلى بريطانيا عام 1993. في عام 1994 مُنح هو وزوجته وثلاثة أبناء وضع اللاجئ. في غيابه، أدين في الأردن في محاكمتين منفصلتين، في عامي 1999 و2000، في اتهامات على صلة بالإرهاب، وحُكم عليه بالسجن المؤبد ثم بالسجن 15 عاماً.
في أكتوبر/تشرين الأول 2002 تم حبس أبو قتادة في بريطانيا دون اتهامات أو محاكمة بموجب "الفصل الرابع" الذي تم إلغاؤه من قانون مكافحة الإرهاب وجرائم الإرهاب والأمن، لسنة 2001. القانون كان يسمح بالاحتجاز لأجل غير مسمى بحق أفراد تريد بريطانيا ترحيلهم على خلفية الحفاظ على الأمن القومي، لكن لا يمكن إعادتهم إلى دولهم خشية تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان هناك، لا سيما التعذيب.
تم الإفراج عنه في مارس/آذار 2005 ووضع تحت "المراقبة" في اليوم التالي، مما قيد من حريته في التنقل. أعيد اعتقاله في أغسطس/ىب 2005 واحتجز بموجب صلاحيات نظام الهجرة على ذمة التحريل إلى الأردن بناء على أسباب متعلقة بالأمن القومي، إثر التفاوض مع الحكومة الأردنية على "مذكرة تفاهم" وعدت فيها الحكومة الأردنية بريطانيا بأن أي شخص يعود إلى الأردن سوف يُعامل بشكل إنساني وسوف يحصل على محاكمة عادلة. في فبراير/شباط 2007 رفضت لجنة طعن الهجرة الخاصة طعنه المقدم ضد ترحيله.
في 9 أبريل/نيسان 2008 قضت محكمة نقض إنجلترا وويلز بأن على المملكة المتحدة ألا ترحل أبو قتادة إلى الأردن لأن أي محاكمة في الأردن يُرجح أن تشمل القبول بأدلة منتزعة تحت التعذيب لآخرين. قضت محكمة النقض بأن استخدام "أدلة التعذيب" هذه يرقى إلى الخرق البين لحقوق المحاكمة العادلة.
ثم أمرت أعلى محكمة في المملكة المتحدة – مجلس اللوردات – بالتصريح بالترحيل في 18 فبراير/شباط 2009، بناء على "ضمانات دبلوماسية" تم التوصل إليها مع السلطات الأردنية في "مذكرة تفاهم" بتاريخ 2005، بأن أبو قتادة سيُعامل معاملة إنسانية ويُمنح محاكمة عادلة لدى عودته. في نفس الشهر، تقدم أبو قتادة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بدعوى يقول فيها بأن الترحيل يعرضه لخطر التعذيب مع انتهاك حقه في المحاكمة العادلة.
تقدمت كل من العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومؤسسة "عدالة" بتقرير مشترك إلى المحكمة الأوروبية في أكتوبر/تشرين الأول 2009. تم نظر قضية عثمان أمام المحكمة الأوروبية (دعوى رقم 8139 لسنة 2009) في ديسمبر/كانون الأول 2010. مُتاح للطرفان الآن ثلاثة شهور للسعي للطعن في الحُكم أمام الدائرة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبل أن يصبح الحُكم نهائياً. لم يمنع القاضي السلطات البريطانية من توجيه الاتهامات ومحاكمة أبو قتادة في بريطانيا، أو تسليمه لدولة أخرى لن يلقى فيها محاكمة عادلة.