Skip to main content

"قنص العيون" في القاهرة: اعتداء الجيش على الصحفيين

نُشر في: Huffington Post

(القاهرة) ـ وسمت العشرات من إصابات العيون بالرصاص المطاطي عملية قمع المتظاهرين في ميدان التحرير. أصبح المصريون يشيرون إلى الشرطة المُسلحة التي تصوب بنادقها إلى مستوى الرؤوس بـ"قناصي العيون".

إلى جانب الأضرار المادية، فهناك رمزية شريرة تحيط بهذا الأمر. ينفذ الحُكام العسكريون لمصر حملة لمحاولة تضليل الرأي العام من خلال أعمال قمعية تستهدف وسائل الإعلام.

كانت حصيلة المصابين من الصحفيين أثناء اضطرابات التحرير ملحوظة. ذكرت  لجنة حماية الصحفيين، المدافعة عن حرية الصحافة ومقرها نيويورك، أن 17 صحفيا قد تعرضوا للضرب أو الإصابة بالرصاص المطاطي بين يومي 19 و21 نوفمبر/تشرين الثاني، الأيام الثلاثة الأولى من مظاهرات التحرير الأخيرة.

في القاهرة، أصيب أحمد عبد الفتاح، الذي ينتج مواد فيلمية لموقع المصري اليوم، الصحيفة المستقلة، في عينه اليمنى برصاص مطاطي، لتسبب له كارثة محتملة في مسار عمله.

قال أحمد عبد الفتاح: "رأيت الضابط الذي أطلق علي النار.. كان يستهدفني أنا تحديدا. أعتقد أن السبب أنني كنت أحمل كاميرا". أصيب خمسة صحفيين آخرين من صحيفة المصري اليوم في التحرير وحوله. يواجه عبد الفتاح جراحة لمعالجة عينه.

كانت هناك صدمة من طريقة رجال الشرطة ومعاونيهم ممن يرتدون ملابس مدنية حين ضربوا وتعدوا جنسيا على صحفيتين ـ مراسلة التليفزيون الفرنسي كارولين سينز والصحفية المصرية الأمريكية، منى الطحاوي ـ اللتين كانتا تغطيان الاحتجاجات في ميدان التحرير في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.

حقيقة، لا ينبغي أن نعتبر الأمر مفاجئا. استهدف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في 11 فبراير/شباط، وسائل الإعلام على نحو متزايد.

في 11 أبريل/نيسان، قضت المحكمة العسكرية على مايكل نبيل، المدون، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "إهانة القوات المسلحة" و"نشر معلومات كاذبة". في الأشهر التي تلت ذلك، استجوبت النيابة العسكرية ما لا يقل عن 9 نشطاء وصحفيين بتهمة السب والقذف بعد أن انتقدوا علنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو زعموا بارتكاب الجيش لانتهاكات.

في 19 يونيو/حزيران، استدعت النيابة العسكرية رشا عزب، صحفية، وعادل حمودة، رئيس تحرير، لاستجوابهما بشأن مقال لعزب يتعلق بالانتهاكات العسكرية المزعومة. في سبتمبر/أيلول، اقتحم مخبرون يرتدون ملابس مدنية مكتب الجزيرة مباشرة مصر وقاموا بإغلاقها؛ لتبث الجزيرة مباشر مصر الآن من قطر، المقر الرئيسي لمؤسسة الجزيرة.

جرت وقائع قمع مكثفة على وسائل الإعلام في 9 أكتوبر/تشرين الأول، عندما فرقت قوات الأمن بالقوة مسيرة للأقباط أمام مبنى تلفزيون ماسبيرو الحكومي، أسفرت عن مقتل 25 من المتظاهرين والمارة. وفي إطار تلك العملية، داهمت قوات الجيش والشرطة قناة 25، الفضائية المستقلة، وأوقفوا بثها ثلاثة أيام لأنها كانت تبث لقطات حية لأعمال العنف الدائرة. كما داهمت قوات الأمن قناة الحرة الممولة من الولايات المتحدة أثناء قيامها ببث أحداث ماسبيرو على الهواء.

تغطية الاحتجاجات في حد ذاتها تحمل نفس القدر من الخطورة الجسيمة. توفي وائل خليل، مصور تلفزيوني لقناة الطريق القبطية، إثر إصابته بعيار ناري في الرأس وهو يقوم بتصوير اعتداءات الجيش والشرطة على المتظاهرين في 9 أكتوبر/تشرين الأول.

اتهمت النيابة العسكرية علاء عبد الفتاح، المدون، بالتحريض على العنف في مواجهات ماسبيرو وسرقة سلاح عسكري.

علاء كان واحدا من مجموعة من الناشطين الذين ساعدوا في تنظيم عملية تشريح جثث ضحايا ماسبيرو من قبل الأطباء الشرعيين. بعد ثلاثة أيام، قام بالتدوين حول هذا الموضوع. وقال إن الوفاة نتجت عن "محاربة نظام مبارك بأكمله"، مطابقا ما حدث من انتهاكات الجيش بالانتهاكات التي كانت تحدث في عهد مبارك. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، تم إيداعه السجن 15 يوما قابلة للتجديد.

فكرة أن بعض التعليقات المنتقدة، خاصة حول انتهاكات الجيش، تعتبر مما يتخطى الحدود الحمراء فيما تدخل مصر موسما طويلا من الانتخابات البرلمانية، هي فكرة تتعارض مع تعهدات المجلس الأعلى للقوات المسلحة المتكررة برعاية الديمقراطية في البلاد.

هناك بوادر أخرى تثير القلق بشأن السعي الحثيث لفرض قيود على وسائل الإعلام. أعلنت وزارة الإعلام، صنيعة عهد مبارك والتي تدير التليفزيون والراديو الرسميين، في 12 سبتمبر/أيلول أن من شأنها وقف الموافقة على تراخيص جديدة للقنوات الفضائية الخاصة. وأثناء أحداث ماسبيرو، دعت القنوات الحكومية "المواطنين الشرفاء" لـ "الدفاع عن الهجوم ضد الجيش"، لتحرض بالأساس ضد المتظاهرين الأقباط.

في سبتمبر/أيلول، قامت السلطات بتوسيع نطاق قانون الطوارئ ليشمل "نشر معلومات كاذبة عمدا". وهذا يتيح الاعتقال بدون تهمة لنشطاء ومراقبي الانتخابات أو الصحفيين الذين ينشرون معلومات تعتبرها السلطات "كاذبة"، بما في ذلك انتقاد إدارة السلطات للانتخابات.

ثم إن هناك وسيلة مجربة وفاعلة لإخراس الصحافة: ابطش بالصحفيين. اسجنهم. اضربهم. وهل هناك فرصة أفضل من الاحتجاجات التي طالبت بما يعتبر من المحرمات، وهو أن على الجنرالات نقل السلطة فورا، بما في ذلك السيطرة على الجيش، إلى حكومة مدنية؟

معظم الإصابات التي وقعت لـ 17 صحفيا بين 19 و21 نوفمبر/تشرين الثاني كانت أثناء الاحتجاجات. لكن بعض الإصابات الجسدية كانت خلال مواجهات مع قوات الأمن. في الإسكندرية، تحدثت إلى محمد سعيد شحاتة، المصور لصحيفتين تابعتين للإخوان المسلمين. عارضت جماعة الإخوان المسلمين المظاهرات التي جرت في التحرير وغيرها. سمحت الشرطة له بالعمل خلف خطوطها أثناء تغطية الاحتجاجات أمام مديرية أمن الإسكندرية.

قال لي إنه كان حذرا على أية حال. وتابع: "فكرت كثيرا في أنني إذا قمت بتصوير عنف الشرطة فربما يلحقني الضرر". لكنه حين رأى حشد ممن يرتدون ملابس مدنية يهاجمون صبيا صغيرا، بدأ في التقاط الصو المتلاحقة.

وقال: "لاحظوا فلاش الكاميرا والتفتوا إلي. ضربوني بالعصي. سددوا لي الركلات، وأخذوا مني الكاميرا. وأخذوا محفظتي". حين سحبوه إلى قسم الشرطة، ركله ضابط في أعلى فخذه وأحاطته الشرطة وأخذوا في ضربه بهراوات مطاطية. كسروا ذراعه، وأحدثوا رضوضا في الرأس والساقين. وكانت عينه اليسرى محتقنة بالدم.

وتابع: "منذ أن أخذوا مني محفظتي، لا أستطيع حتى التصويت.. يا لها من ديمقراطية".

يبدو أن عملية "قنص العيون" من تخصصات قوات الأمن المركزي التي تنفذ أوامر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرتبطة بالحملة القمعية. وفقا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، منظمة مستقلة لحقوق الإنسان، عالجت مستشفى قصر العيني 60 حالة لإصابات العين بين 19 و27 نوفمبر/تشرين الثاني. وقال أطباء لـ هيومن رايتس ووتش إن معظم الإصابات التي عولجت هنا في تاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني، اليوم الأول من الاحتجاجات المناهضة للمجلس العسكري، قد أصيبوا في الصدر، أو الرقبة، أو في الوجه بالرصاص المطاطي. وهناك مقطع فيديو من الأيام الأولى للمظاهرات الأخيرة، يظهر فيه ضابط شرطة يطلق النار على حشد من الناس في شارع جانبي ثم يهنئه أحد زملاءه : "جبت عين الواد، جدع يا باشا".

يقول أحمد عبد الفتاح، مصور المصري اليوم إنه عازم على الاستمرار في العمل: "نحن أعين لمصر كلها. لا نستطيع تركهم يفقأون أعين البلد كلها".

*دانيال وليامز باحث أول في هيومن رايتس ووتش.*

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع