(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الحكومة السورية تستغل قوانين مكافحة الإرهاب الكاسحة ومحكمتها المتخصصة المنشأة حديثاً ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء السلميين. ستستأنف المحكمة في 26 يونيو/حزيران محاكمة مازن درويش وأربعة من زملائه من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بتهمة "الترويج للأعمال الإرهابية".
قالت هيومن رايتس ووتش إن المحكمة المتخصصة تستغل الأحكام الفضفاضة لقانون مكافحة الإرهاب، الذي بدأ العمل به في يوليو/تموز 2012، لإدانة نشطاء سلميين بتهمة مساعدة الإرهابيين في محاكمات تنتهك الحقوق الأساسية في الإجراءات القضائية السليمة. يتم توجيه الاتهامات تحت ستار مكافحة التشدد العنيف، لكن المزاعم المأخوذة على النشطاء لا تزيد في الواقع عن أفعال من قبيل توزيع المساعدة الإنسانية والمشاركة في مظاهرات وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "توفر محكمة مكافحة الإرهاب الجديدة الغطاء القضائي لاضطهاد النشطاء السلميين على أيدي أجهزة الأمن في سوريا. ربما حصلت الحكومة على قانون جديد لمكافحة الإرهاب، لكن ليس من القانون في شيء أن يحاكَم نشطاء سلميون دون ضمانات بمحاكمة عادلة على أفعال لم يكن يصح تجريمها بالأساس".
يواجه درويش المحاكمة إلى جانب حسين غرير وهاني الزيتاني ومنصور العمري وعبد الرحمن حمادة. وينص قرار الاتهام، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، على أن نشاطهم في مجال تعزيز حرية التعبير وحقوق الإنسان، من قبيل مراقبة الأخبار المنشورة على الإنترنت ونشر أسماء الموتى والمختفين، هي سبب الاتهام. حظي العمري وحمادة بإفراج مشروط في 6 فبراير/شباط على ذمة المحاكمة، لكن الثلاثة الآخرين يبقون رهن الاحتجاز. دعت هيومن رايتس ووتش السلطات السورية إلى الإفراج عن درويش وزملائه وإسقاط كافة التهم الموجهة إليهم، هم وغيرهم من النشطاء السلميين المتهمين أمام المحكمة لمجرد ممارسة حقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتجمع.
تبنى الرئيس بشار الأسد القانون رقم 19، الخاص بمكافحة الإرهاب، في 2 يوليو/تموز، عقب قراره برفع حالة الطوارئ في أبريل/نيسان. وفي 25 يوليو/تموز صدق الرئيس على القانون رقم 22 المؤسس لمحكمة مكافحة الإرهاب كي تطبق القانون الجديد. تكلف المحكمة، التي تتخذ من وزارة العدل مقراً لها، بمحاكمة المدنيين والعسكريين على السواء عند تعلق التهم بـ"الإرهاب".
قال محام سوري سبق له الترافع عن متهمين أمام المحكمة، لـ هيومن رايتس ووتش إن موكليه اتُّهموا، على سبيل المثال، بمساعدة إرهابيين أو القيام بأعمال إرهابية لتوزيع المساعدات الإنسانية أو المشاركة في مظاهرات. وكان تقديره، المستند إلى أبحاثه والمعلومات التي تلقاها من محامين آخرين، هو أن 50 ألف شخص على الأقل أحيلوا إلى محكمة مكافحة الإرهاب حتى منتصف يونيو/حزيران. قال محام ثان يترافع عن المحتجزين السياسيين في دمشق لـ هيومن رايتس ووتش إن هذه المحكمة، حسب معلوماته، تحاكم 35 ألفاً على الأقل من المحتجزين السياسيين غير المشاركين في عنف. وهو يعتقد أن المحكمة أنشئت خصيصاً لاستهداف المعارضة. يجري احتجاز بعض المحتجزين في سجن عدرا المركزي في دمشق على ذمة المحاكمة.
يعرّف القانون الجديد الإرهاب بأنه "كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة ويرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته". قالت هيومن رايتس ووتش إن استخدام تعبير "مهما كان نوع هذه الوسائل" يفتح الباب لإلصاق صفة الإرهاب بأي فعل تقريباً.
تنص المادة 8 على الأشغال الشاقة المؤقتة لتشكيلة من الجرائم الأخرى المتعلقة بـ"الإرهاب"، تشمل توزيع المطبوعات أو المعلومات المخزنة مهما كان شكلها. يرد في قرار اتهام العاملين الخمسة بالمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بتاريخ 27 فبراير/شباط، اتهامهم جميعاً بـ"الترويج للأعمال الإرهابية" بموجب هذه المادة. وإذا أدينوا فإنهم يواجهون أحكاماً بالسجن قد تصل إلى 15 عاماً.
ينص قرار الاتهام على توجيه التهمة بناءً على نشاط المتهمين كأعضاء عاملين في المنظمة. ويشمل النشاط المتابعة والرصد للأنباء التي تبثها المعارضة السورية على الإنترنت، ونشر دراسات عن حقوق الإنسان والوضع الإعلامي في سوريا، وتوثيق أسماء المحتجزين والمختفين والمطلوبين والقتلى في سياق النزاع السوري، وتلقي أموال من منظمات غربية. كما ورد في قرار الاتهام أن قاضي التحقيق في دمشق اعتبر هذه الأعمال جزءاً من محاولة "زعزعة الوضع الداخلي في سوريا واستفزاز المنظمات الدولية كي تدين سوريا في المحافل الدولية".
تعرف المادة 1 "تمويل الإرهاب" بأنه كل جمع أو إمداد بشكل مباشر أو غير مباشر بالأموال أو الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو وسائل الاتصال أو المعلومات أو "الأشياء الأخرى" بقصد استخدامها في تنفيذ عمل إرهابي، ويعاقب عليه أيضاً بالأشغال الشاقة المؤقتة.
أما المادة 2 من قانون رقم 22 المؤسس لمحكمة مكافحة الإرهاب فتنص على تشكيل المحكمة من ثلاثة قضاة، يكون أحدهم عسكرياً. وتمنح المادة 3 لممثل الادعاء بالمحكمة سلطة تقديرية لإحالة جرائم أخرى لا تتعلق بالإرهاب إلى المحكمة.
لا يحدد القانون بوضوح الإجراءات الحاكمة لعمل المحكمة، لكن إشاراته القليلة إلى المعايير الإجرائية تكشف عن عدد من بواعث القلق من عدالة المحاكمات، تشمل عدم كفاية الإشراف وإجراءات الاستئناف. قال محام يترافع عن محتجزين أمام المحكمة، وأحد أقارب اثنين من المتهمين، قالا لـ هيومن رايتس ووتش إن الاعترافات المنتزعة بالتعذيب تستخدم كأدلة.
تمنح المادة 7 للمتهم "حق الدفاع" لكنها تنص على عدم تقيد المحكمة بإجراءات المحاكمة المعيارية. فعلى سبيل المثال، لا تلتزم المحكمة بإجراء محاكمات مفتوحة ـ وهو الإجراء المعياري في المحاكمات الجنائية، الملزم بموجب القانون الدولي كمعيار لكافة المحاكمات. كما أن إخفاق القانون في تحديد إجراءات المحاكمة يمنح المحكمة فعلياً سلطة تقديرية كاسحة في تحديد إجراءاتها.
تنص المادة 5 على أنه بدلاً من إجراءات الاستئناف الجنائية المعيارية، لا يجوز للمتهم الطعن على أحكام المحكمة إلا أمام فرع متخصص من محكمة النقض. وفي حالة المحاكمات الغيابية، تنص المادة 6 على عدم تمتع المتهم بالحق في إعادة المحاكمة ما لم يسلم نفسه طواعيةً.
قال محام يترافع عن أشخاص أمام المحكمة لـ هيومن رايتس ووتش إن حكماً غيابياً بالإعدام قد صدر بحق شخصين موجودين خارج البلاد حالياً. وقال إن اثنين من موكليه، على صلة قرابة، حكم عليهما بالسجن لمدة 15 و20 عاماً على الترتيب لتهريب السلاح والعمل مع الإرهابيين، بناءً على ما قال إنه اعترافات منتزعة بالإكراه تحت التعذيب.
قال أحد أقارب الرجلين لـ هيومن رايتس ووتش إنهما طلبا مساعدة شخص يهرّب الأشخاص خارج البلاد للوصول إلى أوروبا عبر تركيا. وعندما استوقفهما الجيش في اللاذقية، قال المهرب للجيش إن الرجلين إرهابيان يهربان السلاح من لبنان وتركيا إلى داخل سوريا. قال قريب الرجلين إن هذا غير صحيح.
قال المحامي إنه رغم تمتع المتهمين بالحق في توكيل محام للدفاع والاطلاع على التهم الموجهة إليهم، وفي حضور محاميهم أمام المحكمة، إلا أن الأدلة الوحيدة المأخوذة عليهم في قضايا كثيرة كانت اعترافات منتزعة أثناء الاستجواب تحت الضغط أو التعذيب. يزعم المحتجزون في أحيان كثيرة أن أجهزة الأمن السورية عذبتهم لانتزاع اعترافات، لكن المحكمة لا ترفض هذه الاعترافات على أساس انتزاعها بالإكراه.
يخضع الأشخاص الذين يحاكمون أمام هذه المحكمة أيضاً لفترات مطولة من الاحتجاز على ذمة المحاكمة، في انتهاك ظاهر للقانون السوري. في 21 أبريل/نيسان 2011، تبنت الحكومة المرسوم التشريعي 55 الذي يقصر المدة التي يمكن فيها احتجاز شخص دون مراجعة قضائية على 60 يوماً في جرائم معينة، تشمل جرائم الإرهاب. قال العديد من المحتجزين السابقين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم احتجزوا لمدد تتجاوز الستين يوماً بكثير دون مراجعة قضائية.
قال نديم حوري: "مع استمرار النقاش حول المفاوضات المزمعة بين المعارضة والحكومة، ينبغي لكافة الأطراف أن تتذكر النشطاء السلميين القابعين رهن الاحتجاز والمعرضين للتعذيب وإساءة المعاملة، ولإجراءات قضائية تحرمهم من حقوقهم الأساسية. من الواجب أن يكون الإفراج عنهم على قائمة أولويات الجميع".