في منطقة يندرج السجن والتعذيب فيها ضمن أشكال الانتقام من الصحفيين الذين ينكصون عن السير على نهج حكوماتهم، كان الكويت استثناءً يحظى بالترحيب. وطبقاً لمؤشرات كل من منظمتي مراسلين بلا حدود، و"فريدوم هاوس" المعنيتين بحرية الصحافة، كان الكويت متماشياً مع ما بلغه من مكانة، من حيث اعتباره القطر ذي الإعلام الأكثر تحرراً في العالم العربي. ففي مقابل تعداد سكاني يبلغ الملايين الثلاثة، كان لدى الكويت خمسة عشر صحيفة يومية تنشر مقالات وأعمدة بأقلام سياسيين ونشطاء وأكاديميين ومحللين محليين. غير أن الإعلام والحوار العام المتحررين نسبياً في الكويت هما كذلك بالضبط، أي أنهما "نسبيين" ، وهما، فضلاً عن هذا، بسبيلهما للأفول.
وتتنامى لدى الحكومة الإرادة في انتهاج طرائق تناقض ما ذاع من صيت لذلك القطر من حيث تسامحه تجاه الجدل السياسي وإن حمي وطيسه . فقد شرع الادعاءا لكويتي خلال الشهر الماضي في إجراء محاكمة بحق محمد الجاسم، وهو صحفي تم اتهامه بتعريض الأمن القومي للبلاد للخطر. ويعد الجاسم، الذي تلقى تدريبه كمحام، أحد أعلى معارضي الحكومة صوتاً، وقد واجه ما يزيد عن 20 إتهاماً منفصلين بالتشهير والقذف بحق مسئولين حكوميين بناءً على كتاباته وتصريحاته العلنية. ففي مقال له في أكتوبر/تشرين أول 2009 وجه خطابه لرئيس الوزراء في ذلك الحين والذي تم تنصيبه من قبل أمير الكويت، فضلاً عن كونه أحد أفراد الأسرة الحاكمة، قائلاً: "عليك أن تعترف أنك لا تتمتع "بكاريزما" القيادة . . . وعليك أن تعترف أيضا أنك أخطأت في حق نفسك وساهمت في خلق النظرة السلبية الحالية للناس عن قدراتك . . وعليك أن تعترف أيضا بأنك لا تملك الخبرة الكافية لقيادة حكومة".
وبناء على أحدث الاتهامات التي وجهتها الحكومة، والتي صعدت خطورة التهم لمستوى التعدي على الأمن القومي، قضى الجاسم 49 يوماً في الحبس لحين محاكمته، تخللتها إقامة قصيرة بإحدي المشافي العسكرية في أعقاب إضرابه عن الطعام لمدة أسبوع، وذلك قبيل إخلاء سبيله بكفالة. وسوف يكون على الجاسم عند استئناف محاكمته في سبتمبر/أيلول أن يدافع، مكرهاً، عن نفسه ضد اتهامات "بالتحريض على قلب نظام الحكم" و محاولة "زعزعة دعائم المجتمع الكويتي".
وقد نبتت تلك الاتهامات بداية في تربة قوامها 32 من المداخلات شملتها مدونته الشهيرة الصادرة باللغة العربية "ميزان"، حيث سلط الجاسم سياطه باتجاه السلطوية المتنامية لدى الحكومة، كما طالب أمير الكويت صباح الأحمد الصباح بإنفاذ وعوده بالإصلاح الديموقراطي.
وكان مما أشعل فتيل الاتهامات، إلي جانب هذا، ما أصدره الجاسم من كتب حمل أحدها عنوان "روح الدستور". وتتألف كتابات الجاسم من مجرد التعليق السياسي السلمي على الأحداث، وليس من بينها ما يعضد الإطاحة بالحكومة بالقوة. وفي أعقاب النداءات عبر وسائل الإعلام المحلية بإخلاء سبيله، وكذا ما سيره النشطاء من تظاهرات، أصدرت الحكومة أمراً مقيداً للحريات يحظر على الصحافة تغطية محاكمة الجاسم. وبالرغم من إخلاء سبيله بكفالة منذ ذلك الحين ، إلا أن حظر التغطية الإعلامية لم يزل سارياً.
تثير تلك القضية تساؤلات على قدر من الجدية حول مدى التزام الحكومة بالإطلاق التدريجي للحريات. نذكر أنه خلال مراجعة حقوق الإنسان في الكويت لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر مايو/أيار نوه الوفد المفوض من الحكومة الكويتية بحرية التعبير باعتبارها واحدة ضمن الإنجازات عالية القدر لذلك البلد. كذلك أشار المراقبون إلى انتخاب أربع سيدات لعضوية البرلمان في مايو/أيار 2009، وهي المرة الأولي التي تنتخب فيها سيدة لشغل منصب عام في تاريخ البلاد، كدليل إضافي على الإصلاح الديموقراطي. غير أنه في الوقت الذي يدفع فيه أعضاء البرلمان وجماعات المجتمع المدني باتجاه المزيد من التغيير، لاتزال السلطة التي تتيح تعطيل أية إصلاحات في يد أمير الكويت وأفراد أسرته البارزين.
تمثل مقاضاة الجاسم فصلاً مما دار على مدى العام المنصرم من تعدٍ ثابت الخطى على حرية التعبير، والحق في التجمع السلمي، والحق في انتقاد أداء المسئولين العامّين في الكويت. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2009 اتهم الادعاء اثنين من أعضاء البرلمان بتهم القذف؛ الأول لانتقاده رئيس الوزراء، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة، والثاني لاتهامه وزير الصحة بالفساد. وقد أدين وغرم كلاً منهما بما يزيد على 10000 دولار.
في شهر يناير/كانون الثاني، وعقب تقرير تم بثه عبر إحدى محطات التليفزيون المحلية وأعتبر مهيناً لإحدى القبائل المحلية، تقدمت وزارة الإعلام بدولة الكويت باقتراح بتعديل لقانون الصحافة تتقرر بموجبه عقوبات أكثر صرامة للقذف والتشهير وكذا إيقاع عقوبات جنائية بحق الخطاب "المهدد للوحدة الوطنية".
وفي شهر مارس/أذار قامت الحكومة فيما بين ليلة وضحاها تقريباً بتوقيف وترحيل ما يزيد على 30 من المواطنين المصريين من مؤيدي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، وهو نصير للإصلاح السياسي في مصر ومرشح رئاسي محتمل. ولم يكن أولئك المصريون، وكثير منهم من المقيمين في الكويت منذ أزمنة طويلة، قد قاموا بأكثر من مجرد اللقاء للنقاش حول حملة البرادعي. وحين تحدثت إلى وزير الداخلية، برر الترحيل على أساس قانون التجمعات العامة الكويتي، قائلاً أنه لا يسمح في الكويت للأجانب بالتظاهر. إلا أن تطبيق هذا القانون قد اتسم بالانتقائية إلى حد بعيد، فمنذ أشهر فقط سبقت هذا الحدث تظاهر المغتربون الإيرانيون أمام سفارتهم عقب الانتخابات الرئاسية في إيران دونما تدخل من قبل الشرطة.
ومؤخراً تمت أيضاً مقاضاة خالد الفضالة، رئيس التحالف الوطني الديموقراطي بالكويت، وهو حزب سياسي ليبرالي، وذلك بتهمة التشهير والقذف الجنائيين بحق رئيس وزراء البلاد بناء على تعليقات أدلى بها خلال حشد جماهيري متهماً رئيس الوزراء بتبييض الأموال. وقد انتهت المحكمة بعد محاكمته إلى كونه مذنباً وقضت بإيداعه السجن لثلاثة أشهر، فيما أمرت محكمة استئنافية في 13 يوليو/تموز بإخلاء سبيله من محبسه، وقد قررت المحكمة أن الأيام العشر التي قضاها كانت عقاباً كافياً له. وفي اليوم ذاته تمت تبرئة الجاسم من اتهام جنائي سابق بالقذف بحق رئيس الوزراء.
وبالرغم من أن الأحكام الصادرة مؤخراً تشف عن شروع القضاء في إبداء انتباهه للأمر ودفع التعديات الواقعة على حرية التعبير، فإن النشطاء ووسائل الإعلام في الكويت يبقون تحت التهديد. فحين يتعلق الأمر بحرية الصحافة، وكيفية تناولها لحقوق الإنسان بصورة أكثر عمومية، يتركز اهتمام الكثير من صناع القرار الكويتيون في محاولات سطحية تهدف لتلميع صيت بلدهم في الخارج، في حين أنهم يتجاهلون جوانب الحماية القانونية الحيوية، بينما تلجأ الحكومة حال مواجهتها بالاعتراضات إلى محاججات حول سيادة الدولة، مطالبة بصورة أساسية ممثلي المجتمع الدولي بعدم التدخل فيما لا يعنيهم.
إن استجابات من هذا القبيل لا تفيد كثيراً أي تقدم حقيقي في مجال حقوق الإنسان في ذلك القطر. ولقد لاحت في الكويت خلال العام الماضي بعض العلائم الواعدة للإصلاح فيما يتصل بأمور منتقاة، كإصدار قانون للعمل معد بعناية ويوفر قدراً أكبر من الحماية، وإزالة بعض ما يعترض حقوق النساء من معوقات قائمة، والتعهد بتوفيرقدر أكبر من أوجه الحماية القانونية للمعاقين.
غير أن الحكومة تبقى متقلبة وشديدة الحساسية تجاه النقد، سواء من قبل الحكومات الأجنبية، أوممثلي المجتمع الدولي، أوالنشطاء والكتاب المحليين. وكما تظهر قضية الجاسم، فإن أولئك الأفراد قد تحملوا القدر الأكبر من وطأة استجابة الحكومة، بما في ذلك توجيه الاتهامات الجنائية بالقذف والتشهير بحق من يقومون بالتعليق على أعمال المسئولين الحكوميين، واتخاذ اجراءات صارمة ضد التجمعات العامة، وإصدار الأوامر المقيدة لوسائل الإعلام المحلية. وسوف يكون من الأجدى لحكام الكويت عوضاً عن الإجراءات الثأرية والقمع، أن يركزوا جهودهم على تدعيم إلتزاماتهم تجاه حقوق الإنسان في البلاد واستبعاد توجيه الاتهامات الجنائية في حالة الخطاب غير المتسم بالعنف. وبسماح الحكومة لمنتقديها بالإفصاح عن أفكارهم بحرية، فإنها تزيد مقدار الحماية لمصداقيتها بأكثر مما قد ينجم عن هذا النقد من ضرر.
بريانكا موتابارثي: باحثة في هيومن رايتس ووتش