قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن الشرطة الكينية على الحدود الصومالية وفي مخيمات اللاجئين القريبة تسيئ معاملة ملتمسي اللجوء واللاجئين الفارين من الصومال التي تمزقها الحرب. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على كينيا أن تسيطر فوراً على قوات الشرطة الكينية المسيئة، وأن تزيد وكالة الأمم المتحدة للاجئين من مراقبتها ورصدها للوضع وأن تضغط من أجل وضع حد للانتهاكات.
بناء على مقابلات مع أكثر من 100 لاجئ، يوثق تقرير "مرحباً بكم في كينيا: إساءة معاملة الشرطة للاجئين الصوماليين"، الذي جاء في 99 صفحة، انتشار ابتزاز الشرطة لملتمسي اللجوء ممن يحاولون بلوغ ثلاثة مخيمات قريبة من بلدة داداب الكينية، في ظل أوضاع لاإنسانية ومهينة، وتهديدات بالترحيل، والمقاضاة بالخطأ على "التواجد غير القانوني في البلاد" من أجل ابتزاز من يصلون حديثاً من رجال ونساء وأطفال على حد سواء، للحصول منهم على نقود. وفي بعض الحالات، قام عناصر من الشرطة باغتصاب النساء. وفي مطلع عام 2010 وحده، أعيد مئات وربما الآلاف من الصوماليين غير القادرين على الوفاء بالابتزاز، إلى الصومال، في خرق بيّن للقانونين الكيني والدولي.
وقال جيري سيمسون، باحث شؤون اللاجئين في هيومن رايتس ووتش وكاتب التقرير الأساسي: "الناس تفر من الفوضى والدمار في الصومال، الأغلبية العظمى منهم نساء وأطفال، ويُستقبلون في كينيا بالاغتصاب والجلد والضرب والاحتجاز والابتزاز والترحيل بإجراءات موجزة". وتابع: "ما إن يصلوا المخيمات، يواجه بعض اللاجئين العنف من الشرطة وتدير الشرطة أعينها بعيداً عن العنف الجنسي من قبل لاجئين آخرين وأشخاص كينيين".
العشرات من ملتمسي اللجوء من بين ما يُقدر عددهم بأربعين ألف صومالي ممن عبروا الحدود الكينية المغلقة رسمياً بالقرب من المخيمات خلال الشهور الأربعة الأولى، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة تتجاهل استجدائهم إياها بالمرور المجاني من الحدود. وتطالبهم الشرطة بالنقود وقامت بترحيل بعضهم واحتجاز وضرب وتزوير الاتهامات للبعض، بتهمة التواجد غير القانوني إذا لم يتمكنوا من الدفع. ووصف عامل بمساعدة اللاجئين من كينيا كيف أن عمل الشرطة بين الحدود وغاريسا - العاصمة الإقليمية - "آلة عملاقة لتوليد النقود".
"مرحباً بكم في كينيا" يوثق أيضاً كيف أن خطر اعتراض الشرطة للأفراد وما يتعلق به من انتهاكات، يجبر أغلب ملتمسي اللجوء على السفر نحو المخيمات في دروب ضيقة بعيداً عن الطريق الأساسي. وهؤلاء يصبحون عرضة لهجمات المجرمين، الذين يسرقونهم ويغتصبون النساء ويسرقون النقود القليلة التي معهم.
وما إن يصلوا المخيمات، يستمر اللاجئون في التعرض لعنف الشرطة، طبقاً للتقرير. وقد أخفقت الشرطة في منع العنف الجنسي والتحقيق فيه ومقاضاة المسؤولين عنه، بحق النساء والفتيات اللاجئات في المخيمات، على يد لاجئين آخرين وكينيين، مما يؤدي لخلق مناخ من الإفلات من العقاب ويزيد من عنف التعرض للعنف الجنسي.
كما يتناول التقرير السياسة غير القانونية التي تنتهجها كينيا بحظرها على أغلب اللاجئين المسجلين في المخيمات الانتقال إلى أجزاء أخرى من كينيا، ما لم يكن معهم تصريح خاص فيه أسباب من قبيل العلاج الطبي أو التعليم في نيروبي. وبموجب القانون الدولي، فعلى كينيا أن تبرر أي حظر أو تقييد على اللاجئين وعلاقته بحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة، وهو ما أخفقت في الوفاء به حتى الآن. وفي عام 2009 سمحت السلطات لستة آلاف شخص فقط من تعداد اللاجئين بداداب البالغ 300 ألف شخص، بالسفر إلى خارج المخيمات المزدحمة سيئة الأوضاع.
ويوثق التقرير كيفية اعتقال الشرطة للاجئين الذين يتنقلون دون "تصاريح التنقل" الصادرة عن الحكومة - ومن معهم التصريح أيضاً، بشكل متزايد - وتبتزهم من أجل الحصول على النقود، وأحياناً ما يتم نقلهم إلى المحكمة في غاريسا، حيث يُغرّمون أو يُحالون على السجن.
تقرير "مرحباً بكم في كينيا" يقول بأن الطبيعة المنظمة لآليات ابتزاز الشرطة وانتهاكاتها - التي تمتد مسافة 200 كيلومتر من بلدة ليبوي الحدودية إلى بلدة داداب ثم غاريسا - هي النتيجة المباشرة لقرار كينيا الصادر منذ ثلاث سنوات بغلق الحدود. وقالت هيومن رايتس ووتش إن إغلاق مركز تحويل اللاجئين في ليبوي، 15 كيلومتراً من الحدود وعلى مسافة 80 كيلومتراً من المخيمات، لم يؤد إلا لتدهور الأمور.
وقبل الإغلاق، كان مركز تحويل ليبوي مكان آمن يجد فيه أغلب ملتمسو اللجوء الصوماليون أول ملاذ آمن للجوء في كينيا، ومنه تنقلهم وكالة الأمم المتحدة للاجئين - المفوضية السامية لشؤون اللاجئين - إلى المخيمات. ودون المركز، فإن ما يُقدر بثلاثمائة ألف صومالي فروا من بلدهم إلى كينيا منذ يناير/كانون الثاني 2007 - نصفهم ذهبوا إلى المخيمات - يضطرون لاستخدام المهربين لنقلهم عبر الحدود. وتستغل الشرطة هذه الطبيعة العشوائية والخطيرة لرحلتهم، وتتهمهم زوراً بالدخول غير القانوني للبلاد وتهددهم بالاعتقال إذا لم يدفعوا النقود التي تطلبها الشرطة.
وبموجب قانون اللاجئين الكيني، فجميع ملتمسي اللجوء أمامهم مهلة 30 يوماً بعد دخول كينيا للانتقال إلى أقرب سلطة للاجئين للتسجيل كلاجئين، بغض النظر عن كيفية دخولهم البلاد أو متى دخلوها. لكن الشرطة تتجاهل بشكل ممنهج هذا الحق. وفي تكرار لتوصيات هيومن رايتس ووتش للسلطات الكينية الواردة في تقريرها "من الرعب إلى اليأس" الصادر في مارس/آذار 2009، يعيد التقرير الجديد التأكيد على دعوته السلطات بفتح مركز جديد في ليبوي حيث يمكن التعامل مع ملتمسي اللجوء الوافدين حديثاً وحيث يمكنهم الاعتماد على المركز الجديد كنقطة آمنة مؤقتة ينتقلون منها إلى المخيمات.
وقال جيري سيمسون: "لأكثر من ثلاث سنوات لم تفد الحدود المغلقة أي أحد إلا ضباط الشرطة الفاسدين، وأدت إلى إساءات لا حصر لها ضد المئات، إن لم يكن الآلاف، من ملتمسي اللجوء". وأضاف: "على كينيا أ، تضمن المرور الآمن والحماية للاجئي الصومال المعرضين للضرر".
وللحكومة الكينية بواعث قلق أمنية فعلية على صلة بالنزاع في الصومال، لكن خطابها السياسي ضد الصومال لم يؤد إلا لتعزيز سلوك الشرطة المسيئ، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ملتمسو اللجوء يقولون إن الشرطة تتهمهم بالانتماء إلى جماعة المتمردين الصومالية الشباب أو القاعدة، أو أنهم "إرهابيين" قبل إجبارهم على العودة في الصومال، في بعض الحالات. وبناء على ثماني حالات بالإعادة الجبرية للصومال، بحق 152 شخصاً حققت فيها هيومن رايتس ووتش ووثقتها أثناء بحثها في مارس/آذار، تعتقد هيومن رايتس ووتش إنه من المرجح أن الشرطة أعادت المئات - إن لم يكن الآلاف - من الصوماليين إلى بلدهم في مطلع عام 2010 فقط.
ويحظر القانون الدولي الإعادة القسرية للاجئين إلى حيث يتعرضون للاضطهاد أو التعذيب أو حالة عنف معممة. ورغم أن كينيا لها الحق في منع بعض الأفراد من دخول كينيا أو الإقامة فيها - ومنهم من يُرون على أنهم تهديد لأمنها القومي، مثل أعضاء الشباب - فليس من حقها أن تغلق حدودها في وجه ملتمسي اللجوء. القانون الدولي يحظر أيضاً على السلطات ترحيل ملتمسي اللجوء إلى الصومال دون أن تسمح لهم أولاً بتقديم طلبات اللجوء.
وقال جيري سيمسون: "الشرطة تقول إنها تحمي كينيا من الإرهابيين وإنها تطبق قوانين الهجرة، عندما تعترض اللاجئين". وأضاف: "لكن في واقع الأمر فهي تبتز الصوماليين كي يدفعوا النقود مقابل المرور عبر نقاط التفتيش ومقابل عدم التعرض للاحتجاز، مما يوحي باهتمامهم بملء الجيوب أكثر من حماية الحدود".
ويدعو التقرير وكالة الأمم المتحدة للاجئين إلى تحسين آلياتها الخاصة بالمراقبة والضغط لدى السلطات، وأن تجري زيارات أكثر لمراكز الشرطة القريبة من الحدود، وفي بلدتي داداب وغاريسا.
وفيما يخص العنف الجنسي، قال الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة إما تتجاهل شكاواهم، أو تطلب منهم توفير الأدلة، أو تكف عن متابعة القضايا فجأة دون إبداء أسباب. وفي الحالات النادرة التي تقبض فيها الشرطة على المعتدين المزعومين، عادة ما يتم الإفراج عن المشتبه به خلال ساعات أو أيام، مع أقل الأمل في المزيد من الاستجواب أو المحاسبة. الكثير من النساء يعتقدن أن من اعتدوا عليهن قاموا برشوة الشرطة من أجل وقف التحقيقات أو إخراجهم من الحبس.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم التحسنات التي طرأت منذ مطلع التسعينيات، فإن الرد الحكومي على العنف الجنسي في المخيمات أخفق بسبب قلة عدد رجال الشرطة في المخيمات الذين لديهم مهارات تحقيق في الجرائم، وبسبب عدم كفاية الإشراف على رجال الشرطة الذين يباشرون القضايا.
وقالت ميغان رود، الباحثة بقسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، وكتبت الجزء المتعلق بالعنف الجنسي من التقرير: "بعد عشرين عاماً تقريباً من وجودها، ما زالت المخيمات مكاناً الإنصاف والعدالة فيه لضحايا الاغتصاب هو الاستثناء على القاعدة، والإفلات من العقاب هو القاعدة". وأضافت: "النساء والفتيات اللاجئات اللاتي يبلغن الشرطة بشجاعة عن العنف الجنسي يستحققن ما هو أفضل من هذا".