Skip to main content

الجزائر: لا يجوز أن يكون الإفلات من العقاب ثمناً للمصالحة

خطة السلام الرئاسية تعفو عن الفظائع وتدفن الحقيقة

(بروكسل، 3 سبتمبر/أيلول 2005) ـ قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم أن "الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" الجديد الذي وضعه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والذي كشف النقاب عنه في 15 أغسطس/آب، يخدم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان أكثر مما يخدم الضحايا.

ويضع الميثاق إطار عمل لطي صفحة النزاع الذي أودى بحياة ما يزيد عن 100 ألف جزائري منذ عام 1992، وأدى إلى الاختفاء القسري لآلافٍ غيرهم ممن لا يزالون مفقودين إلى اليوم. وسوف يصوت الجزائريون لقبول الميثاق أو رفضه عبر استفتاء وطني يوم 29 سبتمبر/أيلول.

وفي دراسةٍ موجزة من 19 صفحة، رحبت منظمة هيومن رايتس ووتش ببعض جوانب الميثاق، لكنها قالت أنه يزيد بالفعل من إمكانية إفلات بعض موظفي الدولة من العقاب على جرائم خطيرة ارتكبوها، في الوقت الذي يمنح فيه عفواً عن المتمردين المسلحين الذين ارتكبوا كثيراً من الفظائع خلال ما يزيد عن عقدٍ كاملٍ من النزاع الأهلي. كما عبرت هيومن رايتس ووتش أيضاً عن قلقها من كون المناخ السياسي والفترة الزمنية القصيرة قبل الاستفتاء لا يسهلان إجراء نقاش وعام حر وواع حول الميثاق.

ويخول الميثاق الرئيس بأن يلتمس، باسم الشعب الجزائري، "السماح" من عائلات "المختفين" وغيرهم من ضحايا ما يصفه بأنه "مأساة وطنية". وسوف تنال عائلات "المختفين" تعويضات ومعونات لكي تتمكن من تجاوز محنتها "بكرامة".

لكن هيومن رايتس ووتش أكدت أن الميثاق يتفادى ذكر حق الضحايا، أو حق الجزائريين عموماً، في معرفة الحقيقة بشأن حالات "الاختفاء" وغيرها من الفظائع المرتكبة من جانب كلٍّ من موظفي الدولة والجماعات المسلحة منذ عام 1992. وهو لا يناقش مسألة تشكيل هيئة لكشف الحقيقة أو أية آلية أخرى للتحقيق مع المسئولين ومحاسبتهم.

وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "تمثل التعويضات والاعتذار الرسمي خطوة إلى الأمام بالنسبة لذوي’المختفين‘. لكنها ليست بديلاً عن حقهم في معرفة الحقيقة وتطبيق العدالة، وهي حقوق لا تقبل الإسقاط، حتى لو تم ذلك بموجب تصويت الأغلبية".
لا يطرح الميثاق عفواً عن موظفي الدولة الذين ارتكبوا الانتهاكات، لكنه يتجاهل عموماً دورهم في ارتكاب انتهاكات منهجية وخطيرة لحقوق الإنسان. وهذا ما يعزز الحصانة التي طالما تمتعوا بها، الأمر الذي يثير القلق من أن يؤدي إقرار الميثاق إلى صدور قانون عفو لصالحهم. ويؤكد الميثاق، على نحوٍ ملتبس، أن حالات "الاختفاء" كانت من فعل أفراد معزولين وليست من فعل مؤسسات؛ أي أنه يبرأ ساحة المسئولين الحكوميين وقوات الأمن من المسؤولية.

ويقترح الميثاق توسيع العفو الذي صدر عام 1999 ليشمل أفراد الجماعات المسلحة الذين يستسلمون، كما يقترح إطلاق سراح أعضاء الجماعات المسلحة السجناء أو تخفيض مدة سجنهم. وفي حين ينص الميثاق على أن جرائم بعينها ("المذابح الجماعية" والاغتصاب والتفجيرات في الأماكن العامة) ليست خاضعةً للعفو، فإن عضو الجماعات المسلحة المدان بالخطف وبالقتل العمد، حتى في حالة التكرار، يمكن أن لن يخضع للمحاكمة، أو أن يخرج من السجن.

وقال ستورك: "العيب المزدوج في الميثاق هو أنه يعفو عن القتلة المنتمين إلى الجماعات المسلحة ـ طالما لم يرتكبوا ’مذابح جماعية‘ ـ في الوقت الذي يلتزم فيه الصمت حيال دور موظفي الدولة، بمن فيهم كبار المسئولين، في ارتكاب جرائم كبرى ضد حقوق إنسان أو في التغاضي عنها. وتشير تجارب المجتمعات الأخرى التي مرت بنزاعٍ داخلي إلى أن نجاح المصالحة الوطنية يكون أكثر احتمالاً عندما يتم بذل بعض الجهد على الأقل لكشف الحقيقة ومحاسبة المسئولين من جميع الأطراف".

وقالت هيومن رايتس ووتش أن خطةً لها تلك العواقب الكبيرة تستحق أكثر من 45 يوماً من النقاش الشعبي قبل الاستفتاء. وقد حثت المنظمة السلطات على تشجيع النقاش الواسع والحر للميثاق عن طريق إتاحة فترات بث مباشر، في الإذاعة والتلفزة الحكوميتين، تخصص لمختلف جوانب المسألة، وعن طريق إنهاء ممارسة الضغط على الصحافة الخاصة وعلى منظمات حقوق الإنسان.

كما انتقدت المنظمة أيضاً أحكام الميثاق التي يبدو أنها تستبعد أي إعادة تأهيل سياسية لجبهة الإنقاذ الإسلامي المحظورة وقادتها.

ومن التوصيات التي قدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش للحكومة الجزائرية:

• الحرص على أن لا تشمل الإجراءات الخاصة بالعفو مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان سواءٌ كانوا من موظفي الدولة أو من أعضاء الجماعات المسلحة. ويجب أن يشمل تعريف الانتهاكات الخطيرة الإعدامات التي تتم دون محاكمة، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسري.

• ضمان أن تحترم أية خطة مكرسة تحديداً لمعالجة قضية "الاختفاءات" حق الضحايا وعائلاتهم في معرفة الحقيقة وفي العدالة. ويمكن أن يتم تشكيل هيئة نزيهة، تتوافق سلطاتها ومواردها وصلاحياتها واستقلالها مع المعايير الدولية لهيئات كشف الحقائق.

• الكشف عن القرارات التي اتخذتها لجان وقف تنفيذ العقوبات، والتي أقيمت بموجب قانون الوئام المدني لعام 1999، والتي كلفت بدراسة طلبات العفو المقدمة من أعضاء الجماعات المسلحة المستسلمين. إن من شان الكشف عن هذه القرارات أن يمكن الجمهور من تقييم مدى استبعاد هذه اللجان مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من العفو. كما أنه يساهم في إجراء نقاش متبصر بشأن كيفية ضمان عملية تدقيق فعالة في أمر طالبي العفو في المستقبل.

• ضمان أن يولي أي جهدٍ يبذل لمساعدة ضحايا العنف السياسي انتباهاً خاصاً إلى الاحتياجات الاجتماعية والنفسية الخاصة لكثيرٍ من النساء اللواتي اغتصبن من قبل الجماعات المسلحة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة