Skip to main content
تبرعوا الآن

ليبيا: سحق الفضاء المدني

القوانين القمعية والمضايقات والاعتقالات تعرقل عمل المنظمات

عناصر أمن ليبيون في طرابلس، ليبيا، 16 أغسطس/آب 2023.  © 2023 يوسف مراد أ ب فوتو
  • استخدمت السلطات الليبية سلسلة من القوانين الموروثة الفضفاضة والصارمة التي تنتهك القانون الدولي لتهديد ومضايقة واحتجاز أعضاء المجتمع المدني والنشطاء تعسفا والاعتداء عليهم.
  • يهدد استهداف المنظمات الأهلية بإغلاق المجال بالكامل أمام حرية التجمع وتكوين الجمعيات في البلاد. يلجأ العديد من النشطاء إلى الرقابة الذاتية أو مغادرة البلاد.
  • ينبغي لسلطات الإدارتين المتنازعتين على الحكم في ليبيا التوقف عن استهداف المنظمات المدنية والتعجيل باعتماد قانون للمجتمع المدني يتوافق مع القانون الدولي.

(نيويورك) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن استهداف السلطات الليبية المتسارع للنشطاء وأعضاء المنظمات الأهلية ومضايقتهم يهدد بإغلاق المجال بالكامل أمام حرية التجمع وتكوين الجمعيات في البلاد. ينبغي للسلطات وقف استهداف المنظمات المدنية والتعجيل بتبني قانون للمجتمع المدني يتسق مع القانون الدولي.

استخدمت السلطات، مدعومة بميليشيات غير خاضعة للمساءلة وأجهزة أمن داخلي تعسفية، سلسلة من القوانين الموروثة الفضفاضة والصارمة التي تنتهك القانون الدولي، لتهديد أعضاء المجتمع المدني والنشطاء ومضايقتهم واحتجازهم تعسفا والاعتداء عليهم. قال ناشط ممن قوبلوا إنه تعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز. منذ 2011، أصدرت السلطات مراسيم ولوائح تفرض شروطا مرهقة للتسجيل والإدارة، ما يمنع تأسيس المنظمات أو الحفاظ على وجودها في البلاد. ونتيجة لذلك، غادر عشرات النشطاء البلاد، ولجأ من بقي منهم إلى الرقابة الذاتية والعمل في الخفاء.

قالت حنان صلاح،المديرة المشاركة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي للسلطات الليبية الإسراع بإنهاء سياساتها القمعية التي تسحق الفضاء المدني في البلاد وتجعل من شبه المستحيل على المنظمات القيام بعملها الضروري. يجب أن تكون منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني قادرة على العمل دون الخوف المستمر من الانتقام".

بين أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية وهاتفية مع 17 عضوا من منظمات المجتمع المدني الليبي ونشطاء في ليبيا وتونس، والتقت بممثلي اتحادات طلابية وأعضاء "المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان". وافق خمسة فقط من أعضاء المجتمع المدني على إجراء مقابلات شخصية في ليبيا، وطلب البقية إجراء مقابلات هاتفية أو رفضوا التجاوب كليا خوفا من مضايقات "جهاز الأمن الداخلي" في طرابلس. أخفت هيومن رايتس ووتش هوية جميع من أجرت معهم المقابلات من النشطاء لتجنب الانتقام.

كما التقى الباحثون مع السلطات في طرابلس، والزاوية، ومصراتة، بينهم وزير العدل، و"مفوضية المجتمع المدني"، ومسؤولين من "الأمم المتحدة". لم تحصل هيومن رايتس ووتش على التصاريح المطلوبة لزيارة شرق ليبيا.

تتنافس سلطتان على الحكم في ليبيا:"حكومة الوحدة الوطنية" ومقرها طرابلس، والتي عُيّنت كسلطة مؤقتة بالإجماع من خلال عملية قادتها الأمم المتحدة، وتسيطر مع الجماعات المسلحة التابعة لها على غرب ليبيا. وتسيطر منافستها، "القوات المسلحة العربية الليبية" والأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لها، على شرق ليبيا وجنوبها. وتُعرف الإدارة المدنية التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية باسم "الحكومة الليبية".

راسلت هيومن رايتس ووتش وزارتي العدل والخارجية في طرابلس في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 بشأن النتائج التي توصلت إليها، لكنها لم تتلق ردا.

استخدمت السلطات في شرق ليبيا وغربها مجموعة كبيرة من القوانين لقمع المجتمع المدني، بما فيها من عهد الزعيم السابق معمر القذافي. تشمل هذه القوانين القانون رقم 19 لسنة 2001 المطعون فيه بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، والذي يقيد عمل المجتمع المدني ويعتبره بعض الخبراء القانونيين ملغى بسبب اعتماد "الإعلان الدستوري لسنة 2011" من قبل "المجلس الوطني الانتقالي" الليبي، بالإضافة إلى قوانين أخرى تحكم حرية التعبير والجرائم الإلكترونية وقوانين غامضة الصياغة بشأن الجرائم ضد الدولة.

ويفرض قانون العقوبات الليبي عقوبات مشددة، منها عقوبة الإعدام، على تشكيل تنظيمات "غير مشروعة"، وينص على عقوبات بالسجن على تأسيس جمعيات دولية أو الانتماء إليها دون "إذن" مسبق. كما أن  اللوائح والمراسيمبشأن تنظيم عمل المنظمات الأهلية تقيد وتُسكت بشكل غير مبرر المجموعات المدنية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات التشريعية الليبية إجراء إصلاحات على مواد قانون العقوبات التي تقوض من حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وينبغي أن تضمن الممارسة السلمية لهذه الحقوق. كما ينبغي للسلطات إلغاء عقوبة الإعدام فورا، بما فيها كعقوبة على تأسيس منظمات غير مشروعة أو المشاركة فيها.

اعتقلت السلطات في شرق البلاد وغربها والجماعات المسلحة واحتجزت أعضاء المجتمع المدني، غالبا بتهم زائفة ذات دوافع سياسية. بعد اعتقال جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، وهي مجموعة مسلحة، أربعة أعضاء من حركة "تنوير" الشبابية الشعبية تعسفا، حكمت عليهم محكمة في طرابلس في ديسمبر/كانون الأول 2022 بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة بتهم "الإلحاد واللاأدرية والنسوية والكفر". قال ناشطان، رفضا ذكر اسميهما خوفا من التداعيات، إن هذه الاعتقالات والملاحقات القضائية تبعث برسالة مخيفة إلى المجتمع المدني. بسبب هذه الحادثة، أنهى أحدهما حركة بدأوها بشأن قضايا المرأة.

فرضت السلطات الليبية، خاصة في الغرب، شروطا ومتطلبات فضفاضة وغير قابلة للتطبيق في كثير من الأحيان على المنظمات الأهلية – المحلية والدولية – الراغبة في التسجيل والحصول على تصاريح عمل، ما أعاق عملها. وفرضت السلطات متطلبات مرهقة للموافقة على أنشطة بسيطة مثل عقد الندوات وورش العمل، في حين أن متطلبات إعداد التقارير المالية المرهقة غالبا ما يستحيل على المنظمات الصغيرة الوفاء بها.

أدى إنشاء مفوضية المجتمع المدني عام 2018 من قبل "حكومة الوفاق الوطني" السابقة، وهي مكلفة بتسجيل المنظمات المدنية وأنشطتها والموافقة عليها، إلى مزيد من العوائق أمام المنظمات الأهلية بسبب التنافس والتضارب بين الفروع المختلفة. بدأت عملية توحيد الفرعين الشرقي والغربي في 2023 وما تزال جارية. قال نشطاء إن مفوضية المجتمع المدني أجبرت بعض المنظمات على تغيير اسمها أو تغيير أهدافها للحصول على التسجيل.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل غياب قانون لمنظمات المجتمع المدني يتوافق مع القانون الدولي وأفضل الممارسات التي تضمن الحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع والتعبير، على السلطات الليبية إلغاء القيود المرهقة على التسجيل والسماح بحرية تأسيس الجمعيات.

وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات معترف بها كحقوق أساسية، وغالبا ما تكون متداخلة وأساسية للأداء الفعال للمجتمع الديمقراطي والتمتع بالحقوق الفردية الأخرى.

ينص "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادقت عليه ليبيا في 1970، على أنه لا يجوز فرض أي قيود على ممارسة الحق في التجمع وتكوين الجمعيات "إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".

وقد شددت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة"، التي تفسر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشكل رسمي، على ألا تكون الحكومات أكثر تقييدا مما هو مطلوب عند الحدّ من حرية تكوين الجمعيات، والضرر اللاحق بها، ووقت استمرار القيود. وينص "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"،الذي صادقت عليه ليبيا في 1963، على أنه "يحق لكل إنسان أن يكوّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون".

قالت صلاح: "استخدمت السلطات الليبية مجموعة كبيرة من القوانين القمعية لاستهداف الجماعات المدنية ووضعت العائق تلو الآخر لمنعها من العمل بشكل قانوني. لا يمكن للمنظمات المدنية أن تعمل بفعالية وأمان طالما بقيت في مأزق قانوني، وتعمل في سرية أو خوف دائم من التهديد، أو الهجوم، أو الاعتقال".

الإطار القانوني التعسفي

تواجه المنظمات المدنية في ليبيا مجموعة من القوانين التعسفية التي تصعب عملها. فالقانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية الصادر في عهد القذافي يُقيّد عمل المجتمع المدني في ليبيا بأكملها، حيث يسمح بتسجيل المنظمات العاملة في القضايا الاجتماعية، أو الثقافية، أو الرياضية، أو الخيرية، أو الإنسانية فقط، ويستثني القضايا الأخرى بما فيها الحقوقية. ولم توضح الحكومة كيف يمكن للمنظمات العاملة في قضايا أخرى العمل بشكل قانوني. كما ينص القانون 19 لسنة 2001 على متطلبات تسجيل مرهقة للغاية ويخول السلطات التدخل في قيادة الجمعيات وحل المنظمات دون أمر من المحكمة.

ويؤكد بعض الخبراء القانونيين الليبيين أن القانون 19 لسنة 2001 معلق فعليا لأن الإعلان الدستوري الليبي لسنة 2011 يضمن حريات تكوين الجمعيات، والتعبير، والتجمع. قال أحدهم لـ هيومن رايتس ووتش إنه على الرغم من أنه يجب اعتبار القانون ملغى، "ما تزال المحاكم تستخدمه كما لو كان نافذا".

قال رئيس جماعة حقوقية ذات فروع متعددة إن غياب الإطار القانوني يعرقل عمل المنظمات الأهلية، ما يجبرها على "العمل في حالة من عدم اليقين"، وأنه من المهم ضمان مشاركة المجتمع المدني في صياغة قانون جديد للجمعيات. "يخشى الناس من السفر لأنهم يخشون لقاء الأجانب. وتطالب الأجهزة الأمنية بإعطاء موافقة مسبقة على أي لقاء مع مجموعات أجنبية. وهو غير مناسب للعمل المدني".

تجري حاليا مناقشات تشمل مجموعات مدنية ليبية حول اعتماد مشروع قانون جديد للجمعيات، بما فيها مع مسؤولين من مفوضية المجتمع المدني، وأعضاء مجلس النواب، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. أكد نشطاء وأعضاء من المجتمع المدني ومسؤولون في الأمم المتحدة تداول مسودات متعددة لمشروع قانون جديد بشأن المجتمع المدني، ووجود مشاورات لتسريع العملية، إلا أن أعضاء السلطة التشريعية والهيئات السياسية المتنافسة وأعضاء المجتمع المدني لم يُجمعوا على مسودة موحدة.

بين 2019 و2022، نظم "المجلس الرئاسي" السابق لحكومة الوفاق الوطني عمل المنظمات الأهلية بموجب المرسوم 286.

تضمن المرسوم شروطا مرهقة للتسجيل ولوائح صارمة بشأن التمويل، وفرض عملية شاقة لتقديم إشعار مسبق لحضور المؤتمرات والفعاليات الأخرى. بعدما استأنفت المنظمات الأهلية المرسوم، علّقت محكمة في بنغازي العمل به في 2022 لانتهاكه الإعلان الدستوري لسنة 2011.

في 8 مارس/آذار 2023، أصدرت "إدارة القانون" في "المجلس الأعلى للقضاء" رأيا قانونيا،بناء على طلب من مفوضية المجتمع المدني، أعلنت فيه أن جميع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم تؤسس بموجب القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن المنظمات الأهلية غير قانونية. وأكد مكتب رئيس الوزراء في طرابلس في 13 مارس/آذار على الرأي القانوني وألغى تراخيص المنظمات الأهلية التي تأسست في ليبيا منذ 2011. إلا أنه منح المنظمات الأهلية في 21 مارس/آذار 2023 وضعا قانونيا مؤقتا حتى "تصحح أوضاعها القانونية"، دون تقديم جدول زمني واضح.

ما زال يتعيّن على المشرّعين إلغاء أحكام قانون العقوبات من عهد القذافي التي تنص على عقوبات صارمة، منها عقوبة الإعدام، على إنشاء جمعيات "غير قانونية".

التسجيل والعوائق الإدارية

قال نشطاء في ليبيا إن عدم وجود إطار متماسك للتسجيل وعدد من العوائق البيروقراطية والإدارية جعل قيامهم بعملهم شبه مستحيل. قال ناشط مقيم في ليبيا إن منظمته سُجلت في 2012 لكنها قررت عدم التجديد كما هو مطلوب بعد عشر سنوات بسبب الدور التعسفي للحكومة في الرقابة. وللتحايل على غياب الإطار القانوني وصعوبات النظام المصرفي الليبي، قال إن منظمته وغيرها من المنظمات تتلقى أموال المانحين في تونس. قال إن المنظمات التي تواصل العمل في ليبيا رغم العوائق والمخاطر الجسيمة "في خط النار".

قال ناشط من جنوب البلاد غادر ليبيا في 2017 وحصل على وضع اللجوء في أوروبا، إنه أصبح من المستحيل تجديد تسجيل منظمته المدنية في ليبيا بسبب القيود التي فرضتها السلطات بما فيها العقبات أمام فتح حسابات مصرفية. قال: "حتى 2016، كانت الأمور على ما يرام، فقد امتثلنا لجميع التشريعات القائمة، وكنا مسجلين لدى المفوضية وكان بإمكاننا ممارسة أنشطتنا. لكننا رفضنا التسجيل مرة أخرى بسبب جميع القيود، وعلى أي حال، أصبح من المستحيل التسجيل مع تعليق العمل بالمرسوم 286". قال إنه منذ 2022، واجهت الجمعية عدة قيود على حسابهم المصرفي الذي جُمّد في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام بناء على تعليمات "المصرف المركزي" بعد انقضاء فترة تسجيلهم.

قالت ناشطة من طرابلس إن الإجراءات المالية، وخصوصا فتح الحسابات المصرفية وإدارتها، صعبة بالنسبة للمنظمات الأهلية. قالت: "من الصعب استخدام الحسابات المصرفية... رغم أن [محافظ البنك المركزي السابق] الصديق الكبير أصدر لوائح للمنظمات الأهلية بفتح حسابات مصرفية، لم يكن القيام بذلك ممكنا. كما أن سحب الأموال من البنوك أمر شاق للغاية، حيث يجب أن تحصل على موافقة من البنك، والتي قد تستغرق من شهر ونصف إلى شهرين. كما تحتاج أيضا إلى وسيط بين البنك والبنك المركزي".

قالت إن العملية بالنسبة للمنظمات غير الحكومية الأجنبية صعبة وإنها والموظفين الآخرين اضطروا إلى استخدام حساباتهم الشخصية في التحويلات المالية، حيث لم يكن من الممكن للمنظمة فتح حساب. قالت: "ذات مرة اضطررنا للانتظار ثمانية أشهر للحصول على 2,500 دولار أمريكي. في بعض الحالات، لم يتقاض الأشخاص رواتبهم طوال سبعة أشهر". وقالت إن الإجراءات المالية ومتطلبات إعداد التقارير تتجاوز ما يمكن توقعه بشكل معقول من جمعية أهلية صغيرة وأن بعض "البنوك تطلب رشوة أحيانا".

مفوضية المجتمع المدني

تتمتع مفوضية المجتمع المدني التي تأسست في 2018، والتي تعمل من خلال فروع لها في جميع أنحاء البلاد، بصلاحيات واسعة لفحص وطلب الوثائق، ومراقبة التمويل، وإلغاء التسجيل وتصاريح العمل للمنظمات الأجنبية. وفقا لرئيس فرع المفوضية في طرابلس، في أغسطس/آب 2023، تسلّم مجلس النواب رسميا السلطة على المفوضية من مجلس الوزراء، وبدأ عملية توحيد المفوضية ومنحها ميزانية ووضعا قانونيا.

اتخذت مختلف فروع المفوضية مقاربات مختلفة لحل المأزق المتعلق بتسجيل المنظمات وتجديدها. قال مدير فرع الزاوية إنه يقدم وثيقة سنوية مؤقتة لتجديد تسجيل المنظمات الأهلية القائمة، بينما تطبق فروع أخرى، مثل فرع طرابلس، المعايير التي وضعتها مفوضية بنغازي في الشرق لتسجيل المنظمات. قال رئيسا فرعين للمفوضية إن أجهزة المخابرات تطلب أحيانا معلومات عن بعض المنظمات المدنية، وإن المنظمات الأهلية تحتاج أحيانا إلى موافقة أجهزة الاستخبارات للتسجيل.

قال ناشط في طرابلس، تنشط مجموعته الحقوقية في مجال حرية الصحافة في شرق ليبيا، إن الأجهزة الأمنية في الشرق لا تكتفي بمضايقة النشطاء ومحاولة السيطرة على أنشطتهم فحسب، بل إن لها نفوذا لدى السلطات، بما فيها المفوضية. قال: "لا تحصل على إشهار إلا بموافقة الأجهزة".

اتهم ناشط آخر يترأس منظمة لحرية الإعلام في طرابلس فروع المفوضية في شرق وغرب ليبيا بالتجاوزات: "تتعرض المنظمات المستقلة [الموجودة في ليبيا] لضغوطات كثيرة، حيث أن المنظمات التابعة للحكومة هي الوحيدة القادرة على العمل. أما في الشرق، فهناك مضايقات من قبل الجماعات المسلحة وسيطرة على أنشطتنا". وقال أيضا إن عملية التسجيل أصبحت أكثر تعقيدا: "حصلنا على أول إشهار بالموافقة في 2013، وكان علينا فقط تجديد التسجيل في 2021. لذا، في يناير/كانون الثاني [2021] تقدمنا أولا بطلب في طرابلس، لكن المفوضية رفضت منحنا التسجيل، لذا في مارس/آذار 2022، تقدمنا بطلب في بنغازي. استغرق الأمر من المفوضية هناك أكثر من عام للموافقة".

الاعتقالات والاحتجاز

اعتقلت السلطات في مناسبات عديدة واحتجزت نشطاء المجتمع المدني تعسفا بسبب عملهم في ليبيا. قال رئيس جماعة حقوقية إنه اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2020 أثناء زيارته لبنغازي في الشرق: "اعتُقلت واحتُجزت في الحبس الانفرادي، واستُجوبت. كما حُلق شعري. ولم يُطلق سراحي إلا بعد تدخل النائبين الأول والثاني لمجلس النواب. الضمانة الوحيدة هي وجود قانون يحمي منظمات المجتمع المدني".

قال ناشط بارز آخر من شرق ليبيا إن مسلحين اختطفوه في أجدابيا في يونيو/حزيران 2021 واحتجزوه في "سجن قنفودة" بالقرب من البيضاء في شرق ليبيا، حيث احتجز 40 يوما في الكتيبة 302 مشاة التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية وتعرض بشكل منتظم لظروف غير إنسانية وسوء معاملة. قال:

"كان يدخل كل يوم عنصر إلى زنزانتي ويركلني، ويضربني بالعصا على كامل جسدي ووجهي ورجلي وظهري لإجباري على الاعتراف بـ "الجرائم" التي اتهموني بها. كانوا أحيانا يصورونني. كنت أحصل على رغيف خبز صغير يوميا مع قطعة جبن واحدة، وكنت أشعر بالجوع باستمرار".

قال إنه نُقل بعد ذلك إلى "قاعدة طارق بن زياد" في بنغازي الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة العربية الليبية، حيث احتُجز حتى إطلاق سراحه في أبريل/نيسان 2022. "وُضعت في الحبس الانفرادي فور وصولي وقضيت خمسة أشهر و24 يوما في زنزانة مساحتها مترين في متر واحد في ظلام تام تقريبا، دون نوافذ أو إضاءة صناعية. قطعت عني جميع سبل التواصل مع السجناء الآخرين ومع العالم الخارجي."

اتهمته إحدى أجهزة الأمن الداخلي في شرق ليبيا بـ "التواصل مع منظمات دولية" و"محاولة تقويض أمن الدولة" بسبب أنشطته مع منتدى شبابي حول ثلاث قضايا حساسة: دعم خارطة طريق انتخابات 2021، والعدالة الانتقالية، والمسؤولية الاجتماعية لشركات النفط. قال: "اعتُقلت دون مذكرة توقيف وأُطلق سراحي دون الحاجة إلى تقديم أي تعهد. تعرضت للضرب في الحجز وأصبت بمرض جلدي اضطررت إلى علاجه في تونس بعد مغادرة ليبيا". كما قال إنه حرم من الاتصال بمحامٍ طوال فترة اعتقاله واحتجازه.

المضايقات والتهديدات والاعتداءات

قال نشطاء وأعضاء جمعيات مدنية إنهم تعرضوا للمضايقات والتهديدات والاعتداءات من قبل الجماعات المسلحة انتقاما على عملهم. وقال ناشط حقوقي مُتمرس في طرابلس إن الأجهزة الأمنية تتدخل في عملهم الحقوقي وتخترع تهما وهمية إذا ما أرادت اعتقال شخص ما.

قال: "التنقل بين أجهزة الأمن الداخلي أشبه بحقل ألغام. إذا قبضوا على أي شخص، سيتهمون الناشط زورا بأنه ينتمي إلى مجتمع المثليين أو بأنه ملحد"، وكلا الأمرين مخالف للقانون في ليبيا وقد تصل عقوبتهما إلى السجن. قال إن ثلاثة موظفين من جمعية مدنية معروفة اعتُقلوا بتهمة الإلحاد. أفرجوا عنهم بشروط، لكن القضية ما تزال مستمرة.

قال ناشط آخر من طرابلس إن جهاز الأمن الداخلي والحرس البلدي اقتحموا مكاتبهم وأغلقوها مؤقتا في 2022، بدعوى عدم حصولهم على ترخيص. قال: "أعدنا فتح مكاتبنا أخيرا، لكن محاولتهم إغلاق جمعيتنا كانت صعبة للغاية".

وثّقت هيومن رايتس ووتش تهديدات مزعومة ضد أفراد عائلات النشطاء. قال ناشط من الجنوب غادر ليبيا منذ سنوات إن جماعات مسلحة اعتقلت في 2024 اثنين من أقاربه لمجرد قرابتهما له واستجوبتهما مرتين حول عمله قبل إطلاق سراحهما.

قال ناشط منفي آخر، من شرق ليبيا، إن رجال الأمن الداخلي اتصلوا بأحد أقاربه ليحذروه من تحدث الناشط علانية بعد إطلاق سراحه من الاحتجاز في 2022. واتصل أحد أفراد جماعة مسلحة في شرق ليبيا بالقريب نفسه في 2023، محذرا إياه من انتقاد الناشط العلني لإدارة القوات المسلحة العربية الليبية للفيضانات الكبرى التي أودت بحياة آلاف الأشخاص في المنطقة الشرقية بالإضافة إلى آلاف المفقودين والمشردين.

الرقابة الذاتية والمنفى

قال الذين بقوا في ليبيا إنهم اضطروا إلى ممارسة رقابة ذاتية على خطابهم أو أنشطتهم لتجنب استهدافهم من قبل السلطات والجماعات المسلحة. قال ناشط متمرس في منظمة حقوقية في غرب ليبيا إن التهديدات الأمنية تتزايد وأن النشطاء لجأوا إلى العمل السري. "معظم العمل يتم في سرية". قال إنه تعرض في 2022 لتهديدات من قبل جماعات محلية في ترهونة على صلة وثيقة بإحدى الميليشيات بسبب خلافات سياسية.

قال ناشط آخر من الجنوب إنه اضطر إلى تقييد أنشطته للبقاء في ليبيا بسبب البيئة "غير الآمنة" للمنظمات الأهلية. قال: "رغم أنني قد أنشر من حين لآخر شيئا ما على حسابي الشخصي على فيسبوك، إلا أنني منذ 2020، توقفت عن نشر المقالات ولم أعد أتلقى طلبات إعلامية حول القضايا العامة أو الحقوقية لكيلا أصبح هدفا للميليشيات. لا أريد مغادرة ليبيا وبالتالي يجب أن أبقى بعيدا عن الأنظار".

"كان الجنوب أكثر أمانا بالنسبة للحقوقيين، ولكن منذ الهجوم العسكري في 2019، تقلصت المساحة المدنية كأي مكان آخر. الآن، لا يوجد مكان آمن في ليبيا، لا في الشرق ولا في الغرب. أصبحت حرية التعبير غير موجودة".

قال ستة من النشطاء ممن قوبلوا إنهم اضطروا إلى مغادرة ليبيا والاستقرار في تونس أو في بلد آخر بسبب الخوف من التعرض للاضطهاد بسبب عملهم، وقال أحدهم إنه اضطر إلى مغادرة منطقته والاستقرار في طرابلس.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

Donate today to protect and defend human rights

Human Rights Watch operates in over 100 countries, where we work to investigate and document human rights abuses, expose the truth and hold perpetrators to account. Your generosity helps us continue to research abuses, report on our findings, and advocate for change, ensuring that human rights are protected for all.