(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن زيارة مدعي عام "المحكمة الجنائية الدولية" إلى ليبيا أعادت الأمل بتحقيق العدالة التي طال انتظارها لضحايا ميليشيا محلية سيطرت على بلدةٍ خلال معركة السيطرة على العاصمة طرابلس خلال 2019-2020.
أثناء سيطرتهم على بلدة ترهونة، اعتقل أعضاء في "ميليشيا الكاني" وعناصر مرتبطون بها أشخاصا في أربعة مراكز احتجاز على الأقل، وعذبوهم، أو أخفوهم، أو أعدموهم. انحازت الميليشيا إلى "القوات المسلحة العربية الليبية" بقيادة خليفة حفتر لمهاجمة "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها من "الأمم المتحدة". لم يُقدَّم أي شخص إلى المحاكمة على الانتهاكات.
قالت المديرة المشارِكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش حنان صلاح: "إن كانت السلطات الليبية عاجزة عن إجراء مساءلة محلية عن الفظائع ضد أهالي ترهونة، فينبغي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يحقق في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. أقارب المئات الذين اعتُقلوا تعسفا وعُذبوا أو أُخفُوا ووجِدوا فيما بعد في مقابر جماعية ما زالوا ينتظرون العدالة".
للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعثة رسمية إلى ليبيا. في ترهونة، زار السجون التي كانت تديرها ميليشيا الكاني سابقا ومواقع المقابر الجماعية، والتقى بأهالي ضحايا الانتهاكات المنسوبة إلى الميليشيا.
قابلت هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار أربعة رجال في ترهونة قالوا إنهم وأقارب آخرين كانوا محتجزين في أربعة مراكز احتجاز في ترهونة خلال نزاع طرابلس 2019-2020. قال الأربعة إنهم وُضعوا بمعزل عن العالم الخارجي طوال مدة احتجازهم، دون أي إجراءات قضائية أو مقابلة عائلاتهم أو محاميهم، ورووا حصول أعمال سوء معاملة، وتعذيب، وإعدام غير قانوني في السجون.
التقى الباحثون بقريب لعشرة أشخاص عُثر على جثثهم في مقابر جماعية بعد أن اعتقلتهم ميليشيا الكاني هم ورفاقهم. زار الباحثون جميع أماكن الاحتجاز الأربعة وجميع مواقع المقابر الجماعية المعروفة في ترهونة. كما التقى الباحثون بالسلطات البلدية في ترهونة، و"الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين"، و"جهاز المباحث الجنائية"، التابع لوزارة الداخلية.
عُثر فيما بعد على جثث بعض الذين اعتقلتهم الميليشيا، المعروفة أيضا بـ "الكانيات"، في مقابر جماعية لا تحمل علامات حول ترهونة، على بعد 93 كيلومتر جنوب شرق طرابلس. من بين 261 جثة استُخرِجت منذ يونيو/حزيران 2020 من هذه المقابر، تم التعرف على 160 جثة من قبل "الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين"، التابعة لمجلس الوزراء.
عرض كريم خان المساعدة الفنية من المحكمة الجنائية الدولية في مجال الطب الشرعي. أثناء وجوده في بنغازي، التقى خان بحفتر وأخبره أن المحكمة الجنائية الدولية تلقت معلومات وأدلة بشأن جرائم مزعومة ارتكبتها القوات المسلحة العربية الليبية، وإنه "سيتم التحقيق فيها ويجري الآن التحقيق فيها". في تقريره إلى "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، لم يصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أي تصريحات بخصوص قضايا محددة كانت المحكمة تحقق فيها في ليبيا.
قد يكون كبار المسؤولين الحكوميين في حكومة الوفاق الوطني والإدارات السابقة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وقادة القوات المسلحة العربية الليبية، بما فيها القيادة العليا للقوات المسلحة العربية الليبية، مسؤولين جنائيا عن جرائم الحرب التي ارتكبها مرؤوسوهم في ترهونة، إذا كانوا على علم بالجرائم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بها ولم يتخذوا إجراءات لمنعهم أو تسليم المسؤولين للملاحقة القضائية.وجدت "البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا"، في تقرير صدر في يوليو/تموز 2022، أن "الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة والسجن والتعذيب والاضطهاد والاختفاء القسري ارتكبها أفراد من ميليشيا الكانيات ضد مجموعة محددة من السكان في ترهونة". قالت البعثة إنه ينبغي لليبيا إنشاء محكمة خاصة للمحاكمة على الجرائم الدولية بدعم وخبرات فنية دولية، وإن على المسؤولين القضائيين في الدول الأخرى التحقيق مع المتورطين في جرائم ترهونة، بسبلٍ تشمل ممارسة الولاية القضائية العالمية. لم تتخذ ليبيا أي خطوات لإنشاء محكمة خاصة.
فرضت الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عقوبات على محمد الكاني وميليشيا الكانيات بموجب "قانون ماغنتسكي العالمي للمساءلة بشأن حقوق الإنسان" بسبب "قتل المدنيين والتعذيب والإخفاء القسري وتهجير المدنيين". يخضع محمد وعبد الرحيم الكاني لعقوبات "الاتحاد الأوروبي" منذ مارس/آذار 2021، بسبب "عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري بين 2015 ويونيو/حزيران 2020 في ترهونة". كما فرضت المملكة المتحدة في مايو/أيار 2021 عقوبات على ميليشيا الكانيات، والقياديين محمد وعبد الرحيم الكاني بتهمة "الإخفاء القسري بحق المدنيين في ليبيا، وتعذيبهم، وقتلهم".
قالت صلاح: "ما يزال تحقيق العدالة للضحايا في ترهونة بعيد المنال، إذ تكافح السلطات الليبية لإلقاء القبض على المسؤولين عن هذه الجرائم وإخضاعهم لإجراءاتها القضائية".
وافق الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش على نشر المعلومات. قررت هيومن رايتس ووتش حجب أسماء من قابلتهم لحمايتهم من الانتقام بسبب حديثهم علنا.
اثنان من السجون الأربعة التي استخدمتها الكانيات خلال نزاع طرابلس 2019-2020 كانا منشأتين حُوِّلا إلى مراكز اعتقال. أحدهما كان منشأة لتعبئة المياه تُعرف باسم "مصنع المياه"، حيث كان المحتجزون في زنازين صغيرة تشبه الصناديق وصفوها بأن ارتفاعها 1.2 متر وعرضها 1.2 متر. كان الثاني منشأة تابعة لوزارة الزراعة أصبحت تُعرف باسم "سجن الصناديق". كما احتُجز المعتقلون هناك في زنازين مربعة الشكل أشبه بالصناديق وصفوها بأنها بارتفاع متر واحد وعرض 80 سنتيمتر.
كان المرفَقان الآخران من منشآت الدولة الخاضعة سابقا لحكومة الوفاق الوطني والتي استحوذت عليها الكانيات وتحكمت بها بالكامل خلال نزاع 2019-2020، وهما "سجن الدعم المركزي"، التابع لوزارة الداخلية، و"سجن الشرطة القضائية" التابع لوزارة العدل، المعروف بـ "سجن القضائية".
قال المحتجزون السابقون إن الكانيات أعدمت خارج القانون أشخاصا في جميع مراكز الاحتجاز الأربعة هذه. وصفوا الظروف والمعاملة اللاإنسانية التي ترقى إلى مستوى التعذيب في جميع المواقع الأربعة، لا سيما استخدام خراطيم بلاستيكية لجلد المعتقلين على أخمص أقدامهم ("الفلقة")، أحيانا أثناء تعليقهم أو تقييدهم.
سمّى الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش شخصيات على صلة بهذه الجرائم، منهم محمد الكاني، الذي قُتل في يوليو/تموز 2021 على يد مسلحين مجهولين في بنغازي، وشقيقه محسن، الذي قُتل خلال اشتباكات جنوب طرابلس في سبتمبر/أيلول 2019. سمى المحتجزون السابقون أيضا عددا من شركائهم، منهم كبار مسؤولي السجون، قالوا إنهم ساعدوا هؤلاء الرجال في إدارة السجون، وشاركوا في الاعتقالات، والتعذيب، وسوء المعاملة.
أعلن النائب العام الليبي الصديق الصور في أغسطس/آب 2022 أن لجنة التحقيق القضائي المكلفة بالتحقيق في جرائم الكانيات فتحت 280 قضية جنائية، أحيل عشر منها إلى القضاء. قال الصور إن من بين 76 شخصا مطلوبا للقضاء لارتكاب جرائم في ترهونة، 20 هم محبوسون احتياطيا بتهم القتل، والتعذيب، والاختطاف، والإخفاء القسري، والسطو المسلح، والسرقة، وغيرها من الجرائم. وقال إن بعض المطلوبين كانوا في تونس، ومصر، والسعودية.
لم يذكر مكتب النائب العام متى ستُعقد محاكمات في هذه القضايا.
تتميز الإجراءات القضائية في ليبيا بانتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة. يُحبس المعتقلون احتياطيا لفترات طويلة قبل توجيه الاتهام إليهم ومحاكمتهم، غالبا دون السماح لهم بالتواصل مع محامين أو تلقي زيارات عائلية. أثناء الاستجواب، كان يتم إكراههم على الاعتراف، وأثناء احتجازهم يواجهون منهجيا ظروفا غير إنسانية ومعاملة سيئة.
الميليشيا
كان يُنظر إلى محمد خليفة الكاني على نطاق واسع على أنه قائد ميليشيا الكانيات. انضم إليه أربعة من إخوته.
قال المحتجزون السابقون الذين تمت مقابلتهم وأعضاء المجلس البلدي في ترهونة إن ميليشيا الكانيات كانت مسؤولة عن عمليات قتل واخفاء في ترهونة منذ 2012 أو 2013. تحت قيادة محمد، نمت المجموعة لتصبح ميليشيا كبيرة سيطرت فعليا منذ العام 2015 على ترهونة.
في العام 2016، تحالفت الميليشيا مع حكومة الوفاق الوطني السابقة حتى بداية نزاع عام 2019، عندما اعتمدت اسم "اللواء التاسع"، وغيّرت ولاءها لتتحالف مع القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة حفتر، التي كانت تقاتلها خلال نزاع طرابلس عام 2014.
بعد انتهاء القتال في 5 يونيو/حزيران 2020، فر الناجون من عناصر الكانيات والمقاتلين التابعين لها، بمعظمهم إلى الجزء الشرقي من البلاد، وحُلّت الكانيات كجماعة مسلحة. شقيقا الكاني، عبد الرحيم ومعمر، هاربان حاليا.
بحسب الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، أبلِغ عن فقدان 400 شخص، بينهم نساء وأطفال، في ترهونة منذ العام 2012. من بينهم 260 من سكان ترهونة. منذ يونيو/حزيران 2020، عثرت السلطات على 82 قبرا في خمسة مواقع في ترهونة تضم مكبا للقمامة وأراض زراعية، بحسب مكتب النائب العام. يُعتقد أن معظم الجثث التي عُثر عليها في المقابر الجماعية هي من فترة 2019-2020، لكن إحدى المقابر التي لا تحمل علامات احتوت 16 جثة لأشخاص اختفوا عام 2017، وفقا للهيئة العامة للمفقودين.
يُزعم أن سالم الساكت، قائد سجن الدعم المركزي، ومحمد صالحين وفتحي الزنكاك، قادة سجن القضائية، هما من كبار مسؤولي السجون الذين أداروا مراكز الاحتجاز خلال نزاع 2019-2020.
شهادات
سمير
قال سمير (32 عاما)، وهو مهندس، إن الكانيات كانت تستهدف عائلته منذ 2014، وإنه قرر مغادرة ترهونة إلى طرابلس في 2016 "بعد بدء القتل". قال إنه في أبريل/نيسان 2021، خطفه شخصان، تعرف عليهما على أنهما مرتبطان بالكانيات، أثناء تسوقه في سوق بترهونة، واقتاداه إلى ما أصبح يعرف بـ "سجن الصناديق"، وهو موقع تابع لوزارة الزراعة. وضعاه في واحدة من ثماني زنازين خرسانية مستحدَثة تشبه الصندوق مرتبة على شكل زاوية قائمة ("L") على طول جدران الغرفة، ويبلغ ارتفاعها حوالي متر واحد وعرضها 80 سنتيمتر مع أبواب معدنية سوداء. بدت زنزانة الزاوية أكبر. تعرف على رجلين قال إنهما كانا مسؤولين عن السجن.
استولت الميليشيا على هاتفَيْه، وأكثر من ألف دينار ليبي (200 دولار أمريكي)، وبطاقته الشخصية، ورخصة قيادته. قال سمير إنه احتُجز في "سجن الصناديق" لشهر ونصف. لم يعطه أحد أي سبب لاعتقاله. قال له الحراس فقط: "مشكلتك مع الحاج"، أي: "مع الكاني"، وقال إنه لم يرَ أيا من الإخوة الكاني مطلقا أثناء احتجازه، لكنه تعرف على أصواتهم عند زيارتهم. أثناء احتجازه، لم يكن على اتصال بأسرته أو بأي شخص غير الحراس.
قال: "خسرت 17 كيلوغرام في السجن. لم أرَ الكثير. لم يفتح الحراس الصناديق قط في الوقت نفسه، ولم ينادوني باسمي الحقيقي. عندما أدخلوني، رأيت بعض الملابس المستعملة فوق الصناديق. لم أر أحدا، ولكن كان هناك أشخاص في الصناديق. عادة كانوا يضعون ما يصل إلى خمسة أشخاص في الصندوق الكبير [زنزانة الزاوية الأكبر]. في الصناديق الصغيرة، كان عدد الأشخاص الذين يضعونهم يصل إلى اثنين".
قال إنه خلال فترة إقامته بأكملها، منح فرصة واحدة لتغيير ملابسه وغسل جسده: "سُمح لي بالذهاب إلى المرحاض مرة واحدة في اليوم. أحيانا كانوا يعتبرون أنني أبطأ مما يجب، فكان أحدهم يضربني. كان لدي زجاجة صغيرة واستخدمتها للتبول. كان عليّ أن أستخدمها بحذر لأنني لم أتمكن من إفراغها إلا عندما كان يُسمح لي بمغادرة الزنزانة".
قال إنه كان يسمع في السجن كل يوم إطلاق نار، بما يشمل طلقات بنادق "كلاشنيكوف"، ويفترض أن الناس يُقتلون: "كل يوم، كل مرة تُفتح البوابة الرئيسية، كنت أعتقد أنهم سيقتلونني. كانت أبواب الزنازين تفتح يوميا وبعد ثوان فقط كنت أسمع طلقات نارية".
قال إنه يعتقد أن أعضاء من القوات المسلحة العربية الليبية أُحضِروا للاستجواب: "كنت أسمعهم يستجوبون الأشخاص الذين جلبوهم من الخطوط الأمامية وأحيانا من منازلهم. كان بعض من أُحضِروا أشخاصا من [القوات المسلحة العربية الليبية]. سمعت المحققين ينعتوهم بالخونة بعد استجوابهم ثم سمعت طلقات نارية مباشرة بعد ذلك. بعد أن يقتلوا شخصا ما، يسود الصمت التام فورا. يمكنك سماع سقوط الإبرة لمدة ساعة إلى ساعة ونصف".
في اليوم الذي انتهى فيه النزاع على طرابلس في 5 يونيو/حزيران 2020، فتح رجل أبواب الزنازين حوالي الساعة 2 فجرا، لكنه أبقى الباب الرئيسي مغلقا. أصدر تعليماته للمحتجزين بعدم مغادرة المنشأة. قال إنه رأى ستة رجال آخرين في الزنازين، ولدهشته، أحدهم كان من أبناء عمومته. بمجرد أن سمع صوت سيارة الحراس وهي تنطلق، هرب مع ابن عمه عبر المزارع المحيطة بالمنشأة: "جلست متربعا لمدة 46 يوما، لذا كانت عضلاتي ضعيفة. كانت قدماي مليئة بالأشواك لأنني هربت حافي القدمين. أعطاني رجل صادفنا نعالا. بمجرد وصولي إلى منزلي، لم أجد والديّ، لذلك طلبت من أحدهم الاتصال بهم. بكت والدتي ساعتين، لأنها كانت تعتقد أنني ميت. ما زلت أعاني من ألم في كتفي ورجلي من وضعي في الصناديق، لكن الأمور أفضل الآن".
بعد الإفراج عنه، قدم شكوى رسمية في مركز شرطة ترهونة بشأن الانتهاكات التي تعرض لها، لكنه لم يتلق أي دعم من السلطات، حسبما قال.
خالد
قال خالد (50 عاما)، وهو من سكان ترهونة، إنه اعتُقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مع اثنين من أشقائه. احتُجز معهما لأكثر من سبعة أشهر في سجن الدعم المركزي في ترهونة، ولم يغادره إلا في 5 يونيو/حزيران 2020، يوم انتهاء النزاع. لم تعرف عائلاتهم مكان احتجازهم. قبض عليه ثلاثة رجال تمكّن من التعرف عليهم.
قال إن أحد الإخوة الكاني جاء لرؤيته في زنزانته بعد أسبوع من اعتقاله وهدده بالقتل، قائلا: "أنت خائن، سنودعك إلى ربي". قال إن الكاني قال أيضا لأحد إخوته: "سأدفنك حيا". يعتقد أنه وإخوته لم ينجوا إلا بسبب إصابة الكاني. قال إن محمد، ومحسن، وآخرين من آل الكاني زاروا مركز الاحتجاز أثناء وجوده هناك.
قال إن ما يصل إلى تسعة أشخاص شاركوه زنزانته التي تبلغ مساحتها مترين x مترين، بينما احتجز نحو 16 شخصا في زنازين أخرى. قال إن استلقاء الجميع على أرض الزنزانة كان مستحيلا لضيق المساحة. قال إن صبية لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة احتُجزوا مع بالغين. غالبا ما أُطعِموا الأرزّ أو المعكرونة بكميات غير كافية. "حتى الحيوانات لا تُعامل بهذه الطريقة."
نُقل من زنزانته في أول يوم له في السجن، حوالي الساعة 11 صباحا مع أحد أشقائه. استُجوبا واتُهما بأنهما "خائنان" لأنهما عارضا ميليشيا الكانيات والقوات المسلحة العربية الليبية، وبأنهما يعرفان مكان الخلايا النائمة المعادية للكانيات في ترهونة. كما اتُهما بحيازة أسلحة وبالتعاون مع فرج الكشر، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في ترهونة آنذاك.
قال إنه أخبرهم أنه بين 2016 وحتى بداية نزاع 2019، لم يكن منتميا إلى أي جماعة مسلحة:
لم يصدقوني. قيدوني وعلقوني وأنا يداي مقيدتان خلف ظهري. وقف أحد الحراس عن يميني والآخر عن يساري، واستخدم كلاهما خرطوما بلاستيكي لضربي على أخمص قدمي وسائر جسدي. عُذّبت مرتين في اليوم الأول، بين الساعة 11 صباحا و1 ليلا. يضربونك حتى يغمى عليك ثم يتوقفون ويجعلونك تهرول. عندما كنت أسقط كانوا يضربونني ثم يستأنفون الاستجواب. لم أقوَ على الوقوف أو المشي لعشرة أيام. اضطررت للزحف، حتى إلى المرحاض.
قال إن أحد أشقائه المعتقلين تعرض أيضا للفلقة مرة واحدة أثناء هذا الاحتجاز.
كل يوم، بحسب قوله، كان الحراس يعذبون بعض المحتجزين لبضع ساعات، أي بين الساعة 11 صباحا و3 صباحا. قال إنه تمكن من التعرف على الحراس المسؤولين عن تعذيب المحتجزين واستجوابهم، وإن عناصر الكانيات كانوا يجبرون بعض المحتجزين أحيانا على تقييد آخرين وتثبيتهم خلال ضربهم.
وقال إنه عُثر لاحقا في مقابر ترهونة الجماعية على بعض المعتقلين الذين أعدموا في سجن الدعم المركزي أثناء احتجازه هناك. أحدهم اسمه عز الدين.
يتذكر سماعه ضرب عز الدين واستجوابه:
أحضَروه ليلا. وضربوه على أسفل قدميه. كان يصرخ. سألوه "أين الذخيرة؟ أين الدولارات؟ أين الأسلحة؟" فأجاب: "أقسم بالله أني لا أمتلك أيا منها". احتُجز في زنزانة انفرادية مع رجل مغربي يدعى محمد كان يعمل مع الهلال الأحمر، والذي عُذّب بالفلقة كذلك. في اليوم الرابع أو الخامس من وصوله إلى السجن، أُخرِج عز الدين معصوب العينين. خرج من باب السجن ثم سمعنا طلقات نارية.
بدا أنه يعلم أنه سيموت لأنه طلب هاتفا ليسوّي بعض أموره. وبعد تحرير ترهونة تأكدنا من مقتل عز الدين إذ عُثر على جثته في إحدى المقابر الجماعية بمنشأة تابعة لوزارة الزراعة تعرف باسم "5 كيلومتر" بحسب ابن عمه.
قال إنه احتُجز في السجن حتى يوم انتهاء النزاع. قال إن حارسا فتح أبواب الزنازين حوالي الساعة 2 صباحا ليغادر باقي المحتجزين.
هاشم
اعتقلت الكانيات هاشم، أحد سكان ترهونة، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019 أثناء اشتباكات بين "تحالف بركان الغضب" الموالي لـ "حكومة الوفاق الوطني" والقوات المسلحة العربية الليبية في منطقته والتي تسببت في نزوح السكان ومنهم أقاربه. قال إنه احتُجز لمدة عشرة أيام في "مصنع المياه"، حيث احتُجز المعتقلون في خمس زنازين صغيرة تشبه الصناديق. قال إن شخصين اضطرا للجلوس بوضعية القرفصاء في أحد "الصناديق" لعدة أيام قبل اقتيادهما إلى مناطق مشتركة للضرب وغيره من أنواع التعذيب. قال إن الحراس كانوا يضربون المحتجزين يوميا.
قال: "كانت هناك أربعة أو خمسة صناديق [زنازين] بقياس حوالي 1.2 × 1.2 متر". "احتُجز ما يصل إلى أربعة أشخاص في هذه الزنازين. كان علينا أن نجلس القرفصاء. في اليوم الأول أخرجونا من الصناديق وعصبوا أعيننا وصبوا علينا الماء البارد وصدمونا بكابل كهربائي. وهو كابل مفتوح الطرف متصل بمقبس. فعلوا هذا بي على ساقيّ الاثنتين حتى أغمي علي". أظهر للباحثين علامات على ساقيه قال إنها ناجمة عن الصدمات.
قال إنه تعرض للفلقة على قدميه الاثنتين وووضعه احتجزه حراس السجن في أوضاع قسرية لفترات طويلة.
قال إن الجماعة المسلحة التي تدير السجن ضربت جميع المحتجزين، وضربتهم بالفلقة في مكان مفتوح أمام الزنازين: "وضعوا قدميّ في صندوق مربع وقيدوهما. قيدوا يديّ عند ضربي بخرطوم بلاستيكي. تناوب اثنان على ضربي من الساعة 8 مساء وحتى 8 صباحا. جلست على الأرض في "مصنع المياه" لمدة 12 ساعة وأنا مقيد اليدين. اتهموني بدعم ثورة 17 فبراير [الثورة ضد القذافي في 2011]."
قال إنه أثناء تواجده في السجن، سمع من زنزانته كيف قُتل رجل يُدعى العامري، كان محتجزا في زنزانة بجانبه، في 23 أو 24 ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد أن أوقفه عناصر جماعة مسلحة وضربوه بهراوةفي جميع أنحاء جسده. ضُرب في منطقة مفتوحة أمام الزنازين. قضى الرجل ليلة واحدة حيا لكنه توفي في اليوم التالي. ظل ميتا في أحد الصناديق طوال اليوم قبل أن يُخرَج. قال هاشم إن بإمكانه التعرف على أربعة أشخاص على الأقل متورطين في مقتل العامري.
بعد 110 أيام، نقله محتجِزوه إلى سجن القضائية، على حد قوله، حيث تمكن من التعرف على رجلين لديهم سلطة على السجن. بينما قال إنه لم يتعرض للضرب خلال 33 يوما قضاها هناك، لم يُسمح له بزيارات عائلية. قال إن أحد معارفه، أحمد ، شنقه حارس في السجن أثناء فترة النزاع المسلح.
قال إنه حُرّر في 4 فبراير/شباط 2020 بفضل علاقات لأفراد عائلته. قال إنه تقدم بشكوى في مركز شرطة الداوون وإلى النيابة العامة العسكرية في مسلاتة بعد الإفراج عنه.
إيهاب
اختطف عناصر الكانيات إيهاب، وهو أحد سكان ترهونة ومقاول بناء، وشقيقيه من منزله خلال شهر رمضان [أبريل/نيسان] في 2020. قال إن 35 إلى 40 شخصا جاؤوا بست سيارات وأسلحة ثقيلة الساعة 7 صباحا، واعتقلوهم وأخذوهم إلى سجن الدعم المركزي، حيث وُضع الثلاثة في زنزانة معا. وكان ثلاثة آخرون في الزنزانة وكانوا قد قضوا بين أربعة وستة أشهر في السجن. قال إن عناصر الكانيات عادوا بعد ذلك إلى منزل عائلته وسرقوا ست سيارات وأثاث، ثم أحرقوا المنزل.
قال: "عندما كسروا باب منزلي لاعتقالي، كانت زوجتي هناك مع أطفالي. ما تزال خائفة حتى اليوم. تكمن الخطورة عليّ في أن القتلة المسؤولين عن الجرائم في ترهونة ما زالوا طلقاء في بنغازي وشرق ليبيا".
قال إنه كان في السجن حتى 5 يونيو/حزيران 2020، يوم انتهاء النزاع. لم تحوِ الزنزانة التي كان فيها مرحاضا أو فراشا. قال إن المسؤولين في سجن الدعم المركزي "لكموني وركلوني وسبوني وهددوا بقتلي أكثر من مرة".
قال إن الكانيات حكمت عليه وعلى وأخويه بالإعدام. وجّه سؤالا إلى المسؤول عن السجن حول أخيه المفقود فقال له: "حُكمتم بالإعدام أكثر من 30 مرة. من أتى بك إلى هنا، أتى بك للموت". ويعتقد أن هذا الرجل فر إلى شرق ليبيا بعد انتهاء الحرب.
قال إيهاب إن عناصر الكانيات خطفوا و"أخفوا" خمسة من أفراد عائلته بين 2012 و2017، بينهم شقيقاه وثلاثة من أقاربه. قال إنه تمكن من التعرف على أحد الرجال الأربعة المسؤولين عن اختطاف أحد أشقائه عام 2017، والذي ما يزال مفقودا. وعندما واجه عضو الكانيات باختطافه عام 2017، قيل له: "نحن على علم بهذا الموضوع، لا تبحثوا عنه مرة أخرى".
وقال إنه عُثر على شقيق آخر ميتا بعد إطلاق النار عليه إثر اختطافه عام 2015 على يد رجلين تعرّف عليهما، من بين آخرين. قدم هو وأفراد آخرون من عائلته عينات الحمض النووي للسلطات على أمل التعرف على أشقائه الذين اختُطفوا والذين يعتقد أنهم بين الجثث التي عثرت عليها السلطات في مقابر ترهونة الجماعية. وثقت هيومن رايتس ووتش أسماء الأقارب وبياناتهم.
هيثم
قال هيثم، وهو من سكان ترهونة، إن في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، نصب أفراد من الكانيات، بقيادة أشخاص تمكّن من التعرف عليهم، كمينا لتجمع عائلي في ترهونة، وقتلوا فورا أحد أبناء عمومته واعتقلوا عشرة آخرين من أقاربه. بينما تمكن هو وآخرون من الفرار إلى الأراضي الزراعية القريبة، نُقل أقاربه العشرة إلى سجن الدعم المركزي، حيث قُتلوا لاحقا:
كنت معهم. كانوا أحياء عندما قُبض عليهم ونقلوا إلى سجن الدعم المركزي. عُثر على جثثهم في يناير/كانون الثاني 2021، بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب، في مقبرة جماعية في ترهونة. رأيت جثامينهم. كان العشرة يرتدون نفس الملابس التي كانوا يرتدونها يوم احتجازهم. وكانوا جميعا مصابين بجرح رصاصة في مؤخرة رؤوسهم. كما أصيب اثنان منهم برصاصات عدة في صدورهم. كانت أيديهم جميعا مقيدة خلف ظهورهم، كما قُيّدت سيقان أربعة منهم.
اضطرت الأسرة إلى الفرار من ترهونة بعد الحادث ولم تسمع أي أخبار عن أقاربها المحتجزين حتى يناير/كانون الثاني 2021، بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب وبعد أكثر من عام على إخفائهم. وقال إنه عُثر على جثث الرجال العشرة في مقبرة جماعية في ترهونة تعرف باسم "الربط". قال له معتقلون سابقون في الدعم المركزي فيما بعد إن الرجال أُعدموا في غضون ساعات من وصولهم إلى السجن.