(القدس) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم في نشر "التقرير العالمي 2024" إن العام الماضي شهد تعرّض المدنيين في إسرائيل وفلسطين للاستهداف، والاعتداء، والانتهاكات، والقتل بشكل غير مسبوق في التاريخ القريب.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل أكثر من 1,200 إسرائيلي وأجنبي في إسرائيل، وأكثر من 22 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون، بحلول 4 يناير/كانون الثاني وفقا للسلطات المحلية. أتى ذلك في خضم الأعمال القتالية بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، والتي تضمّنت هجمات غير قانونية وانتهاكات جسيمة أخرى. في الوقت نفسه، بلغت عمليات القتل، والاعتقال الإداري، وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أعلى مستوياتها منذ سنوات.
قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: "الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول تعكس الإرث البغيض لعدم محاسبة مرتكبي الهجمات غير القانونية والقمع الإسرائيلي المنهجي بحق الفلسطينيين طوال عقود. كم مدني بعد يجب أن يعاني أو يُقتل نتيجة جرائم الحرب هذه قبل أن توقف الدول الموردة للسلاح أفعالها وتقوم بما يلزم لإنهاء هذه الفظائع؟"
في التقرير العالمي 2024 بنسخته الـ 34، الصادر في 740 صفحة، تُراجع هيومن رايتس ووتش الممارسات الحقوقية في أكثر من 100 بلد. في مقالتها الافتتاحية، تقول المديرة التنفيذية تيرانا حسن إن التبعات الكبيرة للعام 2023 لا تتعلق فقط بقمع حقوق الإنسان ووقوع فظائع حرب، ولكن أيضا بانتقائية الحكومات في التعبير عن الاستنكار والدبلوماسية المبنية على الصفقات، التي كان لها ثمن باهظ دفعه المستبعدون منها. لكنها تقول إنه كانت هناك أيضا إشارات تبعث على الأمل، ما يظهر إمكانية إيجاد مسار آخر، وتدعو الحكومات إلى عدم الاستثناء في احترام التزاماتها الحقوقية.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول، شن مسلحون من قطاع غزة بقيادة حماس هجوما في جنوب إسرائيل، وقتلوا مدنيين عمدا، وأطلقوا النار على الحشود وعلى الناس في منازلهم، وأخذوا رهائن معهم إلى غزة، بينهم مسنون وأطفال، وهي أفعال ترقى إلى جرائم حرب. وفقا للسلطات الإسرائيلية، كان ما يزال 128 شخصا محتجزين كرهائن بحلول 2 يناير/كانون الثاني.
بعدها بوقت قصير، قطعت السلطات الإسرائيلية الخدمات الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء، عن سكان غزة ومنعت دخول كل شيء باستثناء بعض الوقود والمساعدات الإنسانية الحيوية، وهي أفعال تشكّل عقابا جماعيا وترقى إلى جرائم حرب، بما فيها استخدام التجويع وسيلةَ حرب. دكّت الغارات الجوية الإسرائيلية قطاع غزة بلا هوادة، فأصابت المدارس والمستشفيات وحوّلت أجزاء كبيرة من الأحياء السكنية إلى أنقاض، وشمل ذلك هجمات غير قانونية مفترضة. كما استخدمت القوات الإسرائيلية الفسفور الأبيض بشكل غير قانوني في مناطق مأهولة. أمرت أيضا بإجلاء الجميع في شمال غزة وكانت قد هجّرت قرابة 85% من سكان غزة، حوالي 1.9 مليون شخص، حتى 2 يناير/كانون الثاني.
فاقم الحصار الوضع الإنساني الناجم عن القيود الشاملة التي تفرضها إسرائيل منذ 16 عاما على حركة الأشخاص والبضائع من غزة وإليها. أدى الإغلاق المطول، فضلا عن قيود مصر على حدودها مع غزة، إلى حرمان 2.2 مليون فلسطيني في غزة، مع استثناءات نادرة، من حقهم في حرية التنقل وفرص تحسين حياتهم؛ قيّد ذلك بشدة حصولهم على الكهرباء والرعاية الصحية والمياه، ودمّر الاقتصاد.
في الضفة الغربية، قتلت القوات الإسرائيلية في 2023 حوالي 492 فلسطينيا، بينهم 120 طفلا، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، وهو أكثر من ضعف العدد الذي قتلته في أي عام آخر منذ 2005، عندما بدأت الأمم المتحدة تسجيل الوفيات منهجيا. شمل ذلك القتل غير القانوني الناجم عن استخدام إسرائيل المنتظم للقوة القاتلة المفرطة وبعض حالات الإعدام خارج القضاء.
وفقا لأرقام "مصلحة السجون الإسرائيلية"، كان لدى السلطات الإسرائيلية بحلول 1 يناير/كانون الثاني أيضا 3,291 فلسطينيا رهن الاحتجاز الإداري، بدون تهمة أو محاكمة وفقط بناءً على معلومات سرية. هذا الرقم هو الأعلى منذ ثلاثة عقود، بحسب المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "هموكيد".
خلال النصف الأول من العام 2023، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 12,855 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وهو أعلى رقم سجلته على الإطلاق مجموعة "السلام الآن" الإسرائيلية، التي تتابع الخطط بشكل منهجي منذ 2012. نقلُ المدنيين إلى الأراضي المحتلة جريمةُ حرب.
خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2023، وصلت أعمال عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم إلى أعلى متوسط يومي لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة تسجيل هذه البيانات في 2006، ليصل إلى ثلاث حوادث يوميا، مقارنة باثنين يوميا في 2022 وواحدة في 2021. زاد هذا المعدل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. سجّلت أوتشا 1,227 حادثة عنف من قبل المستوطنين في 2023 أدت إلى وقوع إصابات و/أو أضرار في الممتلكات، وهو أعلى عدد على الإطلاق منذ 2006، حين بدأت تسجيل الحوادث الضالع فيها مستوطنون.
قمع السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين، الذي ينفَّذ ضمن سياسة تهدف إلى الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين، يرقى إلى الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد.