منظومة حقوق الإنسان في خطر: دعوة إلى العمل
ليس علينا سوى النظر إلى التحديات المتصلة بحقوق الإنسان في 2023 لنعرف ما علينا فعله بشكل مختلف في 2024. لم يكن عاما حافلا بقمع حقوق الإنسان وفظائع الحرب وحسب، بل وكذلك بالغضب الحكومي الانتقائي ودبلوماسية الصفقات التي حملت في طياتها تكاليف باهظة على حقوق من لم تشملهم الصفقات. لكن وسط هذه الظلمة، رأينا بوادر أمل تُظهر إمكانية اتباع مسار مختلف.
تسبّب تجدّد الأعمال القتالية بين إسرائيل و"حماس" وفي السودان بمعاناة شديدة، وكذلك النزاعات المستمرة في أوكرانيا وميانمار وإثيوبيا ومنطقة الساحل. واجهت الحكومات صعوبات في التعامل مع العام الأكثر حرارة على الإطلاق ومع اشتداد حرائق الغابات والجفاف والعواصف التي ألحقت أضرارا بالملايين من الناس في بنغلاديش وليبيا وكندا. ازدادت عدم المساواة الاقتصادية حول العالم، وكذلك الغضب إزاء قرارات السياسة التي تركت الكثير من الناس يكافحون من أجل البقاء. واجهت حقوق النساء والفتيات، وحقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين)، ردود فعل عنيفة في الكثير من الأماكن، وتجلّت في الاضطهاد على أساس النوع الاجتماعي (الجندر) على يد طالبان في أفغانستان.
غالبا ما تتجاوز دوافع هذه الأزمات الحقوقية وعواقبها الحدود ولا يمكن للحكومات أن تحلّها بالعمل بمفردها. ينبغي أن يرتكز فهم هذه التهديدات والاستجابة لها على المبادئ العالمية لحقوق الإنسان الدولية وسيادة القانون. بُنيت هذه الأفكار على تاريخ إنساني مشترك اتفقت عليه دول من جميع المناطق قبل 75 عاما في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وهو الأساس الذي استندت إليه جميع اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان المعاصرة.
هناك حاجة إلى هذا الأساس الآن أكثر من أي وقت مضى. لكن الخطر يُحدِق بهذه المنظومة نفسها التي نعتمد عليها لحماية حقوق الناس في كل مكان. في كل مرة تتجاهل فيها حكومة ما هذه المبادئ الشاملة والمقبولة عالميا أو ترفضها، يدفع أحدهم الثمن، بحريته وبصحته أو سبل عيشه وأحيانا بحياته.
كثيرا ما تتبنى الحكومات التي يمكنها المساعدة على تعزيز حقوق الإنسان معايير مزدوجة في تطبيق إطار حقوق الإنسان، فتتراجع الثقة في المؤسسات المسؤولة عن إعمال الحقوق وحمايتها. الحكومات التي تدين صراحة جرائم الحرب التي ترتكبها حكومة إسرائيل ضد المدنيين في غزة وتلتزم الصمت حيال جرائم الحكومة الصينية ضد الإنسانية في شينجيانغ، أو التي تطالب بمحاكمة دولية على جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا بينما تقوّض المساءلة عن الانتهاكات السابقة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان، تُضعف الإيمان بشمولية حقوق الإنسان ومشروعية القوانين المصممة لحمايتها.
في دبلوماسية الصفقات، تتجاهل الحكومات منافع العلاقات طويلة الأمد المبنية على مبادئ حقوق الإنسان لتحقيق مكاسب تجارية أو أمنية فورية وقصيرة المدى. عندما تنتقي الحكومات الالتزامات التي ستنفّذها، فإنها تُكرس الظلم بالنسبة لأولئك الذين ضحت بحقوقهم، في الحاضر وفي المستقبل ــ وقد تشجّع الحكومات التعسفية على توسيع نطاق قمعها. يتطلب الأساس الأخلاقي لحقوق الإنسان الدولية الاتساق والثبات.
وجدت الحكومات أنه من الأسهل تجاهل قضايا حقوق الإنسان على الساحة الدولية، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم تصدي المجتمع الدولي لانتهاكات هذه الحكومات للحقوق في الداخل. في مختلف المناطق، عملت الحكومات المستبدة على تقويض استقلال المؤسسات الرئيسية الحيوية لحماية حقوق الإنسان وتقليص مساحة التعبير للمعارضة مع وضع نفس الهدف النهائي في الاعتبار: ممارسة السلطة دون قيود.
لكن كما أن هذه التهديدات مترابطة، فإن قوة إطار حقوق الإنسان مترابطة أيضا في الوفاء بوعود حماية حرية الناس وكرامتهم، بغضّ النظر عن هويتهم أو أين يعيشون. أحرزت حماية حقوق الإنسان تقدما على جبهات متعددة.
بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الدبلوماسية وعقد من حملات منظمات المجتمع المدني، اعتمدت 83 دولة إعلانا سياسيا لتحسين حماية المدنيين من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان أثناء النزاعات المسلحة. كان هذا أول تعهد دولي يتصدى رسميا للممارسة القديمة المتمثلة في استخدام الأطراف المتحاربة للقصف الجوي، والمدفعية، والصواريخ، والقذائف في القرى والبلدات والمدن - وهو السبب الرئيسي لسقوط ضحايا من المدنيين في النزاعات المسلحة حول العالم.
يتجاوز الأمر مجرد الحث على امتثال أفضل لقوانين الحرب بإلزام الموقعين عليها بتبني سياسات وممارسات تمنع الضرر وتعالجه. تبنّت ستة من أكبر ثماني دول مصدرة للأسلحة في العالم، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وكوريا الجنوبية، هذا الإعلان بالإضافة إلى 25 دولة من بين 31 دولة عضو في "حلف شمال الأطلسي" (الناتو).
عالج عدد من البلدان حقوق المجتمعات المهمشة طويلا. بعد سنوات من ضغوط المجتمع المدني، أصدر البرلمان الياباني أول قانون يحمي مجتمع الميم-عين من "التمييز الجائر". أمرت المحكمة العليا في نيبال السلطات بالاعتراف بزواج المثليين/ات أثناء نظرها في قضية تطالب بحقوق المساواة الكاملة في الزواج. في المكسيك، أقنع ائتلاف من المجتمع المدني الكونغرس بإصدار قانون ينص على الأهلية القانونية الكاملة والحق في اتخاذ القرارات المدعومة لكل شخص يزيد عمره عن 18 عاما، ويستفيد منه الملايين من ذوي الإعاقة وكبار السن، بينما قضت المحكمة العليا في المكسيك بأن على الكونغرس إلغاء العقوبات الجنائية الفيدرالية على الإجهاض، ما يعني أن على جميع المرافق الصحية الفيدرالية توفير الرعاية المتعلقة بالإجهاض.
دفعت الأزمات الحقوقية والإنسانية البعض إلى التشكيك في مدى فعالية إطار حقوق الإنسان كنموذج للحماية وللتغيير الإيجابي، وبخاصة في مواجهة الغضب الحكومي الانتقائي، ودبلوماسية الصفقات الساعية إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، والقمع المتزايد العابر للحدود، واستعداد القادة المستبدين للتضحية بالحقوق لتعزيز سلطتهم.
لكن هذا لا يُبرر التخلي عن إطار حقوق الإنسان، الذي يظل بمثابة خارطة طريق لبناء مجتمعات مزدهرة وشاملة. ينبغي للحكومات احترام حقوق الإنسان وحمايتها والدفاع عنها بالسرعة والقوة والمثابرة اللازمين لمواجهة ومعالجة التحديات العالمية والوجودية التي تهدد إنسانيتنا المشتركة.
تكلفة الغضب الانتقائي
كانت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي شنّها مقاتلو "حماس" على إسرائيل بمثابة اعتداء مروع على المدنيين. قتلت حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى عمدا مئات المدنيين، وأطلقت النار على عائلات في منازلهم، وأسرت أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال وأشخاص من ذوي الإعاقة وكبار السن. أطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة آلاف الصواريخ باتجاه المجتمعات الإسرائيلية. أدانت العديد من الدول بسرعة وعن وجه حق هذه الأعمال المروعة.
ردّت الحكومة الإسرائيلية بقطع المياه والكهرباء عن سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، ومنع دخول الوقود والغذاء والمساعدات الإنسانية إلا بكميات شحيحة، وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي ويُشكّل جريمة حرب. أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص في غزة بإخلاء منازلهم وقصف مناطق مكتظة بالسكان بالأسلحة الثقيلة، فقتل آلاف المدنيين، منهم الأطفال، وحوّل أحياء برمتها إلى ركام. تثير الهجمات على المناطق المأهولة بالسكان باستخدام أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة مخاوف جدية بشأن وقوع هجمات عشوائية، وهي جرائم حرب مفترضة. استخدمت إسرائيل الفسفور الأبيض، وهو مادة كيميائية تحرق اللحم البشري ويمكن أن تسبب معاناة مدى الحياة، في غزة وجنوب لبنان.
أدانت العديد من الحكومات جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس لكنها تحفّظت في الرد على جرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية. ينبع عدم استعداد هذه الحكومات للتنديد بانتهاكات الحكومة الإسرائيلية من رفض الولايات المتحدة ومعظم الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي" المطالبة بإنهاء الإغلاق غير القانوني الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 16 عاما، والاعتراف بالجرائم المستمرة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين.
تتضح المقايضات بشأن حقوق الإنسان بذريعة السياسة عندما تلتزم العديد من الحكومات الصمت إزاء القمع المتزايد الذي تمارسه الحكومة الصينية، واعتقالها التعسفي للمدافعين الحقوقيين، وتشديد سيطرتها على المجتمع المدني والإعلام والإنترنت، وخاصة في شينجيانغ والتبت. يرقى الاضطهاد الثقافي والاحتجاز التعسفي الذين تمارسهما السلطات الصينية على مليون شخص من الأويغور وغيرهم من المسلمين التُرك إلى الجرائم ضد الإنسانية؛ مع ذلك، تستمر العديد من الحكومات، منها في دول ذات أغلبية مسلمة، في التزام الصمت.
لا يقوّض هذا الغضب الانتقائي حقوق الفلسطينيين في غزة والأويغور في الصين وحسب، بل حقوق كل شخص حول العالم يحتاج إلى الحماية، ويبعث برسالة مفادها أن كرامة بعض الناس تستحق الحماية، لكن ليس الجميع - وحياة بعض الأشخاص أكثر أهمية.
تُزعزع تداعيات هذه التناقضات شرعية نظام القواعد الذي نعتمد عليه لحماية حقوق الجميع. تسعى حكومات مثل روسيا والصين عندئذ إلى استخدام هذه الشرعية الضعيفة كسلاح لإعادة تشكيل النظام القائم على القواعد بغية تجريده من القِيَم الحقوقية وتقويض النظام الذي من شأنه أن يحاسبهم على انتهاكاتهم التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
تقع على عاتق كل حكومة مسؤولية تطبيق مبادئ حقوق الإنسان لمعالجة الأزمات الحقوقية. عانى شعب السودان بسبب غياب الاهتمام والالتزام والقيادة الدوليين لمعالجة الانتهاكات الواسعة في النزاع الدائر في البلاد.
في أبريل/نيسان 2023، اندلع نزاع مسلح في السودان عندما بدأ أقوى جنرالين سودانيين يتناحران على السلطة. أدى النزاع على السلطة بين قائد "القوات المسلحة السودانية"، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد "قوات الدعم السريع"، الفريق محمد "حميدتي" حمدان دقلو، إلى انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين، وبخاصة في منطقة دارفور. انتهاكاتهم ضاهت الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الموالية لكلا الجنرالين طوال العقدين الماضيين، والتي كانت المساءلة عنها واهية.
أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات توقيف عن جرائم سابقة في دارفور، وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية في يوليو/تموز أن الجرائم الحالية في دارفور تقع ضمن اختصاصاته. لكن السلطات السودانية عرقلت باستمرار جهود المحكمة الجنائية، ولم يفعل "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" (مجلس الأمن) ما يُذكر للتصدي لتعنت الحكومة. أدى الإفلات من العقاب الناتج عن ذلك، باستثناء محاكمة واحدة لزعيم ميليشيا أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلى دورات متكررة من العنف في السودان، منها النزاع الحالي. في 2023، عندما تضمنت الدول الأفريقية في مجلس الأمن الغابون وغانا وموزمبيق، أغلقت "الأمم المتحدة" بعثتها السياسية في السودان بإصرار من الحكومة السودانية، منهية ما تبقى من قدرة الأمم المتحدة في البلاد على حماية المدنيين وإعداد تقارير علنية عن الأوضاع الحقوقية.
قوبلت الدعوات المطالبة بإعطاء الأولوية للمساءلة في "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" (مجلس حقوق الإنسان)، عقب تجدد أعمال العنف في السودان، بمقاومة قوية من الدول العربية، ورفضتها الحكومات الأفريقية بشكل كبير. كانت الحكومات الغربية مترددة في البداية في الضغط لإنشاء آلية للمساءلة في السودان، ولم تكن مستعدة لتخصيص الموارد أو الجهود التي كرّستها لإنشاء هيئة مماثلة لأوكرانيا مباشرة بعد الغزو الروسي الشامل في 2022.
في نهاية المطاف، تمكنت مجموعة من الدول من حشد ما يكفي من الأصوات لإنشاء آلية يمكنها جمع الأدلة على الجرائم والحفاظ عليها، لكن لم تصوت أي حكومة أفريقية لصالحها، رغم أن بعض هذه الحكومات امتنع عن التصويت. أوضحت الحكومة السودانية أنها لن تتعاون مع الآلية التي ستعمل خارج البلاد.
مع ذلك، تتخذ الحكومات الأفريقية إجراءات إيجابية بشأن حقوق الإنسان في بعض القضايا. أيدت هذه الحكومات بأغلبية ساحقة قرارات مجلس حقوق الإنسان التي تتناول وضع حقوق الإنسان في فلسطين، بينما تعارضها دول الغرب. في نوفمبر/تشرين الثاني، قادت حكومة جنوب أفريقيا جهدا، بدعم من دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وهي بنغلاديش وبوليفيا وفنزويلا وجزر القمر وجيبوتي، لدعم تحقيق المدعي العام للمحكمة في فلسطين. في ديسمبر/كانون الأول، طلبت حكومة جنوب أفريقيا من "محكمة العدل الدولية" تحديد ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت التزاماتها بموجب "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948" في عملياتها العسكرية في غزة. طلبت من المحكمة أيضا فرض تدابير مؤقتة تأمر إسرائيل بوقف الأعمال التي من شأنها أن تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية أثناء نظر المحكمة في اتخاذ قرار بشأن الأسس الموضوعية للقضية.
يمكن لجميع الحكومات إظهار ريادتها في مجال حقوق الإنسان لحماية المدنيين. يتمثل التحدي، وكذلك والإلحاح، في القيام بذلك باتساق وبطريقة قائمة على المبادئ، بغضّ النظر عن المرتكب أو الضحية.
قصر نظر دبلوماسية الصفقات
ينبغي للحكومات التركيز على احترام الحقوق وسيادة القانون في سياساتها الداخلية وقراراتها المتعلقة بالسياسة الخارجية. للأسف، حتى الحكومات التي تحترم الحقوق عادة، تتعامل أحيانا مع هذه المبادئ التأسيسية باعتبارها اختيارية، وتسعى إلى "حلول" قصيرة الأجل وملائمة سياسيا على حساب بناء مؤسسات من شأنها أن تعود بالفائدة على الأمن والتجارة والطاقة والهجرة على المدى الطويل. ينطوي اختيار دبلوماسية الصفقات على تكلفة بشرية لا تُسدد داخل الحدود فحسب، بل بشكل متزايد خارجها.
الأمثلة على دبلوماسية الصفقات كثيرة.
لم يُظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن رغبة كبيرة في محاسبة منتهكي الحقوق الذين يُشكلون أهمية أساسية في أجندته المحلية أو يُعتبرون متاريسا للصين. ينتهك حلفاء الولايات المتحدة، مثل السعودية والهند ومصر، حقوق شعوبهم على نطاق واسع، لكنهم لم يضطروا إلى تجاوز عقبات تمنع تعميق علاقاتهم مع الولايات المتحدة. احتفى البيت الأبيض بفيتنام والفلبين والهند وغيرها من الدول التي تريدها الولايات المتحدة كمعارضة للصين دون أي اعتبار لانتهاكاتها للحقوق في الداخل.
بالمثل، بالنسبة للهجرة، ترددت واشنطن في انتقاد المكسيك، التي تعتمد عليها لمنع المهاجرين وطالبي اللجوء من دخول الولايات المتحدة. عملت إدارة بايدن وإدارة الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور معا لطرد أو ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين في الولايات المتحدة إلى المكسيك ومنع آلاف آخرين من الوصول إلى الولايات المتحدة بحثا عن الأمان، علما بأنهم مستهدفون في المكسيك بالاختطاف والابتزاز والاعتداء والانتهاكات الأخرى. التزم بايدن الصمت إلى حد كبير بينما حاول لوبيز أوبرادور تقويض استقلال القضاء المكسيكي والهيئات الدستورية الأخرى، وشيطنة الصحفيين والنشطاء الحقوقيين، وسمح للجيش بمنع المساءلة عن الانتهاكات المروعة.
يتبع الاتحاد الأوروبي أسلوبا فريدا من دبلوماسية الصفقات يركز على التحايل على التزاماته الحقوقية تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين، وبخاصة القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط. الرد المفضل للدول الأعضاء هو إعادة الأشخاص إلى بلدان أخرى أو عقد صفقات مع حكومات تعسفية مثل ليبيا وتركيا ومؤخرا تونس، لإبقاء المهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي. حتى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي، منها فرنسا واليونان والمجر وإيطاليا، اتخذت تدابير لمعاقبة من يقدمون المساعدات الإنسانية والعون للمهاجرين وطالبي اللجوء الذين يصلون بوسائل غير نظامية.
تواصل الحكومات الديمقراطية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، منها اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، تجاهل حقوق الإنسان تحت ذريعة ضمان التحالفات العسكرية مع الشركاء الأمنيين مثل تايلاند والفلبين، سعيا لمواجهة نفوذ الحكومة الصينية مع حكومات سريلانكا ونيبال، وتأمين صفقات تجارية واقتصادية دون اهتمام بالتزامات حقوق الإنسان في الدول ذات الاقتصادات سريعة النمو مثل فيتنام وإندونيسيا.
من الخطر ممارسة دبلوماسية الصفقات مع التغاضي عن حقوق الإنسان وسيادة القانون؛ محاولة فصلهما عن القرارات الأكثر "عملية" تبدد نفوذا قيّما للتأثير على ممارسات وسياسات الحكومات المنتهكة للحقوق. قد يساهم ذلك أيضا في زيادة الانتهاكات الحقوقية، بما فيها القمع العابر للحدود.
الانتشار المقلق للقمع العابر للحدود
ترتكب الحكومات أعمال قمع عابر للحدود، المعروف أيضا بالقمع خارج الحدود، عندما تنتهك حقوق مواطنيها الذين يعيشون في الخارج أو أفراد أسرهم في البلاد. رغم أنها ظاهرة قديمة، إلا أن زيادة الاتصالات والسفر والتكنولوجيات الجديدة سمحت بمزيد من الممارسات غير القانونية، منها عمليات الترحيل التعسفي والاختطاف والقتل.
في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، انزلقت الديمقراطية في الهند نحو الاستبداد، حيث تستهدف السلطات الأقليات، وتُشدد القمع، وتُفكك المؤسسات المستقلة، منها وكالات التحقيق الفيدرالية. خلال مؤتمرات القمة مع مودي، لم يتطرّق نظراؤه في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا إلى المخاوف المتعلقة بالحقوق علنا، بل أعطوا الأولوية للتجارة والأمن. حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منح مودي وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام استحقاق في فرنسا، خلال احتفالات "يوم الباستيل".
يبدو أن الصمت تجاه سجل الحكومة الهندية الحقوقي المتدهور قد شجع حكومة مودي على توسيع نطاق أساليبها القمعية خارج الحدود، بما يشمل تخويف النشطاء والأكاديميين المغتربين أو تقييد دخولهم إلى الهند.
في مارس/آذار، حجبت السلطات الهندية رسائل العديد من مستخدمي تويتر الكنديين البارزين المنتقدين للحكومة الهندية. في سبتمبر/أيلول، وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو "ادعاءات موثوقة" بتورط عملاء تابعون للحكومة الهندية في اغتيال ناشط انفصالي من السيخ في كندا، وهو ادعاء نفاه المسؤولون الهنديون. في نوفمبر/تشرين الثاني، اتهمت السلطات الأمريكية رجلا بالتخطيط لمؤامرة فاشلة مع مسؤول حكومي هندي لاغتيال ناشط انفصالي من السيخ في الولايات المتحدة.
القمع العابر للحدود في الهند ليس مثالا منفردا. ثلاثة عقود من الإفلات من العقاب على قمع الحقوق المدنية والسياسية في الداخل شجّعت الحكومة الرواندية على خنق المعارضة خارج حدودها. مع تزايد بروز رواندا على الساحة الدولية، حيث قادت مؤسسات متعددة الأطراف وباتت أحد أكثر دول أفريقيا مساهمة في قوات حفظ السلام، استمر عدم اعتراف الأمم المتحدة وشركاء رواندا الدوليين بنطاق وشدة انتهاكاتها الحقوقية.
نفذت الحكومة الرواندية أكثر من 12 عملية اختطاف أو محاولة اختطاف، وإخفاء قسري، واعتداءات، وتهديدات، وقتل، فضلا عن المضايقات ضد من تعتبرهم منتقدين للحكومة من المواطنين الروانديين المقيمين في أستراليا، وبلجيكا، وكندا، وفرنسا، وكينيا، وموزمبيق، وجنوب أفريقيا، وتنزانيا، وأوغندا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. أقاربهم الذين يعيشون في رواندا يخضعون أيضا لتدقيق مكثف وهم عرضة لانتهاكات حقوقية.
بالمثل، سمح عدم تصدي الدول لانتهاكات الحكومة الصينية ضمنيا لبكين بتصعيد وتصدير قمعها ضد الصينيين وغير الصينيين من أفراد ومؤسسات ينتقدون "الحزب الشيوعي الصيني" الحاكم. واجه طلاب وأكاديميو الجامعات الغربية المؤيدين للديمقراطية مضايقات ومراقبة وترهيب بسبب تحدثهم علنا عن انتهاكات الحكومة الصينية في هونغ كونغ أو التبت أو شينجيانغ. ضغطت الحكومة الصينية على الحكومات لإعادة المدافعين الحقوقيين قسرا، مثل لو سيوي، وهو محام من لاوس. في محاولة واضحة لإحباط الانتقادات الدولية بشأن تفكيك الحكومة الصينية للديمقراطية في هونغ كونغ، أصدرت السلطات هناك مذكرات توقيف لا أساس لها ومكافآت بقيمة مليون دولار هونغ كونغ (128 ألف دولار أمريكي) لاعتقال ثمانية نشطاء ديمقراطيين ومشرعين سابقين في المنفى.
إذا تمكنت الحكومات القمعية من الإفلات من العقاب على أساليبها القاسية لإسكات المدافعين الحقوقيين، والسياسيين المنفيين، والصحفيين، والمنتقدين خارج حدودها، فلا يوجد مكان آمن.
التضحية بحقوق الإنسان لترسيخ السلطة
هذا العام، يحق لنصف سكان العالم تقريبا التصويت في الانتخابات في كافة أنحاء المعمورة. إذا كانت حرة ونزيهة، قد تكون الانتخابات تعبيرا حاسما عن إرادة الشعوب عندما يتعلق الأمر بأولويات بلد ما وقِيَمه. لكن الحكم الخاضع للمساءلة، والذي تركز فيه الحكومات على حقوق الإنسان وسيادة القانون في سياساتها وقراراتها، يعتمد على أكثر من مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
يمكن للمؤسسات المستقلة التي تحترم الحقوق، بما فيها السلطة القضائية وأمناء المظالم ولجان حقوق الإنسان، أن توفر حماية فعالة ضد اتخاذ قرارات بناء على نزوات، ووقف التجاوزات التشريعية، ودعم سيادة القانون. يعتبر وجود مجتمع مدني نشط ومستقل أمرا بالغ الأهمية لضمان أن تصبّ قرارات من يتحكمون بالسلطة السياسية في خدمة المصلحة العامة. لكن المجتمع المدني والمؤسسات اللازمة لحماية الحقوق والمجتمعات الحرة أصبحت ساحات معارك متجددة للقادة المستبدين حول العالم الذين يتطلعون إلى القضاء على التدقيق في قراراتهم وأفعالهم.
في تونس، ألغى الرئيس قيس سعيّد، المنتخب عام 2019، الضوابط والتوازنات بانتظام، بما فيها عن طريق إضعاف السلطة القضائية، وقمع المعارضين السياسيين والمنتقدين المتصورين، واستهداف حرية التعبير والصحافة.
استخدم رئيس السلفادور نجيب بوكيلي الاعتقال الجماعي لذوي الدخل المنخفض في الغالب كحل مزعوم لارتفاع مستويات الجريمة في البلاد. استخدم هذا القمع للاستيلاء على السلطة وتعزيزها، في جهد أصبح أسهل بفضل تطهيره للمحكمة العليا واستيلائه المستمر على السلطة القضائية. اتخذ الكونغرس في البيرو تدابير لتقويض المؤسسات الديمقراطية الأخرى والحد من مساءلة المشرعين، بما يشمل السعي إلى إقالة أعضاء "مجلس العدل الوطني"، وهي هيئة بالغة الأهمية لحماية استقلال القضاة والمدعين العامين والسلطات الانتخابية.
في غواتيمالا، هددت السلطة القضائية التي اختارها بشكل كبير السياسيون وغيرهم من الجهات الفاعلة الفاسدة بإبطال النصر الانتخابي الذي حققه الرئيس المنتخب برناردو أريفالو، الذي تصدرت مكافحة الفساد برنامج حملته الانتخابية. في نيكاراغوا، حيث لا يوجد أي ضوابط على سلطة الرئيس دانييل أورتيغا وزوجته نائبة الرئيس روزاريو موريللو، استخدمت الحكومة تشريعات تعسفية لإغلاق أكثر من 3,500 منظمة غير حكومية، وهو ما يشكل نحو 50% من المنظمات المسجلة في البلاد.
قد يؤدي التدمير البطيء لهذه الضوابط والتوازنات الحيوية إلى عواقب مقلقة على الحقوق وسيادة القانون.
في تايلاند، قوضت المحكمة الدستورية الفاسدة سياسيا إرادة الشعب التايلاندي في انتخابات 2023 عندما أوقفت عضوية المرشح الرئيسي لمنصب رئيس الوزراء في البرلمان بتهم ملفقة. في بنغلاديش، أمرت حكومة رئيسة الوزراء شيخة حسينة باعتقال أكثر من 10 آلاف شخص من قادة المعارضة ومؤيديهم قبل انتخابات يناير/كانون الثاني 2024، واستبعدت السلطة القضائية المتواطئة مئات المرشحين.
بينما فتحت الانتخابات في بولندا الباب لحكومة جديدة في نهاية 2023، إلا أن حكومة القانون والعدالة السابقة في البلاد أضعفت بشكل منهجي سيادة القانون عبر تقويض استقلال القضاء وإسكات منظمات المجتمع المدني المستقلة وغيرها من المنتقدين، بما في ذلك من خلال المحاكم والشرطة. مكنت سيطرة "حزب القانون والعدالة" على النظام القضائي الحكومة السابقة من التعدّي على حقوق المرأة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
يمكن قياس التكلفة بالأرواح: في أعقاب حكم صدر في 2020 عن "المحكمة الدستورية" الفاسدة سياسيا، والتي حظرت الإجهاض القانوني في بولندا، توفيت ست نساء على الأقل بعد عدم قيام الأطباء بإجهاضهن رغم المضاعفات. في مايو/أيار 2023، أُدينت ناشطة في مجال حقوق الإجهاض بمساعدة امرأة في الحصول على حبوب الإجهاض، وحُكم عليها بخدمة المجتمع لثمانية أشهر - وهي أول محاكمة معروفة من نوعها في الاتحاد الأوروبي. ستواجه الحكومة البولندية الجديدة دورا صعبا في إعادة ترسيخ استقلال المؤسسات الرئيسية، منها السلطة القضائية، ومن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات.
في الولايات المتحدة، أضعفت الهيئات التشريعية والمحاكم قوانين منع التمييز العنصري في التصويت، مثل "قانون حقوق التصويت"، إلى حد عدم فعاليته تقريبا. في فلوريدا وغيرها من الولايات الأمريكية، تحد الرقابة التعليمية من قدرة الناس على التعلّم عن الجنسانية والهوية الجندرية، فضلا عن تاريخ العبودية والعنصرية في الولايات المتحدة. يعلم السياسيون أن المعلومات الدقيقة حول هذه القضايا تلهم الناس للمشاركة في النشاط المدني ومحاسبة السلطات. حتى 2022، حُرم حوالي 4.6 مليون شخص في الولايات المتحدة، معظمهم من السود، من حقوقهم بموجب قوانين الولايات المتحدة، بعد إدانتهم بجرائم جنائية.
في الوقت نفسه، أثار تعزيز المشاركة المدنية لتلبية الطابع المُلح لأزمة المناخ الاستخدام الشائن لقوانين غامضة تستهدف النشطاء بهدف زيادة صعوبة التعبير عن المعارضة. في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وفيتنام، تفرض الحكومات تدابير قاسية وغير متناسبة لمعاقبة النشطاء وردع حركة المناخ. في 2023، استضافت الإمارات، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، "مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الـ 28 المعني بتغيّر المناخ" (كوب 28)، في محاولة واضحة لتلميع صورتها ولتزيد من الوقت نفسه من توسعها في استخدام الوقود الأحفوري وتقوّض جهود مواجهة أزمة المناخ. يواجه الأشخاص الذين يحاولون التحدث علنا عن سجل الإمارات مخاطر المراقبة غير القانونية والاعتقال التعسفي والاحتجاز وسوء المعاملة.
يتزايد استخدام الحكومات لمنصات التكنولوجيا لإسكات المنتقدين وفرض رقابة على المعارضة. يمكن للحكومات أن تفرض قوانين تستخدم لتصيّد النقاد، والنشطاء، ومستخدمي الإنترنت العاديين، وبخاصة في البلدان التي تفتقر إلى أجهزة قضائية أو رقابية مستقلة. من الأمثلة الفظيعة على ذلك، حكم الإعدام الذي أصدرته السعودية على محمد الغامدي (54 عاما)، وهو مدرس متقاعد، لانتهاكه قانون مكافحة الإرهاب في البلاد استنادا إلى تعبيره السلمي على "إكس" (تويتر سابقا) و"يوتيوب".
قبل أشهر من انتخابات مايو/أيار 2023، شدّد البرلمان التركي سيطرته على مواقع التواصل الاجتماعي وأدخل جريمة تعبير جنائية تعسفية جديدة بحجة محاربة انتشار الأخبار المزيفة على الإنترنت. لكن هذه القوانين أضافت إلى الترسانة الحالية من تشريعات الرقابة على الإنترنت، ما يقيّد الوصول إلى المعلومات بشكل أكبر ويهدّد بعقوبات صارمة ضد شركات التكنولوجيا لعدم الامتثال للمطالبات ببيانات المستخدم وإزالة المحتوى. نتيجة لذلك، سلّحت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان نفسها بالقدرة على تقييد وجهات النظر المعارضة على الإنترنت قبل وأثناء الانتخابات التي فاز بها الحزب الحاكم.
كيف أنجزت المؤسسات في مجال حقوق الإنسان
رغم كل التراجعات التي شهدها عام 2023، إلا أننا رأينا أمثلة باهرة عن مؤسسات وحركات حققت انتصارات لحقوق الإنسان. في الواقع، توضح هذه النجاحات الأسباب التي تجعل الساسة الذين يخدمون مصالحهم الذاتية والحكومات القمعية يبذلون قصارى جهدهم للحد منها ــ ولماذا ينبغي لكل الحكومات أن تعترف بهذه النجاحات الهشة وتدعمها.
في مارس/آذار، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الأطفال التابعة له ماريا لفوفا بيلوفا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب تتعلق بترحيل الأطفال من أراضي أوكرانيا المحتلة إلى روسيا والنقل القسري للأطفال إلى مناطق أخرى تحتلها روسيا في أوكرانيا. تسببت مذكرة التوقيف بمعضلة دبلوماسية لحكومة جنوب أفريقيا، التي استضافت في أغسطس/آب قمة التجمع الاقتصادي "بريكس" (الذي يضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا). بعد أشهر من الرسائل المتضاربة من سلطات جنوب أفريقيا حول التزامات البلاد باعتبارها عضوا في المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بوتين إذا حضر القمة في جنوب أفريقيا، لكن أنباء لاحقة أفادت بعدم حضور بوتين شخصيا. بعد يومين، قضت المحكمة العليا في غاوتينغ بأن جنوب أفريقيا ملزمة باعتقال بوتين، وأن عليها تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أمرت محكمة العدل الدولية الحكومة السورية باتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع أعمال التعذيب والانتهاكات الأخرى. تمثل القضية المعروضة على المحكمة الدولية قوة مضادة هامة لاندفاع عدة دول عربية إلى تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، رغم الانتهاكات الحقوقية المستمرة، وانعدام المساءلة عن الجرائم الماضية في عهد الرئيس بشار الأسد. هناك أيضا جهود لمحاسبة الأفراد عن التعذيب والفظائع الأخرى في سوريا أمام محاكم في ألمانيا والسويد وفرنسا. تعتبر هذه القضايا مهمة للضحايا ليتمكنوا من رؤية منتهكي حقوقهم أمام العدالة، وقد تساعد في إثبات أنه لا ينبغي إعادة اللاجئين في هذه البلدان إلى بلد حياتهم فيه مهددة.
أيدت المحكمة العليا في البرازيل حقوق جميع السكان الأصليين في أراضيهم التقليدية، وأحبطت جهود ولاية سانتا كاتارينا للطعن في مطالب السكان الأصليين من قبائل زوكلينغ بالأراضي إذا لم يتمكنوا من إثبات وجودهم فعليا على الأرض عندما اعتُمد الدستور البرازيلي الحالي في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988. مثّل الحكم دفعة قوية للسكان الأصليين في كفاحهم للحفاظ على أسلوب حياتهم. كما ارتبط بمكافحة تغيّر المناخ، حيث أثبت ترسيم حدود أراضي السكان الأصليين مرارا أنه أحد أكثر العقبات فعالية أمام إزالة الغابات في منطقة الأمازون. لكن لوبي المزارع القوي في الكونغرس رد بالموافقة على مشروع قانون للحد من مطالبات السكان الأصليين بالأراضي بشكل يتعارض مع قرار المحكمة العليا. ألغى الكونغرس لاحقا الفيتو الرئاسي على مشروع القانون. قالت جماعات السكان الأصليين وغيرها إنها ستقدم التماسات إلى المحكمة العليا لإلغاء القانون.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أجمعت أعلى محكمة في بريطانيا على أن رواندا ليست دولة ثالثة آمنة لترسل الحكومة طالبي اللجوء إليها، ما أدى إلى إلغاء اتفاقية إسناد ونقل مسؤوليات بريطانيا المتعلقة باللجوء إلى رواندا. أشارت المحكمة إلى سجل رواندا الحقوقي السيئ، بما يشمل التهديدات الموجهة للروانديين المقيمين في بريطانيا، وخلصت إلى أن طالبي اللجوء الذين أُرسلوا إلى رواندا قد يتعرضون لتهديد إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية حيث قد يواجهون سوء المعاملة. تبيّن أن الاتفاقية تنتهك التزامات بريطانيا بموجب القانونين الدولي والمحلي.
قدّمت حكومة بريطانيا بعد ذلك "مشروع قانون سلامة رواندا (اللجوء والهجرة)" إلى البرلمان للالتفاف على حكم المحكمة. لكن بريطانيا لا تستطيع تشريع طريقة للالتفاف حول حقيقة أن رواندا تقابل الانتقادات بالعنف والانتهاكات، بما فيها ضد اللاجئين.
تُبرز هذه الانتصارات القوة الهائلة التي تتمتع بها المؤسسات المستقلة والشاملة التي تحترم الحقوق والمجتمع المدني في تحدي من يستخدمون السلطة السياسية لخدمة المصلحة العامة ورسم مسار إلى الأمام يحترم الحقوق. ينبغي لجميع الحكومات، في علاقاتها الثنائية وعلى المستوى المتعدد الأطراف، مضاعفة جهودها الرامية إلى الارتقاء بالمؤسسات الرئيسية وحماية الفضاء المدني أينما كان معرضا للتهديد.
***
تُظهر الأزمات الحقوقية هذه الحاجة الملحة إلى تطبيق جميع الحكومات مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان الراسخة والمتفق عليها في كل مكان. يمكن للدبلوماسية القائمة على المبادئ، التي من خلالها تجعل الحكومات التزاماتها الحقوقية أساسا في علاقاتها مع الدول الأخرى، أن تؤثر على السلوك القمعي وأن يكون لها تأثير ملموس على ضحايا انتهاك الحقوق. سيساعد دعم المؤسسات التي تعزز حماية الحقوق في تعزيز الحكومات التي تحترم الحقوق. دعم حقوق الإنسان باستمرار، في جميع المجالات، بغض النظر عن هوية الضحايا أو مكان ارتكاب الانتهاكات الحقوقية، هو الطريقة الوحيدة لبناء العالم الذي نريد أن نعيش فيه.