هذا الصباح، أمر الجيش الإسرائيلي ما يزيد عن مليون شخص في شمال غزة بإخلاء منازلهم خلال 24 ساعة. مليون شخص أي نصف سكان قطاع غزة، في مساحة تعادل مساحة فيلادلفيا. قطاع غزة محاصر من ثلاث جهات بالأسيجة والجدران، وتقوم البحرية الإسرائيلية بدوريات قبالة سواحله. معابر القطاع مع إسرائيل ومصر مغلقة. لا يوجد مكان يلجؤون إليه، باستثناء – بالنسبة للبعض – منازل أقاربهم المكتظة في النصف الجنوبي من القطاع.
جاء أمر الإخلاء وسط وابل من الغارات الجوية التي أدت، حتى يوم الجمعة، إلى مقتل 1,900 شخص في غزة، من بينهم 583 طفلا على الأقل، وفقا لوزارة الصحة في غزة. شنت إسرائيل الغارات بعد هجوم غير مسبوق شنه مقاتلون بقيادة "حماس"، حيث عبروا الحدود إلى إسرائيل صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول وقتلوا مدنيين إسرائيليين، مما أسفر عن مقتل المئات واحتجاز العشرات كرهائن، بمن فيهم أطفال وأشخاص ذوو إعاقات وكبار السن. نصب المقاتلون كمينا لشباب كانوا يرتادون حفلا راقصا في الهواء الطلق، مما أسفر عن مقتل 260 شخصا، حسبما ورد، وأطلقوا النار على عائلات داخل منازلهم، وأشعلوا النار في منازل أخرى لإجبار العائلات على الخروج. منذ ذلك الحين، أطلقت الجماعات المسلحة في غزة آلاف الصواريخ بشكل عشوائي على المدن والبلدات الإسرائيلية. ترقى هذه الفظائع إلى جرائم حرب، وكذلك تهديد حماس بإعدام بعض الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
لكن ارتكاب مقاتلي حماس بارتكاب جرائم حرب لا توصف لا يمنح الجيش الإسرائيلي الإذن بالاستهزاء بالتزاماته تجاه المدنيين في غزة، حيث يهدد أمر الإخلاء بالنزوح القسري الجماعي. منطقة الإخلاء التي حددها الجيش الإسرائيلي اليوم هي موطن لمئات الآلاف من الأشخاص الأكثر ضعفا، بما في ذلك الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن ومرضى المستشفيات. تتناثر الأنقاض على الطرق في غزة بسبب المباني المدمرة، كما أصبح الوقود نادرا بعد أن قطعت السلطات الإسرائيلية إمدادات الوقود والمياه والغذاء والكهرباء عن غزة، فيما يرقى إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي – وهو في حد ذاته جريمة حرب.
لم تُتَح للمدنيين في غزة فرصة المغادرة بأمان. قالت وزارة الصحة في غزة إن 70 شخصا قتلوا يوم الجمعة في غارات جوية إسرائيلية أثناء فرارهم جنوبا عبر الطريق الذي حدده الجيش الإسرائيلي. يقع "مستشفى الشفاء" الرئيسي في غزة ضمن منطقة الإخلاء، وبالتالي فإن الأمر يجعل من الصعب للغاية على الناس الحصول على الرعاية الطبية – ناهيك عن أنه من المستحيل إخلاء المستشفى نفسه. أفاد الدكتور أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أن وقود المولدات والأدوية وغيرها من الإمدادات في مستشفى الشفاء ينفد، رغم أن عدد المصابين في الغارات الجوية يتجاوز سبعة آلاف.
يقع على عاتق أطراف النزاع المسلح دائما الالتزام بحماية المدنيين، حتى عندما لا يقوم خصومهم بذلك. وذلك لأن قوانين الحرب، المعروفة بـ"القانون الدولي الإنساني"، تكرس المبادئ الأساسية للإنسانية غير القابلة للتفاوض. يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يصدر تحذيرات للمدنيين في غزة قبل الهجوم إذا كان ذلك سيسمح لهم بالمغادرة بأمان وإلى منطقة أكثر أمانا. لكن التحذير بالإخلاء عندما لا يكون هناك مكان آمن للذهاب إليه وفي ظل غياب طرق آمنة للإخلاء لا يعتبر تحذيرا حقيقيا.
أوامر الإخلاء، التي اعتبرتها "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" "أوامر تخالف القانون الدولي الإنساني"، لا تمنح الجيش الإسرائيلي إذنا بإلحاق الأذى بالمدنيين الذين لا يغادرون. حذرت الأمم المتحدة أيضا من أن أمر الإخلاء سيكون لها "عواقب مدمرة"، وحثّت الحكومة الإسرائيلية بدلا من ذلك على فتح ممر إنساني لتزويد المدنيين بعدة أمور، من ضمنها المياه. دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة إسرائيل إلى إلغاء أمر الإخلاء، مشيرا إلى استحالة إجلاء هذا العدد الكبير من سكان غزة الأكثر ضعفا الذين يعانون أصلا من نقص الإمدادات بشكل آمن. يستهزئ أمر الإخلاء هذا بطلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من إسرائيل تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين في غزة.
أصاب أمر الإخلاء الإسرائيلي وترا حساسا خاصة لدى 70% من سكان غزة الذين هم لاجئون أصلا وأحفادهم – بعد أن فروا من منازلهم فيما يعرف الآن بإسرائيل في عام 1948. لم يُسمح لهم بالعودة أبدا. رفض حقهم في العودة هو أحد الأسباب الجذرية لأعمال العنف الحالية. كما أنه جعل الأمر الصادر هذا الصباح مرعبا على نحو خاص. يتذكر بعض كبار السن الذين فروا من شمال غزة اليوم المنازل التي فروا منها قبل 75 عاما، عندما دخل الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت أيضا مدنهم وبلداتهم وقراهم. يتذكرون أيضا أنه لم يُسمح لهم بالعودة.