في 27 سبتمبر/أيلول، مكّنت الحكومة الأمريكيّة إسرائيل من الالتحاق ببرنامج الإعفاء من التأشيرات، ما سيسمح للمواطنين الإسرائيليين بدخول أمريكا بدون تأشيرة. للحصول على هذا الامتياز السياسي الذي طال انتظاره، خففت حكومة بنيامين ناتنياهو في يوليو/تمّوز من تمييزها ضدّ المواطنين الأمريكيين من أصل فلسطيني، أو عربي أو مسلم بشكل أعمّ، عندما يسافرون إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
إذا كانت الولايات المتحدة قد تمكّنت من دفع إسرائيل إلى معاملة مواطنيها بشكل أفضل إلى حدّ ما، فلماذا لا يفعل "الاتحاد الأوروبي" نفس الشيء تجاه مواطنيه؟
لم تُلغ إسرائيل كافة أشكال التمييز بين المواطنين الأمريكيين، ما دفع 15 عضوا في "مجلس الشيوخ" الأمريكي في وقت سابق من هذا الشهر إلى التصريح بأنّ إسرائيل لم تستوفِ بعد شروط الانضمام إلى البرنامج، ودفع "اللجنة العربيّة الأمريكيّة لمكافحة التمييز" إلى رفع دعوى لوقف تنفيذه. مثلا، لا تزال إسرائيل تمنع الأمريكيين من أصل فلسطيني، الذين يحملون أيضا بطاقة هويّة من الضفّة الغربيّة، من عبور نقاط التفتيش المؤدية إلى إسرائيل والقدس الشرقي المحتل بالسيارة.
على خلاف الولايات المتحدة، يسمح الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة لمواطني إسرائيل بدخول "منطقة شنغن" دون تأشيرة، وهي منطقة تضمّ 27 دولة أوروبيّة تسمح بالتنقل فيما بينها بحريّة. يشترط قانون الاتحاد الأوروبي الذي يحكم منطقة شنغن حاليا دخول مواطني البلدان الثالثة دون تأشيرة بمبدأ "المعاملة بالمثل" لمواطني الاتحاد الأوروبي، لكنّه لا ينصّ صراحة على معاملة جميع حاملي الجوازات الأخرى على قدم المساواة. برنامج الدخول دون تأشيرة هذا يضمّ حاليا حوالي 60 دولة من خارج الاتحاد الأوروبي.
تُعدّ برامج الإعفاء من التأشيرة رائعة عندما تكون فعّالة، فهي تُسهّل السفر والتجارة والتبادل الثقافي والتفاهم المتبادل. كما أنّها لا تمنع الدول من مراقبة دخول الأجانب لأسباب أمنيّة، لكن على أساس فردي. في 2022، زار أكثر من مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي إسرائيل، وسافر مئات آلاف الإسرائيليين إلى أوروبا.
مثل نظرائهم الأمريكيين، واجه المواطنون الأوروبيون من أصل فلسطيني أو عربي على مدى عقود نوعين أساسيين من التمييز عند دخول إسرائيل أو الأراضي المحتلّة. تُعامل إسرائيل هؤلاء المواطنين الأوروبيين، الذين سجّلتهم أيضا ضمن سكّان الضفة الغربيّة أو قطاع غزّة، مثل بقية السكان الفلسطينيين في هاتين المنطقتين: هم في الغالب ممنوعون من استخدام مطار بن غوريون، وبالتالي عليهم دخول الضفة الغربيّة من خلال المعابر البريّة من الأردن، أو غزّة من خلال المعبر البرّي مع مصر.
مثل جميع الفلسطينيين الآخرين المقيمين في هذه المناطق – وخلافا للمستوطنين اليهود في الضفة الغربيّة المحتلّة أو الزوار الأجانب الذين يستضيفونهم – يُمنع "مزدوجو الجنسيّة" الأوروبيون من دخول إسرائيل والقدس الشرقية المحتلّة دون تصريح يصعب الحصول عليه. هذه القيود المرهقة والتعسّفية المفروضة على الحركة هي مثال عن الممارسات الإسرائيليّة غير الإنسانية التي تُشكّل جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد ضدّ ملايين الفلسطينيين، وهما جريمتان ضدّ الإنسانيّة. أمّا النوع الثاني من التمييز فهو غير مقنّن لكنّه يظلّ صارخا، ويتعلّق بالتدقيق الأمني المكثف التي تُجريه سلطات الحدود الإسرائيلية على الأجانب الذي يحملون أسماء عائليّة يُمكن تمييزها على أنها فلسطينيّة أو عربيّة أو إيرانيّة أو مسلمة. هؤلاء أكثر عرضة من غيرهم ممن يحمل نفس الجنسيّة للخضوع لاستجوابات وتفتيشات مطوّلة وأحيانا مسيئة، وأكثر عرضة للمنع من الدخول.
رغم أنّه لا توجد إحصائيات متوافرة بسهولة حول الدخول إلى إسرائيل، إلا أنّ التمييز منتشر إلى درجة أنّ المواقع الالكترونيّة للعديد من الحكومات الأوروبيّة تُنبّه مواطنيها إلى توقع ذلك. مثلا، تُحذّر ألمانيا "المواطنين الألمان الذين يُشتبه في أنّهم من أصل عربي أو إيراني أو لهم انتماء ديني إسلامي من توقع استجواب أمني مكثف واحتمال رفض الدخول... من الممكن أن يدوم الاستجواب الأمني [للمواطنين الألمان من أصل فلسطيني] عدّة ساعات، وقد يُفضي إلى رفض الدخول عبر المعبر الحدودي فورا، في أيّ وقت ودون شرح للأسباب. لا تملك السفارة الألمانية في تلّ أبيب أي طريقة لتقديم الدعم في هذه الحالات".
لطالما برّرت إسرائيل ممارساتها في مراقبة الحدود بالدوافع الأمنيّة، وبممارسة سيادتها في تحديد من يُمكنه الدخول إلى أراضيها. لكن عندما عُرض على إسرائيل إمكانيّة أن تُصبح الدولة الـ41 في برنامج الإعفاء من التأشيرة، خففت فجأة العديد من هذه الممارسات أو ألغتها، ابتداء من يوليو/تموز الماضي.
نتيجة لذلك، سُمح للأمريكيين من أصل فلسطيني، ممّن تسجلهم إسرائيل ضمن سكان الضفة الغربيّة، باستخدام مطار بن غوريون. أفاد أمريكيون من أصل فلسطيني يعيشون في الضفة الغربيّة أنّ الجنود باتوا يسمحون لهم منذ يوليو/تموز بالمرور عبر نقاط التفتيش إلى إسرائيل والقدس الشرقي المحتلّ عندما يستخدمون جوازاتهم الأمريكيّة.
أفاد بعض الأمريكيين العرب ممن كانوا يخضعون إلى استجواب مطوّل عند نقاط الدخول إلى إسرائيل أنّهم تمكّنوا من الدخول بشكل أسرع. لا تزال الأدلّة مجرّد روايات، ولم تُتَّخذ بعد إجراءات من شأنها تمكين الأمريكيين من أصل فلسطيني من دخول غزّة عبر إسرائيل بدلا من الطريق الشاق عبر مصر.
في غضون ذلك، لم يحقق مواطنو الاتحاد الأوروبي من أصول شرق أوسطيّة مكاسب مماثلة، وظلّوا خاضعين لنفس القيود. أخبرني رجل أعمال ألماني كان يزور عائلته في غزة هذا الصيف أنّه اضطرّ إلى القيام بالرحلة المعتادة والمكلفة التي تستغرق عدّة أيام عبر مصر، وهي رحلة قال إنها تتسم "بشكّ عميق، لأنك لا تعرف ماذا قد يحدث على طول الطريق، وهي محنة مروّعة تُسبب إذلالا وإهانة عميقين". (طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام).
لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي بند يتعلّق بالمعاملة بالمثل في برامج الإعفاء من التأشيرة مع 60 دولة من خارجه، بما في ذلك إسرائيل. ناقش تقرير صدر في مايو/أيار 2023 عن "المفوضيّة الأوروبيّة"، السلطة التنفيذيّة للاتحاد الأوروبي، التحديات التي تواجه المعاملة بالمثل في ما يتعلق بالتأشيرة، مثل الهجرة غير النظاميّة وسوء استخدام إجراءات اللجوء. تحدّث التقرير عن "دعم واسع" لتعزيز آليّة تعليق التأشيرة لمواجهة انتهاكات النظام، لكنّه لا يذكر التمييز بين مواطني الاتحاد كواحد من الانتهاكات.
في تقرير سنوي داخلي لسنة 2022، أوصى دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي المقيمون في القدس ورام الله بأن ينظر الاتحاد الأوروبي في "الردّ على ممارسات التأشيرة التمييزيّة الإسرائيليّة التي تقيّد حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الوصول إلى القدس". ظلّ الدبلوماسيون الموجودون على الأرض يقدّمون هذه التوصيات منذ سنوات.
لكنّ مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل لم يقترحوا بشكل صريح، ولو مرّة واحدة على حدّ علمي، اعتبار ممارسات إسرائيل التمييزيّة والروتينيّة ضدّ فئات من المواطنين الأوروبيين تقويضا لمبدأ المعاملة بالمثل الذي يقوم عليه الاتفاق. يبدو أنّ مسؤولي الاتحاد الأوروبي اختاروا تعريف "المعاملة بالمثل" بشكل ضيّق بحيث يعني أنّ كل طرف لا يفرض شروطا رسمية للحصول على التأشيرة.
بطبيعة الحال يتعيّن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يطالبا إسرائيل بالمزيد، بما في ذلك احترام حق الفلسطينيين في التنقل بين غزة والضفة الغربيّة، واتخاذ الخطوات اللازمة لتفكيك نظام التمييز العنصري.
لمكافحة التمييز ضدّ مواطني أيّ جهة، قد يكون من الأصعب سياسيا تعليق أو فرض شروط على الالتحاق ببرنامج الإعفاء من التأشيرات المعمول به، مقارنة بوضع معايير لقبول دولة ما، كما فعلت الولايات المتحدة.
لكن تجربة الولايات المتحدة الأخيرة تُظهر ما يستطيع الاتحاد الأوروبي فعله والحدّ الأدنى الذي ينبغي عليه تقديمه لمواطنيه إذا كان فعلا راغبا في استخدام النفوذ الذي يمنحه له برنامج الدخول بدون تأشيرة إلى دوله الـ27.