(بيروت) - في أعقاب الزلازل الهائلة التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، تعالت الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفع العقوبات عن سوريا، مدعومة أحيانا بمزاعم مبسطة بشكل مبالغ فيه تقول إن العقوبات تمنع وصول المساعدات الإنسانية الطارئة إلى سوريا.
اغتنم العديد من الكيانات والمسؤولين الحكوميين السوريين الفرصة للإصرار على أن العقوبات تعرقل بشدة جهود الإغاثة، حيث قال أحد المسؤولين إن العقوبات "تتسبب في موت أشخاص تحت الأنقاض" وزعم آخر أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة تمنع وصول "كل شيء"، بما في ذلك الأدوية والمستلزمات الطبية.
في الأيام التي تلت ذلك، دعت دول معينة، منها فنزويلا والصين وروسيا وكوبا، وكلها تخضع هي الأخرى لعقوبات دولية، بالإضافة إلى خبراء في "الأمم المتحدة"، إلى رفع العقوبات الأحادية الجانب على سوريا أو تخفيفها.
وفي الطرف المقابل، قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون ودعاة العقوبات إن العقوبات تشمل إعفاءات إنسانية وليس لها تأثير على العمليات الإنسانية في سوريا، فيما أشار البعض إلى أن الدول الغربية نفسها التي تفرض عقوبات على سوريا هي أيضا أكبر المانحين لعمليات وكالات الأمم المتحدة داخل سوريا.
لكن الواقع ليس بهذه البساطة. وعلى الرغم من الاستثناءات، فإن العقوبات تؤثر على العمليات الإنسانية في سوريا بطرق عدة، بما في ذلك من خلال صعوبة الوصول إلى السلع الأساسية، والحد من تمويل منظمات الإغاثة، وتقييد السفر والحركة، وزيادة العقبات البيروقراطية، وإعاقة النشاط الاقتصادي عموما.
قد يكون الحق في الحياة والصحة والغذاء وأوجه أخرى من الحق في مستوى معيشي لائق معرضة للخطر نتيجة لذلك، لا سيما في أوساط من هم أصلا مستضعفون أو مهمشون.
في الأسابيع التي أعقبت الزلازل، عدّلت الولايات المتحدة، و"الاتحاد الأوروبي"، والمملكة المتحدة أنظمة العقوبات الفردية في محاولة لتسريع الإغاثة لمعالجة آثار الزلازل.
تقدم الأسئلة والأجوبة التالية السياق ومزيدا من المعلومات حول تأثير العقوبات على جهود المساعدة الإنسانية، سواء فيما يخص الاحتياجات الفورية أو المبادرات الطويلة المدى التي تهدف إلى استعادة الخدمات الأساسية وتهيئة الظروف لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المناطق المتضررة من النزاع. تستند المعلومات إلى مقابلات مع سبعة عاملين محليين ودوليين في المجال الإنساني شاركوا في عمليات الإغاثة في كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والشمال الغربي الخاضع لسيطرة المعارضة، بالإضافة إلى مراجعة الاستثناءات الإنسانية من أنظمة العقوبات وإجراءات مكافحة الإرهاب المعمول بها.
- ما مدى ضرورة المساعدات الإنسانية للنهوض بالحقوق الأساسية للسكان السوريين؟
- ما هي العقوبات التي فرضت على سوريا ولماذا؟
- ما هو تأثير العقوبات على الحقوق الاقتصادية للسوريين؟
- هل تؤثر العقوبات على عمليات الإغاثة في سوريا؟
- ما هي الإعفاءات الإنسانية من العقوبات المفروضة على سوريا؟
- ماذا عن تأثير إجراءات مكافحة الإرهاب على العمليات الإنسانية؟
- هل أعاقت العقوبات استجابة المساعدات الطارئة في أعقاب الزلازل مباشرة؟
- ما هي العوامل الأخرى التي تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية في سوريا على نحو يحترم المبادئ؟
- كيف يمكن للعقوبات أن تكون أكثر فعالية وأقل إضرارا بالحقوق الأساسية للسوريين؟
- ما الذي يطالب به العاملون في المجال الإنساني؟
حتى قبل الزلازل القاتلة، كان السوريون يواجهون أزمة إنسانية حادة ناجمة عن النزاع المسلح الذي طال أمده، والانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة الوطنية، والأزمات الاقتصادية في تركيا ولبنان المجاورين، وجائحة "كوفيد-19"، والعقوبات، والجفاف الشديد، والعواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا. دمرت الحرب التي استمرت أكثر من 12 عاما البنية التحتية والخدمات المدنية في سوريا، بما في ذلك المنازل، ومرافق الرعاية الصحية، وأنظمة المياه والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء. كما أصاب النقص الحاد في الوقود البلاد بالشلل.
يعيش أكثر من 90 % من السوريين تحت خط الفقر، ولا يستطيع 12 مليون سوري على الأقل، أي أكثر من نصف السكان، الحصول على ما يكفي من الغذاء الجيد أو تحمل تكاليفه، ويحتاج 14.6 مليون سوري على الأقل في جميع أنحاء سوريا إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يجعل العمليات الإنسانية في سوريا من أكبرها في العالم.
يعتمد السوريون على وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية في التصدي لحالات الطوارئ، بما في ذلك في السنوات الأخيرة لجائحة كوفيد -19، وتفشي الكوليرا، وزلزال فبراير/شباط 2023، لتلبية الاحتياجات الفورية وتلك الأكثر استدامة، بما فيها إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية، بما يشمل الرعاية الصحية ومرافق الصرف الصحي.
وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ملزمة بتنفيذ عملياتها مع الالتزام بمبادئ الإنسانية، والحياد، والنزاهة، والاستقلالية. وخصوصا، تدعو هذه المبادئ الإنسانية الدولية إلى تسليم المساعدات بشكل غير متحيز لمن هم في أمس الحاجة إليها، دون أي تفرقة أو تمييز. في بيئة العمل السورية الصعبة اليوم، تواجه وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في توفير المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد على نحو يحترم هذه المبادئ.
تشمل هذه الصعوبات قضايا الأمن والوصول التي يطرحها بلد فيه مناطق سيطرة متعددة؛ واستغلال الحكومة السورية للمساعدات الإنسانية لتمويل فظائعها ومعاقبة من يُنظر إليهم على أنهم معارضون وإفادة الموالين لها؛ والبيروقراطية المهولة التي تنطوي عليها مختلف أنظمة العقوبات الأحادية الجانب.
فرضت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي وغيرها عقوبات مختلفة على الحكومة السورية والمسؤولين الحكوميين والكيانات ذات الصلة ردا على استفحال جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ترتكبها الحكومة منذ العام 2011. والغرض المعلن للعقوبات هو منع الحكومة من استخدام العنف ضد شعبها، والضغط من أجل الإصلاحات السياسية اللازمة. تركز هذه الوثيقة على أنظمة عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، والتي تقول وكالات الإغاثة إنها الأكثر صلة بالعمليات الإنسانية.
فرضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات محددة الأهداف، بما في ذلك تجميد الممتلكات وحظر الدخول إلى تلك البلدان على الأفراد والكيانات السورية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين. وتحظر العقوبات العامة أو القطاعية التي تفرضها أنشطة معينة، مثل شراء أو بيع أو تصدير السلع والمواد المتعلقة أو المساهِمة في صناعات أو قطاعات معينة، والتي يمكن استخدامها ضد المدنيين. وهي تشمل التكنولوجيا، والنفط، والغاز، والمواد المستخدمة في مشاريع البنية التحتية مثل شبكات توفير الكهرباء.
هناك أيضا عقوبات مالية، تستهدف الأفراد والقطاعات. تشمل هذه الإجراءات قيودا على بيع السندات أو فتح حسابات مصرفية جديدة لمؤسسات مالية سورية وأفراد سوريين خارج سوريا، بالإضافة إلى قيود على المعاملات المالية مع سوريين محددين.
العقوبات الأولية الأمريكية على الحكومة السورية هي الأشد، حيث تحظر تقريبا جميع العلاقات التجارية والمالية بين الولايات المتحدة وسوريا، مع استثناءات معينة لفئات معينة من المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والدواء، وحظر استخدام النظام المالي الأمريكي من قبل البنوك والشركات الأجنبية لمعالجة المعاملات المتعلقة بسوريا. في العام 2019، فُرضت عقوبات ثانوية بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، المصمم لحظر فئات معينة من التجارة مع دول ثالثة.
سمح هذا القانون بفرض عقوبات على شركة في بلد آخر إذا شاركت في معاملات معينة مع الحكومة السورية والكيانات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة السورية، بالإضافة إلى شركات، وشخصيات، وكيانات سورية أخرى تخضع للعقوبات. ويشمل ذلك الشركات التي تدعم إنتاج النفط والغاز لحساب الحكومة السورية، وخدمات البناء والهندسة، ما يعطل فعليا جهود إعادة بناء سوريا.
تشمل المؤسسات الحكومية والكيانات المملوكة للدولة الخاضعة للعقوبات، والتي قد تكون ذات صلة بالعمليات الإنسانية، كلا من "مصرف سورية المركزي"، وشركة الاتصالات "سيريتل"، و"السورية للطيران"، و"أجنحة الشام" للطيران. قال عامل في منظمة إنسانية راجعت منظمته تأثير العقوبات على التعليم في سوريا إنه بسبب القيود المفروضة على استيراد معدات تكنولوجيا المعلومات، والبرمجيات الأمريكية، واستخدام سيريتيل، لم يتمكن الأطفال في سوريا من الوصول إلى الخدمات التعليمية عن بُعد.
تحدد العقوبات القطاعية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي أهدافها بطريقة أدق من حيث النطاق وتشمل قيود التصدير على السلع والتكنولوجيا التي يمكن "استخدامها للقمع الداخلي". وتشمل حظر شراء النفط الخام والمنتجات البترولية السورية، وبيع المعدات والتكنولوجيا لتطوير صناعة النفط والغاز في سوريا، واستيراد وتصدير الذهب والمعادن الثمينة، وتشمل تجميد الأصول عدد من الشخصيات والهيئات، منها مصرف سورية المركزي.
كما تقيّد الاستثمارات والتأمين وإعادة التأمين في سوريا، وتحد قدرة البنوك السورية على العمل في الاتحاد الأوروبي، وتحظر تصدير المعدات والتكنولوجيا والبرامج المستخدمة لرصد اتصالات الإنترنت والهاتف أو اعتراضها. وعلى الرغم من هذه العقوبات، ما يزال الاتحاد الأوروبي أحد أكبر شركاء سوريا التجاريين. ويشبه نظام العقوبات البريطاني إلى حد كبير نظام الاتحاد الأوروبي.
لم تفرض الأمم المتحدة عقوبات على الحكومة السورية، لكن "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" فرض إجراءات لمكافحة الإرهاب على الجماعات المسلحة وعناصرها المصنفين كإرهابيين والذين ينشطون في سوريا. والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بالامتثال لهذه الإجراءات.
تشمل إجراءات الأمم المتحدة عقوبات مالية مثل تجميد أصول مجموعات محددة، وحظر توفير الأموال والموارد لها، ولو بشكل غير مباشر، وتدابير جنائية لمكافحة الإرهاب، تمكّن من الربط بين الأنشطة الإجرامية ودعم الجماعات الإرهابية. الجماعات المسلحة الخاضعة للعقوبات في سوريا بموجب هذه الإجراءات تشمل "هيئة تحرير الشام"، وهي تحالف من الجماعات الإسلامية السنية المسلحة المناهضة للحكومة التي تسيطر على جزء من شمال غرب سوريا، المنطقة الأكثر تضررا من الزلازل الأخيرة.
تعود المشاكل الاقتصادية في سوريا إلى حد كبير إلى الدمار الضخم الذي تعرضت له البنية التحتية المدنية ، والأزمة الاقتصادية في لبنان، التي فرضت ضغوطا على الأصول الخارجية للسوريين وحصولهم على الدولارات، وفساد الحكومة السورية المستشري وتحويلها الموارد لتوظيفها في أغراض سياسية على نحو يضر بالحقوق. كما ساهمت بعض السياسات المالية للحكومة السورية في تفاقم الأزمة.
دمرت سنوات النزاع والانتهاكات الجسيمة البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية في سوريا. وخلصت دراسة أجراها البنك الدولي عام 2022، شملت 14 مدينة سورية، إلى أن الحرب تسببت في أضرار جسيمة بالبنية التحتية المادية منذ العام 2011، بما في ذلك أنظمة الري، وإمدادات الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والسكن، فضلا عن المرافق الصحية والتعليمية.
نتج جزء كبير من الدمار عن الهجمات العشوائية والموجهة التي شنها التحالف العسكري السوري-الروسي على تلك المنشآت. كما كان التحالف الدولي المناهض لـ "داعش" والقوات التركية مسؤولان عن مهاجمة البنية التحتية الأساسية. وأضر تدمير البنية التحتية والنزوح الجماعي بحقوق السوريين الأساسية، بما في ذلك الصحة، والسكن اللائق، والغذاء.
بحسب تقديرات "برنامج الأغذية العالمي"، يعاني 12.1 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي. كما أن الوصول إلى الرعاية الصحية والسكن المناسب معرض للخطر أيضا، إذ لا يتمكن آلاف النازحين السوريين من العثور على مأوى مناسب أو رعاية طبية.
في حين كانت الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع، لا سيما الحكومة وحلفاؤها، هي السبب الرئيسي للمشكلة، هناك مجموعة متزايدة من الآراء في أوساط بعض خبراء الأمم المتحدة، والباحثين في الشأن السوري، وخبراء الاقتصاد السوريين بأن العقوبات الشاملة أدت إلى تفاقم أزمة الاقتصاد السوري، وأن المدنيين السوريين هم من تحمل العبء الأكبر.
يؤكد معارضو العقوبات أنها منعت، عن غير قصد في كثير من الأحيان، الكيانات داخل سوريا من استيراد الإمدادات اللازمة لإعادة بناء المدارس، والمنازل، والمستشفيات ومن الوصول إلى الوقود ومشتقات النفط الأخرى اللازمة للطبخ، والتدفئة، والنقل. لقد جعلت من الصعب على السوريين إجراء معاملات مالية، وتلقي التحويلات، وهي مصدر دخل رئيسي للأسر السورية، واستيراد الإمدادات الطبية أو المواد الغذائية. ونتج عن ذلك نقص في الإمدادات أو ارتفاع الأسعار. قال عاملون في المجال الإنساني لـ هيومن رايتس ووتش إن العقوبات الواسعة التي تهدف إلى حرمان الحكومة السورية من الدعم المالي والمادي منعت أيضا المنظمات الإنسانية من تنفيذ مشاريع التعافي المبكر التي تهدف إلى تشجيع السوريين على الاعتماد على أنفسهم وتقليل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية الطارئة.
في الوقت نفسه، ليس هناك ما يكفي من الأدلة على أن العقوبات الأحادية الجانب على سوريا حسّنت سلوك الحكومة. وتبرز ورقة أصدرتها في سبتمبر/أيلول 2020 "مبادرة الإصلاح العربي"، وهي مؤسسة بحثية عربية مستقلة، الطرق التي تتغلب بها الحكومة على تأثير العقوبات على هيكلية سلطتها. وهي تُبين أن الحكومة والشركات التابعة لها قد تمكنت إلى حد كبير من التحايل على العقوبات المحددة الأهداف من خلال مجموعة من شبكات السوق السوداء الإجرامية وغير القانونية، مع التذرع بالعقوبات لتبرير الفشل الاقتصادي.
في حين ينبغي لصانعي السياسات مراجعة العقوبات بانتظام بهدف تقليل ضررها على المدنيين وزيادة فعاليتها في تحقيق أهدافهم المعلنة، ينبغي ألا تُستخدم ذريعةً لعرقلة تعافي سوريا. بل على صانعي السياسات معالجة تأثير العقوبات في إطار استراتيجية لمعالجة الأسباب الأوسع للانهيار الاقتصادي.
تتضمن العديد من العقوبات المفروضة على سوريا استثناءات جزئية مصممة لتلبية الاحتياجات الإنسانية، وتجنيب المدنيين عقباتها، وضمان عدم إعاقة عمليات الإغاثة. لكن وبحسب عمال إغاثة تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش، ما زالت العقوبات تحد قدرة مجتمع العمل الإنساني على الاستجابة للاحتياجات الهائلة في سوريا. أحد التحديات المهمة هو العقبات البيروقراطية التي غالبا ما تكون مربكة، ومستهلكة للوقت، ومكلفة والتي يتعين على البنوك، والمصدّرين، ووكالات الإغاثة اجتيازها للامتثال للعقوبات المختلفة. في حين أن بعض الاستثناءات تصل إلى حد الإعفاءات الدائمة، ما يعني أن الأطراف الإنسانية لا تحتاج إلى موافقة للاستفادة منها، يتطلب البعض الآخر من المنظمات الإنسانية التقدم بطلب للحصول على إذن، وهي عملية، في مثل هذه البيئة المعقدة للعقوبات، غالبا ما تؤخر أو تعيق الاستجابة السريعة في حالات الطوارئ وتزيد تكلفة تقديم المساعدة وتعقيدها.
إحدى المشاكل الأخرى هي "الأثر المخيف" الذي قد تحدثه العقوبات بسبب اتساع نطاقها وانعدام الوضوح حول العديد من الأطر القانونية المتداخلة والإعفاءات الإنسانية. ونتيجة لذلك، غالبا ما تتجنب الأطراف الخاصة والمؤسسات المالية التعامل، بشكل مباشر أو غير مباشر، مع أفراد أو كيانات سورية حتى في القطاعات غير المشمولة بالعقوبات.
قال أحد عمال الإغاثة إن العقوبات أجبرت العديد من منظمات الإغاثة على بناء أنشطتها على تقييمات المخاطر وليس على عمليات تقييم الاحتياجات، ما يهدد قدرتها على دعم متطلبات إيصال المساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها، وعدم انحياز الجهات الإنسانية إلى طرف في النزاع. قال أحد عمال الإغاثة: "طبيعة الأزمات الإنسانية الحالية التي تزداد تعقيدا تجعل قدرتنا على التمسك بهذه المبادئ مهمة أكثر من أي وقت مضى".
نهج "إزالة المخاطر" المصرفية، حيث تنهي المؤسسات المالية العلاقات مع العملاء أو تقيّدها لتجنب مخاطر الامتثال بدلا من إدارتها، يسود في المناطق التي تُطبق فيها العقوبات. يصعّب ذلك على منظمات الإغاثة تحويل الأموال إلى الدولة وتشغيل البرامج أو دفع رواتب للموظفين والموردين المحليين، حتى عندما تدعم تلك المعاملات أنشطة غير مشمولة بالعقوبات. قال عامل إغاثة إنه تم إغلاق 11 أو12 حسابا مصرفيا لمنظمته لأن اسم المنظمة يتضمن كلمة "سوريا".
قد لا تكون العقوبات السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا كما تدعي الحكومة في كثير من الأحيان، إلا أنها على الأرجح أدت إلى تفاقمها وأعاقت عمل منظمات الإغاثة بطرق غير مباشرة أيضا. قال أحد عمال الإغاثة إن أخطر الآثار كانت في قطاع الوقود، حيث تؤدي إلى انقطاع حاد رغم وجود سبل قانونية لشراء الوقود لأغراض إنسانية.
في يناير/كانون الثاني 2023، قال "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) إن أزمة الوقود لها "تأثير ضار على قدرة الأمم المتحدة والشركاء على مواصلة عملهم" حيث أبلغ معظم الشركاء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة عن انخفاض في عدد الزيارات الميدانية، وتأخير في المشاريع، وتقليل ساعات العمل، وتقليص المهام الميدانية في ديسمبر/كانون الأول 2022. وقال إن مجالات أساسية، منها المياه، والصحة، والمأوى، والصرف الصحي كانت من بين أكثر المجالات تضررا.
من الصعب تحديد الأثر المباشر للعقوبات على نقص الوقود والمعدات الطبية نظرا لعوامل أخرى تلعب دورا هي الأخرى، بما فيها الانكماش الاقتصادي العالمي، وتدمير الحكومة للبنية التحتية الحيوية على نطاق واسع وبشكل منهجي بما يشمل المرافق الصحية، والفساد الحكومي، وفقدان الحكومة إمكانية الوصول إلى حقول النفط في الشمال الشرقي.
يشمل نظام العقوبات الأمريكية في سوريا العديد من الوكالات الحكومية الأمريكية. تلعب وزارة الخارجية دورا في تطوير سياسة العقوبات الأمريكية تجاه سوريا. كما أن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة مسؤول عن تنفيذ العقوبات الأمريكية على سوريا وإنفاذها؛ ووزارة التجارة هي المسؤولة عن فرض العقوبات المتعلقة بالصادرات وإعادة التصدير إلى سوريا.
تبقي حكومة الولايات المتحدة على بعض الاستثناءات الإنسانية، معظمها من خلال التراخيص العامة الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، المستخدمة كإعفاءات دائمة مصممة لضمان عدم إضرار العقوبات بالسكان المدنيين بلا داع والسماح بتقديم المساعدة الإنسانية الضرورية، ومن خلال تراخيص عادية تتطلب الموافقة في كل حالة على حدة.
تتيح الإعفاءات الدائمة أنشطة ومعاملات كانت لتكون ممنوعة بدونها، وهي أنشطة ومعاملات يتعين على وكالات الأمم المتحدة والمجموعات غير الحكومية القيام بها لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل "الإغاثة من الجفاف، ومساعدة اللاجئين والنازحين داخليا، وضحايا النزاعات، وتوزيع الغذاء والدواء، وتقديم الخدمات الصحية".
لوائح مراقبة الصادرات أشد صرامة، حيث تستثني الغذاء وبعض الأدوية فقط، وتتطلب من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى الحصول على تراخيص تصدير محددة للحصول على معظم السلع الضرورية، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر، وأجهزة الاتصالات، والسيارات، والشاحنات، ومعدات المكاتب الأساسية، والأجهزة الطبية.
غالبا ما تُطلب التراخيص الفردية أو المحددة لسلع ذات استخدام مزدوج يمكن أن يكون لها تطبيقات مدنية وعسكرية، وغالبا ما تكون ضرورية لإعادة تأهيل بلد مزقته الحرب. وتشمل هذه المواد الكلور لتطهير المياه، والذي يمكن استخدامه أيضا في صنع أسلحة كيميائية، أو الآلات الثقيلة التي تستخدم في البحث والإنقاذ وإزالة الحطام، لكن يمكن أيضا استخدامها في العمليات العسكرية.
تقول منظمات الإغاثة إن الأمر قد يستغرق ما بين ستة وثمانية أسابيع ليتقدم المصدّر بطلب الحصول على رخصة أمريكية. في 17 فبراير/شباط، أعلنت وزارة التجارة أنها ستسرع إجراءات طلبات ترخيص التصدير للمواد اللازمة لمساعدة الناجين.
تسمح الإعفاءات من العقوبات أيضا للأشخاص في الولايات المتحدة بإرسال تحويلات شخصية إلى الأشخاص في سوريا والتبرع بالسلع الإنسانية للسوريين دون الحاجة إلى طلب ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، طالما أنها تتوافق مع لوائح المكتب. لكن عمال الإغاثة يقولون إن هذه الإعفاءات لم تخفف الأثر المحبط للعقوبات، حيث تُحجم الكيانات الخاصة والبنوك عن التعامل مع الدول الخاضعة للعقوبات حتى عندما لا تُعاقب المعاملات المعنية خوفا من خرق العقوبات بالخطأ.
يقول أحد عمال الإغاثة: "إذا استَخدمتْ تبرعات خاصة موجّهة إلينا أو إلى منظمات سورية محلية على سبيل المثال كلمة "سوريا" على منصة "باي بال" (Paypal)، فلن تُقبل. عليك أن تطلب من المتبرعين عدم ذكر سوريا".
في يونيو/حزيران 2021، استجابةً لجائحة كوفيد-19، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ترخيصا عاما يسمح بتصدير الخدمات المتعلقة بالوقاية من فيروس "كورونا" أو تشخيصه أو علاجه إلى سوريا وجميع المعاملات والأنشطة ذات الصلة إلى كيانات معينة، منها الحكومة السورية، حيث أن الاستثناءات الإنسانية القائمة لم تكن كافية للاستجابة للوباء.
في مايو/أيار 2022، أصدر المكتب ترخيصا عاما آخر يصرّح على نطاق واسع بالمعاملات في مناطق محددة من شمال شرق وشمال غرب سوريا لا تسيطر عليها الحكومة السورية في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية، بما فيها الزراعة، والخدمات المالية، والبنية التحتية الكهربائية، والبناء، والمياه، وإدارة النفايات، والخدمات الصحية. جاء في بيان صحفي لوزارة الخارجية أن "الرخصة العامة رقم 22" صدرت لدعم استراتيجية إدارة بايدن لهزيمة داعش من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقا.
لكن إذا كان هذا الترخيص سيمكّن السوريين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط من الحصول على حقوقهم الأساسية مثل الغذاء، والسكن، والمياه، والصحة، في حين يُحرم البعض الآخر منها فقط على أساس المكان الذي يعيشون فيه في سوريا، فإن من شأنه أن يخلق تمييزا في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية أو يُفاقمه.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، في قرار تاريخي، تبنى مجلس الأمن الدولي استثناءً إنسانيا شاملا لتدابير تجميد الأصول التي تفرضها جميع أنظمة عقوبات الأمم المتحدة، بما في ذلك تدابير مكافحة الإرهاب. في محاولة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تراخيص عامة جديدة وعدّل التراخيص الحالية في عدد من برامج العقوبات لدعم تنفيذ أنشطة إنسانية من قبل الحكومة الأمريكية، بما في ذلك برامج عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التي تنفذ أنظمة عقوبات الأمم المتحدة. من ناحية أخرى، تشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا استثناءً إنسانيا واحدا ثابتا للمنظمات غير الربحية التابعة للاتحاد الأوروبي العاملة في سوريا لشراء المنتجات البترولية السورية عند الضرورة لتمكين أنشطتها. حتى 23 فبراير/شباط، حين اعتمد الاتحاد الأوروبي إعفاءا إنسانيا مؤقتا جديدا لتسهيل التسليم السريع للمساعدات الإنسانية لمدة ستة أشهر بعد الزلازل، كان التصريح المسبق من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضروريا لجميع الأنشطة الإنسانية الأخرى، بما فيها شراء المواد الطبية والمواد الأخرى المستخدمة في المرافق الصحية.
ولأن معايير الموافقة على الطلبات لم تُبسّط في كل الدول الأعضاء في الاتحاد، فإن عملية تقديم طلب الإذن مرهقة للغاية.
في مايو/أيار 2020، وبسبب الوباء، أصدرت المفوضية الأوروبية توجيهات بشأن عقوباتها الخاصة بسوريا توضّح أنه "وفقا للقانون الإنساني الدولي، حيث لا يوجد خيار آخر، يجب عدم منع تقديم المساعدات الإنسانية من خلال القيود الإجرائية للاتحاد الأوروبي"، وتشجع الدول الأعضاء على تبني إجراءات للإسراع بإصدار التراخيص للأغراض الإنسانية. ومع ذلك، قال أحد عمال الإغاثة إن الحصول على رد من الدول الأعضاء ربما كان ليستغرق شهورا، فنظام التراخيص الذي تم التخلي عنه مؤقتا "غير مناسب إطلاقا للاستجابة لحالات الطوارئ". في إحدى الحالات، قال عامل إغاثة آخر إن الأمر استغرق أكثر من عام للحصول على رد رسمي من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. الإعفاء الجديد، الذي يعفي المنظمات الإنسانية من الحصول على إذن مسبق من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإجراء عمليات نقل أو توفير سلع وخدمات لأفراد وكيانات خاضعة للعقوبات لأغراض إنسانية، ينتهي في 24 أغسطس/آب.
يمكن لبعض قيود مكافحة الإرهاب أن تؤثر على العمليات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المنظمة بطرق كتلك المذكورة سابقا. العقوبات المالية التي يفرضها مجلس الأمن على جماعات إرهابية محددة والتي تحظر إتاحة الأموال والأصول والموارد الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر لتلك الجماعات تشمل سلسلة من قرارات مجلس الأمن المواضيعية بشأن مكافحة الإرهاب؛ والعقوبات المالية التي تفرضها الدول الأعضاء على الجماعات التي تعتبرها إرهابية؛ والقيود التي تفرضها الدول المانحة في اتفاقيات التمويل التي تجمعها بالمنظمات الإنسانية.
على سبيل المثال، تصنف الولايات المتحدة جماعات المعارضة في شمال سوريا، مثل هيئة تحرير الشام، على أنها جماعة إرهابية عالمية محددة، ومنظمة إرهابية أجنبية، وتفرض عقوبات على المعاملات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يؤثر على الأشخاص الذين يعيشون هناك.
تتجلى آثار إجراءات مكافحة الإرهاب بشكل أكثر وضوحا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، حيث تسيطر هيئة تحرير الشام، التي تعمل جنبا إلى جنب مع الجماعات المسلحة الأخرى المرتبطة بـ "القاعدة" أو داعش، على منطقة تضم عددا كبيرا من السكان المدنيين واحتياجات إنسانية هائلة. صنفت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وتركيا هيئة تحرير الشام جماعةً إرهابية.
يعيش في شمال غرب سوريا أكثر من 4.6 مليون شخص، نزح نصفهم على الأقل مرة واحدة أو أكثر منذ بداية النزاع. المدنيون في هذه المناطق محاصرون أصلا، ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لمغادرة المنطقة، ولا يمكنهم العبور إلى تركيا، ويخشون الاضطهاد إذا حاولوا الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
حتى قبل الزلازل، كان ما لا يقل عن 4.1 مليون شخص في شمال غرب سوريا يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. وتُقدم هذه المساعدات في الغالب وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها على الأرض من تركيا، من خلال آلية عابرة للحدود بتفويض من مجلس الأمن، بالإضافة إلى بعض منظمات الإغاثة الدولية والإقليمية التي تعمل خارج منظومة الإغاثة الأممية.
في حين لا تحظر إجراءات مكافحة الإرهاب مجرد الاتصال بمجموعات معينة، فإنها تفرض على المنظمات الإنسانية والبنوك والشركات الامتثال للإجراءات التي تفرضها الدول والكيانات المختلفة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الامتثال المفرط خوفا من انتهاك القيود عن غير قصد. فمنظمات الإغاثة وموظفوها قد يواجهون غرامات أو ملاحقات قضائية، بل قد تفقد تمويلها، إذا تبين أنها تنتهك العقوبات أو إجراءات مكافحة الإرهاب.
قال أحد عمال الإغاثة في منظمة تعمل في شمال غرب سوريا إن المنظمات الموجودة على الأرض التي تقدم الخدمات للأشخاص المحتاجين "هي التي تواجه أكبر قدر من التدقيق وتتعرض لأكثر المخاطر"، لا سيما في بيئة يتفشى فيها تحويل وجهة المساعدات وسرقتها على يد أطراف النزاع المختلفة.
قال عمال الإغاثة إن ضمان الامتثال لقيود مكافحة الإرهاب المختلفة لا يتطلب وقتا طويلا من منظمات الإغاثة فحسب، بل هو مكلف أيضا، لا سيما أنه غالبا ما يتطلب دفع أتعاب للمحامين مقابل المشورة وتفسير الشروط. قال أحد عمال الإغاثة: "هذا أيضا يترك المنظمات المحلية في وضع حرج، حيث أن تمويلها يخص تقديم الخدمات المباشرة فقط".
الزلازل في 6 فبراير/شباط 2023 قتلت4,191 سوريًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا و394 في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. دمرت الزلازل البنية التحتية الحيوية وانهارت المباني في جميع المناطق المتضررة من الحرب في سوريا، ومنها محافظات حلب وحماة وإدلب واللاذقية، وأصبح الآلاف بلا مأوى.
مع استمرار جهود الإنقاذ في الأيام الأولى التي أعقبت الزلازل، تصاعدت الدعوات لرفع العقوبات، حيث قال مسؤولون حكوميون ومدنيون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وآخرون إن العقوبات تمنع وصول إمدادات الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها في سوريا. إلا أن كلا من روسيا، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، والعراق قدمت مساعدات وفرق إنقاذ للحكومة السورية خلال الأسبوع الأول.
كما تمكنت وكالات الأمم المتحدة التي لدى العديد منها مكاتب في دمشق من إعادة توجيه الموارد بسرعة إلى المناطق المتضررة من الزلازل. وإضافة إلى ثمانية فرق بحث وإنقاذ دولية على الأقل، تم نشر فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق لدعم الجهود في حلب، وحماه، واللاذقية. بدأت المساعدات النقدية والعينية في الوصول إلى دمشق وحلب خلال ساعات فقط من وقوع الزلازل. ووفقا لباحث سوري، بحلول 15 فبراير/شباط، استلمت الحكومة السورية ما لا يقل عن 149 طائرة شحن محملة بمساعدات من 25 حكومة أجنبية.
كانت سوريا أصلا في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة، وكان هناك أصلا نقص في الوقود وبعض الإمدادات الطبية والآلات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض. قال أحد عمال الإغاثة السوريين في دمشق إن "معظم الناس اضطروا للعمل بأدوات بسيطة أو بأيديهم [لانتشال الآخرين من تحت الأنقاض] بسبب النقص في الآليات الثقيلة اللازمة لعمليات البحث والإنقاذ، والتي تُستخدم عادة في البناء". وقال إن نقل المرضى، في الغالب إلى دمشق حيث المستشفيات مجهزة بشكل أفضل، يعتمد على توافر المعدات الطبية، وإنه لا تتوفر سيارات إسعاف أو وقود كاف لمثل هذه الرحلات الطويلة.
سلّطت موظفة في المجال الإنساني الضوء على كون الهيئات غير المنظمات الإنسانية، والتي لها دور حيوي في الاستجابة، لا تستطيع تنفيذ عملياتها بفعالية لأن الاستثناءات الإنسانية الحالية لا تنطبق عليها. وقدمت كمثال لجان الهندسية المحلية التي شُكلت لتقييم مستوى الأضرار التي لحقت بالمباني بعد الزلازل، والتي لم تكن قادرة على شراء المعدات اللازمة للقيام بذلك بشكل فعال.
قال عمال إغاثة إن العقوبات عموما تجعل من الصعب على وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة توسيع نطاق استجابتها للطوارئ بسرعة وفعالية. في أعقاب الزلازل، كانت هناك مشاكل كبيرة تعوق إرسال الأموال إلى البلاد، سواء إلى المنظمات الإنسانية التي تحاول تلبية الاحتياجات الطارئة أو من هم خارج سوريا ويسعون إلى تنظيم حملات التبرع أو فقط إرسال أموال إلى عائلاتهم المنكوبة، على الرغم من الإعفاءات الإنسانية القائمة. قال أحد عمال الإغاثة: "نحاول إرسال تمويل طارئ إلى مكاتبنا في سوريا، لكن العملية تتباطأ بسبب كل الوثائق والأوراق اللازمة".
بعد أيام من الزلازل، أصدرت الولايات المتحدة ترخيصا عاما يسمح بـ "جميع المعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلازل في سوريا التي تحظرها عادة لوائح العقوبات على سوريا" لمدة ستة أشهر.
تبعتها المملكة المتحدة في 15 فبراير/شباط بإجراء مماثل، إذ اتخذت ترخيصين عامين، أحدهما يسمح بالأنشطة الإنسانية "التي كانت قد تُحظر لولا ذلك" وآخر يمدد حالة الاستثناء الإنساني القائم من الحظر النفطي للأشخاص الذين تمولهم المملكة المتحدة، ليشمل "جميع من يشاركون في جهود الإغاثة من الزلازل في سوريا وتركيا". في 23 فبراير/شباط، حذا الاتحاد الأوروبي حذوهما بالتنازل عن "حاجة المنظمات الإنسانية إلى الحصول على إذن مسبق من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإجراء عمليات نقل أو توفير السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية إلى الشخصيات أو الهيئات الخاضعة للعقوبات. ويدوم كلا الاستثنائين ستة أشهر فقط.
في حين قال بعض عمال الإغاثة بهذه الإعفاءات الجديدة، رأى بعضهم أنها كانت أقصر أمدا من أن تقدم حوافز إلى الكيانات الخاصة والمؤسسات المالية للعمل على الشأن السوري، وإنه ينبغي للمنظمات الإنسانية أن تضع برامج على مدى أطول بشكل كان سابقا شبه مستحيل، مثل تأهيل البيوت المتضررة. أما الإعفاءات الأمريكية والبريطانية، فقد كانت أيضا ضيقة للغاية لأنها تخص الإغاثة من الزلازل فقط، ما يعني أن منظمات الإغاثة لم تستطع الاستفادة منها لوضع برامج حيوية.
قال عمال الإغاثة إن أحد الشواغل الرئيسية العالقة هو التداخل وعدم الوضوح في العديد من أنظمة العقوبات واستثناءاتها الإنسانية. تدعو مجموعات الإغاثة العاملة في سوريا وفي سياقات أخرى خاضعة للعقوبات بشكل جماعي إلى استثناءات إنسانية شاملة دائمة في جميع أنظمة العقوبات المستقلة.
في الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، كان هناك سيناريو مختلف تماما. فلمدة أسبوع كامل بعد الزلازل، تُرك ملايين السوريين في مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها جماعات المعارضة دون وصول إلى المساعدات الطارئة المنقذة للحياة، بما في ذلك الوقود، والطعام، والإمدادات الطبية، ومعدات فرق البحث والإنقاذ الدولية. تسببت الزلازل والهزات الارتدادية في شل الطرق الحيوية والبنية التحتية والمستودعات وأنظمة التنسيق اللازمة لإيصال المساعدات عبر ممر المساعدات الأممية الوحيد الذي وافق عليه مجلس الأمن من تركيا إلى المناطق المتضررة.
على الرغم من الاحتياجات الهائلة والنداءات العاجلة للمساعدة التي أطلقها "الدفاع المدني السوري"، وهو مجموعة البحث والإنقاذ التطوعية الوحيدة العاملة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، كانت وكالات الأمم المتحدة مترددة في توسيع نطاق إيصال المساعدات عبر المعابر الحدودية دون موافقة مجلس الأمن أو الحكومة السورية، وتطوع عدد قليل جدا من البلدان لإرسال فرق مساعدة للمشاركة في جهود البحث والإنقاذ.
لم تتم إعادة توجيه أي من المساعدات التي تم تسليمها إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لدعم جهود الإغاثة في الشمال الغربي، ما ترك الناجين بما كان بحوزتهم من مساعدات متضائلة تسلموها قبل الزلازل. بعد أن سمح الرئيس بشار الأسد للمساعدات بالمرور عبر معبرين إضافيين إلى سوريا في 13 فبراير/شباط، بدأت وكالات الأمم المتحدة ببطء في توزيع المساعدات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
أرسل عدد قليل فقط من الدول والكيانات، منها السعودية، وقطر، وإقليم كردستان العراق، مساعدات ثنائية إلى شمال غرب سوريا في غضون أسبوع من الزلازل، وهي لا تقارن بعدد البلدان التي تحركت من أجل تركيا بل والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا. قد يكون السبب إجراءات مكافحة الإرهاب وتأثيرها المخيف على الدول التي ربما كانت لتقدم مساعدات لَولاها.
قال أحد عمال الإغاثة إن عدم استجابة الأمم المتحدة للزلازل بشكل سريع وحاسم قد يثني الدول عن إرسال المساعدات الطارئة وفرق البحث والإنقاذ مباشرة إلى الشمال الغربي. وقال "إن وجود الأمم المتحدة يعطي العمل في شمال غرب سوريا مصداقية وشرعية".
تنطبق الاستثناءات الإنسانية الإضافية المعتمدة لمعالجة الإغاثة من الزلازل فقط على العقوبات المفروضة على الحكومة السورية والكيانات ذات الصلة. لم يتم تبني إجراءات حماية مماثلة للعمل الإنساني في أعقاب الزلازل ضمن إجراءات مكافحة الإرهاب المطبقة على الجماعات المسلحة العاملة في مناطق شمال غرب سوريا الأكثر تضررا.
ما يزال التحويل التمييزي لوجهة المساعدات والخدمات الأساسية الذي تقوم به الحكومة السورية لأهداف سياسية، واقتصادية، واستراتيجية يمثل أحد أكبر العوائق أمام التوزيع العادل للإمدادات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني في جميع أنحاء سوريا.
طوّرت الحكومة على مر السنين سياسة وإطارا قانونيا يسمحان لها باستغلال وتحويل وجهة موارد المساعدة وإعادة الإعمار لتمويل فظائعها، ومعاقبة من تعتبرهم معارضين، وإفادة الموالين لها. في تقرير صدر عام 2019، وجدت هيومن رايتس ووتش أن الحكومة تقيّد وصول المنظمات الإنسانية إلى المجتمعات التي تحتاج إلى المساعدات أو التي يُزعم أنها تتلقاها، وتوافق بشكل انتقائي على مشاريع المساعدات، وتفرض شروطا مرهقة للشراكة مع الأطراف المحلية التي تخضع للتدقيق الأمني. وغالبا ما تعني تلك الشروط أن جهاز الدولة التعسفي يسحب المساعدات من السكان المدنيين الذين تعتبرهم خصوما عقابا لهم، ويكافئ من يعتبرهم موالين له أو يمكنهم خدمة مصالحه، ويعمل على إثراء ذوي النفوذ في النخبة الحاكمة. هناك العديد من التدابير الملموسة التي يمكن للمنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة والمانحين والشركات اتخاذها للتصرف بمسؤولية في هذا السياق الصعب، منها خلال تحسين قدرات العناية الواجبة بحقوق الإنسان.
لدى الحكومة السورية أيضا سجل حافل في عرقلة المساعدات الموجهة إلى المناطق التي تسيطر عليها جهات غير حكومية في سوريا، وغالبا ما تصر على مرور جميع المساعدات بدمشق، قائلة إن المساعدات التي تُسلّم إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرتها من الدول المجاورة تنتهك سيادتها. في عام 2014، واستجابة لرفض الحكومة المستمر منح الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى الإذن بتسليم المساعدات إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرتها، قدم مجلس الأمن إلى وكالات الأمم المتحدة الغطاء السياسي لجلب الإمدادات من تركيا، والعراق، والأردن إلى سوريا. لكن بحلول العام 2020، أجبرت روسيا، حليفة سوريا الرئيسية وإحدى أطراف النزاع، المجلس على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة، تاركة لمنظمات الإغاثة معبرا حدوديا واحدا مع تركيا كخيار وحيد تنسقه الأمم المتحدة. في أعقاب الزلازل المدمرة التي أثّرت أيضا على مركز تنسيق المساعدات في شمال غرب سوريا، ومقره جنوب تركيا، فإن التأخير القاتل للمساعدات، الناتج عن تسييس إيصال المساعدات عبر الحدود، بما في ذلك من قبل الحكومة المدنية التابعة لهيئة تحرير الشام، ترك الناسَ في المنطقة يعانون من الدمار دون دعم كافٍ.
ينبغي ألا تُستخدم العقوبات كأداة عقابية، بل أن يكون لها تأثير رادع أو تصحيحي. يجب ربطها بشروط واضحة وقابلة للتنفيذ لوضع حد للانتهاكات المستمرة، مع معايير واضحة لإزالة العقوبات والمراقبة المنتظمة.
بينما يتضمن "قانون قيصر"، على سبيل المثال، مجموعة من الشروط لرفع العقوبات، إلا أنها ليست مرتبطة بأهداف قابلة للقياس والتحقيق. وقد يكون التقدم التدريجي والملموس في وقف انتهاكات حقوق الإنسان المعنية بالعقوبات، مثل إطلاق سراح المحتجزين تعسفا، أكثر فعالية. وكلما كانت الشروط أكثر تحديدا وقابلية للتنفيذ، كانت العقوبات أكثر فعالية. يجب أن تشير اللوائح أيضا صراحة إلى السلوك الخاضع للعقوبات، وعلى السلطة التي تفرض العقوبات أن تراجع بانتظام ما إذا استمر السلوك الخاضع للعقوبات.
يمكن أن يكون للعقوبات، بل لها بالفعل، تأثير سلبي مباشر أو غير مباشر على حقوق الناس، لا سيما أضعفهم. في إيران، على سبيل المثال، وجدت هيومن رايتس ووتش أن العقوبات الواسعة ضد البنوك الإيرانية والخطاب العدواني أدت إلى امتثال مفرط قوّض بشكل خطير حق الإيرانيين في الصحة والحصول على الخدمات الأساسية.
تعارض هيومن رايتس ووتش العقوبات التي لها تأثير سلبي غير متناسب على حقوق الإنسان أو تسبب معاناة لا داعٍ لها. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وصف ثلاثة خبراء أمميين بشأن التدابير القسرية الأحادية وحقوق الإنسان والتضامن الدولي والحق في الغذاء الإعفاءات الإنسانية في أنظمة العقوبات بأنها "غير فعالة"، وقالوا إن "التناقضات الهيكلية والتطبيقية لهذه الإعفاءات الإنسانية أثرت بشكل خطير على نشاط العاملين في المجال الإنساني وسلوكهم".
الاستثناءات الإنسانية الفعالة والقابلة للتطبيق ضرورية لضمان التخفيف من الآثار غير المباشرة للعقوبات. يجب أن تقدم السلطة التي تفرض العقوبات مبادئ توجيهية واضحة حتى تفهم الوكالات الإنسانية والمشاركون في المعاملات ذات الأغراض الإنسانية كيفية عمل هذه الإعفاءات وتطبيقها. يجب أن تمتلك سلطة العقوبات أيضا الموارد اللازمة للاستجابة بسرعة لطلبات الترخيص ومعالجتها وتخفيف الخوف الذي تولده العقوبات.
ينبغي للسلطات التي تفرض العقوبات أن تتشاور بانتظام وعلى نطاق واسع مع وكالات الإغاثة بشأن تطبيق الإعفاءات. يجب أن تكون منظمات الإغاثة والوكالات الأخرى المشاركة في تقديم المساعدات الأساسية لسوريا صريحة بشأن كيفية تأثير العقوبات على عملياتها. يجب أن تفي الاستثناءات الإنسانية بالغرض لمعالجة الآثار الثانوية للعقوبات، بحيث يمكن إثبات وجود علاقة سببية واضحة. فمثلا، قد لا يكون هناك حظر صريح على تصدير الإمدادات الطبية، لكن حظر المعاملات المالية الذي يمنع الشركات أو الكيانات في الولايات المتحدة من قبول التمويل من الكيانات السورية التي تريد شراء إمدادات طبية قد يحول دون تأمين الأدوية اللازمة.
اقترح عمال الإغاثة الذين يعملون مع المنظمات الإنسانية في سوريا عدة إصلاحات للعقوبات وإجراءات مكافحة الإرهاب التي تفرضها الدول والهيئات، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المجتمعات التي تحتاج إليها على نحو يحترم المبادئ ويتصف بالسرعة والفعالية، ومن تلك المقترحات:
- تمديد الإعفاءات الإنسانية التي أُدخلت بعد زلازل فبراير/شباط 2023 لتكون دائمة؛
- التنسيق لمواءمة الاستثناءات الإنسانية وتبسيطها في جميع أنظمة العقوبات، وإجراءات مكافحة الإرهاب، وضوابط التصدير.
- السماح للإعفاءات بأن تشمل المنظمات الإنسانية المحلية كما تشمل وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية؛
- تغطية جميع الأنشطة اللازمة لتقديم المساعدات بما في ذلك الأنشطة اللازمة لإصلاح أو إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية بدل توفير إطار زمني محدد للاستجابة للزلازل؛
- إطلاق حملة تواصل تُطَمئن المؤسسات المالية والكيانات الخاصة، وتضمن لها علنا بأنها لن تُعاقَب على دعم جهود الإغاثة والتعافي وتشجع القطاع الخاص على تسريع المعاملات المتعلقة بالأنشطة الإنسانية.