Skip to main content

العمال الوافدون و"كأس العالم" في قطر

نُشر في: Jadaliyya Magazine

 

© جون هولمز، لحساب هيومن رايتس ووتش

مع اختتام بطولتَي "أمم أوروبا 2020" و"كوبا أمريكا" هذا الصيف، من المقرر استئناف المباريات المؤهلة لـ "كأس العالم فيفا" لكرة القدم، الذي سيقام في قطر من نوفمبر/تشرين الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، الشهر المقبل. أصبح كأس العالم في قطر أكثر إثارة للجدل مقارنة بالبطولات السابقة. بالإضافة إلى التقارير المكثفة عن المؤامرات والفساد التي تصاحب اختيار الدولة المضيفة بشكل عام، برزت حقوق عمال البناء الوافدين ومعاملتهم بشكل ملفت. أجرى معين رباني، محرر "كويك ثوتس" والمحرر المشارك في "جدلية"، مقابلة مع هبة زيادين، باحثة شؤون الخليج في "هيومن رايتس ووتش"، لفهم القضايا المطروحة بشكل أفضل.

معين رباني: من هم العمال المشاركون في بناء مرافق كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر؟ هل لدينا بيانات موثوقة حول أعدادهم، وبلدانهم الأصلية، ومتوسط ​​أجورهم، ومدة إقامتهم، ووضعهم القانوني في قطر، وحول الوفيات وإصابات العمال؟

هبة زيادين: تعتمد قطر بالكامل تقريبا على حوالي مليونَي وافد، يشكلون 95% من القوى العاملة في البلاد في قطاعات تتراوح من البناء إلى الخدمات إلى العمل المنزلي. يأتي العمال الوافدون إلى قطر في الغالب من الهند، ونيبال، وبنغلاديش، وسريلانكا، وكينيا، والفلبين.

يأتون إلى قطر لأنهم يفتقرون إلى فرص عمل مستقرة في بلدانهم الأصلية، أو لأنهم يعتقدون أن بإمكانهم كسب المزيد من المال من العمل في الخارج. يترك الكثيرون وراءهم عائلات تعتمد عليهم ماليا. قطر لديها أعلى نسبة من الوافدين مقابل المواطنين في العالم. دون هؤلاء العمال، سيتوقف اقتصادها.

للأسف، لا تصنف بيانات التعداد السكاني في قطر السكان بحسب الأصل القومي، كما لا تنشر قطر إحصاءات منتظمة يمكن التحقق منها بشكل مستقل حول متوسط ​​الأجر أو مدة الإقامة أو الوضع القانوني في الدولة. في سبتمبر/أيلول 2020، أصدرت قطر تشريعا ينص على حد أدنى أساسي للأجور قدره ألف ريال قطري (274 دولار أمريكي) ينطبق على جميع العمال، بغض النظر عن الجنسية أو قطاع التوظيف.

على مدار السنوات الأربع الماضية، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات القطرية مرارا وتكرارا إلى التحقيق في أسباب الوفيات غير المتوقعة أو غير المبررة بين العمال الوافدين الشباب في كثير من الأحيان والذين يتمتعون بصحة جيدة، ونشر مثل هذه البيانات بانتظام – مفصلة حسب العمر، والنوع الاجتماعي، والمهنة، وسبب الوفاة. كما حثّت هيومن رايتس ووتش قطر على تبنّي وفرض قيود مناسبة على العمل في الهواء الطلق لحماية العمال من مخاطر الحرارة التي قد تسبب الموت. للأسف، رفضت قطر نشر أي بيانات ذات مغزى عن وفيات العمال الوافدين، وما تزال الشروط المتعلقة بالحر المقررة لحماية العمال من مخاطر الحرارة الشديدة والرطوبة غير كافية إطلاقا.

معين رباني: ما هي الصعوبات الرئيسية التي يواجهها العمال الوافدون المشاركون في قطاع البناء في قطر، لا سيما فيما يتعلق بالمنشآت التي يتم بناؤها لكأس العالم فيفا 2022؟

هبة زيادين: يواجه العمال الوافدون الذين يسافرون إلى قطر ودول أخرى في منطقة الخليج انتهاكات في جميع مراحل هجرتهم. تبدأ الانتهاكات في بلدانهم الأصلية، حيث يدفعون غالبا رسوم استقدام باهظة لمجرد تأمين وظائف في قطر، وغالبا ما يصبحون مثقلين بالديون بسبب هذه العملية. عند وصولهم إلى قطر، تُعرض عليهم أحيانا عقود تدفع أقل مما وُعدوا به.

أظهرت أبحاث هيومن رايتس ووتش أيضا أن انتهاكات حقوق العمال الوافدين في قطر خطيرة ومنهجية، وأن الانتهاكات غالبا ما تنبع من نظام الكفالة الذي يحكم العمل، والذي يربط الوضع القانوني للعمال الوافدين في البلاد بأصحاب عملهم. يجرّم نظام الكفالة "الهروب"، أي ترك صاحب العمل دون إذن، على سبيل المثال، لتغيير الوظائف. كما يتعرض العمال الوافدون في كثير من الأحيان لمصادرة جوازات سفرهم من قبل أصحاب العمل، ودفع رسوم استقدام لتأمين وظائف في الخليج، ما يقيّدهم بالديون لسنوات.

بالتزامن مع حظر الإضرابات العمالية والتطبيق غير الفعال للقوانين المقررة لحماية حقوق العمال الوافدين، ساهمت هذه العوامل في الانتهاكات والاستغلال وصولا إلى العمل الجبري. من بين المظالم الأكثر شيوعا للعمال الوافدين عدم دفع الأجور أو التأخر في دفعها، والاكتظاظ وغياب الظروف الصحية في أماكن السكن، وساعات العمل المفرطة. عمال البناء والعمال الوافدون في قطاع الخدمات، منهم عمال النظافة وحراس الأمن، هم الأكثر أهمية لاستضافة كأس العالم بنجاح، ومع ذلك فهم من بين أكثر الفئات عرضة لسوء المعاملة والاستغلال.

وضعت "اللجنة العليا للمشاريع والإرث" – وهي الهيئة الوطنية المكلفة بالإشراف على تنظيم كأس العالم 2022 في قطر – تدابير حماية إضافية على وجه التحديد لعمال البناء الوافدين العاملين في مواقع الملاعب، ما أدى إلى تحسين ظروف العمل. لكن هذه الحماية تشمل فقط حوالي 28 ألف عامل – أي أقل بقليل من 1.5% من إجمالي السكان الوافدين في قطر. لا تشمل هذه الحماية العمال الذين يبنون نظام المترو، والطرق السريعة، ومواقف السيارات، والجسور، والفنادق، ومشاريع البنية التحتية الأخرى الضرورية لاستضافة ملايين الزوار الذين سيجذبهم كأس العالم. كما تستثني عمال النظافة وموظفي المطاعم وحراس الأمن والسائقين والمضيفين – رجال ونساء سيتحملون جهود قطاع الضيافة لاستيعاب تدفق الأشخاص الذين سيزورون البلاد. وحتى في ورشات الملاعب، تحدّث العمال عن انتهاكات للقانون القطري وإجراءات الحماية الإضافية التي توفرها اللجنة العليا.

معين رباني: كيف استجابت حكومة قطر و"الاتحاد الدولي لكرة القدم" (الفيفا) وغيرهما من المشاركين في كأس العالم 2022 للانتقادات المختلفة حول معاملة العمال الوافدين المشاركين في بناء مرافق كأس العالم، وهل كان للإجراءات التي اتخذوها تأثير كبير؟

هبة زيادين: في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وبعد سنوات عدة من الضغط من قبل منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والنقابات العمالية الدولية، وعدت قطر بتفكيك نظام الكفالة، الذي يمنح أصحاب العمل سيطرة مفرطة على الوضع القانوني للعمال الوافدين، وتنفيذ إصلاحات عمالية أخرى. كجزء من اتفاقية تعاون تقني مدتها ثلاث سنوات مع "منظمة العمل الدولية".

منذئذ، أدخلت قطر إصلاحات تقلل من الجوانب المنتهِكة لنظام الكفالة وتوفر حماية متزايدة للعمال. وكان أهم الإصلاحات إلغاء شرط تصريح الخروج التعسفي لمعظم العمال، والذي كان يمنع الوافدين من مغادرة البلاد دون إذن صاحب العمل؛ والسماح للعمال الوافدين بتغيير وظائفهم قبل انتهاء عقودهم دون الحصول على موافقة صاحب العمل أولا؛ وقانون جديد ينص على حد أدنى أساسي غير تمييزي للأجور لجميع العمال. كما أنشأت قطر "لجان فض المنازعات العمالية"، والتي صممت لمنح العمال طريقة أكثر فعالية وأسرع لتقديم التظلمات ضد أصحاب العمل؛ وأصدرت قانونا لإنشاء "صندوق دعم وتأمين العمال"، وأحد أهدافه ضمان حصول العمال على الأجور غير المدفوعة عندما لا تدفع الشركات؛ وأدخلت تعديلات تفرض عقوبات أكثر صرامة على أصحاب العمل الذين لا يدفعون أجور عمالهم.

ومع ذلك، ما زال العمال الوافدون عرضة لسوء المعاملة والاستغلال. فالتنفيذ والإشراف غير الكافيين على الأحكام القانونية الحالية يعني أنها نادرا ما تترجم إلى حماية العمال من الناحية العملية، ويمكن لأصحاب العمل اختيار الحماية التي يقدمونها مع إفلاتهم نسبيا من العقاب.

كما ما تزال عناصر أخرى منتهِكة في نظام الكفالة على حالها. على سبيل المثال، الحد الأدنى للأجور وزيادة العقوبات على انتهاكات الأجور، رغم أنها إيجابية، إلا أنها لم تكن كافية للقضاء على هذه الانتهاكات. خلص تقرير لـ هيومن رايتس ووتش صدر في أغسطس/آب 2020 إلى أن أصحاب العمل في قطر كثيرا ما ينتهكون حق العمال في الأجور وأن نظام حماية الأجور، الذي أُدخل في 2015 وصُمم لضمان حصول العمال الوافدين على أجورهم بشكل صحيح وفي الوقت المحدد، لا يحمي العمال من انتهاكات الأجور. يمكن وصفه بشكل أفضل بأنه نظام لمراقبة الأجور توجد ثغرات كبيرة في قدرته على الرقابة. لم تفعل تدابير حماية الأجور ما يذكر لحماية العمال من انتهاكات الأجور.

معين رباني: ما هي الإجراءات الرئيسية التي يجب تنفيذها لحماية حقوق هؤلاء العمال الوافدين وسلامتهم؟

هبة زيادين: إلى أن تفكك قطر نظام الكفالة بالكامل وتسمح للعمال الوافدين بالانضمام إلى النقابات العمالية والدفاع عن حقوقهم، فمن المرجح أن يستمر العمال في المعاناة من الانتهاكات والاستغلال. في حين أُدخِلت بعض الإصلاحات، ما تزال هناك عناصر أساسية تسهّل الانتهاكات.

ما زال العمال الوافدون يعتمدون كليا على أرباب عملهم لتسهيل الدخول والإقامة والعمل في البلاد، حيث يتحمل أصحاب العمل مسؤولية التقدم بطلب للحصول على تصاريح إقامة وعمل العمال وتجديدها. يمكن للعمال أن يجدوا أنفسهم بلا وثائق دون أي خطأ من جانبهم عندما لا ينفّذ أصحاب العمل هذه الالتزامات، ويتحمل العمال، لا أصحاب العمل، العواقب في هذه الحالة.

كما تستمر قطر بفرض عقوبات قاسية على "الهروب" – عندما يترك العامل الوافد صاحب عمله دون إذن أو يبقى في البلاد بعد فترة السماح التي تلي انتهاء صلاحية تصريح إقامته أو إلغائه. تشمل العقوبات الغرامات، والتوقيف، والترحيل، وحظر العودة.

يمكن أن تساهم هذه الأحكام في استمرار وقوع الانتهاكات والاستغلال وممارسات العمل القسري، لا سيما لأن العمال، أولئك الذين يؤدون أعمالا يدوية وعاملات المنازل، يعتمدون في الغالب على أصحاب العمل ليس فقط في وظائفهم، ولكن لتأمين السكن والطعام. بالإضافة إلى ذلك، ما تزال مصادرة جوازات السفر، ورسوم الاستقدام المرتفعة، وممارسات التوظيف التضليلية مستمرة، وتحدث إلى حد كبير دون عقاب، ويُحظر على العمال الانضمام إلى النقابات العمالية أو المشاركة في إضرابات.

معين رباني: كيف يقارَن وضع عمال البناء الوافدين في قطر بأولئك في قطاع البناء في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟

هبة زيادين: قطر ليست الدولة الوحيدة التي تستخدم نظام الكفالة لإدارة القوى العاملة الوافدة. يوجد في السعودية، والإمارات، وعُمان، والبحرين، والكويت عدد كبير من العمال الوافدين، وتفرض هذه الدول أشكالا مختلفة من هذا النظام. بينما هيمنت عملية الإصلاح في قطر على الأخبار الدولية، أعلنت حكومات أخرى أيضا عزمها إعادة هيكلة أو إصلاح أنظمتها. ومع ذلك، فإن هذه الإصلاحات بالكاد تغير أي شيء في النظام ولا تفعل شيئا يُذكر لتفكيكه.

في الوقت الحاضر، ما يزال العمال الوافدون في جميع البلدان الستة مرتبطين بأصحاب عملهم من حيث الدخول إلى بلد المقصد، وما يزال تنفيذ الإصلاحات التي تم تبنيها غير متساوٍ بين بلد وآخر. من أكثر انتهاكات حقوق العمال الوافدين شيوعا في دول الخليج عدم دفع أصحاب العمل أجور العمال في الوقت المحدد وبالكامل، ولا يزال العمال الوافدون ذوو الأجور المنخفضة في جميع أنحاء المنطقة معرضين بشدة لانتهاكات حقوق الإنسان.

في 2015، في محاولة لمعالجة انتهاكات الأجور الشائعة، أدخلت قطر تعديلات على قانون العمل وكشفت النقاب عن "نظام حماية الأجور" الذي رُوِّج له كثيرا، والذي وُضع لضمان دفع أصحاب العمل أجور العمال وفقا لقانون العمل. أنشئ نظام حماية الأجور في الأصل من قبل الإمارات في 2009، واليوم تستخدم جميع دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء البحرين صيغا من هذا النظام، ولكن تبيّنت معيقاته في جميع هذه الدول.

هناك مصدر قلق آخر في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، ويتعلق تحديدا بعمال البناء وغيرهم الذين يعملون في الهواء الطلق، وهو الافتقار إلى شروط كافية متعلقة بالحر لحماية حياة ملايين العمال الوافدين الذين يقومون بأعمال شاقة في ظروف مناخية حارة ورطبة غالبا لا تُحتمل، وتصل إلى 12 ساعة يوميا لستة وأحيانا سبعة أيام في الأسبوع.

تطبق جميع دول مجلس التعاون الخليجي حظرا مماثلا لساعات العمل في الصيف، لا يرتبط بظروف الطقس ودرجات الحرارة الفعلية، وبدلا من ذلك تحظر العمل في الهواء الطلق في أوقات محددة من اليوم خلال أشهر الصيف. لكن البيانات المناخية تظهر أن الأحوال الجوية في قطر ودول الخليج الأخرى خارج تلك الساعات والتواريخ تصل في كثير من الأحيان إلى مستويات يمكن أن تؤدي إلى أمراض قاتلة مرتبطة بالحرارة في غياب الراحة المناسبة. على الدول الست أن تبذل المزيد لحماية أولئك الذين يشيّدون بنيتها التحتية، ويحملون مسؤولية اقتصادها، ويهتمون بمنازلها وأطفالها. نقطة البداية هي تفكيك نظام الكفالة وإنهاء منع العمال الوافدين من الانضمام إلى النقابات العمالية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة