(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن السلطات المصرية استدعت أكثر من خمسة حقوقيين وحقوقيات بارزين خلال يوليو/تموز 2021 لاستجوابهم في إطار تحقيق جنائي امتد عقدا من الزمن. استخدمت السلطات القضية 173 لسنة 2011 لملاحقة أبرز الحقوقيين والمنظمات تعسفيا بشأن مزاعم تلقي أموال أجنبية.
منذ 2016، استدعت السلطات للاستجواب عشرات من أعضاء مجموعات غير حكومية، معظمها منظمات لحقوق الإنسان، ووضعت أكثر من 30 منهم على قوائم منع السفر التعسفي، وجمّدت أصول أكثر من 12 منظمة وفردا. ثلاثة من الأشخاص الخمسة الذين استُدعوا في يوليو/تموز لم يُستَجوَبوا سابقا. كان للقضية تأثير مخيف على العمل المدني في مصر.
قال جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على السلطات المصرية غلق القضية 173 نهائيا، والتوقف عن مضايقة المنظمات الحقوقية المستقلة لمجرد قيامها بعملها. من الواضح أن الاستدعاء المتكرر، ومنع السفر، وتجميد الأصول هي تكتيك لتضييق المساحة المدنية في مصر".
من الذين تم استدعاؤهم مؤخرا، في 29 يوليو/تموز، المدافعة عن حقوق المرأة ومديرة "نظرة للدراسات النسوية" مزن حسن، ومدير "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" حسام بهجت. وفي 27 يوليو/تموز، استدعت السلطات مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" جمال عيد، ومدير مكتب المحاماة "المجموعة المتحدة للقانون" نجاد البرعي. في 15 يوليو/تموز، استدعت السلطات المدافعة عن حقوق المرأة ومديرة "مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية" عزة سليمان. لم تكن السلطات قد استدعت مسبقا بهجت أو عيد أو البرعي، رغم منعهم منذ عدة سنوات من مغادرة البلاد.
بناء على منشورات وتصريحات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عقب جلسات النيابة الأخيرة، ركّزت أسئلة قاضي التحقيق علي مختار على تمويل مجموعات النشطاء، حيث تم التركيز في بعض القضايا على نشاطات تعود إلى العام 2005.
سمح لهم القاضي مختار بالاطلاع على ملف النيابة الذي يتكون بشكل أساسي من مزاعم "قطاع الأمن الوطني" ضدهم وضد منظماتهم، مثل "تشويه سمعة الدولة"، كما يتضمن الملف أحيانا إشارات إلى تقارير نشرتها هذه المنظمات حول انتهاكات حقوق الإنسان. لم يسمح القاضي لأي منهم بالحصول على نسخ من ملفات النيابة ولم يبلغهم بالتهم الرسمية قيد التحقيق.
قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في بيان لها إن استجواب عيد استمر قرابة ثلاث ساعات وإن القاضي أمره بالعودة لجلسة أخرى في 1 أغسطس/آب. جاء في البيان أن ملف النيابة، الذي لم تَرَه هيومن رايتس ووتش، تضمّن مزاعم الأمن الوطني أن عيد والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لعبا دورا في انتفاضة البلاد عام 2011، وأن الشبكة تلقت تمويلا من هيومن رايتس ووتش و"لجنة حماية الصحفيين". نفت لجنة حماية الصحفيين هذه المزاعم، بينما قالت هيومن رايتس ووتش إنها بالأساس منظمة توثيق ودفاع وليست جهة مانحة.
قال ستورك: "لم تقدم هيومن رايتس ووتش تمويلا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أو مِنَحا لأية منظمة أخرى في مصر".
قالت هيومن رايتس ووتش إن ثمة دلالات لاعتماد قاضي التحقيق مزاعم غير مسندة ومن الواضح أنها غير صحيحة قدمها الأمن الوطني، الذي يعمل بانتظام خارج القانون ويلفّق مزاعم لحبس المعارضين السلميين.
المادة 22 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" تُلزم مصر، كدولة طرف، بضمان حرية تكوين الجمعيات وإزالة القيود غير القانونية على ممارسة هذا الحق. قرار "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" رقم 22/6 (2013) بشأن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان ينص على أنه على الدول ضمان "ألا يجرم أي قانون أو ينزع الشرعية عن أنشطة الدفاع عن حقوق الإنسان بسبب مصدر تمويلها". قالت هيومن رايتس ووتش إن أي قيود لا يمكن أن تكون قانونية إذا ألغت جوهر حرية تكوين الجمعيات.
في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك خلال جلسات المحاكمة في يوليو/تموز، قال العديد من النشطاء الحقوقيين المصريين لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات استجوبت المدافعين عن حقوق الإنسان حول الملفات الضريبية لمنظماتهم وما إذا كان لديهم دليل على أنها دفعت الضرائب. قال البرعي لموقع "مدى مصر" الإخباري المستقل إن قاضي التحقيق أمر بتشكيل لجنة من مصلحة الضرائب للتدقيق في الضرائب والأموال للمنظمات المذكورة في القضية رقم 173. وقالت نظرة للدراسات النسوية الشيء نفسه.
قال ناشطان حُقّق معهما في القضية، أحدهما سبق الإفراج عنه بكفالة، إن اللجنة ستؤدي على الأرجح اليمين أمام القاضي في 1 أغسطس/آب، لكن لم يتضح عدد المنظمات التي ستحقق معها اللجنة. قال الناشطان إن هذا في الواقع "إعادة فحص" لأن لجنة سابقة فحصت بدورها ضرائب المنظمات. قال البرعي إن القاضي أخبره أن تحقيقات القضية 173 ستنتهي خلال "أسبوعين".
في 29 يوليو/تموز، نقل مدى مصر عن مصدر حكومي لم يسمّه قوله إن هناك "توافق من المؤسسات السياسية والأمنية" على غلق القضية 173 لعام 2011، مضيفا أن ذلك لا يعني إلغاء تجميد الأصول ومنع السفر. وقال المصدر إن من المرجح أن تواجه "بعض الأسماء المشمولة في القضية"، بسبب "ما تقوم به"، قضايا أخرى، تشمل على الأرجح تهما مالية.
قال نشطاء عدة لـ هيومن رايتس ووتش إنه يبدو أن السلطات بذلت جهودا في الأشهر الأخيرة لتركيز التحقيق في القضية 173 حول مزاعم التهرب الضريبي والفساد وذلك بهدف تفادي الدعوات الدولية والمحلية لإنهاء مضايقات المنظمات الحقوقية. قال الناشطان اللذان تحدثا إلى هيومن رايتس ووتش إن السلطات تعتزم على الأرجح فرض غرامات ضخمة على المنظمات من شأنها أن "تشل عملها" أو حتى تؤدي إلى أحكام بالسجن.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى الأدلة على التهرب الضريبي أو غيره من المخالفات لا تبرر إجراءات منع السفر وتجميد الأصول التعسفية التي واجهتها تلك المنظمات، دون محاكمة، لأكثر من ست سنوات.
قال ستورك: "من الواضح أن السلطات المصرية تبحث عن ذريعة أخرى لمواصلة حملتها القمعية ضد المجموعات غير الحكومية الناقدة. إذا كانت حقا تريد محاربة الفساد، فعليها رفع هذه القيود التعسفية وتوفير البيئة التي يمكن أن تطلق العنان للإمكانات الكاملة للمشاركة المدنية".