(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن لجنة قضاة مختصة بالفصل في قضايا الأطفال المحتجزين في العراق للاشتباه بانتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش") خلال النصف الأول من العام 2020 يبدو أنها تمتثل للمعايير الحقوقية الدولية بشكل أفضل مقارنة بالمحاكم العراقية الأخرى.
تُظهر سجلات اللجنة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2020 التي راجعتها هيومن رايتس ووتش قيام اللجنة بمراجعة معمّقة لقضايا فردية وحُكمها بالإفراج عن 75 طفلا مشتبه بهم لأسباب منها عدم كفاية الأدلة ومنع المحاكمة المزدوجة، وبموجب أحكام قانون العفو العراقي.
قالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "يشير عمل هذه اللجنة إلى فهم بعض القضاة العراقيين كيفية تطبيق المبادئ الحقوقية الدولية وتنفيذهم إياها حتى لو تجاهلها باقي السلك القضائي. نأمل أن يشارك "مجلس القضاء الأعلى" هذا المثال الإيجابي مع جميع المحاكم في البلاد ليصبح القاعدة وليس الاستثناء".
على مدى سنوات، اتهمت سلطات حكومتيّ العراق وإقليم كردستان مئات الأطفال بالإرهاب لانتمائهم المزعوم إلى داعش. استندت المحاكمات غالبا إلى اتهامات ملفقة واعترافات منتزعة تحت التعذيب، بغض النظر عن مدى تورط الأطفال مع داعش، إن وُجد. انتهك هذا النهج المعايير الدولية التي تقضي بوجوب معاملة الأطفال الذين جندتهم الجماعات المسلحة كضحايا أولا وليس كمجرمين.
لأكثر من عقد من الزمان، كانت لجنة في نينوى برئاسة قاضٍ تعمل مع مدعٍ عام وأخصائي اجتماعي للنظر في قضايا المشتبه بهم الذين كانوا أطفالا وقت انضمامهم إلى المنظمات الإرهابية. من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران، بدا أن هذه اللجنة تتبنى نهجا أكثر توافقا مع حقوق الإنسان تجاه القضايا التي تشمل الأطفال المشتبه بانتمائهم إلى داعش. في يونيو/حزيران، حلت السلطات القضائية اللجنة، قائلة إن الأخيرة راجعت جميع القضايا العالقة، لكن لجنة أخرى في نينوى للفصل في قضايا إرهاب متعلقة بالأطفال استمرت في العمل.
في أغسطس/آب، قال مصدر مقرب من محكمة الاستئناف الاتحادية ونقابة المحامين في نينوى لـ هيومن رايتس ووتش، طلب عدم ذكر اسمه، إن اللجنة راجعت 277 قضية قبل حلها في يونيو/حزيران. أدانت اللجنة 202 شخصا، وبرّأت 31 شخصا وأفرجت عنهم، وأطلقت سراح 44 بموجب قانون العفو العراقي لعام 2016. من بين الـ75 المُفرج عنهم، أَطلع المصدر هيومن رايتس ووتش على سجلات المحكمة الخاصة بـ 29 منهم. أُفرج عن 23 بموجب قانون العفو، وعن ثلاثة لقضائهم محكوميتهم، وبرّئ ثلاثة لعدم كفاية الأدلة. كذلك راجعت هيومن رايتس ووتش سجلات المحكمة الخاصة بخمس من الأشخاص الذين أدينوا.
أسقطت اللجنة ثلاث قضايا لقضاء المتهمين عقوبة على الجريمة نفسها من قبل. في القضية 137/غ. م./2020، اُعتقل المشتبه به عام 2018 وحُكم عليه بموجب قانون مكافحة الإرهاب بالسجن لمدة عامين. أعادت سلطات الموصل اعتقاله بعد قضائه مدة المحكومية بتهمة الانتماء لداعش. وجدت اللجنة أنه "لا يجوز محاكمة المتهم بنفس الجريمة مرتين"، وقالت إنها أمرت السلطات "بوقف الإجراءات القانونية بحقه وقفاَ نهائياَ".
في القضية 73/غ. م./ 2020، حكمت محكمة إقليم كردستان على متهم بالسجن لمدة عشرة أشهر بموجب قانون مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان (رقم 3/2006). بعد اعتقاله للمرة الثانية، أمرت اللجنة بإسقاط تهم الإرهاب الجديدة وإطلاق سراحه لأنه قضى العقوبة على تلك التهم. سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش حالات حوكم فيها أطفال مشتبه بهم بتهم إرهاب في إقليم كردستان ثم قُدموا للمحاكمة من جديد في الأراضي الخاضعة لسيطرة بغداد، بغض النظر عما إذا كانوا قد بُرّئوا أو أدينوا وقضوا عقوبتهم في إقليم كردستان.
في كل القضايا الخاصة بالـ23 المفرج عنها بموجب قانون العفو، اعترف المدعى عليهم بالمشاركة في تدريب لداعش لمدد تراوحت بين 7 و30 يوما قبل بلوغ 18 عاما، لكن لم يوجد دليل على مشاركتهم في أنشطة داعش الأخرى. في القضية 118/غ. م./2020، اعترف المدعى عليه بمشاركته في تدريب لشهر مع داعش عام 2014 عندما كان تحت سن 15 عاما. وجد قضاة اللجنة أن "المتهم الحدث في حينها لم يتم الخامسة عشرة من عمره وهو غير مدرك لنتائج أفعاله، وأن مجرد دخوله في دورة دون القيام بأي عمل أو نشاط إرهابي لا يمكن عده انتماء".
في خطوة إيجابية، تم تأييد جميع قرارات اللجنة من قبل اللجنة المختصة بقضايا الأطفال في محكمة التمييز الاتحادية.
منذ ظهور داعش في العراق، اتهمت سلطات حكومتيّ العراق وإقليم كردستان، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مئات الأطفال بالإرهاب بسبب الانتماء المزعوم إلى داعش. بموجب "قانون رعاية الأحداث العراقي" لعام 1983، فإن الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية هو تسع سنوات في العراق، و11 سنة في إقليم كردستان. ينص القانون العراقي أن على السلطات القضائية التي تتعامل مع قضايا الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة المزعومة إرسال الطفل المدان إلى "مدارس التأهيل"، المخصصة لتوفير التأهيل الاجتماعي وإعادة الإدماج من خلال التعليم أو التدريب المهني. قال مصدر مطلع على عمل محكمة استئناف نينوى الاتحادية، إنه يطلق على الزنازين داخل سجن تلكيف التي يحتجز فيها المشتبه بهم اسم "مدارس تأهيل الشباب"، لكنه قال إنه لا توجد برامج على الإطلاق لمن بداخلها، وأن الزنازين مماثلة لتلك الخاصة بالمحتجزين البالغين، دون إمكانية الحصول على مواد للقراءة أو الدراسة غير القرآن. أضاف أن الزنازين مزدحمة وأن سلطات السجن لا توفر الطعام الكافي لجميع النزلاء.
ينبغي أن يستخدم احتجاز الأطفال كملاذ أخير ولأقصر مدة مناسبة؛ ينص القانون الدولي المتعلق بالأطفال والنزاع المسلح على أنه ينبغي للدول مساعدة الأطفال الذين تجندهم الجماعات أو القوات المسلحة بشكل غير قانوني، بما في ذلك تقديم المساعدة المناسبة لتعافيهم البدني والنفسي وإعادة دمجهم في المجتمع. كما ذكرت "لجنة حقوق الطفل" التابعة للأمم المتحدة أن على الدول الامتناع عن توجيه اتهامات للأطفال ومقاضاتهم لمجرد ارتباطهم بجماعة مسلحة غير دولية، بما في ذلك الجماعات المصنفة على أنها إرهابية.
ينبغي لـ القضاء الأعلى تعميم المثال الذي أظهرته لجنة الموصل لتحسين احترام القضاء للمعايير القانونية الدولية التي تحمي الجنود الأطفال في جميع أنحاء البلاد. كما يجب ترقية القضاة الذين يتخذون خطوات واضحة لتحسين احترام القضاء للقانون الدولي.
ينبغي للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان تعديل قوانين مكافحة الإرهاب لإنهاء احتجاز ومحاكمة الأطفال لمجرد مشاركتهم في تدريب لداعش أو الانتساب إليه، مع الاعتراف بأن القانون الدولي يحظر تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة. إلى أن يتم تعديل القوانين، على مجلس القضاء الأعلى توجيه القضاة في جميع أنحاء العراق للإفراج عن جميع الأطفال الذين لم يرتكبوا جرائم أخرى وضمان إعادة تأهيلهم ودمجهم. يجب معاملة الأطفال الذين قد يكونون ارتكبوا جرائم عنف أخرى وفقا للمعايير الدولية لقضاء الأحداث.
ينبغي للسلطات أيضا إنهاء جميع أشكال استخدام التعذيب، والتحقيق مع المسؤولين عنه، ومحاسبتهم، والعمل مع الأمم المتحدة وغيرها من منظمات حماية الطفل ذات المصداقية لوضع برامج للمساعدة في إعادة تأهيل وإعادة دمج الأطفال المرتبطين سابقا بالجماعات المسلحة.
قالت والي: "اتخذ العراق خطوة صغيرة نحو حماية حقوق الأطفال بدلا من سحقها، لكن حتى هذا التقدم مهدد ما لم تعمّمه السلطات".