عندما قابلتُ جنى البالغة من العمر عامين وعائلتها في يونيو/حزيران الماضي، كنت مارة قرب مسكنهم في مخيم ابن الوليد في عرسال، لبنان. أمّ جنى، بدور، جاءت إليّ، وأمسكت بجنى في ذراعيها وقالت لي: "من فضلك تعالي إلى الداخل، ابنتي مريضة".
كنت في عرسال لتوثيق التطبيق المفاجئ لقوانين السكن اللبنانية القديمة. كان الجيش اللبناني قد منح اللاجئين السوريين مهلة حتى 1 يوليو/تموز للامتثال لقوانين السكن القائمة من زمن ولكن نادرا ما تطبق، وذلك لتفكيك ملاجئهم التي لم تستوفِ القوانين. وقد تطلب هذا الأمر من العديد من العائلات اللاجئة هدم الجدران والسقوف الصلبة التي كانت تحميهم من المناخ القاسي.
جنى وعائلتها من بين ما يقدر بـ 5,682 عائلة لاجئة سورية في عرسال أجبرت على الامتثال أو المخاطرة بهدم مساكنها بالكامل من قبل الجيش.
عندما دخلت مأواهم، استقبلني سعد، والد جنى. كان يقوم بتفكيك الجزء العلوي من المأوى الاسمنتي. وفقا للأوامر، يُسمح لملاجئ اللاجئين السوريين المبنية على أراضي زراعية في عرسال بإنشاء أساسات لا يزيد ارتفاعها عن خمسة حجارة باطون، ما أجبر اللاجئين على استخدام الأغطية البلاستيكية والخشب لبناء النصف العلوي والسقف.
قد تكون الأغطية البلاستيكية والخشب كافية لصيف عرسال الحار، لكن الشتاء قصة مختلفة تماما. أعرب اللاجئون السوريون الـ 40 الذين تحدثنا إليهم في عرسال وسهل البقاع في يونيو/حزيران، والذين كانوا يفككون مساكنهم، عن قلقهم بشأن مكوثهم في فصل الشتاء المقبل في بُنى الملاجئ جزء منها فقط إسمنتي.
وقال سعد: "سيكون هذا الشتاء صعبا. كان الأمر صعبا مع الجدار الإسمنتي [الكامل]، لا يمكنني أن أتخيل الوضع بدونه". ترددت مخاوف سعد في مقابلات مع اللاجئين الآخرين الذين أعربوا عن قلقهم من الفيضانات، والثلوج الكثيفة، ودرجات الحرارة المتجمدة، والجرذان، والحشرات التي تدخل إلى ملاجئهم الشبيهة بالخيم.
شعر جميع اللاجئين السوريين الذين تحدثت إليهم في يونيو/حزيران، بمن فيهم سعد وبدور، أن تطبيق قوانين السكن القديمة هذه كان من بين العديد من الضغوط التي كانت السلطات تستخدمها لحملهم على التخلي عن اللجوء والعودة إلى سوريا. وصف اللاجئون المداهمات على مخيماتهم من قبل السلطات اللبنانية، فضلا عن الاعتقالات وإغلاق المتاجر والمضايقات. أخبرتني إحدى النساء أنه بينما كان طفلاها عائدين من المدرسة، اقترب رجل منهم وقص أشرطة حقائبهم المدرسية.
تم القبض على سعد في إحدى مداهمات الجيش للمخيم في أحد الأيام حوالي الساعة 5 صباحا. وقال إن الجيش اعتقل حوالي 400 رجل وصبي. "فكرت بالهرب، لكن المخيم كان محاطا والهرب لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع". كان سعد مقيد اليدين وتم تحميله في شاحنة تابعة للجيش. وأضاف: "إذا نظرت إليهم، صفعوك". نُقلوا إلى قاعدة للجيش في بعلبك واحتُجزوا حتى اليوم التالي. عند إطلاق سراحهم في الثالثة صباحًا، تُركوا بمفردهم ليعودوا إلى المخيم. قالت بدور "في كل مرة يكون هناك طرقا قويا على الباب، نصاب بالخوف، ونعتقد بأن الجيش عاد مرة أخرى".
بالنسبة لسعد وبدور، فإن الاعتقال، والمضايقات، وتفكيك مأواهم ليس سوى نصف قصتهم. إنهم قلقون للغاية بشأن ابنتهم جنى، التي تعاني من السنسنة المشقوقة، وهي حالة لا يتشكل فيها العمود الفقري والحبل الشوكي بشكل صحيح. هذه الحالة يمكن أن تسبب الشلل ومشاكل في الجهاز الهضمي، والعضلات، والجلد. عندما التقينا بجنى، كانت قادرة على المشي، ولكن كان لديها انحناء بسيط في ظهرها.
أظهر والدا جنى لنا أوراقا من "المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت"، وهي تشخيص لحالة جنى يوصي بالجراحة. لكن الجراحة لم تكون علاجا مضمونا لجنى وكانت ستكلف 15 ألف دولار أمريكي. كان بإمكان جنى المشي عندما قابلناها، ولكن تم تحذير والديها من أنه بدون الجراحة، قد تصبح عاجزة عن المشي في غضون سنوات قليلة.
جميع أفراد العائلة مسجلون لدى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (المفوضية)، وتتلقى 27 دولار أمريكي شهريا لكل فرد من بطاقة الصراف الآلي. أخبرتني أم جنى أن هذا ليس كافيا، خاصةً لأنهم يدفعون مبالغ مالية إضافية لأدوية جنى.
تدعم المفوضية تكاليف الرعاية الطبية الأساسية للاجئين السوريين، لكنها لا تغطي الرعاية طويلة الأجل، أو العلاج التجريبي و/أو غير المستند إلى الأدلة، أو علاج الأمراض التنكسية (التي يسببها تدهور الأنسجة) المزمنة.
لذلك، مع المداهمات التي شنتها السلطات اللبنانية، بالإضافة إلى إمكانية العلاج في الوطن الأم، كان والدا جنى يشعران بالضغط للرحيل والعودة إلى سوريا.
قالت بدور: "نحلم بالعودة إلى سوريا، لكنها ليست آمنة بالنسبة لنا للعودة". أراد معظم اللاجئين السوريين الذين تحدثت إليهم، بمن فيهم سعد وبدور، العودة إلى سوريا، لكنهم تحدثوا عن مخاوفهم من التجنيد والاعتقال، والنزاع المستمر وانعدام الأمن والدمار الواسع في بلادهم كأسباب تمنعهم من العودة.
تحدثت إلى بدور في أكتوبر/تشرين الأول للاطمئنان على أسرتها. أخبرتني أنه بعد شهرين من الانتظار بدون مسكن مسقوفة، تلقوا أخيرا بعض الأخشاب والأغطية البلاستيكية في أغسطس/آب. قالت بدور: "خلال ذلك الوقت [كنا ننتظر مواد للسقف]، وكان لا يزال فصل الصيف. كان الوضع على ما يرام في النهار، والليل بارد قليلا. لكن كانت أكبر مشكلة هي وجود الحيوانات". أخبرتني بدور أن الضفادع والقطط تدخل باستمرار إلى الخيمة.
بمجرد استلامهم المواد اللازمة لإعادة بناء الجزء العلوي من المأوى، أدركوا بسرعة أنه لا يكفي لتغطية المأوى بأكمله. كما أنهم لم يتلقوا ما يكفي من العزل. كانت هناك فجوات واضحة في تغطية السقف وحول الجدران للحفاظ على الحرارة ومن دخول المياه إلى المأوى. قالت بدور: "إذا تساقطت الثلوج، فأنا خائفة من انهيار السقف الخشبي والبلاستيكي، وستدخل المياه إلى الداخل"، مضيفة أن مخيمها بأكمله كان يعاني من نقص في مواد البناء.
مرت ستة أشهر منذ أن التقينا بجنى وعائلتها لأول مرة. بدأ الطقس في لبنان في البرودة مع هطول الأمطار. يواجه اللاجئون السوريون في جميع أنحاء عرسال نقص المواد اللازمة لفصل الشتاء لدعم ملاجئهم. في شتاء 2018-2019، توفي لاجئ سوري عمره ثماني سنوات وتعين نقل حوالي 300 لاجئ سوري بسبب الظروف الجوية القاسية، بما فيها الأمطار الغزيرة والثلوج ودرجات الحرارة دون الصفر.
بالنسبة لعائلة جنى، والعديد من أسر اللاجئين السوريين الأخرى التي لديها أطفال وأفراد من أسرهم يحتاجون إلى علاج طبي مكثف، فإن الاستعداد الشتاء يمثل نصف المشكلة. والعودة إلى الوطن ليس الحل.