دعت اليوم ثماني منظمات مجتمع مدني سورية ومنظمات دولية حقوقية مجموعة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن للأمم المتحدة، إلى التطرّق فورًا إلى ملفّ الاعتقالات التعسفية وعمليات الخطف والتعذيب وأنواع سوء المعاملة الأخرى والإخفاء القسري بشكل واسع النطاق لعشرات الآلاف من السوريين على يَد الحكومة السورية والجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة وتنظيم "الدولة الإسلامية".
في معرض الأزمة، وثّقت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمجتمع المدني السوري على نطاق واسع المخالفات الخطيرة والصادمة ضدّ الأفراد المحرومين من حريتهم من جميع أطراف النزاع المسلح. مات المئات في الاعتقال بسبب التعذيب أو سوء المعاملة، وأخفت الحكومة السورية الآلاف بشكل قسري؛ كما اختفى آخرون بعد اختطافهم على يَد جماعات مسلّحة معارضة للدولة أو على يَد تنظيم "الدولة الإسلامية".
مارست قوات الحكومة الاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والإخفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء بحقّ عشرات الآلاف. في كثير من الحالات، وصلت هذه المخالفات إلى حدّ جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية. استهدفت الحكومة السورية الأشخاص الذين اعتبرتهم معارضين لها أو غير موالين، بمَن فيهم النشطاء السياسيين والمتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين والأطبّاء والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية. واحتجزت القوات الحكومية بعض الأشخاص بشكل تعسّفي من خلال مداهمات منزلية أو عند الحواجز أو في مكان العمل والجامعة والمنزل. وأشارت مصادر محلية إلى استمرار هذه الممارسات في المناطق التي استعادتها الحكومة السورية.
خلال الاحتجاز، أخفت الحكومة العديد من المحتجزين بشكل قسري، بينما عرّضت آخرين إلى التعذيب منذ لحظة اعتقالهم، واستمرّت في تعذيبهم لأيام وأسابيع وشهور بوسائل عديدة شملت الضرب والصدمات الكهربائية وإرغامهم على الوقوف بوضعيات مجهدة لفترات طويلة من الوقت. كما حرمت المحتجزين من الحاجات الأساسية، بما فيها الطعام والماء والدواء والرعاية الطبية والصرف الصحي، وزجّتهم في زنازين مكتظّة من دون إمكانية تنشّق هواء نظيف وفي غياب التهوئة.
كذلك ارتكبت الجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة مخالفاتٍ خطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك عمليات الخطف والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة. ووفقًا لعدّة منظمات مختصة بحقوق الإنسان، احتجزت هيئة تحرير الشام مئات الأفراد في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، في كثير من الأحيان بسبب عملهم السلمي في توثيق الاعتداءات أو الاعتراض على حكم الهيئة التي عذّبت وأساءت معاملة بعض المحتجزين أيضًا. وذكرت مصادر محلية في عفرين وقوع 110 اعتداءات على الأقلّ، يبدو أنّها تصل إلى حدّ الاعتقال التعسفي للمدنيين وتعذيبهم وخطفهم على يَد الجماعات المسلّحة المؤيدة لتركيا. واختطف تنظيم "الدولة الإسلامية" الآلاف، ويبقى مصير معظمهم مجهولًا، حتى بعد هزيمة التنظيم.
وتُعتبر عائلات المخفيين أيضًا من ضحايا جريمة الإخفاء القسري.
تتأثر النساء بشكل خاص باختفاء أقربائهم الذكور على مستويات مختلفة. فبالإضافة إلى الأثر العاطفي والنفسي الذي يسببه الاختفاء على أفراد العائلة، فالنساء، سواء كن أمهات أم زوجات، يفقدن المعيل الأساسي للأسرة. ومن دون وثيقة رسمية تعترف بحادثة الاختفاء، لا تتمكن زوجات المختفين، غالباً، من تلقي المساعدات أو أي خدمات أخرى إذ أن بعض المنظمات الإنسانية تعطي الأولوية للأرامل. وغالباً ما تُرفض قضايا إعادة التوطين الخاصة بهم. كما يجدن أنفسهن في مأزق قانوني، وغير قادرات على المطالبة بالميراث والممتلكات أو الزواج مرة ثانية. وفي بعض الأحيان لا يتمكنّ من نقل أولادهن، بما أن القانون السوري يتطلب إذنًا من الوصي الذكر.
حتى الآن، تستمرّ سلطات الحكومة السورية باحتجاز عشرات الآلاف وتعريضهم للإخفاء القسري. نادرًا ما يتمّ إطلاع عائلاتهم على أماكن احتجازهم أو على ما إذا كانوا على قيد الحياة. واعتبارًا من مايو/أيار 2018، بدأت الحكومة السورية بتحديث سجلّات الأحوال الشخصية في أجزاء عديدة من البلاد، من ضمنها ريف دمشق ومحافظات حماة وحلب والسويداء، لإظهار وفاة بعض الأشخاص الذين احتجزتهم أو أخفتهم بشكل قسري. في بعض الحالات، أُعطيت العائلات شهادات وفاة تذكر تواريخ وفاة تعود إلى 2013 أحيانًا وتحدّد سبب الوفاة بالـ"النوبة القلبية".
لكن، لم تستجِب الحكومة لطلبات عائلات المخفيين قسرًا بتزويدها بمعلوماتٍ عن ظروف الإخفاء القسري أو حالات الوفاة كما لم تسلّمها جثامين المتوفين. ويتخوّف كثيرون من طلب معلومات إضافية عن أقربائهم المختفين. وفي الوضع الراهن، ما من طريقة للتأكّد من الوفاة من دون أن تعيد الحكومة الجثامين إلى العائلات ومن دون إطلاق تحقيقٍ مستقلّ لمعرفة سبب وطريقة الوفاة.
وعلى الرغم من الأدلّة الصادمة التي تظهر الانتهاكات والتأثير المحبط المستمرّ لهذه الممارسات على سوريا، لم يتحقّق تقدّم ملحوظ في قضية إطلاق سراح المحتجزين بشكل تعسّفي وتقديم معلومات عن مكان وجود المخفيين والمفقودين ومساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. بالعكس، تستمرّ قوات الحكومة والجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة باعتقال واختطاف الأفراد وتظلّ تفلت من العقاب، بينما تطرح العائلات أسئلة ولا تحصل على أجوبة.
هناك غيابٌ لأيّ جهودٍ ناجعةٍ وفعليةٍ لحلّ المسألة خارج إطار تبادل الأسرى المحدود الذي لا يستوعب حجم المشكلة.
بالتالي، نستمر بحثّ الدول المذكورة أدناه على أخذ التوصيات التالية بعين الاعتبار لإنهاء عذاب عائلات المخفيين والمحتجزين بشكل تعسفي ولمنح هذه العائلات وصولًا إلى العدالة:
- الضغط على الحكومة السورية والجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة وحليفاتها روسيا وإيران وتركيا، لـ:
- الكشف عن أسماء ومواقع ومصير الأشخاص الذي تعرّضوا للإخفاء القسري والخطف والذين أُعدموا خارج نطاق القضاء أو وفق إجراءات موجزة أو ماتوا في مراكز الاحتجاز.
- إعادة جثامين الضحايا فورًا إلى العائلات كي تستطيع ممارسة طقوس الدفن الملائمة، وإبلاغ الأقرباء بظروف اختفاء ووفاة أحبّائهم.
- الكشف عن أسماء ومواقع المحرومين من حريتهم وعن وضعهم القانوني.
- وقف استخدام المحاكمات الجائرة والكف عن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وإلغاء محاكم الميدان العسكرية، وإصلاح "محكمة مكافحة الإرهاب"، بما يتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وذلك في القانون وفي الممارسة.
- منح المراقبين الدوليين المستقلين الإذن دون عائق بزيارة جميع المحرومين من حريتهم، والسماح لهم بالتحقيق في ظروف الاحتجاز ومراقبة الأوضاع في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك في المقرّات الأمنية ومراكز النزوح.
- الحرص على حماية المعنيين بالبحث عن ضحايا الإخفاء القسري، خصوصًا أقرباء الأسرى المخفيين، من سوء المعاملة والتخويف والانتقام والاعتقال والإخفاء القسري.
- كذلك نحثّ الدول الأعضاء المموّلة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى على:
- الحرص على أن يعزّز التعاون الدولي وبرامج دعم إعادة الإعمار والتنمية بشكل ناشطٍ التزامات ومعايير حقوق الإنسان المناسبة ويحميها ويحترمها،
- وضع وتمويل برامج ترمي إلى توفير العدالة وتقديم التعويضات للضحايا وعائلاتهم، مع أخذ حاجات عائلات المخفيين بعين الاعتبار،
- الحرص على أن تتطرّق برامج الحماية المموّلة إلى أبرز المخاوف المتعلقة بالحماية، بما فيها الأنماط المستمرّة للاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة والمضايقة،
- دعم تأسيس نظام موحّد لتسجيل جميع حالات المفقودين في سوريا، بمَن فيهم المخطوفين لدى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتأمين معلومات عن الجثامين المجهولة أو المقابر الجماعية. يجب أن يكون هذا النظام بمثابة مرجع يحفظ المعلومات المتوفّرة حول مصير المخفيين في سوريا لتسهيل الإجراءات المستقبلية لتحديد هوياتهم وإعادتهم إلى ذويهم. يجب أن تكون معايير هذه البيانات وشروط جمعها موحّدة كي يكون النظام مجديًا، كما يجب أن يتمكّن أقرباء المفقودين من مراجعة المعلومات المتوفرة في مثل هذا النظام حول أحبّائهم.
- تمويل الآلية الدولية المحايدة والمستقلّة، والعمل على أن تكون ميزانية الآلية ضمن الميزانية العادية للأمم المتحدة لتوثيق جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المرتكبة بحقّ المحرومين من حريتهم.
- تطبيق الولاية القضائية العالمية أو وضع إطارٍ قانونيٍ مناسبٍ لمقاضاة الجرائم الدولية التي تُرتكب في سوريا، في حال عدم وجود ذلك، لمعاقبة الجناة.
المنظمات الموقعة:
منظمة العفو الدولية
دولتي
ضمة
عائلات من اجل الحرية
هيومن رايتس واتش
نو فوتوزون
من أجل سورية
نساء ألان