(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات المصرية لم تحقق مع أي من أفراد قوات الأمن أو تقاضيهم بعد مرور 5 سنوات على قتلهم المتظاهرين السلميين بشكل ممنهج وواسع النطاق في ميدان رابعة في القاهرة. أدين مئات المتظاهرين بتهم غير عادلة في محاكمات جماعية على خلفية الاحتجاجات.
قتلت قوات الأمن 817 متظاهرا على الأقل في غضون ساعات قليلة يوم 14 أغسطس/آب 2013 أثناء فضها بعنف الاعتصام في رابعة العدوية، حيث كان التجمع الرئيسي للمحتجين الذين يطالبون بإعادة الرئيس محمد مرسي إلى السلطة، والذي أطاح به الجيش واعتقله في 3 يوليو/تموز 2013. يعزز الغياب الكلي للتحقيق في أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث، والتي ربما تصل إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، الحاجة الملحة إلى إجراء تحقيق دولي. أصدرت مصر مؤخرا قانونا "لتحصين" كبار الضباط العسكريين من التحقيق معهم بسبب انتهاكات محتملة بعد الإطاحة بمرسي.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بعد 5 سنوات على مذبحة رابعة، كانت الاستجابة الوحيدة من السلطات هي محاولة كف يد العدالة عن المسؤولين عن هذه الجرائم. ردّ حلفاء مصر على جرائم رابعة وعدم إنصاف الضحايا كان الصمت المطبق".
في أغسطس/آب 2014، أصدرت هيومن رايتس ووتش نتائج التحقيق الذي استمر لمدة عام في مذبحة رابعة، وما أعقبها من حوادث قتل جماعية أخرى للمتظاهرين، استنادا إلى مقابلات مع أكثر من 200 شاهد، التحقيقات في الموقع فور وقوع الهجمات، استعراض لساعات من لقطات الفيديو، الأدلة المادية، وتصريحات المسؤولين الرسميين.
خلصت هيومن رايتس ووتش استنادا إلى هذه الأدلة إلى أن عمليات القتل لا تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل من المحتمل أنها تشكل جرائم ضد الإنسانية، لكونها واسعة النطاق وممنهجة على حد سواء، ولوجود أدلة تشير إلى أن عمليات القتل كانت جزء من سياسة متبعة.
في 26 يوليو/تموز، وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 161 لسنة 2018 بشأن "معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة". يمكّن القانون الرئيس من منح القادة العسكريين معاملة الوزير و"المناعة الدبلوماسية" عند السفر إلى الخارج لحمايتهم من المساءلة.
كما يمنح القانون هؤلاء الضباط "الحصانة" من المقاضاة أو الاستجواب بشأن أي حدث وقع بين 3 يوليو/تموز 2013 ويناير/كانون الثاني 2016، إلا بإذن من "المجلس الأعلى للقوات المسلحة". يسمح القانون المصري الحالي فقط للمدعين العسكريين، الذين هم جزء من وزارة الدفاع، بمتابعة التحقيقات ضد ضباط الجيش الحاليين أو السابقين، وهي طبقة أخرى من الحصانة المحلية للموظفين العسكريين.
أطاح الجيش المصري بالرئيس السابق مرسي في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في 30 يونيو/حزيران 2013. ردّ أنصار مرسي باحتجاجات في جميع أنحاء مصر واجتمعوا في ميدانين رئيسيين في القاهرة، رابعة والنهضة. وثّقت هيومن رايتس ووتش بالتفصيل 6 حوادث أطلقت فيها قوات الأمن النار بصورة غير قانونية على جماهير من المتظاهرين السلميين في معظمهم، بين 3 يوليو/تموز و16 أغسطس/آب. توفي 1,185 شخصا على الأقل.
على الرغم من تبرئة قوات الأمن بشكل عام، فقد اتهمت العديد من البيانات والتقارير الرسمية الشرطة باستخدام القوة المفرطة. قال رئيس الوزراء الذي أشرف على العمليات، حازم الببلاوي، ردا على تقرير هيومن رايتس ووتش في 2014: "يجب تقديم كل من ارتكب خطأ... للمحاكمة والتحقيق معه".
في 13 ديسمبر/كانون الأول 2013، أنشأ الرئيس المؤقت عدلي منصور لجنة تقصي حقائق لجمع "المعلومات والأدلة" حول الأحداث التي رافقت الاحتجاجات في 30 يونيو/حزيران. لم تمتلك اللجنة التي ضمت أساتذة في القانون ومسؤولين حكوميين سابقين رفيعي المستوى أي صلاحيات قضائية.
أصدرت اللجنة ملخصا تنفيذيا في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ألقت فيه باللوم على قادة الاحتجاجات على وقوع الضحايا في رابعة بسبب السماح بالأسلحة داخل الاعتصام. لكن اللجنة أقرت كذلك بأن قوات الأمن لم تستهدف الأشخاص المسلحين فقط. وجدت اللجنة أيضا أن المتظاهرين العزل أخطأوا، لأنهم بقوا في الاعتصام مع العلم أن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين. لم يُنشر التقرير الكامل بعد.
في 6 مارس/آذار 2014، أصدر "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر تقريرا عن فضّ اعتصام رابعة يقول فيه إن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات الأمن، ما اضطرهم إلى استخدام القوة القاتلة. مع ذلك، قال التقرير أيضا إن هناك "انعدام التناسبية" واستخدام مفرط للقوة من قبل قوات الأمن، وإن قوات الأمن لم تؤمّن ممرا آمنا لخروج المتظاهرين الراغبين في المغادرة، ولم تسعف الجرحى.
طالبت كل من اللجنة والمجلس القومي لحقوق الإنسان بتعويض الضحايا الذين "لم يثبت تورطهم في أعمال عنف". كما دعا المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل.
في 28 يوليو/تموز 2018، عقب محاكمة جماعية جائرة، أصدرت دائرة الإرهاب في محكمة جنايات جنوب القاهرة أحكاما بالإعدام بحق 75 متهما في قضية فض اعتصام رابعة. حوكم أكثر من 739 متهما في القضية، نصفهم تقريبا محتجزون. من المقرر صدور الحكم النهائي في 8 سبتمبر/أيلول. يواجه المتهمون تهم القتل العمد، مهاجمة المواطنين، مقاومة السلطات، تدمير الممتلكات العامة، وحيازة الأسلحة النارية وقنابل "المولوتوف".
من بين المدعى عليهم، معتصمون وقادة من "الإخوان المسلمون" وصحفيون وأطفال. كما تم استدعاء العديد من أفراد قوات الأمن الذين شاركوا في عملية الفض العنيفة كشهود، لكن النيابة العامة لم تستجوب أيا منهم فيما يتعلق بالاستخدام المفرط للقوة أو القتل المتعمد أو العشوائي للمتظاهرين العزل.
في 9 يناير/كانون الثاني 2018، حكمت محكمة جنايات الجيزة على 23 متظاهرا بالسجن المؤبد، وعلى 223 بالسجن 15 سنة، وعلى 22 آخرين بالسجن 3 سنوات، في حين تمت تبرئة 109 أشخاص في القضية على خلفية فض اعتصام النهضة. واجه المتهمون اتهامات مماثلة لتلك في قضية اعتصام رابعة. لم يُستجوب أي عنصر أو ضابط في قوات الأمن المعنية.
في 18 سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت محكمة جنائية انعقدت في سجن وادي النطرون الحكم في قضية تفريق المتظاهرين الموالين لمرسي في مسجد الفتح في القاهرة بعد يومين من اعتصام رابعة. أصدرت المحكمة أحكاما بالسجن تراوحت بين 3 سنوات والسجن المؤبد ضد 335 متهما، في حين تمت تبرئة 52. من بين الأشخاص الذين تمت تبرئتهم، المواطن الإيرلندي إبراهيم حلاوة، و3 من شقيقاته.
بالإضافة إلى عدم التحقيق في عمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها قوات الأمن، لم تلبِّ السلطات متطلبات المادة 241 من الدستور المصري، التي تتطلب إصدار قانون للعدالة الانتقالية خلال الدورة البرلمانية الأولى عام 2016. كما تنص المادة أن على القانون ضمان "كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية".
قالت ويتسن: "دون إحقاق العدالة، ستبقى أحداث رابعة جرحا نازفا. يجب ألا يَأمَن المسؤولون عن عمليات القتل الجماعي بحق المحتجين على أنفسهم من المساءلة إلى الأبد".