(نواكشوط) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن الحقوقيين في موريتانيا يواجهون القمع عندما يُثيرون القضايا الاجتماعية الأكثر حساسية في البلاد. تشمل هذه القضايا التمييز العرقي والفئوي، الرق، والحاجة إلى المساءلة بشأن حملة من الفظائع ارتكبت ضد جماعات معينة قبل 3 عقود.
يتناول تقرير "المسألة العرقية، التمييز، وخُطوط حُمر أخرى: قمع الحقوقيين في موريتانيا"، الصادر في 45 صفحة، الإطار القانوني الذي يسمح للحكومة بسهولة أن ترفض الاعتراف القانوني بالجمعيات التي لا تُحبذها، على أسس من قبيل القيام بـ "دعاية معادية للوطن" أو مُمارسة "تأثير مُفزع على نُفوس المواطنين". في غياب الاعتراف القانوني، تواجه الجمعيات ضغطا شديدا لدى محاولتها استئجار قاعة لتنظيم اجتماع أو مُناسبة عامة، أو الحصول على ترخيص للاحتجاج سلميا، أو الحصول على تمويل من المانحين الأجانب.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تتسامح السلطات مع النشاط الحقوقي إلى حد معين. لكن بقدر ما يُحاول الناشطون إثارة القضايا الاجتماعية الاكثر إلحاحا في البلاد، بقدر ما يبدو أنهم يواجهون حظرا، محاكمات، وعقبات تهدف كلها إلى عرقلة عملهم".
من بين الأمثلة الراهنة الأكثر إثارة للقلق قضية الزندقة ضد المدون محمد الشيخ ولد امخيطير، الذي واجه عقوبة الإعدام، حتى وقت قريب، لكونه انتقد استخدام الدين لتبرير التمييز. وفي حالة أخرى، يقضي كل من عبد الله السالك وموسى بلال بيرام، الناشطان في حركة مناهضة للرق، عامين في سجن ناءِ بعد محاكمة غير عادلة.
يعكس التنوع العرقي في موريتانيا موقعها الجغرافي، حيث تُعتبر جسرا بين المنطقة المغاربية الكبرى وغرب أفريقيا جنوب الصحراء. ويتكون السكان من 3 مجموعات عرقية رئيسية. تتحدث مجموعتان منها، وتُشكلان معا نحو 70 بالمئة من السكان، لهجة عربية محلية تُعرف بالحسانية. تنحدر المجموعة الأولى، البيضان، من العرب والبربر. المجموعة الثانية والأكبر من الأولى هي الحراطين، التي تتألف في الغالب من العبيد السابقين ذوي البشرة الأكثر سمرة وذريتهم. وتتألف المجموعة الثالثة، الموريتانيون الأفارقة، من مجموعات عرقية عديدة، لغاتها الأم أفريقية. جميع الموريتانيين تقريبا يعتبرون أنفسهم مسلمين.
شَرَعت السلطات ما بين عامي 1989 و1991، أثناء اشتداد التوتر مع السنغال في الجنوب، في حملة شملت إعدامات غير قانونية، الطرد إلى السنغال، ومصادرة الأراضي التي استهدفت الموريتانيين الأفارقة. منحت الحكومة آنذاك عفوا شاملا، عام 1993، للمسؤولين عن هذه الانتهاكات. لكن الحكومة الحالية تُصر على أنها قدمت التعويض والاعتراف للضحايا وورثتهم، وأن هذه الصفحة من تاريخ موريتانيا يجب أن تُطوى الآن.
يواجه الناشطون الذين يرفضون العفو ويستمرون في المطالبة بمزيد من التعويضات، وكشف الحقيقة، والمساءلة قمعا متفرقا. يخضع العقيد المتقاعد عمر ولد ابيبكر لتحقيق جنائي منذ عامين لأنه أيّد علنا محاكمة المسؤولين عن إعدام عشرات من زملائه الضباط قبل رُبع قرن.
لم تُلغ موريتانيا الرق إلا في عام 1981، وجرّمته لأول مرة في عام 2007. تزعم الحكومة أن التحدي اليوم يتمثل في معالجة آثار الرق، بما أنه تم القضاء على الرق نفسه. ويقول ناشطون إن الرق ما زال يُمارس، على الرغم من غياب البيانات الموثوقة ووجود خلاف حول مدى انتشاره.
تستهدف السلطات بشكل خاص "مُبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية" (إيرا)، وهي المجموعة الأكثر صراحة في مُناهضة الرق. بالإضافة إلى السالك وبيرام، اللذين أدينا بالتحريض على تجمع غير مسلح وتسيير جمعية "غير معترف بها"، تلقى 8 أعضاء آخرين أحكاما مُخففة بالسجن في نفس المحاكمة. وفي قضية سابقة، أمضى رئيس المجموعة ونائبه 18 شهرا في السجن بتهم مُلفقة تتعلق بمواجهة الشرطة في عام 2014 بشأن "قافلة" للتوعية شاركت إيرا في تنظيمها.
اتخذت موريتانيا خطوات لإظهار التزامها بالنظام الدولي لحقوق الإنسان. صادقت على مُعظم مُعاهدات حقوق الإنسان الكبرى، واعتمدت قوانين محلية لحماية حقوق الإنسان، كما تعمل مع الآليات الحقوقية الأممية والأفريقية. سمحت بالدخول المتكرر، لكن ليس دون قيود، للمُنظمات الحقوقية الدولية. زارت هيومن رايتس ووتش البلد مرتين عام 2017 دون عوائق؛ اجتمع مسؤولون مع الوفد، وسمحوا له بزيارة السجون، وقدموا ردا مكتوبا على الأسئلة، نُشر في التقرير.
لكن السلطات تُقوض هذه الخطوات الإيجابية بقمعها للناشطين المحليين. مكان المدون امخيطير غير معروف. رغم أن حكم محكمة الاستئناف في نوفمبر/تشرين الثاني كان ينبغي أن يُؤدي إلى إطلاق سراحه، لم يُشاهَد أو يسُمَع عنه منذ ذلك الحين، ولم تُصرح السلطات علنا عن أي شيء بشأن مكانه.
على السلطات الموريتانية إلغاء إدانة امخيطير، والإفراج عنه فورا دون قيد أو شرط، وإلغاء أحكام المادة 306 من القانون الجنائي التي تُجرم الزندقة وتُعاقب عليها بالإعدام. ينبغي أيضا الإفراج عن الناشطين السالك وبيرام، ومنحهما محاكمة جديدة وعادلة إذا توفرت أدلة تقتضي ذلك.
ينبغي للحكومة الحد من قدرة السلطة التنفيذية على حل الجمعيات أو رفض تسجيلها، تعديل مشروع قانون الجمعيات لإلغاء شرط التسجيل أو تسهيله، السماح لأي مجموعة سلمية بالتسجيل، والسماح بالتجمعات العامة دون إذن مسبق ما لم يكن هناك خطر واضح على الأمن القومي أو النظام العام.
قالت ويتسن: "تُقدم السلطات آلاف الجمعيات المستقلة الشرعية في موريتانيا كدليل على أن المجتمع المدني يزدهر. لكن الدليل الحقيقي يكمن في كيفية تعامل الحكومة مع أقلية صغيرة من الجمعيات التي تثير بقوة أسئلة صعبة".