في 4 نوفمبر/تشرين الثاني افتتح عبد الفتاح السيسي رئيس مصر المنتدى العالمي للشباب، وهو مؤتمر دولي استضافته مدينة شرم الشيخ الواقعة على البحر الأحمر.
حضر المؤتمر العشرات من المسؤولين المصريين والأجانب فضلا عن شباب أجانب ومصريين – وقد مولت مصر بسخاء حضور العديدين منهم – وقد نُظم المؤتمر تحت شعار العبارة اللافتة "نحتاج أن نتكلم".
السؤال هو نتكلم عن ماذا؟
لم تترك كلمة السيسي في افتتاح المؤتمر مساحة لتأويل أولوياته. بدأ فورا بموضوعه المفضل، الإرهاب، ومنه إلى اقتراح بابتكار قانوني لمواجهة الإرهاب. أعلن أنّ "مقاومة الإرهاب والتصدي للإرهاب حق من حقوق الإنسان، حق جديد أضيفه أنا في مصر".
يقول مصريون كثيرون ممن تُستبعد أصواتهم من مثل هذه المؤتمرات، أنهم يفضلون الكلام عن الحقوق الكثيرة القائمة التي لا يمكنهم ممارستها، أو يُزج بهم في السجون عندما يحاولون ممارستها.
تشمل هذه الحقوق الحق في حرية التعبير، في حرية المعلومات، حق التجمع السلمي والتظاهر، والحق في الحد الأدنى العادل للأجور. حسب توثيق منظمات حقوقية مصرية، "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمات أخرى لهذه الانتهاكات الجسيمة بقدر كبير من التفصيل، فمن المفيد إلقاء نظرة على "إسهام" السيسي في قانون حقوق الإنسان.
تواجه مصر تهديدات أمنية حقيقية. لكن القانون الدولي ينص بالفعل، بوضوح، وبقدر كبير من التفصيل على حقوق السلطات في اتخاذ تدابير "استثنائية" في أوقات الأزمات، وإن كانت تُتخذ فقط لفترة محددة ودون تقويض بعض الحقوق الأساسية.
لكن لا ينص القانون الدولي على أمور مثل الحق في "التصدي". إنما يتحدث عن الحق في الأمن. وفي قانون حقوق الإنسان الأفريقي، فهو يتحدث عن "الحق في السلام".
يريد الرئيس المصري تحويل حالة الاستثناء هذه إلى واقع دائم، ويحاول استخدام تهديد الإرهاب في اكتساب موافقة دولية على هدم حكومته للمنظمات المستقلة المصرية ولسحق طموح المواطنين في إدارة حكومية ديمقراطية وخاضعة للمحاسبة.
لكن حلفاء مصر في الغرب كان عليهم منذ زمن أن يفهموا أن القادة المستبدين في مصر يستغلون خطاب الأمن في تجاهل الحقوق، بدلا من الاهتمام بها.
لا أحد يمنع الحكومة المصرية من "التصدي للإرهاب". فماذا وراء خطاب السيسي هذا حقا؟
يبدو أن السيسي ونخبة مصر الحاكمة يعتقدون أنه لا يمكن التصدي للإرهاب دون سحق الحقوق. موقفهم هو أن معارضة الحكومة مرادف لأن يكون المرء "إرهابيا"، وأن سيادة القانون مجرد عائق يحول دون ضمان الأمن.
يتأرجحون بين إنكار وقوع انتهاكات حقوق الإنسان – وبدرجة أقل – التأكيد على أن مصر تواجه "ظروفا استثنائية"، وأن هذه الحقوق يجب "أن تُفهم في سياقها الحقيقي، في سياق دولة مثل مصر"، كما قال السيسي ذات مرة.
إجمالا، يؤمن السيسي بالتفرد المصري. لكنه ليس بالتفرد الذي تجسد في ميدان التحرير في 2011 وحصد إعجابا شعبيا عالميا بنضال المصريين السلمي في أغلبه ضد الحكم المستبد. إنما يقول السيسي وحكومته بأن الاستبداد والقمع فقط هما الضمانة لأمن مصر واستقرارها.
لذا بينما عملت الحكومة على ضمان تمتع ضيوفها بالشواطئ المشمسة في شرم الشيخ، هناك مصري آخر، اسمه جمال سرور، مات وراء القضبان، مثل عشرات آخرين، في مدينة أسوان.
لم يكن سرور "إرهابيا"، ولم يُدن بأي جريمة. كان محتجزا بشكل تعسفي في الحبس الاحتياطي، مثل الآلاف من المعتقلين السياسيين المصريين، لأنه قرر استخدام الدف المصري في التظاهر السلمي ضد السياسات الحكومية الخاصة بالأراضي في مدينته.
في حين مُنح مئات الشباب الذين حضروا إلى مؤتمر السيسي من جميع أرجاء العالم حوافز للمشاركة، يقبع شباب مصريون في السجون في ظروف مزرية لأنهم تجرأوا على الاختلاف مع حكومتهم.
دأب حلفاء مصر الغربيون، ومنهم فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على تصديق رواية السيسي المزيفة كما هي تماما. لكن عليهم أن يفهموا أن رؤيته للأمن وحقوق الإنسان تعكس جذور المؤسسة الاستبدادية في مصر على مدار العقود الثلاثة الماضية. هو نفس التفكير الذي شكّل السياسات التي أشعلت شرارة انتفاضة 2011.
دعونا لا ننسى أن أثناء انتفاضة مصر في 2011 رد عمر سليمان، مدير مخابرات الرئيس السابق مبارك لعقود، على سؤال بما إذا كان يؤمن بالديمقراطية، بقوله: "طبعا! الجميع يؤمنون بالديمقراطية... لكن متى؟"
بين مقولة السيسي بأن "التصدي للإرهاب حق من حقوق الإنسان" ورأي عمر سليمان بعدم جاهزية المصريين للحكم الديمقراطي، على حلفاء مصر احترام ودعم المصريين، لا حُكامهم المستبدين.
عليهم الرد بربط دعمهم لحكومة السيسي بتحقيق تحسينات ملموسة في حقوق الإنسان. عليهم إدراك أن قبولهم لرؤية السيسي للعالم – سواء كانوا يصدقونه فعلا أم انطلاقا من المصالح السياسية – يؤدي إلى وقوع مزيد من الانتهاكات والمعاناة بحق المصريين على المدى القصير.
هؤلاء هم المصريون الذين – مع عدم قدرتهم على التحدث بحرية في الإعلام التقليدي – قفزوا بشجاعة وجرأة على هاشتاغ المؤتمر #WeNeedtoTalk للتعبير عن آرائهم لمناقشة الانتهاكات الحكومية.
على المدى البعيد، فإن حلفاء مصر الغربيون يقوضون استقرار مصر الذي يزعمون أنه يحمونه بتقبلهم المُضَلل لقمع السيسي الغاشم.
أما بالنسبة للرئيس السيسي، فعليك الكلام إلى المصريين العاديين. لكن مثل جميع أنواع المحادثات الحقيقية، عليك أيضا الإنصات إلى من ينتقدونك، وليس فقط من يهللون لك.