Skip to main content
تبرعوا الآن

قانون ربما يكون الصفعة الأخيرة للانتقال الديمقراطي في تونس

نُشر في: Middle East Eye
بعد 6 أعوام على سقوط نظام بن علي في تونس، مازالت العدالة الانتقالية تمرّ بأوقات عصيبة.
 
تونسيون يتظاهرون ضد مشروع القانون الذي سيحمي المتهمين بالفساد من الملاحقة القضائية، شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، 29 أبريل/نيسان 2017. كُتب على اللافتة: "لا، لن نسامح". © 2017 رويترز

ما يزال الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان متفشيا، حيث أفلت كبار المسؤولين عن القمع من العدالة. بينما تتعرض "هيئة الحقيقة والكرامة" التي تأسست في 2014 لكشف حقيقة انتهاكات الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، إلى الهجوم من كل جانب.

طرح قانون جديد للمصالحة الاقتصادية في أبريل نيسان قد يكون الصفعة الأخيرة.

إقترح الرئيس الباجي قائد السبسي مشروع القانون للمرة الأولى في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال في 20 مارس/آذار 2015. قال إنه "سيحسّن مناخ الاستثمار" وسيساعد على استرداد الممتلكات من رجال الأعمال الفاسدين، مما سيمكن من استخدامها في مشاريع التنمية.

لكن الحقيقة أن تونس بحاجة إلى الاستمرار في تسليط الضوء على الآليات الداخلية للتسلط والنهب الاقتصادي في عهد بن علي إن كانت ترغب في احداث قطيعة مع الماضي، ومتابعة سيرها نحو الديمقراطية – وهذا القانون لن يمكّن من ذلك.

تقويض العدالة

في ديسمبر/كانون الأول 2013، التزمت تونس باتباع مسار للعدالة الانتقالية، أي أنها ستحقق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالنظام القمعي وستحيل ملفاته إلى القضاء، على أن تساعد التحقيقات مؤسسات الدولة على تفادي الأخطاء وإبعاد المسؤولين عن الانتهاكات السابقة. وشمل مسار العدالة الانتقالية جرائم الفساد في عهد النظام السابق.

لدى تونس آليتان للتعامل مع جرائم الفساد. أولاهما أن للقضاء سلطة متابعة ومحاكمة أي شخص استفاد أو شارك في النهب. ثانيا، لهيئة الحقيقة والكرامة صلاحية التحقيق في جرائم الفساد والتحكيم فيها أو طرح ملفات رجال الأعمال أو الموظفين الحكوميين المتهمين بالفساد أمام العدالة.

سيضع القانون الجديد حدا لكل ذلك فعليا، لأنه سيستولي على دور الهيئة والقضاء. لن يكون بإمكان القضاء متابعة أحد بتهم الفساد إن هو استفاد من العفو من خلال "لجنة مصالحة" سينشئها القانون الجديد. وسيتم سحب تلك القضايا من صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة أيضا.

"لجنة المصالحة"، كما تم تصورها، ستعمل 9 أشهر فقط، وستشوبها عيوب كثيرة لن تسمح بعدالة انتقالية صحيحة. ستنقصها الاستقلالية لأن أعضاءها ستعينهم الحكومة أو مجموعات المصالح. وستتمكن فقط من التعامل مع حالات فردية لرجال أعمال فاسدين يتقدمون إليها بمحض إرادتهم. لن تشمل صلاحياتها آليات الفساد العميقة في عهد النظام السابق. وستمكّن موظفي الحكومة الضالعين في قضايا فساد من الاستفادة من العفو والإفلات من المتابعة، مما سيقوض جهود القضاء على الفساد.

في تونس، كما في غيرها من البلدان، يسير الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان يدا في يد. بحسب تقرير اللجنة الوطنية التي أُنشئت في 2012 للتحقيق في الفساد واختلاس المال العام، استولت أسرة بن علي وأقاربه على أموال وأراض عامة باستخدام مؤسسات الدولة، كالبنوك العامة والنظام القضائي والشرطة، للحصول على أكبر عدد ممكن من الامتيازات ومعاقبة من يقاوم مبادراتهم في قطاع الأعمال.

حسب الأرقام التي نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة، فقد تلقت 2700 طلب تحكيم في قضايا مالية، من بينها 865 قدمتها الدولة، و16 من طرف مرتكبي خروقات مالية، والبقية من طرف ضحايا. وسبق وواجهت الهيئة عراقيل من المؤسسات في جهودها للتحقيق في الجرائم المالية. إذا تمت المصادقة على مشروع القانون، ستفقد الهيئة صلاحية التحقيق في الجرائم الاقتصادية.

السرية التامة

يضمن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية المقترح سرية المعلومات التي يتم الحصول عليها من المخالفين الذين تشملهم عملية المصالحة وقرارات اللجنة، على ألا يطلع عليها العامة أو الإدارة. سيتم وضع الوثائق التي يتم الحصول عليها في الأرشيف الوطني، لكن القانون لا يتطرق إلى سبل الوصول إليها.

سيتعين على اللجنة نشر تقرير نهائي يتضمن "نتيجة" أعمالها. لكنه لن يذكر بالضرورة أسماء المخالفين، على عكس أعمال هيئة الحقيقة والكرامة، التي يتوجب عليها نشر تقريرها النهائي وتحديد "المسؤولين" عن الخروقات. ينصّ مشروع القانون على أنه ليس بإمكان أي شخص أو هيئة "استعمال المعلومات المصرح بها أو المتحصل عليها في إطار تطبيق هذا القانون لغير الأغراض التي سُن من أجلها". هذه المادة من شأنها إخراج مؤسسات مثل هيئة الحقيقة والكرامة أو السلطة القضائية فعليا من المعادلة بمنع الوصول إلى المعلومات التي تتوصل إليها اللجنة. كما سيعرقل هذا الأمر أي بحوث حول الانتهاكات الحقوقية الأخرى والتي قد تكون مرتبطة بمؤسسات أو أشخاص ضالعين في قضايا فساد.

ثعالب تحرس بيت الدجاج

يبدو أن الصلاحيات الممنوحة للجنة المصالحة تهدف إلى معالجة ملفات مصالحة فردية وليس إلى كشف آليات منظومة سمحت للأشخاص الأكثر فسادا بالاستفادة من شراكات في جهاز الدولة نفسه.

أحد أهم أهداف العدالة الانتقالية هو التعرف على المنظومة القمعية من أجل تفكيكها. كما أن البعد البنيوي والمؤسساتي للفساد يجب أن يكون في قلب كل مبادرة لكشف الحقيقة بشأن جرائم الماضي.

لكن مشروع القانون الجديد يكتفي بتكليف "لجنة المصالحة" بالنظر في الطلبات الفردية التي تتلقاها، والتأكد من صحة المعلومات وتحديد مبالغ التعويضات، وأخيرا، وضع الأموال في صناديق الدولة.

وبتحديد صلاحية اللجنة في قضايا المتهمين بالفساد الذين يمثلون أمامها اختيارا فقط، فإنها تترك مهمة تفعيل عملها لرجال الأعمال أو موظفي الدولة الفاسدين.

لن تستطيع اللجنة استخدام المعلومات التي بحوزتها أو التحقيق بشكل مستقل في أفعال أشخاص لم يتقدموا إليها بشكل إرادي.

هذا يعني أن الدولة ستبقى رهينة حسن نية أشخاص يُعرف عنهم الفساد أو متهمين بجرائم مالية خطيرة أو تهم اختلاس مالي.

غياب الاستقلالية وعفو في غير محله

يُثير مشروع القانون شكوكا حول استقلالية مسار العدالة الانتقالية. حسّن مشروع القانون في صيغته المعدلة تشكيلة "لجنة المصالحة" المقترحة، والتي كانت ستخضع لإشراف السلطة التنفيذية كليا، لكن اللجنة مازالت تفتقر إلى ضمانات الاستقلالية الكافية.

سيكون كل أعضاء اللجنة معينين غير منتخبين، وبالتالي معينين من طرف ممثلي السلطتين التنفيذية والتشريعية، أو من قبل هيئات مهنية، مثل عمادة المحامين، أو ممثلين عن السلطة القضائية، وهو الشأن بالنسبة لرئيسها الذي يعينه رئيس الدولة.

لن يكون للّجنة ميزانية مستقلة يصوت عليها البرلمان، بل سيتم اقتطاع الأموال اللازمة لعملها من ميزانية "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، والتي تعاني هي الأخرى من مشاكل مالية بحسب تصريحات متكررة لرئيسها شوقي الطبيب.

يعرقل القانون أيضا، بعرضه العفو على الموظفين، قدرة الحكومة على وضع آلية مراقبة صلب الإدارة العمومية لتقييم نزاهة وكفاءة ممثلي الحكومة والموظفين في مزاولة مهامهم أخذا بعين الاعتبار مشاركتهم السابقة في الفساد.

ينصّ مشروع القانون بالفعل على أن موظفي الدولة المتابعين أو الصادرة في حقهم أحكام متعلقة بالفساد المالي أو الإداري يمكنهم الاستفادة من العفو شريطة عدم استفادتهم ماليا من ذلك الفساد. وبإمكان اللجنة منح العفو حتى في القضايا التي مازالت قيد الدرس.

يلتزم مشروع القانون الصمت حيال الآليات الكفيلة بكشف الموظفين الذين استفادوا شخصيا من الفساد المالي، أو إجبارهم على التصريح بممتلكاتهم، أو تمييزهم عن أولئك الذين لم يستفيدوا من امتيازات شخصية.

عدالة مقلوبة رأسا على عقب

ختاما، يبدو أن قانون المصالحة الاقتصادية يقلب مبادئ العدالة الانتقالية رأسا على عقب. فبدل تسليط الضوء على الحقيقة، سيؤدي إلى عدم الكشف عن الأشخاص والمؤسسات الضالعة منذ عقود في الإضرار الممنهج بالاقتصاد التونسي.

وبدل السماح بتطهير المؤسسات بكشف الموظفين الفاسدين وإبعادهم عن الوظيفة العمومية، سيمنحهم العفو دون تحقيق مسبق، مما سيعزز ثقافة الإفلات من العقاب في الإدارة التونسية. وبدل إخضاع من ساهموا في الفساد للمساءلة، سيُسمح لهم بالإفلات من العقاب، فاسحا المجال أمام تكرار نفس الأخطاء إلى ما لا نهاية.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة