(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات المغربية قامت، طيلة عامين، بحملة لحظر وعرقلة أنشطة أكبر جمعية حقوقية مستقلة في البلاد. لا يبدو أن المضايقة ستتوقف رغم ما لا يقل عن 4 أحكام صادرة عن محكمة الاستئناف الإدارية لصالح الجمعية.
قالت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" (الجمعية المغربية) إن السلطات أعاقت 125 من اجتماعاتها وندواتها، وغيرها من الأنشطة المنظمة في أماكن عمومية وخاصة في مختلف أنحاء البلاد منذ يوليو/تموز 2014. كانت السلطات تحظر الأنشطة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل الضغط على مديري أماكن اللقاءات.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "الإجراءات ضد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المتكررة وواسعة النطاق، مؤشر واضح على حملة بأوامر عليا هدفها إضعاف صوت حقوقي صريح يعبر عن الوطن كله".
تأسست الجمعية المغربية عام 1979، ولديها الآن 96 فرعا محليا، ما يجعلها أكبر منظمة حقوقية مستقلة في المغرب.
قالت الجمعية إن السلطات عرقلت أيضا تسجيل 47 فرعا محليا ومكتبها المركزي في الرباط، برفضها استكمال إجراءات التسجيل كلما وضعت الفروع الوثائق التي يشترط القانون تقديمها بشكل دوري. يشترط الفصل 5 من قانون تأسيس الجمعيات على السلطات إصدار وصل إيداع بعد تسلم الملف.
قال عبد الخالق بن زكري، المسؤول عن العلاقات الدولية في الجمعية المغربية، إن الفروع التي لا تتوفر على وصل إيداع تواجه عقبات تحول دون قيامها بالعديد من المهام الأساسية، مثل فتح حساب بنكي، أو القيام بعمليات السحب.
رفعت عدة فروع والمكتب المركزي دعاوى ضد الحكومة بسبب عدم إصدار وصل الإيداع ومنع التجمعات. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أصدرت المحكمة الإدارية في الرباط قرارا خلص إلى أن الحكومة أخطأت عندما منعت الجمعية المغربية من تنظيم ندوة، وأمرت الحكومة بدفع تعويض لها. وفي قضية أخرى، رفع المكتب المركزي للجمعية المغربية في الرباط دعوى قضائية ضد وزارة الشباب والرياضة أمام المحكمة الإدارية بسبب منع الجمعية من استخدام مرفق الوزارة لتنظيم نشاط. حكمت المحكمة لصالح الجمعية في يناير/كانون الثاني 2015، وقضت بدفع الحكومة تعويضات. استأنفت الحكومة، وخسرت، هذين الحكمين، لكنها لم تنفذهما بعد.
عام 2015، حكمت محكمة الاستئناف الإدارية لصالح الجمعية المغربية ضد استئناف الحكومة لأربعة أحكام صادرة عن قضاء الدرجة الأولى بسبب عدم تسليم وصل إيداع. عام 2016، قضت المحكمة الإدارية الابتدائية، في قضيتين أخريين، بأن رفض إصدار وصل إيداع للجمعية المغربية ينتهك القانون.
قالت الجمعية المغربية إن السلطات قدمت إشعارا مكتوبا بالمنع فقط في 7 حالات من 125 حالة عرقلت فيها تجمعاتها. تضم الـ 125 حالة اجتماعات داخلية تقتصر على الأعضاء فقط، وأنشطة مفتوحة أمام الجمهور، بما فيها اجتماعات وندوات وورشات في مقرات عمومية وخاصة. كانت التجمعات تغطي مواضيع مثل حقوق المرأة، حقوق العمال، والوضعية العامة لحقوق الإنسان في المغرب.
قالت الجمعية المغربية إن الحكومة، في حالات أخرى، ضغطت على أصحاب مقرات لتنظيم أنشطة داخلية، والذين وافقوا على تنظيم هذه الأنشطة، من أجل إلغائها. وفي حالات أخرى، وصل أعضاء الجمعية إلى المكان ليجدوا الأبواب مقفلة.
قال يوسف الريسوني، مكلف بالإدارة في الجمعية المغربية، إن الجمعية استطاعت نقل اجتماعاتها الممنوعة إلى مكاتبها ومقرات جمعيات صديقة.
فرضت السلطات المغربية قيودا على جمعيات حقوقية أخرى، وطنية وجهوية. قالت خديجة الرياضي، منسقة التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، والرئيسة السابقة للجمعية المغربية، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات رفضت تسلم ملف التنسيقية المطلوب قانونا والمتعلق بالانتخابات الداخلية الأخيرة للتنسيقية. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، قضت المحكمة الإدارية في الرباط بقبول الحكومة تسلم ملف التنسيقية.
يشترط قانون التجمعات العامة المغربي لعام 1958، في صيغته المعدلة عام 2002، على منظمي تجمعات عمومية إخطار السلطات مسبقا. ومع ذلك، فإن الفصل 3 يعفي من شرط الإخطار "الاجتماعات التي تعقدها الجمعيات والهيئات والمؤسسة بصفة قانونية التي تهدف بصفة خاصة إلى غاية ثقافية أو فنية أو رياضية، وكذا الاجتماعات التي تعقدها الجمعيات أو المؤسسات الاسعافية أو الخيرية".
قال بن زكري لـ هيومن رايتس ووتش إن في الماضي، وكجزء من سياستها، لم تخطر فروع الجمعية المغربية أو مكتبها المركزي في الرباط السلطات مسبقا بأنشطتها العمومية أو الداخلية، لأنها تعتبر نفسها معفاة بموجب الفصل 3، وهو تفسير أيدته المحكمة الإدارية في الرباط. في الآونة الأخيرة، لكي لا تمنع السلطات أنشطتها، تقوم الجمعية المغربية وفروعها بإشعار السلطات بشكل أكثر انتظاما بأنشطتها العمومية والداخلية القادمة، وتطلب في بعض الحالات الحصول على موافقة كتابية من السلطات المحلية.
منذ حوالي يوليو/تموز 2014، تكررت القيود على تجمعات الجمعية المغربية بعد أن كانت نادرة، عندما هاجم وزير الداخلية محمد حصاد بعض الجمعيات الحقوقية، واتهمها بعرقلة جهود الحكومة في مكافحة الإرهاب، وفقا للجمعية المغربية.
في يونيو/حزيران 2015، طردت الحكومة باحثين من "منظمة العفو الدولية" من البلاد، ولم توافق على أي من بعثاتها البحثية منذ حينها. في سبتمبر/أيلول 2015، منعت باحثي هيومن رايتس ووتش من القيام ببعثات بحثية في المغرب أو الصحراء الغربية.
قالت ويتسن: "أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حتى الآن عدة أحكام لصالح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. على الحكومة أن تمتثل لقرارات المحكمة، والسماح مجددا للجمعية بتنظيم التجمعات والأنشطة بحرية".
أمثلة عن المنع خلال عام 2016
وفقا للمعلومات التي قدمتها الجمعية المغربية، منعت السلطات 26 نشاطا خلال 2016، بما في ذلك ورشات وندوات واجتماعات داخلية.
قال بن زكري إن السلطات، رغم أن غالبية الحالات تتعلق بأماكن عمومية، منعت عقد اجتماعات في عدة مناسبات، بما فيها اجتماعات داخلية، مقرر عقدها في أماكن خاصة مثل الفنادق. أضاف أن السلطات ضغطت على هذه المؤسسات التجارية لرفض طلبات الجمعية المغربية بعقد أنشطتها هناك.
في إحدى هذه الحالات، وفقا للجمعية المغربية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، نظم المكتب المركزي، بشراكة مع وزارة العدل، عقد جامعة وطنية حول حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في الرباط. رغم أن فندق "المجلس" وافق على توفير السكن والتغذية وقاعة اجتماعات، قالت إدارة الفندق، بعد أن انطلقت أشغال الجامعة، إنها ستوفر السكن والتغذية فقط، وألغت الورشات المزمع تنظيمها. وقال مسؤولون في الجمعية المغربية إن الفندق أخبر الجمعية أن السلطات أمرتهم بإلغاء النشاط.
فرع تنغير
قالت خديجة هدان، رئيسة فرع الجمعية المغربية في تنغير، جهة درعة تافيلالت، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات المحلية منعت الجمعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2016 من استخدام قاعة عمومية لعقد ندوة مزمعة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء.
وقالت هدان إنها كانت أول مرة تمنع فيها السلطات الفرع من استخدام قاعة عمومية في تنغير. أضافت أن فرع الجمعية المغربية أخطر، يوم 14 ديسمبر/كانون الأول، الممثل المحلي لوزارة الداخلية بشأن موضوع الندوة وتاريخها ومكانها. ثم قدمت هدان طلبا إلى "فدرالية الجمعيات التنموية" في تنغير لاستخدام إحدى قاعاتها لتنظيم النشاط، لكنه قوبل بالرفض بحجة أنها تحتاج أولا إلى موافقة السلطات المحلية.
قالت هدان إنها عادت إلى الممثل المحلي لوزارة الداخلية، الذي طلب منها تأجيل النشاط. وبما أن الوقت كان متأخرا جدا لتأجيل النشاط، نقلت هدان النشاط إلى قاعة خاصة في ملكية شركة التعدين "مناجم". قالت هدان إن الجمعية لم تُخطر السلطات بتغيير مكان النشاط لأنه كانت عطلة نهاية الأسبوع، وبعد وصول المشاركين في الندوة إلى القاعة، اكتشفوا أن السلطات منعت النشاط. في النهاية، نظم فرع الجمعية في تنغير الندوة ذلك اليوم بحضور عدد أقل من المشاركين في مقرها الضيق.
فرع تمارة
قال ناجية لبريم، رئيسة فرع الجمعية المغربية في تمارة، جهة الرباط-سلا-القنيطرة، إن الجمعية قدمت طلبا مكتوبا إلى مسؤول وزارة الداخلية المحلي، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، باستعمال قاعة عمومية من أجل مائدة مستديرة حول مستقبل المدرسة العمومية. وأضافت لبريم إن الجمعية، في الماضي، توصلت بموافقة شفهية من مكتب ممثل الوزارة المحلي وطلبا بأداء الرسوم. وافق المكتب على استخدام القاعة، لكن دون طلب أداء الرسوم.
لكن في 22 أكتوبر/تشرين الأول، يوم النشاط، وفقا لـ لبريم، أُغلق باب القاعة ومنعت قوات الأمن المشاركين من الدخول. فنقل الفرع النشاط إلى مكتب محلي لحزب سياسي.
أحكام المحكمة الإدارية
فرع تمارة
فرع الجمعية المغربية في تمارة هو واحد من 47 فرعا تواجه عقبات في الحصول على وصل إيداع من السلطات المحلية يثبت أنها قد امتثلت للمتطلبات القانونية، وفقا لقائمة قدمتها الجمعية المغربية.
قالت لبريم إن الجمعية المغربية رفعت دعوى قضائية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015 لدى المحكمة الإدارية في الرباط، بعد أن رفضت السلطات المحلية تسلم ملف تجديد مكتب فرعها. وقضت المحكمة الإدارية في الرباط بأن قرار السلطات المحلية ينتهك القانون وألغت قرار رفض الحكومة بتسلم الملف.
استأنفت الحكومة الحكم، لكن في 29 يونيو/حزيران 2016، أكدت محكمة الاستئناف الإدارية أن الحكومة أخطأت لعدم إصدارها وصل إيداع. وقالت لبريم إن الحكومة، رغم الحكم، لم تصدر حتى الآن وصل الإيداع.
حكم لصالح التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان
في 27 يوليو/تموز 2016، رفعت "التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان" (التنسيقية المغاربية) دعوى ضد قرار والي الرباط القاضي برفض تسلم ملف التنسيقية عقب تجديد هياكلها.
قالت التنسيقية المغاربية في دعواها إن رفض تسلم ملف تجديد هياكلها ينتهك حقها في حرية تكوين الجمعيات، وتسبب في أضرار مادية ومعنوية، بما أنه حرم أعضائها من تنفيذ أنشطتها، بما في ذلك اجتماعات وندوات. طالبت التنسيقية المغاربية تعويضا بقيمة 40,000 درهم (4,000 دولار أمريكي) عن الضرر المعنوي و10,000 درهم (1,000 دولار أمريكي) عن الضرر المالي.
ردت الحكومة بأنها رفضت تسلم الملف الأصلي للتنسيقية المغاربية لعدم امتثالها للشروط القانونية، أبرزها عدم إدراجها لممثل قانوني، وتناقض في العناوين التي وفرتها. قالت الحكومة أيضا إن التنسيقية لم تمتثل لمتطلبات عديدة في قانون تأسيس الجمعيات، بما فيها أن 16 من أصل 26 منظمة عضوة في التنسيقية المغاربية هي منظمات أجنبية، مما يجعل التنسيقية "منظمة أجنبية"، وعدم تقديم التنسيقية إخطارا رسميا للسلطات المحلية بنيّتها تنظيم اجتماع تأسيسي قبل تنظيمه.
في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، قضت المحكمة الإدارية في الرباط لصالح التنسيقية المغاربية، معتبرة أن الرفض أسفر عن ضرر مادي ومعنوي للتنسيقية، وأمرت وزارة الداخلية بدفع مبلغ 20,000 درهم (2,000 دولار أمريكي) تعويضا للتنسيقية. وقالت منسقة التنسيقية المغاربية، خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية، إن السلطات استأنفت قرار المحكمة الإدارية، ولم تُصدر بعد وصل إيداع نهائي للتنسيقية المغاربية.