Skip to main content
تبرعوا الآن

على معتدلي إيران اتخاذ موقف يسجله التاريخ

نُشر في: The New Arab

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، حكمت "محكمة رجال الدين" الإيرانية المتخصصة على أحمد منتظري، نجل آية الله حسين علي منتظري، النائب السابق لمرشد الثورة، بالسجن 6 سنوات. من بين التهم الموجهة إليه "العمل ضد الأمن القومي" و"افشاء أسرار الدولة".

ما هي الخيانة التي يتهم بها إبن أحد الرموز السياسية المركزية؟ نشر منتظري في أغسطس/آب تسجيلا صوتيا على تطبيق "تلغرام" للتواصل، ينتقد فيه والدُه بشدة إعدام آلاف السجناء السياسيين في 1988، وأعادت نشره إذاعة "بي بي سي فارسي" ذات الجمهور الواسع في إيران.
 

رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني يحضر اجتماع "مجلس خبراء القيادة" الذي يعقد مرتين في السنة في طهران، إيران، يوم 6 مارس/آذار 2012. مجلس الخبراء هو هيئة منتخبة من رجال الدين المسؤولين عن تعيين "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية" مدى الحياة. © 2012 رويترز

 

قال منتظري، الذي كان في فترة ما مرشحا لخلافة الخميني، مخاطبا المسؤولين القضائيين الذين أصدروا قرار الإعدامات: "في رأيي، أكبر جريمة ارتُكبت في الجمهورية الإسلامية، والتي سيُحاكمنا عليها التاريخ، ارتُكبت على أيديكم. ستُكتب أسماؤكم كمجرمين في كتب [التاريخ]".

كانت أحداث 1988 لحظة قاتمة في سجل حقوق الإنسان الإيراني. أعدمت الحكومة الإيرانية آلاف السجناء السياسيين الذين كانوا قابعين في السجون لسنوات، دون أي محاكمات، ولو بشكل صوري. كان أغلبهم من أنصار منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية.

كانت مجاهدي خلق جماعة معارضة حاربت الشاه ثم الجمهورية الإسلامية بعدما أُبعدت من الساحة السياسية. في 1988، مع نهاية الحرب العراقية-الإيرانية الدامية، توغل "جيش التحرير الوطني"، الذراع المسلح للمنظمة، في غرب إيران انطلاقا من قواعده في العراق آنذاك.

تعتقد منظمات حقوق الإنسان أن الإعدامات تمّت بعد فترة وجيزة من الهجوم الفاشل. كانت دول عديدة تعتبر مجاهدي خلق "منظمة إرهابية"، لكن بعد جهود ضغط جبارة، أقنعت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي بإزالتها من لائحة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة. شملت إعدامات إيران عام 1988 أعضاء من الأحزاب اليسارية والكردية المختلفة مثل "حزب توده الشيوعي" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بإيران.

ليس مفاجئا أن يدافع المتشددون مثل صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية، عن الإعدامات على أنها شرعية بموجب القانونين الإيراني والإسلامي. لكن عدم دفاع السياسيين المعتدلين والإصلاحيين عن منتظري وعدم إدانة جريمة إعدامات 1988 الخطيرة تجعل المبادئ المُعلنة للثورة الإسلامية الإيرانية مدعاة للسخرية.

ليس الصمت دليلا على غياب الشجاعة الأخلاقية فقط، بل هو أيضا خطأ استراتيجي، إذ تُبيّن أمثلة سابقة بأن انتقادات رفيعة المستوى للانتهاكات الواضحة قد تحقق ولو شيئا من المساءلة.

اتُّهمت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية في التسعينات بتنفيذ سلسلة من الإعدامات ضد مفكرين وناشطين سياسيين إيرانيين بارزين. منهم داريوش وبارينه فروهر، اللذان أعدما في نوفمبر/شرين الثاني 1998، وكانا ناشطين سياسيين يحظيان بالاحترام، وقادا "حزب الأمة" منذ 1951.

في 1999، ضغط الرئيس آنذاك، محمد خاتمي، على الوزارة للاعتراف بأن عناصرها كانوا مسؤولين عن مقتل 5 ناشطين على الأقل. اعتقلت الوزارة 18 شخصا وحاكمتهم في قضية الإعدامات ثم أعلنت فيما بعد أن مُدبرها كان المسؤول الرفيع في وزارة الاستخبارات والأمن الوطني سعيد إمامي الذي انتحر إثرها في ظروف غامضة أثناء اعتقاله.

بعد القمع الوحشي للاحتجاجات على الانتخابات الرئاسية في 2009، كان الضغط الشعبي الكبير والموقف الثابت لمرشحي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي وراء دفع السلطات إلى إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في سوء المعاملة والتعذيب في حق المتظاهرين المعتقلين.

بدأ هذا التحقيق رغم عدم تعاطف البرلمان مع مطالب المحتجين، بل إن المرشحين السابقين مازالا رهن الإقامة الجبرية منذ 2011. قالت لجنة التحقيق إن المدعي العام بطهران سعيد مرتضوي يتحمل المسؤولية المباشرة في سوء معاملة السجناء بسجن كهريزك قرب طهران ووفاة 3 منهم هناك.

فتحت السلطات فيما بعد تحقيقات جنائية حول مرتضوي في 2013، أدّت إلى إخراجه من السلطة القضائية.

رغم كون إجراءات الحكومة في الحالتين لا تعتبر مساءلة حقيقية، فإن ضغطا سياسيا قويا من الإصلاحيين والمعتدلين أدى على الأقل إلى اعتراف الدولة بمسؤوليتها في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

لكن غداة تسريب منتظري التسجيلات الصوتية التي تُثبت أن مسؤولين كبارا اعترفوا بارتكاب إعدامات جماعية، لم يعبر إلا قليل من السياسيين الإيرانيين الحاليين عن رفض خفيف لدفاع الحكومة المخزي عن هذه الجريمة التاريخية.

طلب علي مطهري، نجل زعيم ديني خلال الثورة الإيرانية، توضيحات من السلطات حول التسجيلات الصوتية. كما اعتذر السياسي الإصلاحي مصطفى تاجزاده الذي سُجن 6 سنوات عقب انتخابات 2009 لأهالي ضحايا إعدامات 1988 وطلب الصفح منهم.

للتقدم إلى الأمام، على إيران مواجهة إرث الفظاعات التي ارتكبتها الحكومة من قبل، وسيقع هذا الحمل على عاتق الجهات الداخلية المعتدلة والإصلاحية للدفع من أجل التحرك في هذا الاتجاه.

لحد اليوم، لم يكن الرئيس حسن روحاني ووحكومته فقط من التزم صمتا مطبقا حول الموضوع، لكن أيضا شخصيات سياسية شجاعة عادة، كالرؤساء السابقين مثل محمد خاتمي وأعضاء بارزين في حزبي "جبهة المشاركة" و"مجاهدي الانقلاب الاسلامي" المحظورين.

على هؤلاء السياسيين التحرك فورا لحشد الضغط ضد الحكومة لإلغاء عقوبة منتظري الغاشمة. فقد أعطتهم خطوتُه الشجاعةُ فرصة للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، وللمطالبة بقوة بالحقيقة مهما كانت عواقبها. فنادرا ما يعطي التاريخ القادة فرصة أخرى للوقوف إلى جانب العدالة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة