(نيويورك) – إن معاناة المدنيين في بلدة مضايا السورية تُظهر الحاجة لتضافر الجهود الدولية لإيصال المساعدات إلى المناطق التي تحاصرها الحكومة. قال "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) في ديسمبر/كانون الأول 2015 إن قرابة 400 ألف شخص في سوريا تحت الحصار، وإن 1 بالمئة فقط منهم تلقوا مساعدات غذائية، وأقل من 1 بالمئة تلقوا مساعدات صحية بين أشهر سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني.
السكان والنشطاء المحليون في مضايا، المحاصَرون منذ يوليو/تموز من قبل كل من القوات الحكومية وحليفها "حزب الله"، أخبروا هيومن رايتس ووتش في مقابلات هاتفية إن الحكومة منعت دخول المساعدات منذ أكتوبر/تشرين الأول. نتيجة لذلك، يعاني السكان من نقص حاد ومتزايد في المواد الغذائية ويتوفون من نقص الرعاية الطبية. وفقا لمنظمة "أطباء بلا حدود"، توفي 23 مريضا من الجوع في المركز الصحي الذي تدعمه في مضايا منذ 1 ديسمبر/كانون الأول.
قال نديم حوري نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "المعاناة في مضايا يجب أن تكون تذكيرا عاجلا، بحاجة الناس الماسّة في المناطق السورية المحاصرة إلى الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. يجب أن يمثل الوصول إلى المجتمعات المحلية المحاصرة اختبارا لنوايا الأطراف المتحاربة، التي تقول إنها ستدخل في مفاوضات صادقة في وقت لاحق هذا الشهر."
بموجب القانون الإنساني الدولي، على جميع الأطراف المنخرطة في النزاع المسلح الالتزام بتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، والسماح للمدنيين بمغادرة المنطقة المحاصَرة بحُريّة. يُحظر تجويع المدنيين كأحد أساليب الحرب.
في 7 يناير/كانون الثاني 2016، قالت الأمم المتحدة إنها توسطت في اتفاق مع الحكومة السورية للسماح بدخول المساعدات إلى مضايا، وبلدتين إضافيتين هما الفوعة وكفريا في محافظة إدلب، المحاصرتين من قبل الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة. قالت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" إن هذه المساعدات ستُسلّم بشكل مشترك من قبل الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري بحلول 11 يناير/كانون الثاني كما تأمل.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى العديد من السكان والنشطاء في مضايا، والذين قالوا إنه لا توجد كهرباء أو مياه كافية، وإن الحكومة السورية لا تسمح بالدخول أو الخروج من المدينة للناس، بمن فيهم عمال الإغاثة الذين يحاولون الوصول إلى المدنيين المحتاجين. قال الأطباء إن أجساد مرضاهم عانت من الهزال والضعف بسبب الجوع حيث لجأ الناس إلى القمامة لالتقاط ما يسد رمقهم. كما قالت الوكالة الأممية للشؤون الإنسانية إنه لم تصل أية مواد إغاثية أو تجارية إلى منطقة مضايا منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2015، مع حاجة السكان الماسة إلى الإمدادات الغذائية والصحية.
قال أبو عمار، وهو من سكان مضايا، لـ هيومن رايتس ووتش: "اضطر بعضنا لقتل القطط والكلاب للحصول على طعام، بينما لم يكن لدى آخرين سوى الملح والماء للبقاء أحياء". لم تُذكر أسماء السكان بالكامل لحمايتهم.
قالت أم أيمن، وهي أم لأربعة أطفال، إنها فقدت 30 كيلوغراما في غضون بضعة أشهر من الجوع، واقتصر الطعام الذي تقدمه لأطفالها على أوراق شجر مغلية مع بعض الدهون والملح. أضافت: "يستيقظ أطفالي في منتصف الليل باكين من الجوع؛ لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لا طعام لدي أمنحهم إياه".
قال طبيب في مضايا إن هناك نقصا في الأدوية والإمدادات الطبية، مع توافد الكثيرين ممن عانوا من نوبات إغماء نتيجة نقص الغذاء والماء إلى غرف الطوارئ.
قال خالد محمد، وهو طبيب يعمل في مشفى ميداني في مضايا: "أعطي الأدوية فقط لمن سيموت قطعا كيلا ينتهي ما لدي من دواء. 60 بالمئة من الحالات التي أراها في المستشفى هي لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد."
أرسل أطباء إلى هيومن رايتس ووتش صورا من غرفة الطوارئ في المشفى الميداني، تُظهر أطفالا وكبارا في حالة هزال، قالوا إنهم يعانون من سوء التغذية. بينما لا يمكن التحقق من الصور بشكل مستقل، إلا أنها تتماشى مع الأوضاع التي يصفها السكان.
في فبراير/شباط 2014، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2139 لضمان وصول المساعدات، داعيا جميع الأطراف في الحرب السورية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد. في ضوء فشل الحكومة السورية في الالتزام، أصدر مجلس الأمن القرار 2165 في 14 يوليو/تموز 2014 والذي يفوض وكالات الأمم المتحدة وشركائها المنفذين إدخال المساعدات عبر 4 منافذ حدودية لا تسيطر عليها الحكومة السورية. أفادت منظمات الإغاثة عن إزالة الحكومة السورية بعض العقبات البيروقراطية، إلا إنها استمرت بمنع الوصول إلى المناطق التي تحاصرها.
في 18 ديسمبر/كانون الأول، اعتمد مجلس الأمن القرار 2254، الذي ساند خارطة طريق لعملية السلام في سوريا، داعيا جميع الأطراف فيها إلى "أن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم بحاجة إليها ولا سيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها".
ذكرت الوكالة الأممية للشؤون الإنسانية وجود 4.5 مليون سوري يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، منهم 400 ألف في 15 موقعا محاصرا. تعاني هذه المناطق من القصف ونقص المساعدات والتغذية والمياه والرعاية الطبية. كما قالت أيضا في ديسمبر/كانون الأول إن آخر قافلة مساعدات مشتركة وصلت مضايا كانت يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، كما جرت عمليات إجلاء طبي في ديسمبر/كانون الأول. منذئذ والحكومة السورية تمنع الوصول إلى المنطقة.
وفقا للأمم المتحدة، تحاصر قوات الحكومة السورية 200 ألف شخص في الغوطة الشرقية وداريا والزبداني ومضايا؛ في حين تحاصر "الدولة الإسلامية" (المعروفة أيضا بـ "داعش") 200 ألف شخص في دير الزور. أما الجماعات المسلحة، بما فيها "جبهة النصرة" – فرع تنظيم "القاعدة" – فتحاصر 12500 شخص في الفوعا وكفريا، في إدلب.
تقع مضايا على بعد 40 كيلومترا غرب العاصمة دمشق، بعدد سكان يزيد عن 40 ألف نسمة، منهم 17 ألف مهجر إلى البلدات والقرى المجاورة، وفقا لوكالة الأمم المتحدة. تقع هذه المنطقة تحت سيطرة قوات المعارضة منذ سنتين تقريبا، في حين تحاصرها القوات الحكومية منذ يوليو/تموز 2015.
وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، التي سمحت بإيصال المساعدات إلى مضايا في أكتوبر/تشرين الأول، فإن سكانها يعانون من نقص الكهرباء والماء والأدوية الأساسية وحليب الأطفال.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول الأعضاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا، الملتقية لدفع عملية السلام السورية، استخدام نفوذها لدى الأطراف المتحاربة لضمان وصول المعونات إلى جميع المناطق المحاصرة.
قال حوري: "بينما وافقت الحكومة السورية أخيرا على السماح بوصول المساعدات إلى مضايا، لا ينبغي انتظار أن يجوع الأطفال وتغضب وسائل الإعلام للسماح بتسليمها. على الدول التي تدعم الحل السياسي في سوريا دفع الأطراف المتحاربة للسماح بوصول المساعدات لجميع من يعاني هناك".