Skip to main content

كيف يُمكن لمحادثات السلام السورية أن تنجح؟

استبعاد المتورطين في الانتهاكات من المفاوضات قد يعني عدم وجود طرف يُتفاوض معه

نُشر في: Al-Jazeera

لعل السحابة السوداء التي تمثلها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تنطوي على بصيص أمل، حيث نجحت هجماتها في حشد جهود المجتمع الدولي لعملية سلام سورية. لكن مع إعطاء الأولوية لتشكيل جبهة موحدة لهزيمة الدولة الإسلامية، ضاعت فرصة للضغط على الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة لتقديم التزامات ملموسة بوقف انتهاكاتهما وإقرار سلام عادل.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يتحدث إلى وسائل إعلام بجانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا ستافان دي مستورا أثناء مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 ©رويترز 2015

مع أن الحكومة السورية تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية مقتل المدنيين، إلا إن الدول الغربية لم تتدخل في سوريا إلا بعد ظهور الدولة الإسلامية. بل إن استمرار مكاسب الدولة الإسلامية هو فقط ما حمل الغرب على قبول توسيع الدور الروسي في الحرب، حتى وإن كان لدعم قوات بشار الأسد المنهكة.

"المجموعة الدولية لدعم سوريا" حديثة النشأة، التي لا تقتصر عضويتها - بما يحمله ذلك من أهمية - على الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، بل تضم أيضا إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، وجامعة الدول العربية، هي التي ستحدد معايير عملية سلام ستبدأ في يناير/كانون الثاني.

مسار الحرب

في واقع الأمر يوجد مسار حرب وليس مسار سلام. فبيان فيينا يسعى إلى إرساء وقف إطلاق نار، على امتداد 50 إلى 70 بالمائة من مساحة البلاد فقط، مستثنيا المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، أو جبهة النصرة، أو أي جماعة تعتبرها المجموعة الدولية لدعم سوريا إرهابية. هذه العملية توحد بفعالية الحكومة والمعارضة المقبولة لإنهاء قتالهما ضد بعض، والانضمام إلى الحملة العالمية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

يري البعض أن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (وجبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة) له الأولوية بسبب رؤيتها الشاذة للعالم وأعمالها الوحشية الرهيبة.

ومع ذلك، فإن العديد من الجماعات المسلحة السورية، مثل "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" التي يعاد تصنيفها حاليا بـ "التيار السائد" إن لم يكن "المعتدل"، ارتكبت أعمالا وحشية هي الأخرى، ناهيك عن الأسد وقواته سفاكة الدماء، بما ارتكبته من أعمال قتل جماعي وتعذيب وإلقاء براميل متفجرة قاتلة، وشن هجمات بالأسلحة الكيميائية.

إن مساءلة الأسد ليست مطروحة أساسا للنقاش، الذي لا يدور إلا حول طول المدة التي سينتظرها السوريون قبل إجراء انتخابات جديدة قد يترشح لها.

لعل استهلال المفاوضات باستبعاد المتورطين في الانتهاكات يعني أنه لن يُوجد طرف يٌتفاوض معه. لكن في الحد الأدنى، ينبغي أن تكون الأطراف على استعداد لتقديم تعهد لا يقتصر على التزامها بالتوصل إلى حل عن طريق التفاوض، بل يشمل أيضا احترام قوانين الحرب وحقوق الإنسان لجميع السوريين، لا سيما مع استمرار القتال المحموم.

ينبغي أن يكون واضحا أن المسؤولين المتورطين بشكل مباشر في أسوأ هجمات على المدنيين لن يكون لهم دور في سوريا الجديدة.

عدم وجود التزامات ملموسة

فتح بيان فيينا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني آفاقا جديدة باقتراح إرسال بعثة مراقبة من الأمم المتحدة لتأمين السلام، على الأقل في الأماكن "التي لن يتعرض فيها المراقبون لتهديد هجمات الإرهابيين". لا شك أن وجود منطقة آمنة سيسهل على دول الجوار تبرير صد طالبي اللجوء عند حدودها.

تتوق تركيا والأردن ولبنان إلى تقليص تدفقات اللاجئين بعد أن غمرها أكثر من 4 ملايين سوري، كما أن الرقم القياسي لعدد اللاجئين في الاتحاد الأوربي زاد من ضرورة التقليص.

لكن علينا توخى الحذر تجاه أي مزاعم بأن أي منطقة هي حقا آمنة للمدنيين. فالعجز عن حماية "منطقة آمنة" مُعلنة أدى إلى ارتكاب أهوال؛ مثلما حدث في سربرنيتشا التي شهدت أسوأ فظائع في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية.

ما ينقص بيان فيينا هو تحديد التزامات ملموسة لحماية السوريين في ظل استمرار القتال، بما في ذلك عقوبات تفرضها الأمم المتحدة نظير الهجمات العشوائية، التي يمكن أن تحمل الأطراف المتحاربة على ضبط النفس. عمليات وقف إطلاق النار في سوريا تكون ذات نفع متى أو إذا دخلت حيز النفاذ، غير أن السوريين بحاجة إلى وعد بالحماية الآن، وفي كل شبر من أرض سوريا.

كما ينبغي الضغط على سوريا- كأولوية قصوى في المفاوضات- لإطلاق سراح آلاف النشطاء والصحفيين والمحامين والمدنيين العاديين القابعين في السجون السورية، ومنح منظمات المراقبة الدولية حرية الوصول إلى جميع مراكز الاحتجاز.

إذا كان من أي معنى للفترة الانتقالية المقترحة ومدتها 18 شهرا، فلا بد أن تتضمن مطلبا بتجميد العمل بالقوانين التي استخدمتها الحكومة لقمع النشطاء السلميين وعرقلة الحياة السياسية.

يتضمن بيان فيينا أيضا جدولا زمنيا مفرطا في الطموح لكتابة الدستور. مثل هذه الجداول الزمنية المضغوطة كانت وصفة للصراع في دول أخرى تمر بتحولات مثل اليمن، وليبيا، والعراق، ومصر. أي عملية كتابة الدستور يجب أن تأخذ وقتها كي يعمل السوريون معا، بما في ذلك ملايين اللاجئين، للتفاوض على عقد اجتماعي جديد.

وأخيرا، إذا لم يوجد من يتوقع بحث مسألة خروج السجناء على طاولة المفاوضات، فليس أقل من أن تلتزم الحكومة السورية وكل الأطراف في المفاوضات بتشكيل لجنة تقصي حقائق لها سلطة استدعاء الشهود وكفالة الحفاظ على سجل بكل ما عاناه السوريون.

ربما يكون بصيص الأمل هذا هشا وغير مضمون، ولكن يبقى قادرا على تعزيز تدابير حماية للشعب السوري الآن.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة