(القدس) ـ إسرائيل أن تفرض حظراً فورياً على سياسة هدم منازل عائلات الفلسطينيين المشتبه في تنفيذهم لهجمات على إسرائيليين. فهذه السياسة التي يزعم مسؤولون إسرائيليون تنفيذها بغرض الردع تعاقب أشخاصاً غير متهمين بأية جرائم عمداً ودون وجه حق، وعند تنفيذها في أراض محتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، فإنها ترقى إلى مصاف العقاب الجماعي، المعدود ضمن جرائم الحرب.
في ما لا يقل عن خمس وقائع في 2014، قامت السلطات الإسرائيلية بهدم أو إغلاق منازل عائلات فلسطينيين يشتبه في قتلهم لإسرائيليين، وتركت عشرات الأشخاص بدون مأوى. في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 استخدمت القوات الإسرائيلية المتفجرات لتدمير منزل عائلة رجل من القدس الشرقية قام بدهس وقتل رضيعة وإحداث إصابات مميتة بسيدة يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول. قالت السلطات الإسرائيلية إنها ستهدم سبعة منازل إضافية لعائلات فلسطينيين يشتبه في قتلهم لإسرائيليين، وبينهم خمسة منازل في القدس الشرقية.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يمثل هدم المنازل العقابي مخالفة صارخة للقانون، وعلى إسرائيل أن تلاحق وتدين وتعاقب المجرمين، لا أن تقوم بعمليات تدمير انتقامية تؤذي عائلات بأكملها".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أنهى سياسة سابقة لهدم المنازل العقابي في 1998 لكنه أعاد إحيائها بعد بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 2000. ومن 2000 إلى 2005 قامت القوات الإسرائيلية بتدمير ما يزيد على 650 منزل فلسطيني على نحو عقابي فشردت أكثر من 4000 شخص، بحسب بيانات جمعتها منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية. وفي 2009 هدمت القوات الإسرائيلية وأغلقت على نحو عقابي منازل عائلات الفلسطينيين الذين قاموا بقتل إسرائيليين.
وفي أعقاب الاعتداء الأخير على إسرائيليين، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 نوفبمر/تشرين الثاين بأنه "أمر بهدم منازل" رجلين وصفهما بأنهما "من الحيوانات البشرية" قتلا خمسة مدنيين أثناء اعتداء على كنيس يهودي في ذلك اليوم: رابيس آريي كوبنسكي وكلمان ليفين وموشيه تويرسكي وأفراهام شموئيل غولدبرغ، ورجل الشرطة زيدان سيف. قامت القوات الإسرائيلية المستجيبة للاعتداء بقتل المعتديين، عدي وغسان أبو جمال، وهما ابنا عمومة من القدس الشرقية. وقد أدانت هيومن رايتس ووتش الهجوم، الذي تبنت مسؤوليته إحدى الجماعات الفلسطينية المسلحة.
اعتقلت القوات الإسرائيلية 10 من أقارب الرجلين في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم أفرجت عن ثمانية منهم في اليوم التالي، كما قال عاملون بمؤسسة الضمير المعنية بحقوق السجناء الفلسطينيين لـ هيومن رايتس ووتش.
ويتذرع ناطقون إسرائيليون بأن العائلات الفلسطينية تستطيع بموجب القانون الإسرائيلي أن تعترض على أوامر الهدم العقابي خلال 48 ساعة وأن تستأنفها أمام المحكمة الإسرائيلية العليا. إلا أن محكمة العدل الإسرائيلية العليا رفضت تطبيق الحظر المطلق الذي يفرضه القانون العرفي الدولي على العقاب الجماعي لمدنيين في أراض محتلة عند نظرها في الالتماسات المعترضة على هدم المنازل العقابي في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وزعمت بدلاً من هذا أن عمليات الهدم مبررة بأنها "متناسبة" إذا وضعت في مقابل الحاجة إلى ردع سائر الفلسطينيين عن تنفيذ اعتداءات. وكان الجيش قد علق عمليات الهدم العقابية في 2005 بسبب توصية وردت في دراسة للجنة عسكرية وجدت أن تلك السياسة لم تفعل شيئاً لردع الهجمات الفلسطينية على إسرائيليين.
في 7 أغسطس/آب رفضت المحكمة الاستئناف المقدم من "هاموكيد"، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية استشهدت بما يفرضه القانون الدولي من حظر على عملية هدم عقابي مزمعة. وحكمت المحكمة بأن عمليات الهدم هي شكل مشروع من أشكال "الردع" بموجب لوائح الدفاع البريطانية (الطارئة) لسنة 1945، التي أدرجتها إسرائيل في قوانينها. وكان الملتمسون قد تذرعوا أيضاً بأن تطبيق إسرائيل للوائح ينطوي على تمييز، بما أن القوات الإسرائيلية لم تدمر منازل عائلات الإسرائيليين الذين قتلوا فلسطينيين. فجاء في الحكم أن الظاهرة الأخيرة "استثنائية إلى أبعد الحدود" وقرر أن الملتمسين لم يثبتوا ممارسة الجيش للتمييز في اختياره للمنازل المقرر هدمها، وهو "ما يمثل لب سلطته التقديرية".
وفي 30 يونيو/حزيران قام الجيش الإسرائيلي في بلدة الخليل في الضفة الغربية بتفجير منازل عائلتي رجلين اشتبه في قيامهما بخطف وقتل 3 مراهقين إسرائيليين في 11 يونيو/حزيران.
دمرت القوات العسكرية المنزلين بالكامل، وأغلقت منزل مشتبه به ثالث فجعلته لا يصلح للسكنى، في 18 أغسطس/آب. وفي 2 يوليو/تموز استخدم الجيش المتفجرات لتدمير منزل رجل فلسطيني من الضفة الغربية اتهم بقتل رجل أمن إسرائيلي في 2013. وأدى مجمل العمليات العسكرية إلى تشريد 29 من سكان المنازل الأربعة بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وقال ناطق إسرائيلي، هو مارك ريغيف، لصحيفة "نيويورك تايمز" في 19 نوفمبر/تشرين الثاني إن هدم منازل الفلسطينيين الذي يعتدون على إسرائيليين ضروري لموازنة "ثقافة التأييد داخل المجتمع الفلسطيني" لمثل تلك الهجمات، بما في ذلك الدعم المالي لعائلات المهاجمين. إلا أن الحظر الذي يفرضه القانون الدولي على العقاب الجماعي، بما فيه الإضرار المتعمد بأقارب المجرمين، هو حظر مطلق. علاوة على هذا فإن تقرير الجيش الإسرائيلي من سنة 2005 لاحظ أن هدم المنازل العقابي يزيد من العداء تجاه إسرائيل. كما أن تبرير معاقبة أشخاص لم يرتكبوا الفعل الإجرامي لأنهم ربما "يؤيدونه" من شأنه إرساء سابقة خطيرة قد تعود لتطارد الإسرائيليين.
وقد حظر القانون الدولي المنطبق على الأراضي المحتلة العقاب الجماعي منذ قواعد لاهاي لسنة 1899 على الأقل، وعومل العقاب الجماعي معاملة جرائم الحرب من جانب المحاكم في مختلف أنحاء العالم.
قال جو ستورك: "يتعين على رئيس الوزراء نتنياهو أن يرفض سياسة هدم المنازل العقابي، فمن مبادئ القانون الأساسية ألا يعاقب أي شخص على جرائم الغير".