(صنعاء) إن قانون الاتصالات الكويتي الجديد يعطي الحكومة صلاحيات كاسحة لحجب المحتوى ومنع الوصول إلى الإنترنت وسحب التراخيص دون إبداء أسباب. يجب على الحكومة تعديل القانون للحد من القيود المفروضة على مزوّدي خدمات الاتصالات والمستخدمين بما لا يزيد عمّا يسمح به القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ينصّ قانون الاتصالات رقم 37/2014، الذي تمّ اعتماده في 18 مايو/أيار 2014، على تأسيس هيئة تنظيم الاتصالات وتقنيّة المعلومات، كهيئة مستقلة تحت إشراف وزير الاتصالات مع سلطات تقديرية واسعة لمنح أو إلغاء تراخيص للشركات التي تقدم خدمات الإنترنت السلكي وبث الأقمار الصناعية، والهواتف الأرضية واللاسلكية. ستبدأ الهيئة عملها بحلول 18 نوفمبر/تشرين الثاني. ويفرض القانون عقوبات قاسية على كل من قام بإنتاج أو توجيه رسائل "منافية للآداب"، ويمنح سلطات غير محددة صلاحية تعليق خدمات الاتصالات لأسباب تتعلق بالأمن الوطني. كما يمكن معاقبة أي من مزودي خدمة الاتصالات إذا "ساهم" في نشر الرسائل التي تنتهك هذه المعايير الغامضة، ولا يمنح القانون أي فرصة للمراجعة القضائية.
قال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "يأتي هذا القانون الجديد في وقت تقاضي فيه الكويت العديد من النشطاء والسياسيين والصحفيين وغيرهم من منتقدي الحكومة اعتماداً على تفسيرات موسعة للآداب العامة والأمن القومي، كما يبدو أن هذا القانون تم تفصيله لإعطاء سلطات الادعاء رخصة قانونية أوسع لانتهاك حق الكويتيين في حرية التعبير".
يكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه الكويت، الحق في حرية التعبير. ويسمح للحكومات بتقييد التعبير لحماية بعض المصالح المحددة، مثل "حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة"، ولكن فقط عندما تكون ضرورية تماماً ومتناسبة بدقة مع خطر الضرر بهذه المصالح. يتجاوز القانون الكويتي الجديد هذه القيود من خلال السماح للسلطات بفرض العقوبة على التعبير إذا ارتأت أنّه ضار بأي شكل من الأشكال، دون النظر فيما إذا كانت العقوبات ضرورية فعلاً أو لا تزيد عن الحاجة، وكذلك يتجاوز هذه القيود بعدم سماحه بالاستئناف.
ويسمح القانون للهيئة بمنح أو رفض التراخيص لمزوّدي الخدمات دون الإفصاح عن أسباب أو معايير قراراته، كما يمكنها إلغاء التراخيص إذا ما قررت أن المرخّص له "تسبب بضرر جسيم للآخرين"، رغم أن القانون لا يحدد ما هو "الضرر الجسيم" ولم يقدّم أي توجيهات بشأن ما يمكن أن يترتب على ذلك. ولا يسمح القانون بأي استئناف لقرار رفض إصدار رخصة أو إلغائها دون الرجوع إلى القضاء.
كما يخول القانون الهيئة بفرض اتخاذ الإجراءات الفنية اللازمة لمنع نشر المحتوى الذي يمكن أن "يضر بالنظام العام والآداب العامة"، على جميع مزوّدي الخدمة على نحو فعّال كشرط للترخيص، ويزيد بذلك من اتساع مجال الرقابة الذاتية المتنامية والمستمرة على الإنترنت. تحجب الاتصالات حالياً مجموعة من المواقع التي تعتبرها ذات حساسية سياسيّة أو مسيئة أخلاقياً، وغالباً مع مساعدة من مزوّدي خدمة الإنترنت.
كانت الكويت تعد أكثر بلدان الخليج تسامحاً مع حرية التعبير، ولكن منذ تسببت أزمة سياسية في إثارة احتجاجات حاشدة وأدّت في نهاية المطاف إلى استقالة الحكومة عام 2011، لجأ المسؤولون الكويتيون إلى أحكام غامضة الصياغة في قانون العقوبات وقانون الأمن الوطني لقمع حرية التعبير.
استخدم الادّعاء العام قانون الأمن الوطني وأحكام قانون العقوبات التي تجرّم "الإهانة" مراراً لتوجيه الاتهام إلى النشطاء والصحفيين والمدونين وغيرهم ممن يشاركون في التعليقات السياسية أو الاجتماعية. تقضي المادة 15 من قانون الأمن الوطني، بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لكل من "تعمّد بث أخبار أو تصريحات أو شائعات كاذبة أو مغرضة من شأنها الإضرار بالمصالح الوطنية للدولة". انتقد فرانك لارو مفوّض الأمم المتحدة الخاص والمعني بتعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير في حزيران 2012، على وجه التحديد استخدام "الأخبار الكاذبة" والتشهير وبث الأخبار ضد "المصالح الوطنية" بشكل علني لإيقاف تناول قضايا تتعلق بالمصلحة العامة.
تقضي المادتان 25 و111 من قانون العقوبات لسنة 1970 بعقوبة السجن لمن يهين الأمير علناً أو "يسخر من الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل أو يطعن في شرف الرسل وزوجاتهم". قامت السلطات منذ يناير/كانون الثاني 2011، باستخدام هذه المواد وغيرها لتوجيه التهم إلى 60 شخصاً على الأقل من الذين أعربوا عن آراء انتقادية في مواقع تويتر وفيسبوك أو المدوّنات ووسائل الإعلام الاجتماعية الأخرى، أو أثناء الاحتجاجات. علّقت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والتي تشرف على تنفيذ الدول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بأن رؤساء الحكومات يخضعون بشكل مشروع للنقد والمعارضة السياسية، وأن قوانين الإهانة وقيود الآداب العامة المستمدة من تقليد ديني واحد، تُعتبَر إشكاليةً تجاه الحق في حرية التعبير.
ينبغي على الكويت بصفتها دولة طرفا في هذا العهد والميثاق العربي لحقوق الإنسان، أن تحمي الحق في حرية الرأي والتعبير، كما تكفل المادة 36 من الدستور الكويتي أيضا حرية الرأي والتعبير.
ذكرت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أنه " لا يجوز لقانون ما أن يمنح سلطة تقديرية مطلقة لتقييد حرية التعبير للقائمين على تنفيذه". ينتهك قانون الاتصالات الجديد في الكويت هذا المبدأ من خلال السماح للهيئة بما يلي: رفض أو إلغاء تراخيص لمزودي الخدمات المرخص لهم، أو توجيه المرخّص لهم بمنع الوصول إلى المحتوى أو التطبيقات، أو قطع خدمات الاتصالات عن الأفراد دون تقديم أسباب، ودون استئناف إداري أو مراجعة قضائية مستقلة.
وقال فرانك لارو في تقريره لشهر مايو/أيار 2011 الذي قدّمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه "يشعر بقلق عميق إزاء آليات الحجب أو التصفية المتطورة للرقابة والمستخدمة على نحو متزايد من قبل الدول. كما أن انعدام الشفافية المحيطة بهذه التدابير أيضاً يجعل من الصعب التأكد ما إذا كان الحجب أو التصفية ضروري حقاً من أجل الأهداف المزعومة التي قدمتها الدول".
وقال لارو إن على الحكومات التي تحجب المواقع:
تقديم قوائم المواقع المحجوبة والتفاصيل الكاملة بشأن ضرورة وتبرير حجب كل موقع على حدة. كما ينبغي تقديم تفسير عن المواقع المتضررة يتضمن أسباب الحجب. ويجب اتخاذ أي قرار بشأن المحتوى الذي يجب أن يتم حجبه من قبل سلطة قضائية مختصة أو هيئة مستقلة عن أي تأثيرات سياسية أو تجارية أو غيرها لا مبرر لها.
كما قال إن التدابير لقطع الوصول إلى خدمة الإنترنت أو الهاتف المحمول تماماً، بغض النظر عن المبررات المقدمة، هي "غير متناسبة وبالتالي تُعتبَر انتهاك للمادة 19 من العهد الدولي"، وأضاف أنه يجب على الدول جميعها ضمان الوصول إلى تلك الشبكة في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات الاضطرابات السياسية.
قال إريك غولدستين، "عانت سمعة الكويت بوصفها ربما كانت أفضل صديقة للحقوق بين دول الخليج تراجعا مفاجئا في الأشهر الأخيرة، والقانون الجديد للاتصالات يفاقم من حدة هذا المسار المنحدر. يجب أن يتدخل البرلمان ويعدّل القانون قبل أن تبدأ الهيئة عملها، وعلى الحكومة التوقف فورا عن ملاحقة الناس بسبب ممارستهم حرية التعبير في وسائل الاعلام الاجتماعية أو في أي مكان آخر."
المخاوف الرئيسية والتوصيات
الترخيص
تخوّل المادة رقم 9 هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات رفض أي طلب ترخيص محتمل أو طلب تجديد لمرخّص مسبقاً "وفقاً لتقديرها". ينبغي تعديل المادة 9 لتشمل الطلب من الهيئة بتقديم بيان مكتوب مفصل لأسباب عدم أهلية المرخّص له، وإتاحة الفرصة للطعن في القرار أمام المحكمة. كما ينبغي تعديل القانون ليتضمن لوائح تتطلب صياغة معايير موضوعية ومعقولة لمنح أو رفض ترخيص، وإلى تقييد السلطة التقديرية للهيئة.
وتسمح المادة 35 للهيئة بإلغاء التراخيص إذا قام المرخّص له بـ"إلحاق ضرر جسيم بالغير دون وجه حق" أو تأخر دون سببل مقبول في تنفيذ تعليمات الهيئة. رغم أنّ العهد الدولي يسمح للبلدان بتقييد التعبير لحماية حقوق الآخرين وسمعتهم، فإن القيود المسموح بها عموماً ينبغي أن تكون مقصورة على المحتوى. توضّح لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن "الحظر العام" على تشغيل بعض المواقع والأنظمة غير متوافق مع العهد الدولي. وأكد فرانك لارو مقرر الأمم المتحدة الخاص في تقريره لشهر مايو/أيار 2011 الذي قدّمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه "لا ينبغي أبداً أن ُتفوَّض تدابير الرقابة إلى كيانات خاصة، وأن الوسطاء لا ينبغي أن يكونوا مسؤولين عن رفضهم اتخاذ إجراءات تنتهك حقوق الإنسان للأفراد. وأي طلبات للوسطاء لمنع الوصول إلى محتوى معين ... يجب أن تكون من خلال أمر صادر عن محكمة أو هيئة مختصة مستقلة عن أي تأثيرات سياسية أو تجارية أو تأثيرات أخرى غير مبررة".
ينبغي تعديل المادة 35 لإزالة سلطة الهيئة في إلغاء تراخيص إذا كان المرخّص له يتسبب في إلحاق ضرر جسيم، وهو حكم من الغموض بمكان بحيث لا يوفر وضوحا كافيا أو تعديل هذه المادة لتقييد السلطة التقديرية للهيئة. وبموجب المادة 3، تمتلك الهيئة بالفعل القدرة على الطلب من أي مرخّص له اتخاذ التدابير اللازمة لمنع محتوى معين يضرّ بالنظام العام أو الآداب العامة. ويجب مراجعة أي أمر بمنع أو تصفية المحتوى من قبل محكمة مستقلة. لا يجب أن تمتلك الهيئة السلطة في إلغاء تراخيص من جانب واحد دون معايير موضوعية محددة، وينبغي أن تتاح للمرخّص لهم فرصة الطعن على هذه القرارات أمام المحكمة.
المحظورات
تخوّل المادتان 3 و53 الهيئة بمطالبة المرخّص له باتخاذ جميع التدابير التقنية اللازمة لإزالة المحتوى الذي قد "يضر بالنظام العام والآداب"، وحجب أو إيقاف خدمات الاتصالات للمستهلكين الأفراد إذا كانوا يستخدمون الاتصالات بطريقة تنتهك "الآداب العامة". تمنح المادة 53 أيضاً "السلطات المختصة" غير المحددة الحق في تعليق الخدمة لأسباب تتعلق "بالأمن الوطني". ولا يعرّف القانون ما يمكن اعتباره ضاراً بالنظام العام أو الآداب أو الأمن الوطني. ويمثل عدم وجود توجيهات أكثر تحديداً أو الحق في الاستئناف خللا خطيرا في ضوء ممارسة الكويت في الماضي للملاحقة القضائية الفضفاضة.
تحمي المادة 19 من العهد الدولي التعابير التي قد يجدها البعض مسيئة للغاية، بما في ذلك التعليقات التي تُعتبَر إهانة لبعض الشخصيات العامة، بما في ذلك أعلى السلطات السياسية. كما لا يجوز تقييد الكلام لمجرد أن البعض يجد أنه يدلّ على عدم احترام دين معين أو نظم عقائدية أخرى. في حين أن المادة 19 من العهد الدولي تسمح ببعض القيود على حرية التعبير التي تشكل خطراً مباشراً وفورياً على النظام العام أو الآداب العامة أو الأمن الوطني، إلّا أن لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وضّحت أن هذه القيود "يجب أن تصاغ بدقة كافية لتمكين الفرد من تنظيم سلوكه وفقاً لذلك". يجب أن تكون القيود معرفّة ومحددة بوضوح وضرورية ومتناسبة مع المصلحة المُصانة.
قال فرانك لارو في تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2013: "يشكّل استخدام مفهوم غير متبلور للأمن الوطني لتبرير القيود الغريبة عن التمتع بحقوق الإنسان مصدر قلق بالغ". وذكر أيضا في عام تقريره إلى الأمم المتحدة الجمعية العامة 2011 أن "وقف المستخدمين من الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن التبرير [هو] فعل غير متناسب ويُعتبَر بالتالي انتهاك للمادة 19".
يجب تعديل المادتين 3 و53 لمعالجة هذه القضايا، والامتثال للمادة 19 من العهد الدولي. كما ينبغي تعديل المادة 53 لضمان أنها لا تسمح بإغلاق عام للشبكة أو تعليق غير مبرر لخدمة الفرد.
العقوبة
بموجب المادة 70، يعاقب كل من "أساء استعمال" الاتصالات الهاتفية بالسجن لمدة عام وغرامة مالية تصل إلى 2000 دينار كويتي (7091 دولارا أمريكيا). كما يعاقب كل من أقدم بأي وسيلة من وسائل الاتصالات على توجيه رسائل تهديد أو إهانة أو رسائل منافية للآداب أو قام بـ"إثارة الفزع" أو أساء إلى الغير عن طريق التقاط صور أو مقاطع فيديو لهم دون موافقتهم، ومعاقبة كل من اصطنع صورا منافية للآداب العامة للآخرين، بالسجن لمدة سنتين وغرامة تصل إلى 5000 دينار كويتي (17726 دولارا أمريكيا). ويعاقب من يرسل هذه الصور بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة قدرها 5000 دينار كويتي (17726 دولارا أمريكيا). وإذا اقترن استعمال هذه الرسائل أو الصور بالتهديد أو الابتزاز، أو استخدامها في "الإخلال بالحياء أو المساس بالأعراض أو التحريض على الفسق"، تتم معاقبة الفاعل بالسجن خمس سنوات وغرامة تصل إلى 10000 دينار كويتي (35453 دولارا أمريكيا). كما تتم معاقبة كل من يساهم بتقديم خدمات اتصالات "مخالفة للنظام العام والآداب العامة" بالسجن لمدة تصل إلى سنتين وغرامة 5000 دينار كويتي (17726 دولارا أمريكيا).
يعترف العهد الدولي بالحق في تقييد حرية التعبير من أجل حماية حقوق الآخرين وسمعتهم، ومع ذلك فإن هذه القيود "يجب أن يتم بناؤها بدقّة" والتأكد أنها لا تخنق حرية التعبير في الممارسة العملية، ويجب ألّا تنص على "التدابير والعقوبات التأديبية المفرطة". علاوة على ذلك، كما قالت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة صراحةً: "السجن ليس عقوبة مناسبة أبدا" لتهمة التشهير.
كتب لارو في تقريره عام 2011 إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن "تحميل الوسطاء المسؤولية عن محتوى نشره أو أنتجه مستخدموهم يقوّض بشدة التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير، لأنه يؤدي إلى نشوء الرقابة الوقائية الذاتية وانتشار الرقابة الخاصة على نطاق واسع، وغالباً دون شفافية أو مراعاة لأصول القانون".
ينبغي تعديل المادة 70 لإزالة عقوبة السجن عن أي انتهاكات في التعبير ترقى إلى التشهير وفقاً للقانون. وينبغي أن تكفل تناسب الغرامات بناء على شدة المخالفة، وعدم فرضها إلّا بعد توفير فرصة معقولة لتصحيح المخالفة. وينبغي أن يكون الأفراد قادرين على استئناف الغرامة. بالإضافة إلى ذلك، يجب إزالة البند (و)، الذي يسمح بالسجن لمدة تصل إلى سنتين لكل من "ساهم في تقديم خدمات اتصالات مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة."