استمرت محاكمة الداعية الإسلامي المتشدد أبو قتادة لعدة أشهر، ولكن في النهاية تمّ تقرير مصيره في لحظة واحدة، يكتب عنها آدم كوغل.
كانت محكمة أمن الدولة في الأردن شبه فارغة أثناء النقاشات القانونية والتأجيل اللذين استمرّا أسابيع طويلة بدت دون نهاية، ولكنها امتلأت بطواقم التصوير وأفراد عائلة أبو قتادة يوم 26 يونيو/حزيران.
ساد الصمت قاعة المحاكمة بينما كان القاضي أحمد القطارنة بصدد الاعلان إن كان قد أخذ بعين الاعتبار أثناء توصّله إلى الحكم، اعترافات شريك أبو قتادة المزعوم التي مضى عليها عقد من الزمن والذي تخشى المحاكم البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنها قد انتزعت تحت وطأة التعذيب.
توقفت عملية المحاكمة بأكملها – المتمثلة في إعادة المحاكمة في التورط المزعوم لأبو قتادة في مخطط ارهابي عام 1998- توقفت على هذا القرار. (يواجه أبو قتادة محاكمة جارية منفصلة أمام المحكمة ذاتها لتورّطه المزعوم في مؤامرة تفجير مختلفة عام 2000، ومن المتوقع صدور حكم في سبتمبر/أيلول). وأتت هذه المحاكمة بعد المعركة الشهيرة مع المملكة المتحدة حول تسليم أبو قتادة التي استمرت سنوات عديدة.
قرأ القاضي القرار المكون من صفحة كاملة معلناً أن الاعترافات سيتم اعتمادها.
وبينما كان القاضي يتحدث تبادلتُ النظرات مع الآخرين الذين كانوا هناك فهذا يعني أمراً واحداً، هو أنه ستتم إدانة أبو قتادة بالتأكيد.
التفت إلي صديق، وهو صحفي، وحرك شفتيه هامساً "مؤبد" أي "السجن مدى الحياة " باللغة العربية، فأومأت برأسي متفقا بصمت.
تخيل ردة الفعل عندما أعلن القاضي القطارنة أن عمر عثمان المعروف بأبو قتادة "غير مذنب" بالتآمر لارتكاب أعمال إرهابية. انتفضت المحكمة ووقف الناس في حالة من عدم التصديق، بدأت عائلته بعناقه، وابتسم أبو قتادة لفترة وجيزة وهو يجلس في قفص قبل أن تطوقه كاميرات التلفزيون.
كان هذا القرار غير متوقع بكل المقاييس، ولكن التبرئة لم تفعل شيئاً يذكر للحد من مخاوف طال أمدها بشأن سجل الأردن في التعذيب.
قد تشير هذه التبرئة للوهلة الأولى إلى أنّ أبو قتادة حصل على محاكمة عادلة وأنّ مخاوف هيومن رايتس ووتش وغيرها التي أثيرت حول هذه القضية لا أساس لها، لكن الأمر ليس كذلك، لأن تبرئة أبو قتادة بعد استخدام الاعترافات تمثّل استهزاء بـ "الضمانات الدبلوماسية" التي قدمها الأردن إلى المملكة المتحدة قبل ترحيله في عام 2013.
سبق أن تمت إدانة أبو قتادة غيابياً مرةً لدوره المزعوم في التخطيط لتفجير أهداف في عمّان عام 1998، ولكنه خاض معركة قضائية لعشرة أعوام لدرء ترحيله من المملكة المتحدة وأقرّت المحاكم في لندن وستراسبورغ أنه لا يمكن إعادته نظراً للخطر الحقيقي المتمثل في أن المحاكم الأردنية ستعتمد على أدلة ضده تم الحصول عليها عن طريق التعذيب. ولكنّه وافق على العودة فقط عندما وقّع الاردن اتفاقية مع المملكة المتحدة تتعهد بأن محاكمها لن تقبل الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق الإكراه.
كان الاعتراف الذي قبلته المحاكم الأردنية عام 1999 ومرة أخرى في محاكمة الداعية في الآونة الأخيرة، الدليل الوحيد الذي يشير إلى تورط أبو قتادة المباشر في التخطيط للتفجير وهو اعتراف عبد الناصر الخمايسة، شريكه المزعوم في التآمر. فسّرت المحاكم دعمها لشرعية الاعتراف في عامي 1999 و2014 بعدة أسباب على رأسها تقرير الفحص الطبي الذي أجري للخمايسة بعد اعتقاله عام 1998 والذي لم يكشف عن وقوع إصابات أو أذى بدني، وأن التقرير تم تقديمه مباشرةً إلى المدعي العام العسكري في محكمة أمن الدولة بدلاً من ضباط وكالة المخابرات الأردنية في مديرية المخابرات العامة الذين اتهمهم الخمايسة بتعذيبه قبل أن يعترف.
لا تعتبر هذه الحجج مقنعة على الإطلاق إذ أن هيومن رايتس ووتش وثّقت العلاقة الوطيدة بين المدعي العام العسكري في محكمة أمن الدولة ودائرة المخابرات العامة، الذي كان لديه مكتباً داخل مقر دائرة المخابرات العامة الرئيسي في ذلك الوقت، ولقد قال معتقلون سابقون لـ هيومن رايتس ووتش إن ضباطاً نقلوهم ذهاباً وإياباً بين محققي دائرة المخابرات العامة والمدعي العام العسكري من أجل الحصول على الاعتراف المطلوب. وقال المعتقلون أيضاً إن من أجرى الفحوصات الطبية كانوا الأطباء العاملين في المخابرات العامة فقط، ولم يُسمح لهم بإجراء فحوص طبية مستقلة أثناء الاحتجاز، ولم ينظر القضاة في محاكمة أبو قتادة أثناء اتخاذهم القرار إلى هذه المخاوف التي كانت مشتركة أيضاً مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
يبدو أن محكمة أمن الدولة انتهكت الضمانات الإجرائية الأساسية المتضمنة في معاهدة الأردن مع المملكة المتحدة، التي تنص على أنه إذا كان هناك "خطر حقيقي" بأن يكون الاعتراف تم الحصول عليه عن طريق التعذيب، فإنه لا يمكن قبوله كدليل في المحاكمة، إلا إذا أثبت المدعي العام أولاً "دون أي شك" أن لا إكراه فيه. لم يطلب القضاة من المدعي العام العسكري خلال محاكمة أبو قتادة إثبات شرعية اعترافات الخمايسة قبل عرضها على المحكمة ولكنهم قبلوها في السجل دون مساءلة وحكموا بقبولها في نهاية المحاكمة فقط.
بما كانت الدلالة الأكبر هي أن الحكم ينصّ على أن اعتراف الخمايسة لا يمكن رفضه، لأن الأحكام السابقة عام 1999 الصادرة عن محكمة أمن الدولة ومحكمة الاستئناف قدمت المقبولية للحكم المقضي (القضية التي تم البتّ فيها لا يمكن أن تُثار مرة أخرى في المحكمة).
لم تتم إدانة أبو قتادة في نهاية المطاف لأن اعتراف الخمايسة لا يدعمه بيانات أو أدلة أخرى كما هو مطلوب بموجب القانون الأردني، ولكن قبول الاعتراف بحد ذاته كدليل يظهر كم كانت الاتفاقية غير ذات قيمة، ويبدو واضحاً أن "الضمانات الدبلوماسية" من قِبل البلدان ذات السجلات السيئة في التعذيب لا تساوي الورق الذي كتبت عليه.
آدم كوغل: باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، تويتر: @cooglea