Skip to main content

ليبيا – رد فعل عنيف على تمرد سجن طرابلس

يجب التحقيق في الواقعة التي يبدو أنها اشتملت على الاستخدام المفرط

(طرابلس) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات الليبية أن تجري تحقيقاً مستقلاً في أعمال فض احتجاج للسجناء شهدت إصابة ما لا يقل عن 19 نزيلاً برصاصات وشظايا. حدث الاحتجاج في 26 أغسطس/آب 2013 في مؤسسة الإصلاح والتأهيل طرابلس الرئيسي، المعروفة باسمها السابق وهو الرويمي، حيث يجري احتجاز نحو 500 شخص بينهم 5 سيدات.

قابلت هيومن رايتس ووتش مسؤولين حكوميين ومسؤولين من السجن و20 من النزلاء قدموا روايات متضاربة حول ما حدث في السجن، بعد أن أدى إضراب عن الطعام من طرف السجناء دام يومين إلى مواجهات عنيفة مع الحراس. استدعت السلطات أعضاء اللجنة الأمنية العليا – وهي هيئة قوامها مقاتلين سابقين معارضين للقذافي تؤدي أعمالاً شرطية وهي نظرياً تحت إشراف وزارة الداخلية.

وقال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على الحكومة توضيح ما حدث في 26 أغسطس/آب وأن تشرح كيف أصيب هذا العدد الكبير من السجناء برصاصات وإصابات جسيمة أخرى. يجب محاسبة أي شخص يتبين لجوئه للعنف غير المشروع ضد السجناء، بموجب القانون الجنائي الليبي".

يخضع سجن الرويمي رسمياً لسلطة وزارة العدل وفيه محتجزين على صلة بانتفاضة 2011 التي أسفرت عن خلع القائد السابق معمر القذافي. من بين المحتجزين "الأمنيين" موالين للحكومة السابقة وأعضاء بقوات أمن القذافي ومتطوعين قاتلوا إلى جانب هذه القوات.

إبان أعمال العنف في 26 أغسطس/آب نقلت السلطات نحو 150 من السجناء إلى سجن عين زارة المجاور، الذي تديره وزارة العدل بدوره. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 20 من هؤلاء السجناء في 29 أغسطس/آب، فرادى وفي مجموعات.

اتهم النزلاء سلطات سجن الرويمي باستخدام العنف المفرط دون داعٍ لإجبارهم على إنهاء إضراب عن الطعام دام يومين. قدموا شهادات متسقة فيما بينها. قالوا إن الإضراب عن الطعام كان احتجاجاً على احتجازهم المطوّل دون مقابلة قاضٍ ودون أي إجراءات قانونية أخرى.

قال جميع السجناء الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن في السجن لجأت في البداية إلى الأسلحة النارية، بما في ذلك الأسلحة الآلية، بعد فشل المفاوضات في إنهاء الإضراب عن الطعام، وذلك قبل أن تلجأ للغاز المسيل للدموع كإجراء ثانوي.

قال أحد المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش كيف فشلت المفاوضات حوالي الساعة 4 مساءً وبدأ الجدال والمشادات بين النزلاء والحراس. قال: "أدى هذا إلى حالة من الصياح المتبادل وفي النهاية فتح أحد الحراس النار علينا من الكلاشنكوف. رأيت أحد النزلاء يسقط أرضاً بعد أن أصيب برصاصة في فخذه. راح ينزف بغزارة".

قال المحتجز إن إطلاق النار دفع نزلاء آخرين إلى تكسير أبواب الزنازين وإشعال النار في المراتب. رد الحراس بفتح النار من الأسلحة الآلية على مدار الساعات الأربع التالية، وفي بعض الأحيان كان الرصاص يستهدف السجناء مباشرة، على حد قوله هو وسجناء آخرين.

قدم بعض كبار المسؤولين في سجن الرويمي لـ هيومن رايتس ووتش نسخة مختلفة من الأحداث. قال القائم بأعمال مدير السجن علي الساعدي والمدير السابق هيثم بيت المال إنهم واجهوا "تمرد" من نحو 150 سجيناً، انتشر إلى قطاعات السجن الأخرى جميعاً. قالا إن الحراس استخدموا الغاز المسيل للدموع في البداية ثم أطلقوا رصاصات مطاطية فحسب فوق رؤوس السجناء "لإخافتهم". قالا إن أربعة عاملين بالسجن لحقت بهم إصابات طفيفة وأن سلطات السجن فتحت تحقيقاً داخلياً في الأحداث.

في 26 أغسطس/آب قال المتحدث باسم الشرطة القضائية التي تدير سجون وزارة العدل في مؤتمر صحفي إن قوات الأمن فضت حالة تمرد السجناء "سلمياً". وقال إن قوات الأمن لم تستخدم إلا الوسائل غير المميتة، ومنها "القنابل الدخانية وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع" ولم يسفر هذا عن سقوط ضحايا. قال: "لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على السجناء"، مشيراً إلى أن أغلب إصابات السجناء كانت بسبب "التدافع".

أقر وزير العدل صلاح المرغني لـ هيومن رايتس ووتش في 31 أغسطس/آب بأن السلطات كانت بطيئة في التصدي لمواطن الضعف في أمن السجن وأن حراساً غير مدربين أو مجهزين بالمعدات الكافية ربما أسهموا في تصاعد العنف. قال: "كنّا أبطأ من الواجب في توفير الأسلحة غير المميتة لسلطات السجن".

لحقت بثمانية من عشرين محتجزاً قابلتهم هيومن رايتس ووتش إصابات رصاص في الأذرع والسيقان، بمن فيهم اثنين لم يتم استخراج الرصاص المصابين به بعد. هناك 19 سجيناً على الأقل لحقت بهم إصابات قالوا إن سببها الشظايا التي تناثرت جراء ارتداد الرصاصات، وهو ما أكدته مصادر طبية، مما يوحي بإطلاق الحراس الرصاص الحي بشكل تعسفي في مناطق يحتلها السجناء على حد قول هيومن رايتس ووتش. أصيب أغلبهم في الأذرع والسيقان وإن كان أحدهم قد أصيب بجرح في الرأس.

أكدت مصادر في عيادة سجن عين زارة التي تعالج النزلاء المصابين في سجن الرويمي لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض من دخلوا العيادة أصيبوا برصاصات وأن هناك آخرين يبدو أن سبب إصاباتهم شظايا من رصاصات مرتدة.

وقال جو ستورك: "على الحكومة أيضاً أن تتعامل مع شكاوى النزلاء، الخاصة باحتجازهم المطول دون اتهام وعدم إتاحة مقابلتهم لمحامين".

لمزيد من المعلومات تابع القراءة أدناه.

شهادات الشهود
حجبت هيومن رايتس ووتش هوية النزلاء الواردة شهادات من المقابلات التي أجرتها معهم أدناه لحمايتهم من أي أعمال انتقام محتملة.

قال أحد النزلاء لـ هيومن رايتس ووتش إن النزلاء بدأوا في إضراب سلمي عن الطعام في 24 أغسطس/آب احتجاجاً على حبسهم المطول في خرق للإجراءات القضائية. وتكرر قول سلطات السجن – على حد قوله – للنزلاء أنهم سيمثلون أمام النيابة للبدء في الإجراءات القانونية، لكن: "بعضنا محتجزون منذ عامين دون أي اتهام رسمي أو مقابلة قاضٍ مرة واحدة حتى، لذا قررنا الإضراب".

قال نزلاء بالسجن إن السلطات حاولت إقناعهم بإنهاء الإضراب عن الطعام قبل اللجوء سريعاً إلى القوة المميتة، وشمل ذلك إطلاق الرصاص الحي حوالي الساعة 4 مساء 26 أغسطس/آب. قالوا إن إطلاق النار استمر أربع ساعات.

قال أحد النزلاء إنه كان في ردهة مع سجناء آخرين عندما بدأ العنف. وقال لـ هيومن رايتس ووتش:

 

تصاعد الوضع داخل السجن عندما بدأت سلطات السجن في إهانة المحتجزين. أدى هذا إلى صياح غاضب متبادل مما أدى في النهاية بأحد الحراس إلى فتح النار علينا من الكلاشنكوف. رأيت أحد النزلاء يسقط أرضاً بعد أن أصيب في فخذه. راح ينزف بغزارة. هرع سجين آخر لحمله بعيداً عن مرمى الخطر وفي تلك اللحظة وصل التوتر إلى نقطة الغليان.

انتشر الخبر سريعاً بأن هذا النزيل أصيب إصابة قاتلة [وهو أمر غير صحيح] فبدأ السجناء في تكسير أبواب الزنازين وإحراق متعلقات شخصية ومراتب في محاولة لتهيئة دخان كثيف يحمينا من قمع قوات الأمن الآخذ في التصاعد. كانوا يطلقون النار علينا مباشرة من وراء القضبان المعدنية ومن خلال فتحات السقف في الردهات والقاعات. رأيت حراس السجن لكن انضم إليهم أيضاً رجال مقنعون.

فقط بعد أن كان ضرب النار "مستمر منذ فترة"، على حد قول النزيل، بدأ الحراس في إلقاء غاز مسيل للدموع في الزنازين والقاعات. سمح النزلاء لمسؤول بالسجن وبعض الحراس الذين وقعوا تحت الحصار بالهروب إلى الأمان، لكن إطلاق الحراس للنار استمر "حتى وصل مدير السجن وبعض الرجال الآخرين من سجن عيز زارة وتدخلوا".

قال نزيل لحقت به إصابة بعيار ناري لـ هيومن رايتس ووتش إن حراس السجن قيدوه وضربوه هو ومحتجزين مصابين آخرين وهم ينقلونهم إلى العيادة في سجن عين زارة.

قال نزلاء لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن استخدمت عدة أنواع من الذخائر، منها بنادق الكلاشنكوف وبنادق عيار 9 ملم، كما أدخلوا أسلحة عيار 14.5 ملم مضادة للطائرات في فناء السجن لتهديدهم.

قالت نزيلة بالسجن لـ هيومن رايتس ووتش إن قطاع السجن الذي كانت محتجزة به لم يشهد أي عنف لكنه تأثر بالغاز المسيل للدموع. قالت: "يبدو أن سلطات السجن كانت مرتبكة ولم تعرف ماذا تفعل. مكثنا داخل قطاعنا اليوم بطوله، لم نفتح الباب حتى لنأخذ غدائنا، كنا خائفين".

قالت سلطات السجن لـ هيومن رايتس ووتش إنهم استدعوا قوات أمن إضافية لتأمين "النطاق الخارجي للسجن" لكن أنكروا أن أحداً باستثناء الشرطة القضائية دخلوا المنشأة أو شاركوا في فض الاحتجاج. أصروا على أن رجال الأمن لم يطلقوا النار مباشرة على المحتجزين ولم يستخدموا سوى الرصاص المطاطي ما إن تبين فشل الغاز المسيل للدموع في تفريق السجناء المحتجين.

الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة
أشار جميع النزلاء الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إلى عدم توفر المراجعات القضائية والإجراءات القانونية الأخرى لتسوية قضاياهم، وأن هذه المشكلة كانت السبب الرئيسي للإضراب عن الطعام. قال محتجز من سرت إنه محتجز منذ 23 أغسطس/آب 2011 لكن لم يمثل بعد أمام قاضٍ أو هو تم إخطاره بالاتهامات المنسوبة إليه.

أي محتجز دون مراجعة قضائية سريعة يعد ضحية احتجاز تعسفي. ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن حق المراجعة القضائية للاحتجاز حق أساسي لا يمكن انتزاعه حتى أثناء فترات الطوارئ. يجب على السلطات الليبية ضمان مثول جميع المحتجزين على وجه السرعة أمام قاضٍ أو هيئة قضائية لمراجعة قانونية احتجازهم. إذا لم يكن هناك مبرر قانوني للاحتجاز، فلابد من إطلاق سراحهم على الفور. وقالت هيومن رايتس ووتش إن أولئك الذين تتوفر أدلة ضدهم فقط بتورطهم في جرائم هم الذين يجب اتهامهم.

اشتكى بعض النزلاء الذين تحدثت هيومن رايتس ووتش إليهم من المعاملة السيئة من الحراس في سجن الرويمي قبيل الاحتجاجات. زعموا أن الحراس هددوا النزلاء بالكلاب جراء مخالفات بسيطة مثل تدخين السجائر. كشف أحد النزلاء ظهره ليظهر ما قال إنها آثار لإصابات قديمة جراء ضرب حراس السجن له. اتهم نزلاء آخرون الحراس بكيل التهديدات والإهانات للسجناء، لا سيما الطعن في "شرف" قريباتهم من النساء.

خلفية عن منشآت الاحتجاز
بذلت السلطات الليبية جهداً كبيراً للحفاظ على الأمن في منشآت الاحتجاز التي تديرها الدولة، على خلفية عمليات هروب جماعي متكررة. في مارس/آذار 2013 هرب نحو 50 نزيلاً من سجن سبها جنوبي ليبيا، وتلاه هروب 170 سجيناً آخرين في أبريل/نيسان بعد أعمال شغب في السجن. وفي يوليو/تموز هرب أكثر من 1200 سجين من سجن الكويفية أثناء أعمال شغب، في بنغازي. في أغسطس/آب أمّن رجال مسلحون هروب 18 سجيناً بعد أن هاجموا قافلة تأخذ بعضهم من السجن إلى محكمة في طرابلس.

في اجتماعه مع هيومن رايتس ووتش أعرب وزير العدل صلاح المرغني عن قلقه إزاء الأوضاع الأمنية العامة واحتمالات وقوع أعمال عنف جديدة في السجون. وذكر أن من القيود الأساسية عدم توفر المراجعات القضائية بالقدر الكافي وضعف تدابير حماية السجناء والمحامين والقضاة وضعف تدريب ونقص معدات الشرطة القضائية. قال إن وزارته شكلت قوة خاصة قوامها ألف رجل شرطة قضائية مدربين تدريباً عالياً للإشراف على أمن منشآت الاحتجاز ولمناوئة تصاعد التوترات لكن هذه التغييرات تتطلب الوقت "والأحداث تداهمنا".

المعايير القانونية
يجب اتهام جميع المحتجزين في نطاق فترة زمنية معقولة وإلا يُفرج عنهم. كل من يواجه اتهامات جنائية له الحق في إخباره بطبيعة وسبب كل تهمة ضده وأن يمثل سريعاً أمام قاضٍ.

الاحتجاز التعسفي عمل محظور بوضوح في القانون الدولي. يمكن أن يرقى الاحتجاز التعسفي لكونه جريمة ضد الإنسانية إذا كان يمارس بشكل واسع أو ممنهج، وكان تنفيذه من واقع كونه سياسة للدولة، أو سياسة لجماعة منظمة مثل الميليشيا.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على قوات الأمن، ويشمل ذلك حراس السجون، الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون. تطالب المبادئ مسؤولي إنفاذ القانون بـ "تقليص الضرر والإصابات واحترام الحياة البشرية وحفظها" واستخدام القوة المميتة فقط عندما لا يكون لها بديل من أجل حماية الأرواح:

 

المبدأ 15: على موظفي إنفاذ القانون في علاقتهم بالأشخاص المحتجزين أو المحبوسين عدم استخدام القوة إلا عندما تكون ضرورية لا بديل عنها لحفظ الأمن والنظام داخل المؤسسة، أو عندما تُهدد السلامة الشخصية.

المبدأ 16: يجب على موظفي إنفاذ القانون في علاقاتهم بالأشخاص المحتجزين أو المحبوسين عدم استخدام الأسلحة النارية إلا دفاعاً عن النفس أو آخرين ضد تهديد فوري بالموت أو الإصابة الجسيمة، أو عندما لا يكون هناك بديل عن الأسلحة النارية لمنع هروب شخص محتجز أو محبوس يمثل خطراً كما هو موضح في المبدأ 9.

 

تطالب المبادئ الاساسية الحكومات بضمان توفر عملية مراجعة فعالة للاستخدام غير القانوني المحتمل للقوة أو الأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون، وأن تكون هناك سلطات مستقلة إدارية أو نيابية تمارس هذا الاختصاص في الظروف التي تقتضي ذلك.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة