Skip to main content

على مصر معالجة العنف الطائفي المتكرر

يجب ضمان إجراء تحقيقات جادة وتعديل القوانين التمييزية

إن على السلطات المصرية تقديم المسؤولين عن العنف الطائفي الذي أودى بحياة خمسة مسيحيين ومسلم واحد يوم 5 أبريل/نيسان 2013 في الخصوص، إلى العدالة. وعلى السلطات أيضاً التحقيق في إخفاق الشرطة في التدخل الفعال لمنع تفاقم العنف أمام الكاتدرائية القبطية في القاهرة يوم 7 أبريل/نيسان، بعد القداس الجنائزي على أرواح المسيحيين المقتولين في الخصوص.

نادراً ما تخضع الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين الأقباط، وهم أكبر الأقليات الدينية في مصر، للتحقيق والمحاسبة.

قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحتاج الرئيس محمد مرسي إلى الاعتراف بمشكلة العنف الطائفي طويلة الأمد والغائرة في مصر، واتخاذ خطوات حاسمة لمعالجتها، قبل تصاعدها إلى حدود أبعد. منذ سنوات والجناة يفلتون بالقتل الطائفي، وعلى الرئيس أن يكسر حلقة الإفلات من العقاب، وأن يصلح القوانين التي تميز ضد حق المسيحيين في العبادة".

تزايدت حوادث العنف الطائفي بين أفراد مسلمين ومسيحيين من حيث الوتيرة والشدة، وخاصة منذ 2008، وهذا بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي تتابع تلك الاعتداءات. وقعت على الأقل خمسة حوادث عنف طائفي بين المسلمين والمسيحيين منذ تسلم الرئيس مرسي السلطة في يونيو/حزيران 2012. إلا أن النيابة بدأت التحقيق في حادث واحد، وقع في دهشور جنوبي القاهرة في يوليو/تموز 2012، ولم يؤد حتى هذا التحقيق إلى ملاحقات قضائية. منذ صار الرئيس محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب على نحو ديمقراطي، لم تتخذ السلطات أية خطوة للتحقيق في حوادث العنف الطائفي الخطيرة المرتكبة في عهد الحكم العسكري السابق، ولا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

يميز القانون المصري ضد المسيحيين إذ يحظر إنشاء الكنائس إلا بمرسوم رئاسي، وهو الشرط الذي لا ينطبق على الأديان الأخرى ودور عبادتها. ولطالما كان هذا مصدراً للتوتر بين المسلمين والمسيحيين. تمت محاولة فاشلة لصياغة قانون موحد لدور العبادة، ينطبق على الكنائس والمساجد بالتساوي، بعد نوبة خطيرة بوجه خاص من العنف في إمبابة في مايو/أيار 2011. إن المادة 43 من الدستور المصري الجديد، الذي بدأ العمل به في ديسمبر/كانون الأول 2012، تنص صراحة على حق المسيحيين في أن تكون لهم دور عبادتهم، ومع ذلك لم تلغ الحكومة القانون التمييزي القديم حتى الآن. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تضمن قيام مجلس الشوري بإعطاء الأولوية لتعديل القانون بحيث تُزال العقبة الموضوعة أمام حق المسيحيين في العبادة.
 

أحداث العنف في الخصوص بين عائلات مسلمة ومسيحية

ليس واضحا ما الذي أشعل شرارة العنف الطائفي الذي اندلع في الخصوص بمحافظة القليوبية شمالي القاهرة مساء 5 أبريل/نيسان. وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس بريس"، مستشهدة بمصدر أمني مصري، استشاط بعض السكان المسلمين غضباً بعد أن قام أشخاص ظنوهم أطفالا مسيحيين برسم صليب معقوف على جدار معهد أزهري. ويزعم بعض السكان نشوب شجار بين أطفال مسيحيين كانوا يلعبون كرة القدم ورجل مسلم وأخته، وتصاعد الشجار بعد تدخل العائلات، وأفراد آخرين من الطائفتين بعد ذلك.

استشرى العنف لمدة ساعات، قام المشاركون خلالها بإشعال النيران في مبان ومتاجر واشتبكوا في صدامات عنيفة أدت إلى وفاة مسلم وخمسة مسيحيين. ورد في بيانبتاريخ 8 أبريل/نيسان من الرئاسة المصرية أن "قوات الأمن احتوت الموقف ونشرت أفرادها في أنحاء المدينة لمنع المزيد من الاشتباكات". إلا أن الشهود الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات قالوا إن استجابة الشرطة كانت بطيئة وعديمة الفعالية.

قال كاهن كنيسة مار جرجس في الخصوص، القس سوريال يونان، لصحيفة التحرير اليومية إن الشرطة النظامية وصلت بعد ساعتين من بدء الاشتباكات، وإن خمسة ساعات انقضت قبل وصول قوات الأمن المركزي. أكد إسحق إبراهيم، باحث الشؤون الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لـ هيومن رايتس ووتش وصول الشرطة متأخرة بساعتين على الأقل.

قام بولس فخري، الذي يمتلك متجراً لبيع الرخام في الخصوص، بنقل ما شهده في 5 أبريل/نيسان لـ هيومن رايتس ووتش :

وصلت إلى المنطقة المحيطة بالكنيسة في حوالي السادسة مساءً. سمعت إمام الجامع ينادي في مكبر الصوت "اقتلوا الكفار جميعاً"، وكان يقصد المسيحيين. بعد التاسعة مساءً بدأ الوضع يتدهور. كانت معظم المنطقة خلف الكنيسة مظلمة، لكننا سمعنا طلقات نارية. وصلت قوات الأمن المركزي متأخرة كثيراً، وكان عددها قليلاً، ومعهم عصي ودروع. كانوا عديمي الفائدة، ويقفون على مبعدة من الكنيسة، على بعد نحو 200 متر.

قال مينا فتحي، أحد سكان الخصوص، لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى كنيسة مار جرجس في نحو التاسعة والنصف مساءً:

سمعت إمام المسجد المجاور يطلب من الجميع الخروج بأسلحتهم لمهاجمة الكنيسة. عند الساعة 11:45 مساءً كنت أقف مع بعض الأصدقاء فوق أحد الأسوار وشاهدنا مبان تشتعل فيها النيران. كان الظلام يسود حيث أقف، لكنني رأيت المنازل تشتعل. أحرقوا محل خياط، وحضانة، كما أحرقوا كنيسة بروتستانية على بعد 3 مربعات سكنية من كنيسة مار جرجس. وأشعلوا النيران في بعض السيارات أيضاً. لم تظهر الشرطة إلا متأخرة، فجاءت 3 عربات للأمن المركزي ولم تفعل أي شيء، وكان الوضع قد بدأ يهدأ وقتها. لم يقولوا شيئاً. كانوا يقفون على بعد 50-100 متر من الكنيسة.

الجنازة بالكاتدرائية في العباسية، القاهرة

اندلع المزيد من العنف الطائفي يوم 7 أبريل/نيسان أمام كاتدرائية القديس مرقس، الكاتدرائية القبطية بالعباسية في القاهرة، أثناء مرور موكب جنازة المسيحيين الأربعة المقتولين في الخصوص. ومرة أخرى لم يتضح السبب الذي أشعل شرارة الاشتباكات، غير أن الشهود الذين تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش وصفوا كيف قام مئات من الرجال داخل الكنيسة وخارجها، في بقية اليوم، بتبادل إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف وطلقات الخرطوش، وإطلاق النيران من المسدسات في بضع حالات.

زعم بيان الرئاسة أن "وزير الداخلية سارع على الفور إلى تكثيف وجود قواته في المنطقة لمنع تجدد الاشتباكات"، إلا أن شهادات شهود العيان وصور الفيديو تبين إخفاق الشرطة في التدخل الفعال لمنع التصعيد، ووقوفها متفرجة، مما سمح لمواطنين بمهاجمة أشخاص يقفون في ساحات الكاتدرائية. وجهت الشرطة الغاز المسيل للدموع نحو الواقفين على أسوار الكاتدرائية وحدهم.

يُظهر مقطع فيديو التقطته صحيفة "المصري اليوم" اليومية المصرية أفراد قوات مكافحة الشغب وهم يخفقون في التدخل بأي شكل ضد رجال يرتدون ملابس مدنية ويقفون بجوارهم ويلقون الحجارة نحو الكاتدرائية. في بعض المقاطع المصورة يبدو الرجال الذين كانوا يلقون الحجارة وكأنهم يوجهون الأمن المركزي لإطلاق الغاز المسيل للدموع على جدران الكاتدرائية، وينصاع لهم رجال الشرطة.

قال الصحفي ألستر بيتش، وهو مراسل لصحيفة "الإندبندنت"، لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد شاباً يحمل مسدساً يتسلق أحد الأسطح ويفتح النار في اتجاه الكاتدرائية على مرأى من حوالي 30 من رجال الأمن المركزي. وقال أيضاً إنه شاهد الأمن المركزي يطلق الغاز المسيل للدموع داخل مجمع الكاتدرائية.

قال مينا ثابت، أحد المشيعين، لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى الكاتدرائية في الظهيرة، بعد بدء القداس الجنائزي، وكان يسير مع حاملي النعوش نحو سيارات الجنازة. وواصل قائلا:

أغلقنا بوابات الكاتدرائية، لكن بعض الرجال من قاذفي الحجارة بدأوا في تسلق الأسوار ومهاجمتنا من أسطح المباني المحيطة. استمر الوضع هكذا لمدة ساعة أو نحوها حتى وصلت الشرطة. كانت قوات الأمن المركزي تقف أمام الكاتدرائية، وبعد دقائق قليلة كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع داخل الكاتدرائية، حتى وصل للمقر البابوي وبهو الكنيسة. أصيب الأطفال والنساء بالاختناق، وفقدت أنا نفسي الوعي مرتين. رأيت مصابين جراء الخرطوش وشظايا الزجاج.

في أعقاب العنف المتصاعد، قالت الرئاسة المصرية في بيان بتاريخ 8 أبريل/نيسان إن الرئيس مرسي أمر "بالتحقيق الفوري في الأحداث لمحاسبة من تثبت مسؤوليتهم عنها، مشدداً على نشر نتائج التحقيق فور ظهورها". في 9 أبريل/نيسان، قال وليد عماد رئيس نيابة الوايلي لصحيفة الأهرام إن النيابة تحقق في أحداث العنف بالعباسية وإن الشرطة لم تعتقل أحداً حتى حينه.

قال نديم حوري: "على الشرطة أن تطور قدرتها على التدخل المحايد والفعال في الاعتداءات الطائفية لحماية الأرواح ومنع تصاعد العنف. وينبغي للشرطة التحلي بصورة مختلفة عن صورة الوقوف موقف المتفرجين بينما يقوم رجال بإلقاء الحجارة على الكاتدرائية".

استجابة الحكومة

كان أول رد فعل من الرئيس مرسي هو بيان بتاريخ 7 أبريل/نيسان أمر فيه بالتحقيق ودعا المصريين إلى عدم الانسياق "وراء أمور تضر بسلامة واستقرار البلاد وتهدد الوحدة الوطنية"، مضيفاً أن "الكل شركاء في هذا الوطن". قام المجلس القومي لحقوق الإنسان بإلقاء اللوم على "أياد خبيثة" في أحداث العنف، بينما اتهم حزب الحرية والعدالة الحاكم "جهات مشبوهة عازمة على إيقاع الفتنة بين أبناء الوطن" عن طريق "اختلاق أحداث تستفز المشاعر الدينية وتؤدي إلي فتن طائفية تهدف إلي جر الوطن إلي فوضى يستفيد منها أعداء مصر وأعوانهم من الفاسدين".

قال نديم حوري: "يعمل إرث العنف الطائفي من عهد مبارك، والمناخ الذي يحمي المعتدين من الجانبين، على خلق مشكلة خطيرة ومتنامية بين مسلمي مصر ومسيحييها. وعلى الرئيس مرسي أن يعالج هذا الوضع بتحسين الإجراءات الأمنية وملاحقة المسؤولين، وليس تنحيتها جانباً بدعوى أنها نتاج مؤامرة، وإلا سنشهد المزيد والمزيد من العنف من النوع الذي شهدته الخصوص".

في عهد مبارك، كان العنف الطائفي ظاهرة متكررة، استمرت في عهد المجلس العسكري الذي حل محله عام 2011.  وقع 12 حادث عنف طائفي خطير على الأقل خلال شهور الحكم العسكري الـ17، خلفت العديد من المنازل والمحال مخربة، و25 قتيلاً على الأقل. ولم تنتج ملاحقات جنائية إلا في حالتين، إلا أن النيابة أحالت القضيتين إلى محاكم أمن الدولة-طوارئ القائمة آنذاك، والتي كانت تشتهر بالإخفاق في تلبية أدنى معايير الإجراءات السليمة، ولا يمكن الطعن على أحكامها. أما الحالات الأخرى فقد تم التعامل معها على طريقة جلسات الصلح العرفية، والتي لم تحقق العدالة في رأي هيومن رايتس ووتش.

واستمرت حوادث العنف الطائفي بين الأقباط والمسلمين طوال سنة 2012، بدون ملاحقات قضائية جديدة أو تحقيقات جدية، فيما عدا التحقيق في حادث العنف الطائفي بدهشور في الجيزة في يوليو/تموز 2012. في ذلك الحادث، أمرت النيابة باحتجاز تسعة من المشتبه بهم وأفرجت عنهم لاحقاً دون اتهام. في فبراير/شباط 2012، أمرت الشرطة والقادة المحليون الدينيون والسياسيون بتهجير ثماني عائلات مسيحية بعد قيام سكان مسلمين بنهب منازل ومتاجر السكان المسيحيين في قرية شربات قرب الإسكندرية. تم التراجع عن قرار التهجير بعد أسبوعين في أعقاب زيارة وفد برلماني للمنطقة، لكن بنهاية العام كانت الشرطة مستمرة في إخفاقها في اعتقال أي شخص على ذمة أحداث العنف رغم وجود محضر يحدد أسماء المشتبه بهم.

قال نديم حوري: "تحتاج السلطات على نحو عاجل إلى كشف حقيقة أحداث العنف في الخصوص وفي مواكب الجنازات اللاحقة عليها، وتقديم كافة المسؤولين عنها للعدالة، بشكل ناجز وعادل. وعلى الرئيس مرسي أن يسائل وزير الداخلية عن سبب إخفاق الشرطة في احترام القانون وحماية المعرضين للهجوم، والإصرار على اتخاذ الوزير لخطوات تضمن قيام الشرطة بعملها في المستقبل". 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.