(طرابلس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن أحد مشروعات القوانين التي يجري إعدادها في ليبيا بهدف منع مسؤولي عهد القذافي من تولي المناصب العامة والعليا ينبغي ألا يستبعد غير أولئك الذين تولوا بعض المناصب العليا المحددة بدقة، أو هؤلاء الذين توجد بحقهم مزاعم بارتكاب أفعال محددة. وينبغي لأي متهم بارتكاب أخطاء في الماضي أن تتاح له فرصة عادلة للرد على التهم المنسوبة إليه.
قال فريد آبراهامز، المستشار الخاص في هيومن رايتس ووتش: "بعد عقود من الدكتاتورية والفساد، من المفهوم أن يرغب الليبيون في استبعاد المتورطين في انتهاكات الماضي من صفوف قادتهم الجدد. لكن ينبغي أن يستند الحظر المفروض على المناصب العامة والعليا إلى مخالفات يمكن إثباتها وليس مجرد ارتباط عام بالنظام السابق".
ينتظر من إحدى لجان البرلمان الليبي، أو المؤتمر الوطني العام، أن تقدم مسودة لما يسمى "قانون العزل السياسي" في 23 يناير/كانون الثاني 2013. تصاعدت ضغوط الرأي العام على البرلمان في الأسابيع الأخيرة لاستبعاد الأشخاص الذين يعتبرهم الكثير من الليبيين من فلول عهد القذافي غير مرغوب فيهم.
دعت هيومن رايتس ووتش اللجنة المعنية بصياغة مشروع القانون إلى تحري الإمعان واستغراق الوقت الكافي لإصدار هذا التشريع الهام، وتدبر كيفية اندماج وتكامل القانون في عملية العدالة الانتقالية الأوسع نطاقاً داخل ليبيا.
قال فريد آبراهامز: "يتطلب هذا القانون الوقت والدراسة بعناية لضمان احترامه لحقوق الإنسان ووفائه بحاجة ليبيا إلى العدالة بعد الحقبة الدكتاتورية".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لأي قانون جديد أن يقدم تعريفاً وافياً لأي المناصب التي تم شغلها في عهد القذافي والأفعال التي تم ارتكابها في الماضي بما يستلزم الاستبعاد من المناصب العامة، ومدة هذا الاستبعاد. من شأن المصطلحات الفضفاضة، إذا تم استخدامها، أن تفتح الباب لاستخدام القانون لأغراض حزبية سياسية.
ومن المهم بشكل حاسم أيضا أن ينص القانون الجديد على عملية نزيهة وشفافة، بحسب هيومن رايتس ووتش. ينبغي لأي شخص متهم بانتهاك حقوق الإنسان أو ارتكاب مخالفات في الماضي أن يتمكن من الاطلاع على الأدلة المقدمة بحقه وأن تتاح له فرصة عادلة للرد على التهمة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لمن يواجه اتهامات بموجب هذا القانون أن يمتلك الحق في الطعن على الحظر في توقيت مناسب أمام هيئة مستقلة.
إذا أخفق "قانون العزل السياسي" الجديد في الوفاء بهذه المعايير فمن شأنه انتهاك قانون ليبيا الدستوري. تنص المادة 6 من ميثاق ليبيا الدستوري على أن كل الليبيين "متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية" وبـ"تكافؤ الفرص" دون تمييز على أساس "الدين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري".
لم يتضح بعد كيف سيتعامل مشروع القانون مع هيئة النزاهة والوطنية القائمة بالفعل، التي تم تكوينها في أبريل 2012 والمكلفة بمراجعة ترشيح كبار مسؤولي الحكومة والأمن، وأعضاء المؤتمر الوطني العام، ورؤساء النقابات المهنية والجامعات وغيرها من المؤسسات العامة. سبق لـ هيومن رايتس ووتش انتقاد المعايير الغامضة والفضفاضة الخاصة بالهيئة.
منعت هيئة النزاهة والوطنية بالفعل العشرات من تولي مناصب عديدة، بمن فيهم 11 من أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبين، رغم أن بعضهم تقدم بطعون على القرارات أمام المحاكم.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه إذا استمر وجود هيئة النزاهة والوطنية فعلي المؤتمر أن يعدّل قوانينه بمعايير أكثر دقة وأضيق نطاقاً لفرض الحظر [على تولي المناصب العامة].
يشترط القانون الدولي على ليبيا أن تتيح لكل مواطنيها الحق في تولي المناصب السياسية دون تمييز على أساس الانتماء السياسي. وبصفة ليبيا دولة طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فإنها ملزمة بإتاحة فرص متساوية أمام مواطنيها للمشاركة في الحياة السياسية، دون تمييز أو "قيود غير معقولة". كما أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صدقت عليه ليبيا أيضاً، يلزم الدول بضمان تمتع كل مواطن بالحق في المشاركة الحرة في حكم بلده.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن البلدان الشبيهة بليبيا، التي عانت من الحكم الدكتاتوري وتناضل من أجل بناء مجتمعات ديمقراطية، لديها مخاوف مشروعة من تقويض هذه الجهود على أيدي أناس كان سلوكهم السابق يعكس الصبغة الإجرامية أو القمعية أو الفاسدة لتلك الدكتاتوريات. وبالتالي فهناك قدر من التبرير لتقييد الحقوق السياسية لبعض الأشخاص المرتبطين بالدكتاتورية السابقة في بداية العملية الانتقالية.
غير أنه ينبغي لتلك العملية أن تعكس احترام الحقوق الفردية المكرسة في القانونين الليبي والدولي. وينبغي أن تستند القيود إلى معايير واضحة يفصّلها القانون، وأن تكون متناسبة، وليست حظراً عاما على جميع الأنشطة السياسية.
وقال فريد آبراهامز: "يمتلك المشرّعون الليبيون فرصة ذهبية لضمان أن يتم أي استبعاد على أساس الحالة الفردية، باستخدام معايير واضحة وصريحة ومن خلال عملية نزيهة. وينبغي تكريم ضحايا انتهاكات الماضي من خلال قوانين جديدة تلتزم بحقوق الإنسان التزاما كاملاً".