تحديث - قال ممثل للرئاسة المصرية لـ هيومن رايتس ووتش في 11 ديسمبر/كانون الأول إنه لن يتم تقديم مدني واحد للمحاكمة العسكرية بموجب هذا القانون خلال فترة الاستفتاء. وعقبت هيومن رايتس ووتش بالقول إن هذا الالتزام من جانب الرئيس يمثل خطوة إيجابية.
(القاهرة) ـ إن القانون الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي في 9 ديسمبر/كانون الأول 2012 يمنح الجيش سلطة القبض على المدنيين وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية حتى إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور المقرر إجراؤه يوم 15 ديسمبر/كانون الأول. على الرئيس مرسي أن يعدل هذا القانون فوراً بحيث يحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ويشترط على العسكريين سرعة تسليم أي مدنيين محتجزين إلى النيابة العامة.
يمنح القرار بقانون رقم 107 لسنة 2012، وهو القانون الحادي عشر الذي يصدره الرئيس مرسي منذ تولي السلطة التشريعية من المجلس العسكري في أغسطس/آب، يمنح سلطة إنفاذ القانون (الضبط القضائي) للقوات المسلحة دون أية تدابير من شأنها حماية المدنيين من الإحالة إلى المحاكم العسكرية. وقد اكتشفت أبحاث سابقة قامت بها هيومن رايتس ووتش، أثناء فترة الحكم العسكري بالأساس، أن اشتراك العسكريين في أعمال إنفاذ القانون كان مصحوباً بانتهاكات جسيمة، بما فيها استخدام القوة المفرطة، والتعذيب، والاعتداء البدني.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحتاج أي انتشار للجيش المصري بغرض المساعدة في الحفاظ على الأمن إلى إرفاقه بضمانات لاحترام الحقوق الأساسية. ويجب على الرئيس مرسي أن ينهي المحاكمات العسكرية للمدنيين، لا أن يقوم بتوسيع مجالها".
يتجاهل القانون الجديد حكم المحكمة الإدارية الصادر في يونيو/حزيران والذي أبطل مرسوماً مشابهاً أصدره وزير العدل أثناء الحكم العسكري. كانت محاكمات المدنيين العسكرية غير العادلة من أخطر الانتهاكات التي تعرض لها المصريون أثناء ما يربو على سنة ونصف من الحكم العسكري، حيث حوكم أكثر من 12 ألفمدني أمام محاكم عسكرية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن القانون رقم 107 يمنح العسكريين سلطات لإنفاذ القانون (الضبط القضائي) من شأنها إثارة مخاوف جدية تتعلق بحقوق الإنسان. تنص المادة الأولى على نشر أفراد القوات المسلحة بهدف حفظ الأمن حتى إعلان نتيجة الاستفتاء. وتقرر المادة الثانية أن يكون لأفراد القوات المسلحة "جميع سلطات الضبط القضائي والصلاحيات المرتبطة بها". وتنص المادة الثالثة على قيام ضباط القوات المسلحة بتسليم المقبوض عليهم إلى النيابة المختصة، "مع عدم الإخلال باختصاص القضاء العسكري". تثير المادتان 2 و3 مخاوف خاصة لأن العسكريين المصريين، على مدار العامين السابقين، كانوا يعتبرون أن اشتراك الضابط العسكري في أعمال إنفاذ القانون (الضبط القضائي) يمثل أساساً كافياً لاختصاصه بإحالة المدنيين إلى المحاكمة أمام المحاكم العسكرية، كما قالت هيومن رايتس ووتش.
تعارض هيومن رايتس ووتش بشدة أية محاكمة للمدنيين أمام محاكم عسكرية. واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في تفسيرها للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، قالت إن المحاكم العسكرية "لا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن يكون لها اختصاص على المدنيين".
قالت هيومن رايتس ووتش إن مرسوماً مشابهاً أصدره وزير العدل في 13 يونيو/حزيران تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أثار مخاوف مشابهة. قال المرشح الرئاسي محمد مرسي، في تعليقه على المرسوم لأحد برامج قناة الجزيرة في ذلك الوقت، إن "هذا قرار غريب" وقال إن التوقيت "غريب... يأتي.. الانتخابات بفترة قليلة". كما أضاف أن "إعطاء ضباط المخابرات العسكرية، (اللي) هم أصلاً (مش) معروفين للناس حق الضبط على المخالفين بتقديرهم هم... هذا أمر قد يساء استخدامه.. قد يستخدم بطريقة سلبية ضد الناخبين وفي العملية الانتخابية نفسها". في 16 يونيو/حزيران حكم مجلس الدولة، أعلى المحاكم الإدارية في مصر، بإلغاء قرار وزير العدل.
حكم مجلس الدولة بأن "للمواطنين الحق في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي، وهذا أحد روافد مبدأ استقلال القضاء وحياده، وضمان لشعور المتهم بالأمان". كما وجد أن "الإجراءات الاستثنائية التي تهدد الشرعية الإجرائية لا يصح اللجوء إليها باسم الحفاظ على الأمن" وأن "الرئيس وحده له الحق في نشر أفراد القوات المسلحة، وفي حالة الطوارئ فقط".
اتسم اشتراك العسكريين المصريين في أعمال إنفاذ القانون بانتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان على مدار العام ونصف الماضيين، كما قالت هيومن رايتس ووتش. تحل في ديسمبر/كانون الأول الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات مجلس الوزراء التي استخدمت الشرطة العسكرية القوة المفرطة لتفريقها، بما فيها ضرب النساء وركلهن، وهو ما تم التقاطه في مقاطع فيديو مصورة. رغم التعهد بالتحقيق في تلك الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها إلا أن الجيش لم يحقق مع أفراد عسكريين ولا لاحقهم قانونياً على هذه المخالفات، ولا لتعذيب المتظاهرين في العباسية في مايو/أيار 2012، ولا لتعذيب المتظاهرات والاعتداء الجنسي عليهن وهن قيد الاحتجاز بحجة "كشوف العذرية" في مارس/آذار 2011.
رغم وعود الرئيس مرسي بعد انتخابه في يونيو/حزيران بإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين فقد استمرت تلك المحاكمات. في 18 نوفمبر/تشرين الثاني اعتقلت الشرطة العسكرية 25 مدنياً أثناء محاولة الإخلاء القسري لجزيرة القرصاية، على نيل منطقة الجيزة بالقاهرة، وأحالتهم إلى النيابة العسكرية. اتهمت النيابة العسكرية المدنيين بالاعتداء على العسكريين وعلى ممتلكاتهم، رغم حكم المحكمة الصادر في فبراير/شباط 2010 والذي يمنح المدنيين الحق في الإقامة والعمل على الجزيرة. بدأت المحاكمة العسكرية في 2 ديسمبر/كانون الأول، وما زالت جارية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الدستور المقترح من شأنه أيضاً أن يسمح للعسكريين بمحاكمة المدنيين، ومن شأنه أن يحدث أشد الضرر بالجهود الرامية إلى محاسبة العسكريين المسيئين على إساءاتهم. تخفق المسودة النهائية للدستور، التي قدمتها الجمعية التأسيسية إلى الرئيس في الأول من ديسمبر/كانون الأول، في الحد من المحاكمات العسكرية للمدنيين، إذ تتراجع عن صياغة مسودات أسبق كانت تقرر أنه "لا تجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري". حذف أعضاء الجمعية التأسيسية هذه الصياغة بعد اعتراض رسمي من مسؤولي العدالة العسكرية. وتنص المادة 198 من المسودة النهائية الآن على أنه "لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم"، مما يترك السلطة التقديرية للعسكريين لمحاكمة المدنيين بموجب قانون الأحكام العسكرية.
تنص المادة 198 أيضاً على اختصاص القضاء العسكري وحده بالجرائم التي يرتكبها عسكريون، مما يمنع أية محاولة من قبل القضاء المدني للتحقيق مع الضباط العسكريين في المستقبل، ويمنحهم في واقع الأمر حصانة من الملاحقة القانونية، كما قالت هيومن رايتس ووتش. في البلدان التي ينطوي تاريخها على هيئات عسكرية مسيئة وغير قابلة للمحاسبة، مثل المكسيك وتشيلي، وجدت هيومن رايتس ووتش أن تكليف المحاكم العسكرية بالتعامل مع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها أفراد عسكريون هو أمر يسهل الإفلات من العقاب.
قالت سارة ليا ويتسن: "إذا تمت الموافقة على مسودة الدستور فسوف تنهي فعلياً أي أمل في محاسبة العسكريين على الجرائم المرتكبة في العامين الماضيين، بسماحها بإبقاء الملاحقة القانونية ضمن الدائرة العسكرية. كما أنها ترسخ حق العسكريين في مواصلة محاكمة المدنيين، مما يعد عقبة جدية أمام الحد من السلطات والامتيازات العسكرية في المستقبل".