Skip to main content

مصر: خطوة نحو محاسبة الجيش على انتهاكاته

التحقيق المدني فرصة لتحقيق العدالة للضحايا

(نيويورك ) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن تعيين محكمة استئناف القاهرة قاضٍ مدني للتحقيق في مسؤولية ثلاثة قيادات عسكرية سابقة عن انتهاكات حقوق المتظاهرين يعتبر فرصة جيدة لمحاسبة العسكريين على انتهاكات الحُكم العسكري. كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقت دور  الجيش  في احتجاز وتعذيب مئات المتظاهرين وفي إطلاق النار على عشرات المتظاهرين أثناء الحُكم العسكري، بين يناير/كانون الثاني 2011 وأغسطس/آب 2012.

كان حتى الان للمحاكم العسكرية الاختصاص الوحيد في المخالفات التي ارتكبها عسكريون، وقد أخفق القضاء العسكري على طول الخط في التحقيق على النحو الواجب في انتهاكات الجيش بحق المتظاهرين، على حد قول هيومن رايتس ووتش. في القضيتين الوحيدتين اللتين تمت إحالتهما للمحاكمة، لم تبحث النيابة العسكرية في مسؤولية كبار القادة، بمن فيهم من أعطوا الأوامر بارتكاب انتهاكات أو أخفقوا في منع جرائم مرؤوسيهم.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على مدار فترة العام ونصف العام الماضية، راح الجيش يُفلت من العقاب على جرائم القتل والتعذيب والاعتداءات الجنسية؛ لأن محققي الجيش لم يكونوا على استعداد للتحقيق بجدية مع أبناء المؤسسة العسكرية. إذا دعمت السلطة السياسية التحقيق المدني بالكامل، فربما يصبح خطوة أولى جادة نحو وقف الإفلات من العقاب الذي يتمتع به الجيش حتى الآن".

يبدأ التحقيق المدني بالتزامن مع مراجعة لجنة تقصي حقائق عيّنها الرئيس محمد مرسي للانتهاكات التي ارتكبها عسكريون وقوات الشرطة بحق المتظاهرين في الفترة من يناير/كانون الثاني 2011 إلى يونيو/حزيران 2012. قالت هيومن رايتس ووتش إن احتمالات التحقيق الجاد في بلاغات انتهاكات الجيش كانت قليلة أثناء تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة للسلطة، لكن هناك الآن فرصة سانحة لأن يضغط الرئيس مرسي من أجل المحاسبة على انتهاكات المؤسسة العسكرية أمام المحاكم المدنية.

كانت وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ.ش.أ.) التابعة للدولة قد أعلنت في 15 أكتوبر/تشرين الأول أن سمير عبد المعطي – رئيس محكمة استئناف القاهرة – قام بتعيين القاضي ثروت حماد كقاضي تحقيق للبحث في الشكاوى المقدمة من مواطنين ضد المشير حسين طنطاوي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع السابق، وضد الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة، واللواء حمدي بدين، القائد السابق للشرطة العسكرية، على دورهم في العنف ضد المتظاهرين أثناء الحُكم العسكري وبتهم متعلقة بالفساد.

في 16 أكتوبر/تشرين الأول، قال الناطق باسم وزارة العدل المستشار أحمد سلام لوكالة رويترز للأنباء إن النائب العام تلقى 136 شكوى ضد طنطاوي وعنان، وقد أحالتها النيابة إلى حماد لمباشرة التحقيق.

أخفق نظام القضاء العسكري في المجمل في التحقيق على النحو الواجب وفي الملاحقة القضائية في قضايا تخص انتهاكات للجيش، مثل أعمال القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والضرب والعنف ضد النساء. لم يحقق الجيش في وقائع توجد لها تسجيلات فيديو تعرض لأفراد من الشرطة العسكرية يضربون ويركلون سيدات في 16 ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك سيدة منقبة راقدة على الأرض والجزء العلوي من جسدها عارٍ، بينما يقوم ستة من أفراد الشرطة العسكرية بضربها وركلها. ولم يتم إجراء تحقيق في تعذيب المتظاهرين في مارس/آذار 2011 في وسط البلد بالقاهرة بميدان لاظوغلي أو في مايو/أيار 2012 في العباسية.

القضايا الوحيدة التي حقق فيها القضاء العسكري كانت قضية اعتداءات جنسية بحق متظاهرات في مارس/آذار 2011 في سجن عسكري بدعوى إجراء "كشوفات عذرية"، وقتل أفراد من الجيش لـ 27 متظاهراً أمام مبنى ماسبيرو في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2011. لم يسفر أي من التحقيقين عن التحقيق في مسؤولية أي من كبار القادة. ورفضت النيابة في قضية ماسبيرو التحقيق في دور الجيش في إطلاق النار على المتظاهرين، وانصب تحقيقها على دهس المتظاهرين بمركبات عسكرية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن التحقيقات والمحاكمات في هاتين القضيتين تلقي الضوء على استمرار إخفاق نظام القضاء العسكري في التحقيق مع كبار المسؤولين رغم وجود أدلة قوية على وقوع جرائم يتحملون مسؤوليتها. وهذا أمر غير مدهش بالمرة لأن نظام القضاء العسكري - من نيابة ومحاكم – غير مستقل عن الأفراد الذين يحقق معهم، ويخضع لنفس سلسلة القيادة العسكرية.

في قضية قتل 27 متظاهراً قبطياً في ماسبيرو في أكتوبر/تشرين الأول 2011، مثل ثلاثة جنود منخفضي الرتبة أمام المحكمة بناء على تحقيقات النيابة العسكرية في قتل 14 متظاهراً من المذكورين. لم يجر تحقيق لتحديد من أمر بانتشار قوات الجيش عند ماسبيرو في ذلك اليوم، ولم يتم التحقيق لمعرفة من ضباط الجيش المسؤولين عن إطلاق النار. في 3 سبتمبر/أيلول حكمت محكمة عسكرية على الجنود الثلاثة بالسجن لمدد تتراوح من عامين وثلاثة أعوام بتهمة القتل الخطأ.

أمرت محكمة عسكرية في 11 مارس/آذار بتبرئة ضابط الجيش الوحيد الضالع في قضية "كشوفات العذرية" التي وقعت في مارس/آذار 2011. لم تستدع النيابة العسكرية أي شهود أثناء مرحلة الملاحقة القضائية لتأكيد الاتهامات التي أحيل بموجبها إلى المحكمة، ولم تطعن النيابة في الشهادة غير المتسقة التي قدمها شهود الدفاع. رغم وجود تصريحات واضحة من بعض كبار القادة العسكريين بوقوع الحادث، فلم تبحث المحاكمة من الذي أمر بإجراء الكشوفات وما هي رتبته.

تعهد الرئيس مرسي علناً بإحقاق العدالة لضحايا الانتهاكات، فقام في 5 يوليو/تموز بتشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في أعمال العنف ضد المتظاهرين ولمراجعة ردود فعل مؤسسات الدولة. يمكن للجنة أن تخرج بتوصيات لمكتب النائب العام كي يحقق في بعض الوقائع المحددة، ويمكنها أيضاً عرض حقائق جديدة متعلقة بالتحقيقات القائمة.

قال أحمد راغب المحامي والعضو بلجنة تقصي الحقائق لـ هيومن رايتس ووتش إن اللجنة وافقت على أن تضم "كشوفات العذرية" كأحد وقائع العنف ضد المتظاهرين ضمن تحقيقاتها الرسمية. أمام اللجنة مهلة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول لكي ترفع توصياتها إلى الرئيس والنيابة.

ورغم أن المحاكم العسكرية أصدرت عقوبات مغلظة، منها أحكام إعدام، على جرائم ارتكبها مدنيون، فيبدو أن هناك تبايناً شاسعاً فيما يخص الحُكم على العسكريين، وأحياناً أثناء خضوعهم للمحاكمة على الجرائم نفسها التي حُكم فيها على مدنيين بعقوبات مغلظة، على حد قول هيومن رايتس ووتش. وبالإضافة إلى الأحكام المخففة في قضية ماسبيرو، خففت محكمة استئناف عسكرية في فبراير/شباط حُكماً بخمس سنوات إلى ثلاث سنوات، بحق ضابط جيش أدين باغتصاب سيدة بريطانية تبلغ من العمر 34 عاماً في حجرة عند نقطة تفتيش في سيناء يوم 15 مايو/أيار 2011.

تكررت توصيات هيومن رايتس ووتش على مدار فترة العام والنصف الماضية بتعديل قانون الأحكام العسكرية لكي تقتصر محاكمات الجيش على العسكريين وللنص بوضوح على أن النائب العام (المدني) هو المسؤول عن التحقيق في البلاغات المقدمة بشأن انتهاكات العسكريين لحقوق المدنيين، مع السماح بمحاكمة أفراد الجيش أمام المحاكم المدنية في قضايا الانتهاكات والمعاملة السيئة للمدنيين.

قام البرلمان بتعديل قانون الأحكام العسكرية في مايو/أيار 2011 لكن جاء التعديل فقط من أجل الحد من حق الرئيس في إحالة مدنيين للمحاكم العسكرية. أخفق التعديل في معالجة السلطة الواسعة الممنوحة للمؤسسة العسكرية في المواد 5 و7 من القانون فيما يخص محاكمة المدنيين. لم يدر نقاش في ذلك التوقيت في البرلمان بشأن تعديل المواد التي تحمي العسكريين من المحاكم المدنية. يمنح قانون الأحكام العسكرية على حاله الآن للنيابة العسكرية، بموجب المادة 48، الحق في اتخاذ قرارات تحديد الاختصاص القضائي في أية قضايا تخص عسكريين. وقد دأبت النيابة العسكرية في كل قضية من القضايا على أن تكون هي صاحبة الاختصاص الوحيد فيما يخص العسكريين.

وجدت هيومن رايتس ووتش أثناء عملها طويلاً على كل من المكسيك وشيلي أن تعامل المحاكم العسكرية مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان المتورط فيها عسكريون، يؤدي إلى الإفلات من العقاب. أصدر المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بالعنف ضد المرأة وأسبابه وتبعاته تقريراً في عام 2006 ورد فيه أن بعد أن قرر الجيش المكسيكي اختصاصه في نظر قضايا اغتصاب سيدات في جنوب المكسيك "بدلاً من أن يجري تحقيقات كاملة ومحايدة، تكرر تأخير المحققين العسكريين لإجراءات المحاكمة وحاولوا نزع المصداقية عن الاتهامات وألقوا بعبء إثبات التهمة على كاهل الضحية".

وقال جو ستورك: "لن يحدث الانتقال إلى ثقافة احترام حقوق الإنسان في مصر إلا إذا كان الأساس هو المحاسبة على انتهاكات العام الماضي الأكثر جسامة". وأضاف: "منح المسؤولية للمحاكم المدنية فيما يخص انتهاكات العسكريين ضد المدنيين هي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة