Skip to main content

دعى نشطاء سعوديون في 11 مارس/آذار 2012 إلى "يوم غضب" أملاً في انتقال المدّ الصاعد إلى المملكة؛ فلم يتظاهر في ذلك اليوم إلا شخص واحد. لكن تحت السطح الهادئ ثمة أشياء تتغير في السعودية، والمعارضة تغلي على مهل. من التغيرات الهامة أنه أصبح بإمكان النشطاء الطعن على التوقيف الإداري أمام المحاكم الإدارية، ويصادفهم النجاح في ذلك أحيانا. التغير الثاني هو أنه ومن أجل تفادي هذه الطعون، تتقدم الأجهزة الأمنية الآن باتهامات رسمية ضد المعارضين المحتجزين، وتحيلهم إلى المحاكمة بسبب نشاطهم. القصد أن: في دولة يغيب عنها القانون الجنائي المكتوب، فإن حمل الحكومة على الخضوع للقضاء يمنح قضية المعارضين المشروعية.

لقد ظهر من رد الفعل السعودي الرسمي على محاولات الاحتجاج والتظاهر أن الحكومة لن توسّع هامش الفضاء السياسي قيد أنملة ولن تستوعب دعوات الإصلاح، بل إن الحكومة السعودية اختارت في فبراير/شباط ومارس/آذار 2011 تهدئة المواطنين السعوديين بتقديم ما يُقدر بـ 135 مليار دولار من الإعانات. وفي الوقت نفسه، قامت الأسرة الحاكمة السعودية – التي يشغل كبارها بالإضافة إلى عرش البلاد وزارات أساسية وأجهزة الحكم المحلية – أقول قامت بقمع الاحتجاج في بدايته. لكن ومع كل الجهود الحكومية لرسم صورة أن الحياة طبيعية ومع محاولتها قمع الاحتجاجات؛ تستمر أشكال التعبير عن الغضب الشعبي.

تكشف المعاملة القانونية للمتظاهرين عن أن المحاكم ما زالت خاضعة للإرادة السياسية رغم مشروع إصلاح القضاء الذي بادر به الملك عبد الله، إلا أن إخضاع المعارضين للقضاء مكسب هام لهم، إذ يوفر لهم منبراً يدافعون من خلاله عن حقهم في التعبير السلمي عن الرأي، وعن حرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات. في فبراير/شباط 2011 قبضت قوات الأمن على أول المتظاهرين، وهم مجموعة من الأفراد كانوا يعتزمون تدشين أول حزب سياسي سعودي، وقبضت على مجموعة مثقفين كانوا يطالبون بالإصلاح السياسي، عبر سلسلة من العرائض التي أصدروها ذلك الشهر. في مارس/آذار وقبل "يوم الغضب" المُعلن عنه على الفيس بوك، أصدرت وزارة الداخلية ومجلس كبار العلماء – أعلى هيئة دينية مكلفة بتفسير الشريعة – حظراً على جميع المظاهرات.

ثم وعلى مدار الشهور التالية، زاد عدد المحتجزين من المتظاهرين الذين تحدوا الحظر، في المنطقة الشرقية ذات التواجد السكاني الشيعي الكثيف. وفي مارس/آذار – ثم في ديسمبر/كانون الأول – تم أيضاَ القبض على متظاهرين سلميين في العاصمة الرياض، وفي القصيم، الواقعة شمالاً. وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران أوقفت السلطات سيدات قمن بقيادة سيارات احتجاجاً على الحظر غير الرسمي في المملكة على قيادة النساء للسيارات.

ليس اعتقال المعارضين بالظاهرة الجديدة في السعودية. ففي الماضي قامت المباحث – جهاز الشرطة السرية مرهوب الجانب في المملكة – بحبس آلاف المشتبهين بتبني منهج العمل المسلح، وكذلك نشطاء سلميين إصلاحيين. وفي بعض الحالات غاب المحتجزون مدداً طويلاً في غياهب السجون، وفي حالات أخرى، تم الإفراج عنهم بعد أن قررت السلطات أنهم سُجنوا بما يكفي – شريطة إعلان التوبة والتعهد بعدم الرجوع إلى تلك الأنشطة المفترض أنها مُخالِفة للنظام. لم تمر تلك العملية على طاولة القضاء.

الجديد هنا أن النشطاء الموقوفين في عام 2011 إما بسبب الاحتجاج السلمي أو بسبب التعبير كتابة عن آراء مخالفة ضد السائد، أصبحوا يُتهمون رسمياً ويُحاكمون أحياناً في المحكمة. هذا نصر صغير مرجعه زيادة ضغوط المتظاهرين والنشطاء، ومرجعه أيضاً بداية الإصلاح القضائي على يد الملك عبد الله في عام 2007. أمر الملك عبد الله بتقسيم محاكم الشريعة، حسب الاختصاص، إلى محاكم جنائية ومدنية ومحاكم أسرة ومحاكم تجارية وعمالية ومحاكم متخصصة بنظر مخالفات السير، مع إضافة محاكم استئناف. كما أمر الملك بتدوين قانون العقوبات – وهو الأمر الذي لم يشهد إنجازاً ملموساً حتى الآن – وتم إنفاق الملايين على زيادة عدد العاملين بالقضاء وعلى تدريبهم.

وكان وقف الاحتجاز التعسفي من المطالب المحورية لمظاهرات صغيرة جابت شوارع المنطقة الشرقية والرياض في عام 2011. والاحتجاز التعسفي أيضاً من المشاكل التي تؤرق منذ مدّة طويلة فئة النشطاء قليلي العدد. حصل القاضي السابق والمحامي سليمان الرشودي في عامي 2006 و2007 على توكيل بالدفاع عن المحتجزين الذين اعتزموا مقاضاة المباحث أمام ديوان المظالم – المحكمة الإدارية – بسبب تعرضهم للاحتجاز التعسفي، ثم انتهى الأمر بالقبض عليه في فبراير/شباط 2007.

في ذلك العام، أعلن الملك عبد الله عن إصلاح القضاء، وهو الأمر الذي شمل إنشاء محاكم جديدة وتيسير عمل المحاكم وتيسير إدارتها، وكان إصلاح القضاء من أعمدة إصلاحاته الأساسية. في عام 2009، بدأت المحكمة الجزائيةالمتخصصة الجديدة في محاكمة مئات المحتجزين منذ زمن طويل، والمتهمين بتبني منهج المعارضة المسلحة. في عام 2007، كان ما زال بإمكان المباحث القبض على المحامين الذين تعتبرهم مصدر تهديد، أو أن تتجاهل أحكام ديوان المظالم، إلا أن أعداد وتنظيم المتقدمين بالعرائض والالتماسات زادا. ومنذ أواسط فبراير/شباط تقدمت الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية بأكثر من عشرين شكاية إلى ديوان المظالم. في أحكام الديوان السابقة، كان ينحاز إلى مقدمي الشكاوى، فأمر على سبيل المثال بالإفراج عن ثامر الخضر في يونيو/حزيران الماضي، وهو ناشط حقوقي وطالب كان محتجزاً منذ مارس/آذار 2010 دون نسب اتهامات إليه.

ثم إن الضغط من خلال رفع الدعاوى بالمحاكم وعلى خلفية إصلاحات الملك القضائية، أدى إلى مبادرة المباحث بالامتثال للعملية القضائية. أغلب النشطاء الموقوفين في عام 2011 وُجهت إليهم اتهامات رسمية وخضعوا لمحاكمات. هذا التطور الإيجابي لم يمنع الاعتقالات، ولم يحول دون إنزال الأحكام بالإدانة، غير أنه يكرس بوضوح للتفسير القضائي للعلاقات بين الحاكم والمحكوم، وأدى إلى تعريف ما يُعتبر جريمة في السعودية؛ نظراً لغياب القوانين المكتوبة.

فيما يلي بعض الأعمال التي تراها المحكمة تستوجب العقاب الجزائي:

  • محمد البجادي. تم القبض عليه في مارس/آذار 2011، ويُحاكم بتهمة الانتماء بالعضوية إلى الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان، وعملها سلمي إلا أنها غير مرخصة.
  • عبد العزيز الوهيبي. تم القبض عليه في فبراير/شباط 2011، وحُكم عليه في نوفمبر/تشرين الثاني بالسجن لمحاولة إنشاء حزب سياسي سلمي.
  • أدين سعد الرشود وآخرين في يناير/كانون الثاني 2012 وحُكم عليهم بالحبس لمشاركتهم في مظاهرة سلمية في ديسمبر/كانون الأول 2011.
  • تم القبض على نذير الماجد في أبريل/نيسان 2011 واتُهم بالتخابر مع صحفي أجنبي.
  • مبارك بن زعير. تم القبض عليه في مارس/آذار 2011، واتهم في ديسمبر/كانون الأول 2011 بـ "عدم الاعتداد بالعلماء " و"الافتئات على ولي الأمر"، بعد أن طالب وزارة الداخلية بالإفراج عن والده المحتجز.
  • شيماء جستنية. قادت سيارة وأدينت في سبتمبر/أيلول بمخالفة أمر عام وحُكم عليها بالجلد في مكان عام.

 

هذه القضايا مركزية في تعريف السلطات المُطلقة للحاكم ومقدار رفض السلطات لكفالة الحقوق الأساسية للمواطنين، من قبيل الحق في التجمع وفي تكوين الجمعيات وفي التعبير عن الرأي. إنها تُلقي الضوء على أن المحاكم ما زالت أدوات للقمع الحكومي. إلا أن هذه القضايا غذّت أيضاً وجدان ما أصبح بحلول عام 2012 عدداً كبيراً من المواطنين المشاركين في الحياة العامة، ويستخدمون موقع تويتر وغيره من سبل التعبير عن الرأي على الإنترنت، في انتقاد هذه الأحكام وفي الاحتجاج على الاعتقالات والمحاكمات الجديدة، والمطالبة بحقوق الإنسان الدولية التي يستحقها الجميع. يبدو أن الحكومة لاحظت هذا الرأي العام فأفرجت عن خضر ورشود وبن زعير وآخرين.

ما زال آل سعود حُكام مُطلقون، إلا أن "الربيع" السعودي ترك أثره. الحُكم المطلق السعودي أصبح أقل تعسفاً وازداد وضوح أركانه، من ثم أصبح من الممكن انتقاده والطعن عليه أمام المحاكم وأمام الرأي العام. أصبح على الحكومة أن تدافع علناً عن تصرفاتها، ويتزايد شك الرأي العام في منطق الحكومة الذي يُصوّر النشاط الإصلاحي السلمي – قومي وديني المنابع في أحيان كثيرة – بصفته عمل تخريبي خطير.

* كريستوف ويلكى باحث أول في هيومن رايتس ووتش، ويتابع الملف السعودي منذ فترة طويلة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة