(نيويورك، 2 مارس/آذار 2012) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن صوراً جديدة بالقمر الصناعي وشهادات شهود قد كشفت عن تسبب القصف الذي يستهدف حي بابا عمرو في حمص لدمار موسع ووفيات كثيرة وإصابات جسيمة في صفوف المدنيين. وقالت هيومن رايتس ووتش إن القصف أدى لتقييد التنقلات وجهود الإغاثة وحرم آلاف المدنيين من لوازم الحياة الأساسية.
أفادت مصادر من حمص بأن نحو 700 مدني قد قُتلوا وأصيب الآلاف في حمص منذ بدأ الجيش السوري عدوانه الحالي على المدينة في 3 فبراير/شباط 2012. أدى القصف ورصاص القناصة إلى أكثر الخسائر البشرية في بابا عمرو، وهي منطقة سكنية لجأت إليها عناصر من المعارضة المسلحة. قابلت هيومن رايتس ووتش 15 شخصاً من سكان حمص فروا من المدينة على مدار الأسبوعين الماضيين، وكذلك مراسلين أجنبيين اثنين أمضيا فترة في بابا عمرو أثناء العدوان العسكري.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "صور القمر الصناعي الجديدة وشهادات الشهود أظهرت مدى الوحشية التي نالت من بابا عمرو. رغم القتل تستمر روسيا والصين في منع أي تحرك دولي".
حصلت هيومن رايتس ووتش على صور القمر الصناعي التجارية هذه من بابا عمرو وحللتها في 25 فبراير/شباط. هناك صورة عريضة تُظهر بوضوح مقدار الدمار الذي تسببت فيه الأجهزة الانفجارية التي سقطت على منطقة مأهولة بالسكان. الصورة توضح الدمار الذي وقع منذ التقاط الصور السابقة قبل أربعة إلى ستة أسابيع مضت.
© 2012 DigitalGlobe, Analysis provided by Human Rights Watch
وضع المحللون رموزاً على الصورة المكبرة لبابا عمرو لتحديد بعض السمات:
- النقاط الحمراء تمثل البنايات المُدمرة أو المتضررة
- النقاط الصفراء هي الحُفر المتخلفة عن الانفجارات في المناطق المفتوحة كالحقول والطرق.
هناك على الأقل 950 حفرة متخلفة عن انفجارات في مناطق مفتوحة، كالطرق والمزارع، سببها ارتطام أسلحة نارية بالأرض بشكل غير مباشر. عدد الحُفر يشير إلى كثرة الهجمات وكيفية سقوط الكثير من قذائف المدفعية والهاون. هناك 640 بناية في الحي يظهر فيها الضرر بوضوح. إلا أن الضرر اللاحق بالمباني يُرجح أن يكون أقل بكثير في صورة القمر الصناعي عن الواقع، لأن صور القمر الصناعي لا تُظهر الإصابات اللاحقة بجوانب البنايات التي تتسبب فيها الأسلحة التفجيرية.
منذ التقاط هذه الصورة في 25 فبراير/شباط، كثف الجيش السوري من اعتداءه على بابا عمرو. أفادت منافذ إعلامية بأن الجيش السوري بدأ في اقتحام بري للحي في 29 فبراير/شباط، واكتسب السيطرة على الحي في 1 مارس/آذار.
وصفت صحفية أجنبية عيادة ميدانية في بابا عمرو زارتها في 6 فبراير/شباط قائلة:
كانت في حجرة وردهة موصلة إليها. كان هناك ثلاثة أشخاص تفحمت أجسادهم من القصف. كان هناك أيضاً أكثر من عشرة مصابين لكن لا يوجد أطباء، ممرضتين تحاولان إسعاف المصابين لا أكثر. تطلبان المساعدة فيحاول أقارب المصابين المساعدة. ولا يمكن للممرضتين مساعدة أكثر من شخصين في أي وقت.
كان حي بابا عمرو معقل للمعارضة منذ بدء التظاهرات ضد الحكومة السورية. على مدار العام الماضي شنت القوات مداهمات عدة استهدفت الحي لاعتقال النشطاء والمتظاهرين. كما وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات شنتها قوات المعارضة المسلحة على قوات للأمن في المنطقة، بما في ذلك لدى نقاط للتفتيش. منذ بدء القصف في بدايات فبراير/شباط، ظهرت تقارير إعلامية عن تبادل لإطلاق النار بين قوات المعارضة المسلحة – التي قال شهود إن لديها أسلحة صغيرة ومعدات قتال خفيفة – وقوات الحكومة السورية.
إلا أن تواجد ونشاط قوات المعارضة المسلحة في بابا عمرو لا يبرر بأي حال معدل وطبيعة الهجوم على الحي السكني، كما يظهر من صور القمر الصناعي وكما يظهر من شهادات الشهود التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش. كما لا يبرر رفض الحكومة السورية تنسيق فتح ممر آمن للمدنيين في بابا عمرو، الذين يسعون إلى الخروج من المنطقة.
طبقاً لصحفية أجنبية وسكان محليين هربوا مؤخراً من بابا عمرو إلى بلدان مجاورة، فهناك عدة آلاف ما زالوا محاصرين داخل الحي، وليس متاحاً لهم مياهاً جارية أو كهرباء منذ أسبوعين.
جميع الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش وصفوا القصف الذي يبدأ كل يوم حوالي السادسة والنصف صباحاً، ولا يبدأ في الانحسار إلا مع غروب الشمس. يستمر القصف أثناء الليل، لكن بكثافة أقل، على حد قول الشهود. هناك مراسلة أجنبية قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها أحصت 200 انفجار في ساعتين، يوم 6 فبراير/شباط. وهناك صحفي أخرى أحصى 55 انفجاراً في 15 دقيقة يوم 16 فبراير/شباط. هناك متطوعة من حمص تساعد في جمع ونقل المصابين قالت إن القذائف تصيب نفس النقطة مرتين في أحيان كثيرة، والمدة بين القذيفة الأولى والثانية تكون ثلاث إلى خمس دقائق.
وقال مدنيون ومصابون من المعارضة المسلحة لـ هيومن رايتس ووتش إن القصف على بابا عمرو يأتي من عدة اتجاهات: من الشمال – من اتجاه الكلية الحربية، ومن الشرق – من اتجاه المدينة الجامعية لجامعة البعث، ومن الغرب – من اتجاه قرية أيسون، ومن الجنوب – من اتجاه كلية الدفاع الجوي في شنشار، وهي من ضواحي حمص جنوباً، وكذلك من دوار تدمر.
صور القمر الصناعي المُكبرة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش تُظهر دبابات وآليات عسكرية أخرى متمركزة على طريق فرعي يمضي إلى أيسون، غربي بابا عمرو، وتأكد منها وجود دبابات وآليات مشاة قتالية وغيرها من الآليات العسكرية عند الدوار الرئيسي الواقع إلى شمال غرب نقطة الدخول إلى المدينة. تظهر في الصورة دبابتان تتقدمان على الطريق إلى الجنوب، نحو بابا عمرو.
© 2012 DigitalGlobe, Analysis provided by Human Rights Watch
© 2012 DigitalGlobe, Analysis provided by Human Rights Watch
وهناك صورة مُكبرة أخرى تُظهر عدداً من السحابات الترابية الكبيرة التي ربما تسبب فيها ارتطام عدة قذائف بالأرض، والمدة بين كل قذيفة وأخرى تُقدر بـ 10 إلى 15 دقيقة، وذلك قبل تسجيل صورة القمر النصاعي مباشرة. كما تُظهر المئات من حفر الانفجار على امتداد حقول مجاورة لبنايات، وأغلبها تضررت كثيراً.
© 2012 DigitalGlobe, Analysis provided by Human Rights Watch
كما يظهر أثر استخدام الأسلحة التفجيرية في الحي من عدة مقذوفات لم تنفجر تظهر في مقاطع فيديو صورها السكان، منها قذائف هاوتزر عيار 122 ملم وقذائف هاون عيار 120 ملم.
وصف أحد السكان المصابين ممن فروا من بابا عمرو في 24 فبراير/شباط كثافة القصف:
في 23 فبراير/شباط كنت في بيتي عندما ارتج المبنى وكأن زلزالاً وقع. نظرت خارج المبنى ورأيت صاروخاً يمر عبر المبنى المجاور لي، وقد انهار سقفه تماماً. بعد ثواني، أصاب صاروخ آخر نفس المبنى ودمر الطابق الثاني، وبعد ثواني قليلة، دمر صاروخ ثالث الدورين الأول والأرضي. في ثلاث إلى خمس دقائق كان المبنى قد انهار بأكمله. مضيت إلى الخارج مباشرة لأرى إن كان هناك من نحى. أخرجت امرأة لكنها لم تكن لديها ساقين. انقطع ساقاها. وأنا أحاول إخراج شخص مصاب آخر أصيب المبنى على الجانب الآخر من الشارع بصاروخ. أصابتني شظايا الصاروخ في ساقي ورقبتي. نُقلت إلى المستشفى الميداني لكن لم يتمكنوا من إزالة الشظية من رقبتي، فنُقلت إلى لبنان.
هناك مصاب من المعارضة المسلحة قال لـ هيومن رايتس ووتش: "أدى القصف لدمار شديد لدرجة أن كل من نجده داخل مبنى مصاب، كنا نجده ممزقاً. وجدت أماً في الإنشاءات [حي يقع شمالي بابا عمرو] جسدها مقطوع إلى نصفين ونصف رأسها مفقود. كانت ابنتيها في نفس الوضع.".
سبق ووثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الجيش السوري لنُظم قذائف الهاون عيار 240 ملم ضد حمص. نظم التسليح هذه تُطلق أكبر شحنة هاون متفجرة في العالم، وهي مصممة لأجل "هدم الحصون والتصحينات الميدانية" طبقاً لكتالوج تسويقي للأسلحة الروسية.
هناك طبيب في حمص واثنين من المتطوعين عملوا على نقل المصابين داخل بابا عمرو قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن الكثير من ضحايا القصف ماتوا بسبب غياب الرعاية اللازمة.
هناك متطوع ساعد في نقل المصابين إلى أن أصيب وغادر إلى لبنان، قال لـ هيومن رايتس ووتش:
في البداية تمكنّا من نقل المصابين إلى خارج بابا عمرو في الليل. لكن في الأسبوعين الماضيين أصبح من المستحيل عملاً فعل هذا. كل مرة يحاول الرجال إخراج المصابين، يُقتل اثنين أو ثلاثة منهم على الأقل.
بعد 25 يوماً من القصف، بدأت جميع الإمدادات تنفد، على حد قول السكان. هناك رجل هرب في 24 فبراير/شباط، قال: "نفد منّا الخبز وحليب الأطفال والغاز والوقود. بدأ الناس يستخدمون أي شخص تخلف عن البنايات المُدمرة، مثل الأبواب والأخشاب الأخرى، فيحرقونها للتدفئة".
دعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن إلى إصدار قرار يطالب الحكومة السورية بوقف القصف العشوائي للمدن، والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية وتوفير ممر آمن للمدنيين والمصابين.
على روسيا والصين أن تعلنان بوضوح أنه إذا لم يراع الرئيس بشار الأسد هذه الدعوة على الفور، فسوف تسمحان بتحرك مجلس الأمن. هذا التحرك يشمل فرض عقوبات فردية على مسؤولين متورطين في الانتهاكات، وحظر على تسليم الأسلحة للحكومة السورية، وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية.
صوّت مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأغلبية الأصوات أثناء جلسة طارئة يوم 1 مارس/آذار على دعوة الحكومة السورية للكف الفوري عن هجماتها ضد المدنيين وأن تسمح بدخول الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. صوتت روسيا والصين وكوبا ضد القرار، بينما امتنعت الهند عن التصويت. في الوقت نفسه، رفضت سوريا حتى الآن السماح بزيارة من مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس.
وقالت سارة ليا ويتسن: "تواجد معارضة مسلحة في بابا عمرو أمر لا يبرر هدم حي على رأس سكانه ولا يبرر منع الرعاية الطبية والمساعدات الإنسانية، كما يظهر من شهادات الشهود ومن صور القمر الصناعي".