Skip to main content

رسالة إلى رئيس المجلس القضائي الأردني حول حرية التعبير في قضية تمويل الإرهاب

فضيلة القاضي راتب الوزني

رئيس المجلس القضائي

عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

 

فضيلة القاضي،

تكتب إليكم هيومن رايتس ووتش لتُلفت انتباه سيادتكم إلى الحالة الأخيرة المتعلقة بالإرهاب التي استخدم فيها قضاة محكمة أمن الدولة أحكاماً غامضة وفضفاضة من المادة 118 من قانون العقوبات لإدانة أربعة متهمين.

إننا ندعو سيادتكم لأن تنظروا في أمر إصدار توجيهات للقضاة بعدم استخدام هذه الأحكام الفضفاضة في المستقبل، لأنها لا تُشكل جريمة يمكن تمييزها بما فيه الكفاية، وبالتالي تُشكل انتهاكا لمبدأ القانون الدولي الذي ينص على أن القانون الجنائي يجب أن يكون دقيقا بما فيه الكفاية لكي يكون الشخص قادرا على أن يتوقع بشكل معقول بأن أفعاله تُشكل جريمة.

وإننا نعتقد أن هذه الأحكام في المادة 118 تنتهك أيضا الحق في حرية التعبير.

وقد دعت التعديلات المُقترحة مؤخرا على الدستور، والصادرة عن اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور، والتي لم يصادق عليها البرلمان بعد، إلى أن يقتصر اختصاص محكمة أمن الدولة على جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب، والتي لا تتعلق أي منها بأحكام المادة 118 قيد النظر. كما أن من شأن المقترحات الدستورية أن تؤكد صراحة على استقلال القضاء الأردني، الشيء وهو ما يقوض منه نظام محكمة أمن الدولة المختلط بين القضاة المدنيين والعسكريين المُعينين من قبل السلطة التنفيذية.

إن التوجيه الذي ينبغي لمجلس القضاء الأعلى النظر في إصداره من أجل تقييد استخدام الأحكام الفضفاضة والمبهمة الواردة في المادة 118 من قانون العقوبات – وهي الأحكام المعرضة لاستغلالها بتفسيرها تفسيرات سياسية الدوافع -هذا التوجيه من المجلس من شأنه أن يوفر فرصة للتأكيد على استقلال القضاء، تأتي في التوقيت المناسب.

في القضية قيد النظر، في 28 يوليو/تموز 2011، وجد قضاة محكمة أمن الدولة إبراهيم أبو قاعود، وهو قاض عسكري، والدكتور محمد العفيف، وهو أيضا قاض عسكري، وأحمد القطرينة، وهو قاض مدني، أن عصام البرقاوي، والدكتور إياد القنيبي، وأيمن أبو الرب، وبهاء الدين علان، مذنبين بموجب المادة 118/2 من قانون العقوبات بسبب "القيام بأعمال لم تُجزها الحكومة من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية و تعكير صلاتها بدولة أجنبية".

وكما يتضح من تفاصيل هذه القضية، فإن محكمة أمن الدولة حكمت على الأشخاص الأربعة بموجب المادة 118/2 على كلام صدر عنهم ينتقد حكومات ومجتمعات أجنبية، وهو الأمر الذي يحميهالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ومن أقوالهم أمام المدعى العام، لم يطعن المتهمون في صحة وقائع القضية: أن القنيبي أعطىالبرقاوي 850 دينارا في مناسبتين لغرض تحويلها إلى طالبان في أفغانستان؛ وأن البرقاوي تلقى أموالا من أشخاص غير أردنيين لنفس الغرض؛ وأن البرقاوي حاول تجنيد أبو الرب الذي أبدى استعداده للانضمام الى حركة طالبان في أفغانستان، وقدم له مالالقنيبيليسلمه لهم؛ وأن البرقاوي وعد علان بمساعدة اثنين آخرين من الأردنيين في الخارج ليلتحقوا بطالبان هناك؛ وأن البرقاوي نشر كتابا بالإضافة إلى فتاوى وكتابات أخرى على الإنترنت، انتقدت المجتمع السعودي والدستور والانتخابات التونسيين.

وجدت المحكمة البرقاوي مذنبا بالتهمة الثانية وهي "تجنيد أشخاص داخل المملكة بقصد الالتحاق بتنظيمات إرهابية" بموجب المادة 118/3 من قانون العقوبات. وبرأت المحكمة أبو الرب من التهمة الثالثة وهي "الشروع بمغادرة البلاد للالتحاق بجماعات مسلحة و تنظيمات إرهابية"، التي تنص عليها أيضا المادة 118/3 من قانون العقوبات.

وبرأت المحكمة جميع المتهمين من تهمة رابعةوهي "جمع أموال لمنظمة أو جماعات إرهابية لغايات استخدامها بأعمال إرهابية"، بموجب المادة 24أ/3، والمادة 3/ب من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في تفسيرها للقانون الذي طبقته على الوقائع، أكدت المحكمة أنه لكي تثبت أركان الجريمة بموجب المادة 118/2 فإنها لا تحتاج لأن تنتهي فعلا بـ "أعمال عدائية" أو "تعكير الصلات مع دولة أجنبية"، بل إن "احتمال" وقوع مثل هذه العواقب يكفي لثبوت الجريمة.

وفي مزيد من التفسيرات التي تكشف كيف يمكن للأحكام الغامضة والفضفاضة من المادة 118 أن تكون مفتوحة لتفسيرات سياسية تنتهك الحق في حرية التعبير، ذهبت المحكمة إلى القول بأن كتاب البرقاوي في انتقاد المجتمع السعودي أدى إلى التعبير عن "السخط" في برنامج على التلفزيون السعودي. وذكرت المحكمة بعد ذلك أن "ناشرها مواطن أردني [انتقادات للمجتمع السعودي والانتخابات والدستور التونسيين] هو يتدخل في شؤون تلك الدول، وكما هو معروف بأن الحكومات في أي دولة يثير سخطها التدخل من قبل مواطن اجنبي عنها في شؤنها <الخطأ في الأصل> الداخلية الأمر الذي من شأنه أيضا التأثير على الجاليات الأردنية الموجودة في السعودية و تونس من وقوع أعمال عليهم من طرد لهم أو أعتقال و تفويت مصالحهم".

فضيلة القاضي،إن تعليلات محكمة أمن الدولة هذه تُبين الأسباب الداعية لقلق هيومن رايتس ووتش حول الطبيعة الفضفاضة والمبهمة للمادة 118/2. لكل شخص الحق في الإدلاء بانتقادات عامة، بما فيها الموجهة نحو المجتمعات والدول الأجنبية.

الأردن طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تضمن المادة 19 منه لكل شخص الحق في حرية التعبير "دونما اعتبار للحدود". ويؤكد الميثاق العربي لحقوق الإنسان على هذا الحق في المادة 32، والذي يُعتبر الأردن أيضا دولة طرف فيه. يجب في حال فرض أية قيود على هذا الحق، من أجل حماية سمعة الآخرين أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي، أن تكون وفقا للقانون، ويجب أن تكون ضرورية، ومصممة خصيصا لهدفها المعلن. "إن تعكير صلات[الأردن] بدولة أجنبية" لن يُشكل أساسا شرعيا لتقييد الحق في حرية التعبير.

في أوائل أغسطس/آب 2011، أصدرت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الهيئة المسئولة عن تفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تعليقا عاما على المادة 19. وكتبت اللجنة "إن مجرد حقيقة أن تُعتبر بعض أشكال التعبير إهانة لشخصية عامة لا تكفي لتبرير فرض عقوبات"، ودعت إلى "عدم تجريم التشهير". ووجدتاللجنة أنه "في أية حال، فإنه يجب ألا يُطبق القانون الجنائي إلا في أخطر حالات [الكلام الخطير] والسجن لن يكون أبدا العقوبة المناسبة".

لهذه الأسباب، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو سيادتكم إلى إصدار تعليماتكم للقضاة بعدم تطبيق المادة 118/2 من قانون العقوبات إلى أن تُتاح الفرصة للحكومة والبرلمان لتعديل هذه المادة التي تفتقر كما هي عليه إلى الدقة وتُجرم الخطاب المشروع.

نشكر لكم اهتمامكم بهذه المسألة.

 

مع كامل التقدير والاحترام.

سارة ليا ويتسن

المديرة التنفيذية

قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة