(طرابلس، 4 سبتمبر/أيلول 2011) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات المسيطرة على طرابلس – المجلس الانتقالي الوطني – أن تعمل على وقف الاعتقالات التعسفية والإساءات بحق العمال الأفارقة الوافدين والليبيين داكني البشرة، الذين يُشتبه في أنهم من المرتزقة. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه لابد من أن تفرج السلطات عن المحتجزين للاشتباه في كونهم مرتزقة لمجرد أن بشرتهم داكنة، وأن توفر مراجعة قضائية فورية لأولئك الذين توجد أدلة على ارتكابهم لأنشطة إجرامية. ولابد أن يعمل المجلس الانتقالي ومن يدعمونه على منح الأولوية لإنشاء نظام قضائي قادر على توفير هذه المراجعات للمحتجزين بأسرع ما يمكن.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على المجلس الانتقالي أيضاً أن يفي بوعده المعلن بالالتزام بحقوق الإنسان، عن طريق ضمان سلامة عشرات الآلاف من المهاجرين في ليبيا، القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، والذين يواجهون المضايقات وأعمال العنف من عناصر المعارضة المسلحين ومن المواطنين الليبيين الذين يتهمونهم بأنهم قاتلوا كمرتزقة في صفوف القذافي.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "هذه فترة خطرة على داكني البشرة في طرابلس. على المجلس الانتقالي أن يكف عن اعتقال المهاجرين الأفارقة والليبيين داكني البشرة، ما لم تكن لديه أدلة ملموسة على وجود أنشطة إجرامية. كما يتعين عليه أن يأخذ خطوات سريعة لحمايتهم من العنف والانتهاكات".
الاعتقالات الجماعية والخوف من المرتزقة
على مدار الأسبوع الماضي قامت قوات الأمن التي بدأت العمل حديثاً في مختلف أحياء العاصمة، وقوامها شبان مسلحين في الأغلب، بعمليات اعتقال جماعية للعمال المهاجرين الوافدين من بلدان أفريقية مثل تشاد والسودان والنيجر ومالي، مع وضعهم في مراكز احتجاز مؤقتة، شملت مدرسة وملعب كرة قدم. زارت هيومن رايتس ووتش منشآتين من هذا النوع وأحد السجون، حيث زعم أغلب المحتجزين الأفارقة الذين تمت مقابلتهم أنهم عمال وافدون، لم يُحتجزوا إلا بسبب جنسياتهم، وأعلنوا أنهم ليسوا من المرتزقة الموالين للقذافي. وقبل الأحداث، كان يعمل في ليبيا بين مليون و2 مليون عامل وافد أفريقي.
ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على مقتل أفارقة في طرابلس أو انتهاكات ممنهجة بحق المحتجزين، لكن الاعتقالات التعسفية الموسعة والإساءات المتكررة هيأت إحساساً جسيماً بالخوف في أوساط الأفارقة بمدينة طرابلس، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وتقول السلطات المحلية التي تجري هذه الاعتقالات أنها ستحقق في مزاعم المحتجزين وسوف تفرج عنهم إذا توصل المسؤولون لعدم ارتكابهم لجرائم. ودعت هيومن رايتس ووتش المجلس الانتقالي إلى الإفراج فوراً عن جميع المقبوض عليهم دون أدلة على ارتكاب أنشطة غير قانونية. ودعت هيومن رايتس ووتش المجلس الانتقالي إلى ضمان أن من يبقوا منهم رهن الاحتجاز لوجود أدلة قوية على ارتكاب جرائم، سوف يُعرضون على القضاء في أسرع وقت ممكن.
وقد عثرت هيومن رايتس ووتش في طرابلس على أدلة تثبت تجنيد حكومة القذافي لمرتزقة أفارقة من تشاد والسودان وبلدان أخرى. وعثر باحثو هيومن رايتس ووتش على قاعدة كبيرة يستخدمها مئات المرتزقة من بلدان أفريقية أخرى منذ فبراير/شباط 2011، وكان قد تم جلبهم وعملوا تحت إمرة الكتيبة 32 التابعة لخميس القذافي.
وقالت سارة ليا ويتسن: "للمجلس الانتقالي بواعث قلق مشروعة إزاء المرتزقة غير الشرعيين والأنشطة العنيفة، لكن لا يمكنه اعتقال الرجال داكني البشرة لمجرد الظن أنهم مرتزقة". وتابعت: "لقد عمل المهاجرون الأفارقة في ليبيا لسنوات طويلة، وكانوا يتولون الوظائف الأصعب والأشق، وليست هذه بالطريقة المثلى لمعاملة من بقي منهم في ليبيا أثناء الأحداث الأخيرة".
الاعتقالات الجماعية وسوء أحوال مراكز الاحتجاز
مع زيارة هيومن رايتس ووتش في 31 أغسطس/آب 2011 لمركز احتجاز مؤقت بمدينة طرابلس القديمة، عند ملعب كرة باب البحر، شاهد باحثو المنظمة شباناً من الحي معهم أكثر من عشرين رجلاً سود البشرة. قال أحد الشبان المسلحين: "هؤلاء أفارقة يقاتلون في صفوف القذافي". وبعد ساعة تقريباً، تم نقل العشرات من المحتجزين من ملعب الكرة إلى منشآة أخرى. وأثناء النقل، راحت زوجات وأبناء المحتجزين يطالبون بغضب بمعلومات حول إلى أين يُؤخذ الأزواج والآباء.
سالم سالم، أحد أعضاء مجلس المدينة القديمة، وقال إنه مسؤول عن منشآة باب البحر، أكد لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن المحلية اعتقلت ما بين 200 إلى 300 رجل على مدار الأيام الثلاثة الأخيرة. وقال إنهم جميعاً من المقاتلين الأجانب، دون أن يوفر أي تفاصيل.
وقال: "نحن لا نقاتل إخواننا، بل نقاتل مرتزقة". وفي الوقت نفسه ألمح إلى أن بعض المعتقلين ليسوا مرتزقة، بل هم أشخاص يحتاجون للحماية من الليبيين الذين يحسبون بالخطأ أنهم مرتزقة.
وأضاف: "إنهم آمنون الآن، سالمون من محاولات الانتقام".
سمح سالم لـ هيومن رايتس ووتش بمقابلة أربعة محتجزين في ملعب كرة القدم، وكلهم من كبار السن قال إنهم جاري الإفراج عنهم. أحد الرجال ليبي داكن البشرة، من الجنوب. وهناك آخر، يبلغ من العمر 60 عاماً، ويُدعى عثمان، قال إنه وُلد في تشاد لكنه يعيش في ليبيا منذ 30 عاماً وهو مواطن ليبي منذ عام 1991. وقال إن نحو 10 رجال مسلحين ألقوا القبض عليه بعد ظهر 28 أغسطس/آب.
وقال عثمان: "رأيتهم يعتقلون الكثيرين في الشارع. كلهم من داكني البشرة، رأيت نحو 100 شخص يسيرون في مجموعة كبيرة". وأضاف عثمان إن المسلحين لم يضربوه، لكنه رآهم يصفعون ويلكمون قلة من حوالي 200 محتجز في ملعب كرة القدم.
لم يسمح سالم لـ هيومن رايتس ووتش بالتفتيش على ملعب الكرة حيث يتم احتجاز المحتجزين الآخرين.
يبدو أن حملة الاعتقالات الموسعة في الأحياء عملية غير مركزية، على حد قول هيومن رايتس ووتش، إذ يبدو أن المجلس الانتقالي لا يشرف عليها. هناك عضوان من أعضاء المجلس الانتقالي من طرابلس دافعا عن الاعتقالات، وقالا إنها ضرورية لضمان الأمن، وعلى حد قول عضو المجلس الانتقالي عبد الرزاق العراضي: "لتأمين الثورة". وقال الرجلان إنه من الواجب معاملة المحتجزين بشكل إنساني وأن المجلس الانتقالي لن يقبل بإساءة معاملة المحتجزين أو احتجازهم لأجل غير مسمى.
وفي منشأة أخرى، هي سجن المفتوح بمنطقة الفرناج بطرابلس، رأت هيومن رايتس ووتش يوم 1 سبتمبر/أيلول نحو 300 محتجز، بينهم من يبدو أنهم أصيبوا أثناء القتال. هناك 50 محتجزاً بينهم من الليبيين والبقية من أفريقيا جنوب الصحراء. قال أغلب الأفارقة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مجموعات داخل زنازينهم المزدحمة، إن الرجال المسلحين قبضوا عليهم دون أي سبب، بعد أن سيطرت قوات المجلس الانتقالي على طرابلس.
وتبين أن أحوال المحتجزين الليبيين مقبولة، لكن تم وضع المحتجزين من أفريقيا جنوب الصحراء في زنازين مزدحمة بالنزلاء، ذات رائحة كريهة، كان في زنزانة واحدة 26 شخصاً وفيها 6 حشايا للنوم. واشتكى الأفارقة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش من عدم كفاية المياه وعدم توفر الصرف الصحي وعدم القدرة على إجراء مكالمات هاتفية مع أفراد الأسرة لكي يأتوا إليهم بالوثائق التي تثبت صحة موقفهم.
موسى س.، رجل من مالي يبلغ من العمر 25 عاماً، قال إن رجال ليبيين مسلحين اعتقلوه في 21 أغسطس/آب من بيته في حي بن عاشور. وقال موضحاً:
حوالي العاشرة مساءً، جاءت مجموعة كبيرة من الليبيين مع مالك المبنى. قاموا بربطنا، وأخذوا جوازات سفرنا ومتاعنا، وضربونا. نقلونا إلى مسجد كبير في الحي، ثم ذهبوا إلى بيوت أخرى لأفارقة وقبضوا عليهم. في النهاية، أصبح معهم أكثر من 200 أفريقي في المسجد. وضعونا على متن عربات وراحوا يلفون بنا شوارع المنطقة وهم يهتفون "الله أكبر" ويقولون إننا مرتزقة وإننا أصبحنا أسرى لهم.
وفي مركز احتجاز بمدرسة في حي انتصار، تحفظ المجلس المحلي على 76 محتجزاً، وهذا في 1 سبتمبر/أيلول، وثلاث منهم نساء. ظهر أن نصف المحتجزين تقريباً من بلدان مثل السودان وتشاد ومالي والنيجر. أما البقية، وبينهم النساء الثلاث، فهم ليبيون متهمون بالقتال في صفوف القذافي. هذا الحي مجاور لباب العزيزية، معقل القذافي الكبير الذي شهد قتالاً كثيفاً. وفي 1 سبتمبر/أيلول رأت هيومن رايتس ووتش تحضير السجناء للنقل إلى منشأة أخرى في قاعدة المتيقة الجوية.
الأفارقة يتجمعون في مجموعات التماساً للأمان
أدى الخوف من الاعتقال والمضايقات ببعض المهاجرين الأفارقة إلى التماس الأمان بالتجمع في أعداد كبيرة، إذ تبقى مجموعات كبيرة في البيوت، ويرسلون النساء فقط لإحضار الطعام والمياه. زارت هيومن رايتس ووتش أحد هذه البيوت في حي جرجارش، حيث يقيم 30 مهاجراً نيجيرياً. وقالوا إن في 30 أغسطس/آب قامت مجموعة من الليبيين المسلحين بالسلاح الأبيض والعصي بالدخول إلى البيت بحثاً عن الأسلحة. لم يعثروا على أسلحة، على حد قولهم، لكنهم سرقوا نحو 300 دينار ليبي (252 دولاراً) وخمسة هواتف خلوية. وقال اثنان من النيجيريين إن الليبيين ضربوهم ضرباً خفيفاً عندما احتجوا على السرقة.
قال أحد الرجال، يُدعى توماس ويبلغ من العمر 34 عاماً وهو نجار: "أنا لست من [حي] أبو سليم، لكن حياتنا ليست آمنة هناك، لأنهم يقولون إننا مرتزقة. إنهم ينظرون لكل الرجال السود على أنهم مرتزقة".
وهناك مجموعة قوامها أكثر من 200 مهاجر أفريقي، أغلبهم من نيجيريا والصومال، كانوا يقيمون في مزرعة بمنطقة صلاح الدين عند أطراف طرابلس الجنوبية. بعضهم فيها منذ أربعة أشهر، ويخشون المغادرة. اشتكوا من التعرض لمضايقات من رجال مسلحين واشتكوا من نقص الطعام.
أكبر تجمع من الأفارقة النازحين ذهبوا إلى مرفأ جنزور الواقع بين طرابلس والزاوية، حيث تجمع أكثر من ألف شخص من نيجيريا وغانا والسنغال وغامبيا ومالي والنيجر وبلدان أفريقية أخرى على مدار الشهور الأربعة الماضية، لانعدام الأمان بسبب الحرب. ويستمر الأفراد في التوافد على المكان رغم توقف أعمال القتال في طرابلس والزاوية.
يعيش المهاجرون في أوضاع شاقة، تحت رقع مشمع بلاستيكية تمتد بين القوارب المتوقفة في المرفأ. ويتوفر عندهم متجر صغير، لكن قدرتهم على الحصول على الطعام والماء محدودة.
إلا أن شكوتهم الأكبر هي انعدام الأمان في هذا المخيم المؤقت. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أكثر من 12 رجلاً وامرأة في المخيم، قالوا إن الليبيين المسلحين يذهبون إلى المخيم بشكل شبه يومي ويضايقونهم ويسرقونهم. كان هناك نحو 200 امرأة في المخيم. طبقاً لإحداهن، فقد تكرر اغتصاب الرجال المسلحين للنساء في المخيم، لكن هيومن رايتس ووتش لم تقابل أيا من ضحايا الاغتصاب المزعومات.
ذكرت هيومن رايتس ووتش بواعث قلقها الخاصة بالمخيم لاثنين من أعضاء المجلس الانتقالي من طرابلس، هما عبد الرزاق العراضي ود. الأمين بلحاج. أبدى كل منهما الاهتمام والقلق إزاء أوضاع المخيم ووعدا بالنظر في أمر تنظيم حرس مسلحين لحمايته.
طبقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، التي توفر المشورة الطبية للمهاجرين في المزرعة في صلاح الدين وفي مرفأ جنزور، فإن الكثير من الناس يعانون من مرض رئوي معدي، وأمراض جلدية، ومضاعفات طبية في المعدة والأمعاء.
وقالت سارة ليا ويتسن: "لمخيم مرفأ جنزور مدخل واحد، ويمكن تأمينه بسهولة من قبل عدد قليل من الحراس المسلحين". وتابعت: "على المجلس الانتقالي أن يعمل سريعاً على هؤلاء الأشخاص المعرضين للخطر، الذين يربو عددهم على الألف، إلى أن يتم التوصل إلى حل أكثر استدامة لمشكلتهم".
القضاء يخطو أولى خطواته
قالت هيومن رايتس ووتش إن هناك بوادر لبدء المجلس الانتقالي في تنظيم العملية القضائية. فالسلطات المحلية قامت بنقل بعض المحتجزين من منشآت احتجاز مؤقتة إلى سجن الجديدة ومنشأة الاحتجاز في قاعدة المتيقة الجوية، التي تستضيف الآن المجلس العسكري في طرابلس. ويبدو أن مكتب النائب العام قد استأنف سيطرته على سجن المفتوح وبدأ في التحقيقات. إلا أنه وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، فلم يمثل محتجزون في طرابلس أمام قاضٍ لمراجعة قانونية احتجازهم.
وقالت سارة ليا ويتسن: "من الضروري أن يبذل المجلس الانتقالي ما بوسعه من جهود من أجل إنشاء نظام مؤقت على الأقل لإجراء المراجعات القضائية، حتى في هذه الفترة الصعبة". وأضافت: "إذا كانت قوات الأمن ستجري اعتقالات، فلابد إذن أن يلتزم المجلس الانتقالي بضمان حصول المحتجزين على مراجعة قضائية سريعة، وأن يُسمح للمعتقلين بالاتصال بذويهم، وأن يُتاح لهم الحق في عرض براهين وأدلة براءتهم".
وقد دعت هيومن رايتس ووتش أيضاً الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء ممن لديها مواطنين في ليبيا، إلى الضغط على المجلس الانتقالي فيما يخص الحاجة لحماية مجموعات المهاجرين واللاجئين المعرضة للخطر.
لقد تعهد المجلس الانتقالي بالوفاء بمعايير حقوق الإنسان الدولية. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ورد فيه أنه لا يجوز حرمان أي شخص من حريته ما لم تكن هناك أسباب وإجراءات مرعية بموجب القانون، وأن يتم إخطار المحتجز بأسباب القبض عليه فور احتجازه، ثم لابد من عرضه سريعاً على قاضٍ أو ممثل قضائي.