(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على أعضاء مجلس الأمن اغتنام فرصة تقديم المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عرضًا حول التحقيق المتعلق بـ ليبيا في 12 مايو/أيار 2015 للتعبير عن رفضهم القوي لحالة الإفلات من العقاب التي تسود البلاد. وفي ظل تصاعد الأعمال الوحشية، يتعين على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة التفويض التي منحه لها المجلس بالإجماع لفتح تحقيق في الجرائم المستمرة.
قال ريتشرد ديكر، مدير قسم العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "يراقب مجلس الأمن انزلاق ليبيا نحو الفوضى في خضم تواتر الجرائم البشعة. وبالنظر إلى عجز السلطات الليبية عن وضع حدّ لهذه الانتهاكات، ناهيك عن ملاحقة المتسببين فيها، فقد آن للمحكمة الجنائية الدولية أن تُوسّع من نطاق تحقيقها".
يأتي العرض الذي ستقدمه المدعية العامة بينما تسببت النزاعات المسلحة وانهيار السلطة المركزية في تغييب أي مظهر من مظاهر سيادة القانون والنظام في عديد مناطق البلاد. وتسبب العنف الخارج عن نطاق السيطرة، الناتج عن الأعمال العدائية في مقتل مئات الأشخاص، منهم مدنيون، وتهجير مئات آلاف الآخرين من منازلهم، وارتفاع عدد قوارب المهاجرين من ليبيا نحو أوروبا، والإضرار بالمنشآت الطبية، وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك مطار طرابلس الرئيسي.
وفي خضم ازدياد حالة عدم الاستقرار، أشرفت الأمم المتحدة على حوار يرمي إلى تكوين حكومة وحدة وطنية، ووضع حدّ للنزاعات المسلحة. وكانت هيومن رايتس ووتش قد دعت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمم المتحدة المكلف بالإشراف على محادثات الوساطة بين الفصائل المختلفة، لضمان جعل المساءلة عن الجرائم الخطيرة جزءًا لا يتجزأ من الحلّ. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الاتفاق النهائي حول الأزمة العسكرية والسياسية في ليبيا يجب أن يتطرق إلى ضرورة تحقيق العدالة في الانتهاكات الخطيرة حتى يكون حلا دائمًا.
على امتداد السنة الماضية، نفذت مجموعات مسلحة هجمات على مدنيين وممتلكات مدنية، وارتكبت في بعض الأحيان انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب. ومنذ 2011، قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي، منها الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون. وكانت العديد من هذه الانتهاكات منظمة ومنتشرة على نطاق واسع، ما يجعلها ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات الليبية أخفقت في فتح تحقيقات وملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة. وتعاني المؤسسات الليبية، وخاصة السلطة القضائية، من حالة انهيار شبه تام، فقد علقت عديد المحاكم عملها بسبب استهداف القضاة والمدعين العامين، وبسبب تدهور الوضع الأمني العام. وقالت هيومن رايتس ووتش إن سكوت السلطات عن الجرائم المتصاعدة تسبب في توليد ثقافة الإفلات من العقاب، وساعد على تمهيد الظروف لفوضى المليشيات التي تشهدها ليبيا اليوم.
وكانت هيومن رايتس ووتش، في خطاب بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قد دعت فاتو بنسودا، رئيسة مكتب الادعاء، إلى أن تضيف إلى نطاق تحقيقاتها انتهاكات خطيرة أخرى مستمرة ترتكبها أطراف أخرى في ليبيا، عوض الاقتصار على القضايا التي تعود إلى سنة 2011 المتعلقة بمسؤولين سابقين في حكومة القذافي. ورغم أن لدى بنسودا صلاحية النظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة العرقية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، إلا أنها لم تفتح أي تحقيقات إضافية، وعللت ذلك بانعدام الأمن في ليبيا وقلّة الموارد التي حالت دون أن يقوم مكتبها بأعمال أكبر هناك.
قالت هيومن رايتس ووتش إن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بصدد التحقيق في قضايا في ثمانية بلدان، وهو يواجه صعوبات في التعامل مع هذا الكم الهائل من العمل، وتردُ عليه دعوات للنظر في عديد الحالات الأخرى.
قال ريتشرد ديكر: "بعد أن صوّت مجلس الأمن بالإجماع على منح المحكمة الجنائية الدولية ولاية في ليبيا، أصبح يتعين عليه الإسراع في تزويد المحكمة بما تحتاجه للنظر في الانتهاكات الخطيرة الحاصلة هناك. لم يعد التركيز على مسؤولي عهد القذافي أمرًا كافيًا".
يُتوقع من بنسودا أن تقدم عرضًا محينًا حول تحقيقاتها في ليبيا. وكانت القضية الأولى التي نظر فيها مكتب المدعي العام قد تطرقت إلى ملفات معمر القذافي، الذي تعرض إلى القتل، ونجله سيف الإسلام، إضافة إلى مدير مخابراته عبد الله السنوسي.
مازالت ليبيا لم تُسلّم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم صدور قرار عن مجلس الأمن يقضي بالتعاون مع المحكمة التي طالبت بتسليمه لها. وسيف الإسلام مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بسبب ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ولدوره المزعوم في شن هجمات على مدنيين، منهم متظاهرون سلميون، أثناء الانتفاضة التي شهدتها البلاد في 2011.
في ديسمبر/كانون الأول 2014، بعد مرور أكثر من سنة دون أن تُسلّم ليبيا سيف الإسلام القذافي، خلص قضاة المحكمة الجنائية الدولية إلى أن ليبيا لم تتعاون مع المحكمة، وأرسلوا النتائج التي توصلوا لها إلى مجلس الأمن للمتابعة. وأمام مجلس الأمن عدد من الخيارات لتشجيع ليبيا على التعاون، منها إصدار قرارات أو عقوبات أو بيانات رئاسية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على أعضاء مجلس الأمن، أثناء العرض الذي ستقدمه المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في 12 مايو/أيار، أن يؤكدوا على أن تلتزم ليبيا بتسليم القذافي إلى لاهاي، وأن تتخذ خطوات تُسهل التعاون مع المحكمة.
في 24 يوليو/تموز، أيّد قضاة المحكمة الجنائية الدولية قرارًا سابقًا بالموافقة على اعتراض تقدمت به ليبيا من أجل محاكمة السنوسي على أراضيها. ويواجه عبد الله السنوسي، وكذلك سيف الإسلام و35 شخصًا آخر محاكمة في ليبيا بتهم عديدة، منها محاولة إخماد انتفاضة 2011. وفي يناير/كانون الثاني 2014، خلص تحقيق أجرته هيومن رايتس ووتش إلى أن ليبيا أخفقت في احترام الحقوق الأساسية لـ عبد الله السنوسي وسيف الإسلام ومتهمين آخرين في ما يتعلق بسلامة الإجراءات. وفي فبراير/شباط 2015، ذكر تقرير للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان وجود مخاوف من أن تخفق المحاكمة في احترام المعايير الدولية الأساسية.
وفي خطاب نوفمبر/تشرين الثاني، دعت هيومن رايتس ووتش مكتب الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية إلى دراسة التقدم لقضاة المحكمة بطلب لإعادة النظر في حكم السنوسي، استناداً إلى ما استجد من وقائع. وكانت بنسودا قد قالت في آخر عرض لها أمام مجلس الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 إن مكتبها كان يراقب محاكمة السنوسي في ليبيا، وسوف ينظر في ما إذا ستتم المطالبة بمراجعة قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتمادًا على المعطيات التي سيتم جمعها. وبحسب ما توفر من معلومات لـ هيومن رايتس ووتش، مازال السنوسي غير قادر على الحصول على تمثيل قانوني فعال.
قال ريتشرد ديكر: "لقد حان الوقت لكي يدرك مجلس الأمن أن تحقيق العدالة في الانتهاكات الخطيرة التي تشهدها ليبيا أمر ضروري لتحقيق سلام دائم. وسوف يتسبب صمت أعضاء مجلس الأمن تجاه حالة الإفلات من المساءلة التي تعمّ ليبيا فقط في سقوط آلاف الضحايا الآخرين".