Skip to main content

بخصوص: المحاسبة على الجرائم الخطيرة في ليبيا

 

سيادة المدعية،

نكتب إليكم اليوم استباقاً لجلستكم المزمعة بغرض إطلاع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ليبيا، كي نلفت انتباهكم إلى عدد من القضايا التي نرى أنها تتعلق بتفويضكم الصادر بموجب القرار 1970. ونحن نعتقد في الحقيقة أن على مكتب الادعاء الآن اتخاذ عدة خطوات لتعزيز مساعي المحاسبة على الجرائم الخطيرة في ليبيا. ففي مواجهة جرائم مستمرة وخطيرة قد ترقى إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وخاصة مع تصاعد النزاعات المسلحة في أماكن عديدة في 2014، تظل التحقيقات التي يتابعها مكتبكم في ليبيا مقصورة على القضايا التي تورط فيها مسؤولون من حكومة القذافي السابقة منذ 2011.

إننا نعتقد أن مكتبكم يحتاج إلى القيام بالمزيد في سبيل التصدي الجاد لثقافة الإفلات من العقاب السائدة في ليبيا حالياً، وأن ثمة حاجة إلى التزام أقوى في مواجهة الجرائم الخطيرة المستمرة. كما أننا ندعو مكتبكم إلى المتابعة النشطة للقضايا التي تتضمن مشتبه المحكمة الجنائية الدولية سيف الإسلام القذافي، وكذلك عبد الله السنوسي.

الإفلات من العقاب على جرائم خطيرة ومستمرة

منذ انتفاضة ليبيا في 2011، دأبت هيومن رايتس ووتش على رصد أوضاع البلاد عن كثب، وكان لنا حضور منتظم هناك، كما أصدرنا عدة تقارير والعديد من البيانات الصحفية والتصريحات ومقالات الرأي. وقد بينت أبحاثنا استشراء انتهاكات القانون الدولي وسط مناخ من الإفلات من العقاب، بما فيها الاعتقال التعسفي والتعذيب والتهجير القسري والقتل من دون وجه حق. ويتسم الكثير من هذه الانتهاكات بالتنظيم واتساع النطاق بما يكفي لإدراجها في عداد الجرائم ضد الإنسانية.

ما زال آلاف الأشخاص في أرجاء ليبيا قيد الاعتقال التعسفي، فنحو 10 بالمئة فقط من أصل حوالي 6000 محتجز في سجون تديرها وزارة العدل اسمياً، وهذا بحسب تصريح الوزارة في أبريل/نيسان، هم من يقضون عقوبات وقعتها المحاكم، أما الباقون فهم محبوسون احتياطياً، وبينهم أشخاص محتجزون منذ 2011. كما يوجد عدد غير معروف من المحتجزين في منشآت تسيطر عليها مليشيات، والمعلومات المتاحة عن المحتجزين وظروف احتجازهم قليلة، بالنظر إلى النزاعات الحالية. ورغم الوعود المتكررة منذ 2011، بل وتبني القوانين للتصدي لقضية محتجزي المليشيات، لم يحدث تغير يذكر. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات خطيرة لحقوق المحتجزين في عهدة الدولة وكذلك تحت سيطرة المليشيات، بما في ذلك التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، والحرمان من الإجراءات السليمة.

ويظل نحو 40 ألف شخص من بلدة تاورغاء، ممن تم تهجيرهم قسراً منذ أغسطس/آب 2011، ممنوعين من العودة إلى ديارهم السابقة، في الأغلب بفعل مليشيات من مصراتة. ويقيم النازحون حالياً في مخيمات مؤقتة ومساكن خاصة، منتشرين في أنحاء ليبيا، ومعرضين للاعتقال والاحتجاز التعسفي، والاعتداء والتضييق. ويرقى التهجير القسري وعنف المليشيات إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.

ونحن نرحب بما أبداه مكتبكم من قلق بشأن العديد من تلك الانتهاكات في تقارير سابقة لمجلس الأمن، وكذلك بالتزامكم برصد الوضع على الأرض. إلا أن ليبيا، منذ مذكرة إطلاعكم الأخيرة للمجلس، سقطت للأسف الشديد في براثن أزمة أعمق، وأدى العنف المتصاعد مقروناً بغياب المحاسبة إلى انتهاكات جديدة.

منذ مايو/أيار 2014 اشتدت الاشتباكات العنيفة بين جماعات مسلحة متناحرة، وتطورت إلى نزاعات مسلحة في أرجاء ليبيا. وانخرطت الجماعات المسلحة في اعتداءات على المدنيين والممتلكات المدنية كانت تشمل اعتقال واحتجاز أشخاص وكذلك نهب الممتلكات وإحراقها وتدميرها، وهي الانتهاكات التي ترقى في بعض الحالات إلى مصاف جرائم الحرب. كما استمرت الاغتيالات ذات الدوافع السياسية من دون رادع، وربما ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. وقد تعقبت هيومن رايتس ووتش ما لا يقل عن 250 من عمليات القتل هذه في بنغازي ودرنة القريبة منها منذ بداية 2014، وكان من بين ضحايا هذا الوابل من الاغتيالات التي مرت من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها أو يعاقب مرتكبوها، صحفيون ونشطاء وقضاة وأفراد نيابة وأعضاء بقوات الأمن.

والمحاسبة لازمة على هذه الانتهاكات المرتكبة في ليبيا وغيرها، إلا أن السلطات الليبية أخفقت في إجراء التحقيقات أو ملاحقة المسؤولين عن أي من هذه الانتهاكات. ونحن نلحظ في هذا الصدد أن وزير العدل الليبي السابق التمس في يوليو/تموز مساعدة مكتبكم في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، بموجب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. والحق أن عام 2014 شهد انهياراً شبه تام لأجهزة العدالة في بنغازي ودرنة وسرت وسبها. وقد ساهم التقاعس المحلي في وجه جرائم متصاعدة في توليد ثقافة الإفلات من العقاب التي تزود الانتهاكات الجديدة بالوقود، كما ساعد على تمهيد الساحة لفوضى المليشيات في ليبيا اليوم.

وبالنظر إلى خطورة الجرائم المرتكبة في ليبيا والتحديات التي تواجه السلطات، فإن تفويض المحكمة الجنائية الدولية يظل ضروريا لإنهاء الإفلات من العقاب في ليبيا. ونحن ندرك أن مكتبكم يواصل تحقيقاته في قضية ثانية (في أعقاب القضية الأولى التي ضمت سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي ومعمر القذافي)، كما أنه يجمع الأدلة بحق آخرين من المشتبه بهم المحتملين، مع التركيز بوجه خاص على المسؤولين الموالين للقذافي خارج ليبيا. غير أننا نشجعكم في الوقت ذاته على دراسة قضايا إضافية تتصدى للانتهاكات المجملة في هذا الخطاب، وعلى فحص الانتهاكات بغرض تحديد ما إذا كانت تستحق المزيد من التحقيقات.

وفي هذا السياق رحبنا بتصريحكم الصادر في 25 يوليو/تموز، الذي حذرتم فيه من أن مكتبكم "لن يتردد في التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم بموجب اختصاص المحكمة في ليبيا، وبغض النظر عن مكانتهم الرسمية أو انتماءاتهم". ونحن ندعوكم إلى مواصلة الإعلان في تصريحات رسمية عن تفويض مكتبكم القضائي والتزامكم بالتنفيذ المستقل والمحايد لهذا التفويض. وبما أن الحكومة الليبية قد عجزت لسوء الحظ عن كبح جماح الانتهاكات بله محاسبة المسؤولين عنها كما تعهدت، فإننا نرى أن على مكتب الادعاء القيام بدور هام نيابة عن الضحايا في ليبيا.

ونحن ندرك أن الأداء الفعال لمهام تفويضكم يعتمد إلى حد بعيد على مستوى الدعم المقدم لكم من مجلس الأمن والدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك في شكل موارد. وفي هذا الصدد نلاحظ تصريحكم بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول أثناء النقاش المفتوح بمجلس الأمن حول أساليب العمل، الذي أبديتم فيه القلق من درجة متابعة عمليات الإحالة، وذكرتم بالأخص أن غياب التمويل من الدول أو من الأمم المتحدة يؤثر في قدرة مكتبكم على إجراء "تحقيقات كاملة وفعالة". إننا ندعوكم إلى الاستمرار في توضيح حاجة المجلس والدول الأطراف على السواء إلى تقديم دعمها الكامل لتسهيل عملكم الهام، بما في ذلك في الجلسة المقبلة لإطلاع مجلس الأمن بشأن ليبيا.

سيف الإسلام القذافي

في 21 مايو/أيار أيدت إحدى غرف الاسئتناف بالمحكمة الجنائية الدولية قراراً سابقاً برفض طلب ليبيا لملاحقة سيف الإسلام القذافي في طرابلس. إلا أن ليبيا أخفقت في تسليم سيف الإسلام إلى المحكمة، رغم التزامها القائم بتسليمه إليها. إن هذا الالتزام قائم منذ ما يزيد على العام، وقد أشارت إحدى غرف التحقيق في المحكمة، في يوليو/تموز، إلى أن المحكمة قد تتخذ إجراءات إضافية لضمان تعاون ليبيا، بما فيها إصدار حكم رسمي بعدم التعاون ورفعه إلى مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

ورغم هذا فإن ليبيا واصلت إجراءاتها الوطنية بحق سيف الإسلام في مخالفة لواجبها بتسليمه إلى لاهاي. ومن ثم فإننا نرحب بدعواتكم الموجهة للسلطات الليبية لتسليم سيف الإسلام على الفور إلى المحكمة. كما ندعوكم إلى إعادة تذكير ليبيا بالتزامها بالتعاون التام مع المحكمة بموجب القرار 1970، بما في ذلك في جلستكم المقبلة لإطلاع مجلس الأمن. وقد قمنا في مناصرتنا بالتشديد على نقطة تحمل أعضاء مجلس الأمن، الذين منحوا المحكمة الجنائية الدولية صلاحية التحقيق في ليبيا بالإجماع، تحملهم لمسؤولية خاصة عن توضيح ضرورة امتثال ليبيا لأحكام المحكمة دون إبطاء.

عبد الله السنوسي

في يوليو/تموز 2014 قامت إحدى غرف الاستئناف بالمحكمة بتأييد قرار سابق لإحدى غرف التحقيق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2013، وكان قد خلص إلى "عدم مقبولية" قضية عبد الله السنوسي ومن ثم يجوز لليبيا ملاحقته وطنياً على الجرائم المبينة في تصريح الاعتقال الصادر من المحكمة الجنائية الدولية. وقد جاء هذا القرار بالموافقة على طلب ليبيا لملاحقة رئيس مخابراتها السابق في خضم انهيار شبه تام للنظام القضائي في ليبيا.

ويخضع السنوسي مع سيف الإسلام القذافي وآخرين حالياً للمحاكمة في ليبيا لاتهامات بجرائم خطيرة تتعلق بدوره المزعوم في قمع انتفاضة البلاد في 2011، ضمن جرائم أخرى. بدأت محاكمة السنوسي و36 شخصاً آخرين، معظمهم من مسؤولي عهد القذافي، في 24 مارس/آذار في قاعة محكمة خاصة بسجن الهضبة في طرابلس. وتخضع تلك المنشأة حالياً لسيطرة نائب وزير الدفاع السابق، الذي تحالفت قواته مع ائتلاف مليشيات فجر ليبيا بزعامة مصراتة. ورغم إتمام جلسات المحاكمة التالية في الشهور اللاحقة إلا أن الإجراءات شابتها عمليات التأجيل بسبب غياب المحامين المترافعين عن بعض المتهمين، وافتقار غيرهم لمحامين، وبسبب فورة العنف في طرابلس وما حولها مؤخراً منذ يوليو/تموز. وثمة تقارير عن استئناف الإجراءات في 16 نوفمبر/تشرين الثاني.

ورغم أن قرار غرفة الاستئناف بالمحكمة نهائي، إلا أن المادة 19(10) من معاهدة المحكمة، كما تعلمون، تجيز لمكتبكم التقدم إلى القضاة بطلب إعادة النظر في أحكام عدم المقبولية إذا اطمأن إلى ظهور وقائع جديدة تنفي أساس الحكم الأصلي الذي أصدرته المحكمة في القضية. بل إن غرفتي الاستئناف والتحقيق المخصصتين لقضية السنوسي في المحكمة استشهدتا بهذا الإجراء كسبيل متاح لمكتبكم.

وفي هذا الصدد تكتسي مسألة وصول السنوسي إلى المشورة القانونية وجاهة خاصة، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2013، قررت غرفة التحقيق بالمحكمة أنه، رغم أن افتقار السنوسي للتمثيل القانوني في توقيت قرار المحكمة لا يمثل عقبة أمام القضية الوطنية القائمة بحقه، إلا أنه "يحمل إمكانية التحول إلى عقبة لا يمكن تجاوزها". كما شددت غرفة الاستئناف بالمحكمة بدورها على أنه "إذا اتضح لاحقاً استحالة التوصل إلى حل في مسألة التمثيل القانوني فقد يشكل هذا أساساً لمكتب الادعاء لالتماس إعادة النظر في قرار عدم المقبولية بحق السيد السنوسي، بموجب المادة 19(10) من النظام الأساسي".

وكما لعلكم تعلمون فإن تحقيقاً أجرته هيومن رايتس ووتش بعد 3 شهور من قرار غرفة التحقيق توصل إلى أن ليبيا قد أخفقت في منح السنوسي وشركاءه في الاتهام حقوقهم الأساسية في سلامة الإجراءات.[1] وقال السنوسي لـ هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت إنه لم يتواصل مع محام من اختياره، ووصف تعدد جلسات الاستجواب دون مستشار قانوني. قال السنوسي أيضاً إنه لم يحصل على فرصة للاطلاع على الأدلة المقدمة بحقه. وفي أبريل/نيسان 2014 ظهرت تقارير تفيد بحصول السنوسي على محام لفترة قصيرة إلا أنه استقال بعد ذلك بقليل متعللاً بأسباب صحية. وقد تمكنت هيومن رايتس ووتش من رصد بعض إجراءات المحاكمة في طرابلس، بما فيها جلسة في أبريل/نيسان، ولم يبلغ إلى علمها وصول السنوسي إلى محامين.

إن المؤشرات واضحة على ضعف أمل السنوسي، إن كان ثمة أمل، في الحصول على تمثيل قانوني. ولم يبلغ إلى علمنا منذ بداية المحاكمة أن السنوسي توصل إلى محام أو تمثيل قانوني أثناء جلسات المحكمة. علاوة على هذا فإن تكرر تأجيل محاكمته يوحي بأن التدهور المتزايد للوضع الأمني في ليبيا قد أثر في قدرة السلطات على متابعة الإجراءات. ومن ثم فإننا نتطلع إلى مكتبكم لجمع معلومات راهنة وذات صلة عن قضية السنوسي، وبوجه خاص مسألة توصله إلى المشورة القانونية، والنظر على هذا الأساس في التقدم إلى المحكمة بطلب مراجعة الحكم بعدم المقبولية.

السيدة المدعية، إننا نشكركم مقدماً على اهتمامكم بهذه المسائل الملحة، ونفيد بأننا متاحون لمواصلة النقاش في بواعث القلق هذه مع سيادتكم.

مع الاحترام والتحية من،

ريتشارد ديكر

مدير برنامج العدالة الدولية

هيومن رايتس ووتش

 

[1] هيومن رايتس ووتش، "ليبيا ـ نجل القذافي ومسؤولون سابقون محتجزون في غياب الإجراءات القانونية السليمة"، 13 فبراير/شباط 2014، https://www.hrw.org/ar/news/2014/02/13-0

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة