(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي لسلطات حماس في غزة أن تعاقب المسؤولين عن الهجمات على المظاهرات السلمية التي تدعو للمصالحة السياسية الفلسطينية.
كانت شرطة حماس قد لجأت إلى تفريق عدة مظاهرات سلمية بعنف في غزة ابتداء من 15 مارس/آذار 2011، وشمل ذلك منع الوصول للساحات العامة والجامعات وضرب المتظاهرين المُحاصَرين.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إنه انعكاس سيئ على حماس أن تقمع بعنف المتظاهريين السلميين الذين يدعون للمصالحة السياسية. ليس هذا سوى أحدث مثال لاعتداء حماس على حريات الفلسطينيين الأساسية".
تم تنظيم تظاهرات منسقة كذلك في الخامس عشر من مارس/آذار في الضفة الغربية، حيث قام رجال يرتدون ملابس مدنية بضرب المتظاهرين، واعتقلت شرطة السلطة الفلسطينية لفترة وجيزة اثنين من المتظاهرين.
وفي قطاع غزة، دعا المنظمون الشباب لتظاهرات ثانية ضد تقسيم فلسطين السياسي بين حماس والسلطة الفلسطينية، التي تتزعمها حركة فتح، في ساحة الجندي المجهول في غزة في الخامس عشر من مارس/آذار. وذكر مكتب رئيس الوزراء إسماعيل هنية أنه "يدعم جهود الشباب والفصائل التي ترغب في إنهاء الانقسام". بالرغم من ذلك، رفضت سلطات حماس إعطاء المتظاهرين المطالبين بالوحدة تصريحا بالتظاهر بينما صرحت لمجموعة مؤيدة لحماس، وفق تقارير إخبارية.
بعد فترة وجيزة من وصول جماعة المتظاهرين إلى الساحة في التاسعة صباحا، واجههم متظاهرون مؤيدون لحماس. انتقلت جماعة المتظاهرين إلى ساحة الكتيبة، حيث أخبرتهم سلطات حماس أن بإمكانهم البقاء حتى السابعة مساءً.
"كان المنظمون [المؤيدون للوحدة] قد خططوا أن يقيموا خياما وأكشاكا - أرادوا أن يجعلوا منه [ميدان] تحرير آخر" إحدى المتظاهرين التي طلبت تعريفها بـ"هبة" فقط أخبرت هيومن رايتس ووتش، في إشارة لمكان المظاهرات المناهضة للحكومة في القاهرة. "كان هناك طلبة جامعة، وأمهات، وآباء، وأطفال، وكل أنواع البشر. ثم في السابعة مساءً حاصرت الشرطة وموظفي أمن بملابس مدنية الساحة وبدأوا يضربون الجميع، بهراوات وأشياء أخرى. أحدهم ضربني بكرسي". وقالت إن أفراد الشرطة ذوي الملابس المدنية أهانوا المتظاهرات، مستخدمين لغة جنسية مهينة.
صلاح عبد العاطي، باحث بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الجهة الرقابية الرسمية للحقوق الفلسطينية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة قامت بضربه أثناء مراقبة المظاهرات. "في السابعة مساءً، دخلت الشرطة من كافة المداخل الأربعة للساحة، وأغلقتها بحيث لا يستطيع الناس الهروب، وأخذت تضربهم. كان هناك بالفعل موظفي أمن يرتدون ثياباً مدنية بين الحشود والذين بدأوا بضرب الناس حين جاءت الشرطة. هجم عليّ خمسة أفراد، ثلاثة بملابس مدنية واثنان بزي رسمي. كانوا يضربونني بالهراوات على رأسي، وحين حميت رأسي بذراعيّ ضربوا ذراعيّ وظهري".
قال عبدالعاطي إنه شاهد الشرطة وقوات أمن أخرى تستخدم أجهزة صعق كهربائي ضد المتظاهرين، وأنهم أطلقوا الرصاص في الهواء وقادوا الدراجات النارية وسط الحشود.
"صمود" صحفية مستقلة قالت لـ هيومن رايتس ووتش أن مهاجما مجهولا طعنها في ظهرها بسكين وهي تحاول الفرار: "شعرت كأنها لدغة في الجانب العلوي الأيسر من ظهري" أضافت: "كنت أحاول أن أهرب عندما سمعت ضابطا يقول 'لا تتركوها تبتعد، أريدها في الجوازات [مركز الشرطة]".
أوقفتها الشرطة، وصادرت هاتفها المحمول وأخذتها لمركز الشرطة، حيث تم وضعها في غرفة استجواب "لم أر محتجزين آخرين لكني سمعت شخصا يصرخ 'لا تضربوني! أعيدوا لي الكاميرا الخاصة بي". حين طلبت من الشرطة أن تدعها تبحث عن رعاية طبية؛ أدخلوا محتجزة أخرى، وأعطوها زجاجة يود وأخبروها أن تعالج الجرح". قالت إن الجرح كان عميقا وطلبت أن أحصل على مساعدة حقيقية لأنها لم تتلق تدريبا طبيا" قالت صمود. بعد أكثر من ساعة، وبعد أن تكرر طلب صمود والمحتجزة الأخرى لعربة إسعاف، استدعت الشرطة ممرضة، والتي أقنعت الشرطة بالفعل أن تدع صمود تذهب لمستشفى الشفاء.
قالت صمود لـ هيومن رايتس ووتش أن محققي الشرطة في مستشفى الشفاء أخبروا الأطباء أن يسجلوها باسم زائف "سوسن بدر" ربما في محاولة لتجنب تدوين سجلات طبية يمكن أن تستعملها لاحقاً كدليل على الاعتداء عليها. هي وأخوها، الذي انضم إليها في المستشفى، طلبا أن يتم تسجيلها باسمها قالت: "وافق المحققون، لكنهم قالوا بعد ذلك أن الملف الطبي يجب أن يقول أنني كنت رهن التوقيف".. بعد أن تم علاجها وتركوها هي وأخوها مؤقتا، هربا من المستشفى.
خمسة متظاهرين على الأقل تم نقلهم إلى المستشفى مصابين بجروح، حسب أفادت صحيفة النيويورك تايمز.
وفي 16 مارس/آذار، خطط طلبة بجامعة الأزهر بمدينة غزة المسير لساحة الجندي المجهول للتظاهر، على حد قول طلبة لـ هيومن رايتس ووتش. لكن موظفي أمن ذوي ملابس مدنية، حسب قولهم، حاصروهم في مبنى العلوم بالجامعة وضربوا الطلبة عشوائيا بداخله. كانت طالبات من جامعة القدس المفتوحة اللواتي ذهبن للاشتراك مع الطلاب في جامعة الأزهر تم ضربهن كذلك. في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، هاجم موظفو أمن ذوو ملابس مدنية الطلاب المتظاهرين في جامعة القدس.
"حنين"، طالبة من الأزهر قالت أنه قبل وصول الشرطة، فإن أعضاء من مجموعة طلبة مؤيدة لحماس من الجامعة (الكتلة الإسلامية) "نزعوا أحزمتهم وبدأوا في ضرب المتظاهرين. ثم دخل حوالي 30 من الشرطة في زي مدني، وهم مسلحون. منعونا من الخروج لساعة ونصف بينما هم يتحدثون مع إدارة الجامعة، ويضربون الناس بالهراوات ويرشوننا ويغرقوننا بالخراطيم من الجامعة. طوال الوقت كانوا يهينون البنات. وكان الرجال أيضا يبصقون علينا".
الطلاب رفضوا في البداية عرضا الشرطة لترك الجامعة إذا تعهدوا بعدم الاستمرار في التظاهر بالخارج، لكنهم وافقوا بعدما طلبت إدارة الجامعة "أن نمتثل لسلامتنا وسلامة الجامعة" كما قالت حنين: "ذهبنا خارجا وأهانتنا الشرطة هناك أيضا، خاصة على قيامنا بالتظاهر في نفس المكان مع الرجال، وهو ما قالوا أنه أمر مناف للآداب".
"هبة" المتظاهرة التي وصفت كيف تم ضربها يوم 15 مارس/آذار، قالت إن رجال الشرطة ذوي الملابس المدنية ضربوها ثانية في الأزهر في اليوم التالي وأهانوا المتظاهرات: "اتصلت بوالدي ليأتي ويخرجني، لكن الشرطة رفضت أن تسمح له بدخول الجامعة وهددت بضربه".
"محمود" طالب في جامعة القدس، أخبر هيومن رايتس ووتش بما حدث هناك. بعد عودة الطلاب من الأزهر، حوالي 150 طالباً وطالبة، بدأوا في التظاهر وترديد هتاف "نريد إنهاء الانقسام" على حد قول محمود.
"ثم جاء عدد كبير من رجال في ملابس مدنية، بالبنادق والهراوات. ضربونا ورأيتهم يضربون طالبة حامل، والتي سقطت على الأرض. بل وحتى تعقبوا الطلاب الذين لجأوا داخل مسجد الجامعة".
قال محمود إنه هرب من المستشفى ولكن تبعته عربة مكتوب عليها "خدمات طبية". قال: "انتزعني الرجال وأخذوني داخل العربة، قادوني عبر زقاق، ثم ألقوني على الرصيف حيث وقف واحد منهم على صدري وآخر على ساقي والثالث ضرب ركبتي بهراوته حتى انكسرت ركبتي". وأضاف: "ثم نقلوني للبيت وأجبروني على الخروج من العربة. أخذني والدي إلى مستشفى الشفاء، وقال الطبيب إن حماس يمكنها أن تحصل على جميع المعلومات الخاصة بي وأن أذهب لعيادة خاصة بدلا من المستشفى، وهذا ما فعلناه". قال محمود إنه أجرى جراحة لركبته ويمكن أن يحتاج لعملية أخرى خلال ستة شهور.
الميزان، وهي منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان، أشارت في تقريرها أن الشرطة اعتدت على باحث لديها يدعى يامن المدهون وصادرت ذاكرة هاتفه المحمول أثناء تغطيته للأحداث في جامعة الأزهر. وذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريره أن رجال الشرطة ذوي الملابس المدنية منعوا الصحفيين من تغطية المظاهرات.
وقالت سارة ليا ويتسن: "يبدو وكأن سلطات حماس تعتقد أن المظاهرات ضد إسرائيل فقط هي الطرق المشروعة للتعبير العلني". وأضافت: "ومع ذلك فإن شباب غزة عبروا بصوت واضح وصريح عن رغبتهم في التعبير عن آرائهم بشكل سلمي حول جملة من الأمور، متضمنة أن قادتهم فشلوا في حل النزاعات بين الفصائل على حساب السكان".
منظمو المظاهرات في غزة قاموا بالتنسيق مع منظمي الظاهرات في الضفة الغربية يوم 15 مارس/آذار. قال منظمو الضفة الغربية لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات أمن السلطة الفلسطينية اعتدت عليهم خلال مظاهرات سلمية في ساحة المنارة في رام الله. حوالي السادسة والنصف مساء، إذ قام عناصر من جهاز المخابرات العامة بالزي المدني بالاعتداء على فرج حرب واعتقلوه، وهو أحد المنظمين، مع متظاهر آخر يدعى فادي قران. ويظهر فيديو قصير قام قران بتصويره كيف تم الاعتداء عليه من قبل عدة رجال بملابس مدنية. قال قران وحرب أنه تم إطلاق سراحهما بعد ذلك.
في الحادية عشرة مساءً، هوجم المتظاهرون الذين حاولوا نصب خيمة، هاجمهم حوالي 15 رجلا بملابس مدنية والذين صادروا القماش وأقطاب الخيمة. لاحظت هيومن رايتس ووتش أن الرجال سلموا المواد المُصادرة لرجال شرطة بملابس رسمية في شارع مجاور، وهذا في غضون قيام رجال بملابس مدنية باعتقال وضرب وسحب رجلين من المتظاهرين نحو قسم الشرطة.
لازار سيميونوف ، مصور فوتوغرافي مستقل ، أخبر هيومن رايتس ووتش أن رجالا بملابس مدنية اعتدوا عليه وحاولوا مصادرة الكاميرا الخاصة به وهو يلتقط صورا للمتظاهرين وهم يُسحبون نحو قسم الشرطة. ذهب سيميانوف لاحقا لقسم الشرطة ليقدم شكوى، حيث شاهد واحدا من الرجلين يتم اعتقاله. الرجال الذين يرتدون ملابس مدنية اعتدوا على رجل آخر، والذي قام بتعريف نفسه بصوت عال كمصور في التلفزيون الفلسطيني. شاهدت هيومن رايتس ووتش لاحقا رجالا بملابس مدنية يعترضون طريقه عندما حاول السير لمركز الشرطة ليحرر شكوى.
كانت هيومن رايتس ووتش قد ذكرت في تقرير سابق لها أن جهاز مخابرات كلا من حماس والسلطة الفلسطينية قام باستجواب وتهديد وضرب المنظمين والمتظاهرين في مظاهرات عامة سابقة في الضفة الغربية وغزة.
لا يمكن للسلطة الفلسطينية أو حماس أن تكون طرفا في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، لكن كليهما أشار بشكل علني أنه سيحترم المعايير الدولية. يضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لكل شخص الحق في التجمع السلمي. ويوضح أن التقييد على هذا الحق جائز فقط لو تم تنفيذه وفقا للقانون، ولسبب مشروع مثل الأمن العام و"أن يكون ضرورياً في مجتمع ديمقراطي" وهي تحديداً الوسائل الأقل تقييدا.
قالت سارة ليا ويتسن: "السلطات المحلية لا تخدع أحدا بالاختباء خلف البلطجية الذين يعتدون على المتظاهرين. الشعب الفلسطيني يستحق قيادات، سواء من حماس أو السلطة الفلسطينية، تعمل على احترام حقوقه الأساسية".