(باكو، 26 أكتوبر/تشرين الأول، 2010) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر اليوم إن الحكومة الأذربيجانية تستخدم القوانين الجنائية والهجمات العنيفة لإسكات الصحفيين المعارضين. وقد خضع عشرات من الصحفيين للمحاكمة على خلفية تهم السب والقذف وغيرها من التهم الجنائية. ونفذت الشرطة اعتداءات جسدية على الصحفيين، متدخلة عمدا في تحقيقهم في قضايا تتعلق بالصالح العام.
التقرير الصادر في 94 صفحة، تحت عنوان"الضرب والوضع على القائمة السوداء وخلف القضبان: هامش حرية التعبير المختفي في أذربيجان"؛ يوثق جهود الحكومة للحد من حرية التعبير. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تطلق صراح الصحفيين المسجونين وأن تلغي قوانين التشهير الجنائي التي تسمح للموظفين العامين وغيرهم، بتوجيه اتهامات جنائية إلى الصحفيين والناشطين. كما يجب البدء في الملاحقة القضائية للمتسببين في العنف والتهديدات الموجهة ضد الصحفيين، والتي تمر الآن دون عقاب، وأضافت أن الاعتداءات على حرية التعبير تهدد بتقويض شرعية الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
وقال جيورجي جوجيا، الباحث المعني بمنطقة جنوب القوقاز في هيومن رايتس ووتش ومحرر التقرير: "المناقشة العامة الحية أمر بالغ الأهمية من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة... لكن لا يمكن إجراء التصويت الحر والنزيه في حالة الزج بمن يحررون الأخبار إلى السجون أو مع التضييق عليهم لإسكاتهم".
فر ما لا يقل عن تسعة صحفيين إلى خارج أذربيجان خلال السنوات الثلاث الأخيرة بحثا عن اللجوء السياسي في الخارج.
ورصدت هيومن رايتس ووتش القيود المفروضة على حرية التعبير في أذربيجان لسنوات عديدة. ولأجل إعداد هذا التقرير، التقت هيومن رايتس ووتش محررين في أكثر من 37 إصدار صحفي ومحطة راديو في يونيو/حزيران 2010.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن أذربيجان ألغت الرقابة الرسمية على الإعلام من قبل الدولة في عام 1998. وفي الوقت نفسه، لجأت الحكومة إلى وسائل أخرى أقل علانية لتقييد حرية التعبير والإعلام. فضلا عن الملاحقات القضائية والعنف الأمني، والتعديلات التشريعية عام 2009 التي قيّدت من قدرة الصحفيين على استخدام الفيديو والصورة والتسجيل الصوتي من دون موافقة صريحة من الشخص الذي يُسجل له أو يتم تصويره، حتى في المناسبات العامة. كما حظرت الحكومة جميع الشبكات الإذاعية الأجنبية عن البث على ترددات الـ (إف إم). وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي إزالة القيود غير الضرورية، والسماح للشبكات الأجنبية بالاستمرار في البث الإذاعي.
وخلال السنوات القليلة الماضية، ألصق موظفو الدولة بالصحفيين عشرات الاتهامات بالتشهير، وفي بعض الحالات، ساقوا التهم ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الذين ينتقدون الحكومة أو غيرهم من الذين يعملون على ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في أذربيجان.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن قوانين التشهير الجنائي تشكل خطرا قاسيا جدا بدون داع على حرية التعبير، ويجب إلغاءها. وأضافت أن العقوبات الجنائية في قضايا التشهير غير ضرورية، ولا تناسب الرد على الزعم بأن تلك العقوبات صدرت لأجل الحفاظ على سمعة الفرد، خاصة وأن هذا الأمر يستهدف اهتمامات الصالح العام أو يدور حول الشخصيات العامة؛ فبشكل عام يُفترض في السياسيين والشخصيات العامة أن يكون لديهم هامش تسامح أكبر مع التدقيق المكثف في سلوكهم، مقارنة بالشخص العادي.
وقال جيورجي جوجيا: "القضايا، وبخاصة القضايا الجنائية، ضد هؤلاء الذين يحررون أو ينشرون الموضوعات المتعلقة بالشأن العام، هي مجرد محاولة سافرة من جانب الحكومة لفرض الرقابة"، مضيفا: "يجب على الحكومة تشجيع الناس على التحدث بحرية، لا أن تعاقبهم".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن القضية ذات دوافع سياسية الواضحة ضد إينولا فاتولايف، المعروف بانتقاداته الصريحة ومؤسس ورئيس تحرير اثنتين من الصحف الأذربيجانية المستقلة الأكبر والأكثر شعبية؛ هي من بين القضايا الأكثر إثارة للاستنكار، في هذا المضمار.
ظل فاتولايف مودعا في السجن منذ أبريل/نيسان 2007، بعد إدانته بتهمة السب والقذف المدني والجنائي بسبب مقالات كتبها. بعد ستة أشهر، وجد نفسه مدانا بالتهديد بأعمال إرهابية والتحريض على الكراهية العرقية، ثم عوقب على هذه الاتهامات بالسجن ثمانية سنوات ونصف. طعن في الحُكم أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي وجدت في أبريل/نيسان 2010 أن أذربيجان تفرض قيودا "فادحة" و"غير متناسبة" على حرية التعبير عن طريق السجن. وأمرت المحكمة بإطلاق سراح فاتولايف.
إيمين ميلي وعدنان حاجي زاد هما اثنان آخران من السجناء المعارضين، الذين وقعا ضحية هجوم في مطعم في يوليو/تموز 2009 الذي كان على ما يبدو حادثاً مُدبراً للإيقاع بهما. ومن ثم أدينا بتهمة إثارة الشغب كنتيجة لذلك الحادث. المعروف عن ميلي وحاجي زاد انتقادهما لسياسات الحكومة الأذربيجانية عبر مدوناتهم، واعتقلا بعد أسبوع واحد من توزيع تسجيل لاذع على "يو تيوب" ينتقد الحكومة.
وقال جيورجي جوجيا: "حالات مثل فاتولايف والمدونين، كانت لها تأثير مخيف على الصحفيين والمحررين. وخوفا من مصير مماثل، غالبا لا يختار الصحفيون الكتابة في تلك الموضوعات بعينها ويحدون من التحقيقات الصحفية، وبخاصة التحقيق في القضايا التي تعتبرها الحكومة تابوهات".
يواجه الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان وغيرهم ممن ينتقدون الحكومة علنا خطر العنف ضدهم، والتهديدات والمضايقات. وقد هاجمت الشرطة الصحفيين الذين نفذوا واجباتهم المهنية، بما في ذلك رصد جهود الشرطة في فض الاحتجاجات السلمية. وفشلت السلطات في إجراء تحقيقات نزيهة بشأن الاعتداءات على الصحفيين.
وضعت مجموعة من التعديلات القانونية والقرارات التنفيذية مزيدا من القيود على حرية التعبير في أذربيجان. تلك التعديلات الدستورية الصادرة في 2009 تقيد استخدام الصحفيين لأجهزة التسجيل، وكذا ـ حدث في 2009 ـ حظر الإذاعات الأجنبية من البث على ترددات الـ إف إم، التي سُحب منها شبكة "بي بي سي"، وصوت أمريكا وإذاعة أوروبا الحرة/راديو الحرية.
تغاضت السلطات أيضا عن نشر "القائمة السوداء للصحف المبتزة" الصادرة عن مجلس الصحافة، التي تعتبر ظاهريا هيئة للتنظيم الذاتي لوسائل الإعلام المطبوعة، يُفترض أنها قائمة على عضوية الصحفيين ومُنظمة ذاتياً من الداخل. هذه القائمة تمثل وسيلة لتوبيخ للصحف التي انتهكت المعايير الأخلاقية للصحافة، لكن على أرض الواقع، جعلت من الصعب على الصحف الوصول إلى المعلومات، وفي بعض الأحيان أدت إلى إغلاق منافذ إعلامية.
بموجب القانون الدولي، فالحكومة الأذربيجانية لديها التزامات قانونية محددة لحماية الحق في حرية التعبير. ويقر القانون الدولي لحقوق الإنسان حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، وعنصر ضروري من مقومات المجتمعات الديمقراطية، وضامن لكرامة الفرد.
وقال جيورجي جوجيا: "يبدو أن الحكومة تعتقد أنها ستحمي نفسها بإخراس وترهيب الصحفيين.. لكنها بدلا من ذلك تجذب انتباه المجتمع الدولي لها باعتبارها الأولى في مجال إيداع منتقدي الحكومة السجن في المنطقة".