(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطة الفلسطينية أن تحقق على وجه السرعة في مزاعم تعذيب محتجزين اثنين على مدار الشهر الماضي بسجن في أريحا وأن تضمن ملاحقة المسؤولين عن هذه الإساءات قضائياً. هاتان القضيتان تعتبران من بين أكثر من مائة حالة سُجلت هذا العام بوجود مزاعم تعذيب، طرف الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهي المراقب الرسمي الفلسطيني لحقوق الإنسان، بحق أجهزة الأمن في الضفة الغربية.
وكان عناصر من جهاز الأمن الوقائي - المسؤول أمام وزارة الداخلية - قد قبضوا على أحمد سلهب، فنّي السيارات البالغ من العمر 42 عاماً من الخليل، في 19 سبتمبر/أيلول 2010، وقاموا باحتجازه حتى 16 أكتوبر/تشرين الأول، أولاً في الخليل ثم في أريحا. وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، نقله مسؤولو الأمن الوقائي إلى مستشفى في الخليل إثر مضاعفات لحقت بإصابة سابقة لديه في عموده الفقري وتحت التأثر بأزمة نفسية حادة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن سببها كان التعذيب أثناء الاحتجاز. الرجل الثاني، م.ب.، الذي طلب عدم ذكر اسمه، تم القبض عليه في 16 سبتمبر/أيلول واحتُجز بدايةً في مركز احتجاز تابع للأمن الوقائي في الخليل، ثم نُقل إلى أريحا، حيث وعلى حد قوله، تعرض للتعذيب لمدة 10 أيام. تم توجيه الاتهام للرجلين بأنهما على صلة بحماس. قالت هيئة حقوق الإنسان إن سلهب و "م.ب." هما أول حالتين لمزاعم تعذيب في سجن أريحا.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تقارير تعذيب أجهزة الأمن الفلسطينية للمحتجزين مستمرة في الظهور. والرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض على دراية تامة بالموقف. وعليهما أن يعملا على إصلاح حالة الإفلات من العقاب هذه وأن يضمنا ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات أمام القضاء".
وفي 31 أغسطس/آب، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، المسؤولية عن هجوم أسفر عن مقتل أربعة مستوطنين في منطقة الخليل. وبعدها قامت السلطة الفلسطينية باحتجاز مئات الأفراد في الخليل للاشتباه بوجود صلات تربطهم بحماس.
وقد تم احتجاز سلهب والرجل الآخر بشكل متعسف. ورغم أن القانون الفلسطيني يتطلب قيام المسؤولين القائمين بتنفيذ الاعتقالات بإظهار أوامر التوقيف، فإن من قاموا بالاعتقالات لم يُظهروا أوامر سواء لسلهب أو الرجل الآخر "م.ب."، على حد قول الرجلين لـ هيومن رايتس ووتش.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن السلطة الفلسطينية كانت متراخية للغاية في ملاحقة مسؤولي الأمن الضالعين في مزاعم تعذيب وإساءة معاملة المحتجزين. الملاحقة القضائية الوحيدة المعروفة إلى الآن تمت في محكمة فلسطينية عسكرية في يوليو/تموز الماضي، وانتهت بتبرئة خمسة ضباط من جهاز المخابرت العامة من الخليل، يُزعم قيامهم بتعذيب هيثم عمرو مما أودى بحياته، في يونيو/حزيران 2009. وسجل المحتجزون الفلسطينيون 106 شكوى تعذيب لدى هيئة حقوق الإنسان من يناير/كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول 2010. ومنذ يونيو/حزيران 2007، طبقاً للهيئة، يُزعم أن أجهزة الأمن بالسلطة الفلسطينية مسؤولة عن وفاة ثمانية محتجزين في الضفة الغربية أثناء احتجازهم.
وقال سلهب لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر الأمن الوقائي دخلوا منزله الواقع على مشارف الخليل في 15 سبتمبر/أيلول. ولم يكن سلهب في البيت، لكنه سلّم نفسه في 19 سبتمبر/أيلول في مقر الأمن الوقائي في الخليل، حيث تم القبض عليه وتعرض للاحتجاز حتى 30 سبتمبر/أيلول. وبعد ثماني وأربعين ساعة من القبض عليه، في 21 سبتمبر/أيلول، وعلى حد قوله، أحالته السلطات إلى المحامي العام العسكري واتهمته بـ "جمع الأموال لصالح جماعة غير قانونية" إشارة إلى حماس و"العمل في عكس اتجاه السلطة الفلسطينية".
وأثناء احتجازه في الخليل، قدّم سلهب لطبيب بالسجن سجلات طبيه تُظهر أنه يعاني من مضاعفات في العمود الفقري نتيجة للتعذيب، وأن الإصابة لحقت به عندما تم احتجازه في عام 2008. وفي 21 سبتمبر/أيلول أخطرت هيئة حقوق الإنسان المستشار القانوني للأمن الوقائي بحالة سلهب. ورغم هذه السجلات والتماسات سلهب، فقد نقله مسؤولو السجن إلى أريحا، حيث قال له المسؤولون مقدماً إنه سيتعرض للتعذيب مجدداً ورفضوا توفير المساعدة الطبية له رغم تدهور حالته الصحية والنفسية.
وقابلت هيومن رايتس ووتش سلهب في مستشفى في الخليل في 17 أكتوبر/تشرين الأول وراجعت سجله الطبي المُدوّن منذ احتجازه في عام 2008، ويشير إلى وجود عدة تمزقات في عموده الفقري. ولاحظت هيومن رايتس ووتش أنه على ما يظهر، لا يمكن لسلهب الآن السير أو الجلوس، وأنه يكاد يكون مصاباً بالشلل في ساقه اليمنى.
وقامت السلطات بنقل سلهب من الخليل إلى مركز احتجاز واستجواب الأمن الوقائي في أريحا يوم 30 سبتمبر/أيلول، حيث تم وضعه في الحبس الانفرادي، ولم يُسمح له طوال 17 يوماً بالاغتسال أو تغيير ثيابه. وقال سلهب لـ هيومن رايتس ووتش إن حارس السجن سأله عن حالته الصحية، موضحاً أن هذه المعلومات ضرورية بما أن سلهب سيتعرض للشبح، وهو أحد أشكال التعذيب، حيث يتم تقييد الضحايا في أوضاع مؤلمة لمدد طويلة. وعندما قال سلهب للحارس إنه لم يعد قادراً على تحمل هذه المعاملة بسبب تعرضه للشبح من قبل، رد الحارس بأن كل من يأتي إلى سجن أريحا يتعرض للشبح. وقام طبيب سجن أريحا بزيارة سلهب يوم وصوله، لكنه لم يقدم له العقاقير الطبية التي يتعاطاها بشكل دائم لعلاج مشكلته الصحية. وقام مسؤولو الأمن باستجواب سلهب يومياً، وأحياناً ثلاث مرات في اليوم. وقال إنه لم يُجبر في البداية على اتخاذ أوضاع مؤلمة، لكنه كان يعاني من الصعوبة في صعود درجات السلم إلى حجرة الاستجواب، بسبب حالته الصحية المتدهورة.
وفي اليوم السادس له في أريحا، على حد قوله، أوثق الحراس رباطه في وضع مؤلم لمدة ساعتين. أقعدوه في مواجهة الحائط على مقعد بلاستيكي صغير بقوائم معدنية مربوطة بالسلاسل إلى الجدار، بحيث لم يعد قادراً على تحريك ساقيه، وأوثقوا يديه وراء ظهره. وقال سلهب إنه لم يتحمل الألم وتعرض لانهيار عصبي.
وقال سلهب موضحاً أن قلقه فاقم من ألمه البدني: "كان الأمر أسوأ بكثير من أول مرة تعرضت فيها للتعذيب، لأنهم كانوا يعرفون حالتي من البداية، وكان الألم يأتيني من الداخل والخارج".
نقلت السلطات سلهب إلى مستشفى في أريحا تلك الليلة، لكن الطبيب قال لسلهب إنه مضطر للذهاب إلى اخصائي لعلاج ألم الظهر وأعاد سلهب إلى السجن. وهناك وضعه الحراس في زنزانة أخرى، حيث مكث فيها لمدة 10 أيام. ومع عدم قدرته على السير أو الوقوف، كان يُحمل إلى المرحاض. وفي النهاية نقله الأمن الوقائي إلى المستشفى الأهلي في الخليل يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول.
قال سلهب - بدعم من السجلات الطبية التي حصلت عليها هيئة حقوق الإنسان واطلعت عليها هيومن رايتس ووتش - إن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، وهو جهة أمنية أخرى، احتجزه لمدة 30 يوماً في أكتوبر/تشرين الأول 2008، وعرّضه للشبح، مما ألحق إصابات جسيمة بظهره. وأفرجت السلطات عن سلهب في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بسبب مشكلته الطبية الخطيرة، ودخل المستشفى مرتين في الأسابيع التالية على خروجه. ولم يكن قادراً على العودة إلى عمله كفني سيارات، ومن ثم لم يتمكن من تحمل ثمن الجراحة المطلوبة لحالته. وتقدم سلهب بشكوى لدى هيئة حقوق الإنسان، والتي قامت في 26 يوليو/تموز 2009 بضم قضيته إلى رسالة بعثت بها إلى الرئيس محمود عباس بشأن التعذيب في سجون الأمن الوقائي والمخابرات العامة.
وقال جو ستورك: "بعد عام من إخطار الرئيس عباس بتعرض ذلك الرجل للتعذيب لدرجة تقارب الإعاقة، حرمته الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الرعاية الطبية وقامت بتعذيبه من جديد، ثم قامت باحتجازه لمدة أيام بعد أن شلّه الألم والخوف". وتابع: "هذه القضية المؤسفة هي النتيجة الواضحة لإخفاق السلطة الفلسطينية في وضع حد للإفلات من العقاب على ما يتم ارتكابه من انتهاكات".
وقال سلهب لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد عناصر الأمن الوقائي يوثقون رباط محتجزين آخرين في أوضاع شبح كثيرة في سجن أريحا، وأن في كل مرة يخرج من زنزانته كان يرى ما بين أربعة إلى خمسة رجال موثوقين الرباط في أوضاع الشبح، مع تغمية أعينهم وربط أيديهم وراء ظهورهم، وإنه كان يسمع صرخاتهم من الصباح حتى وقت متأخر من الليل.
وقال سلهب لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يتعرض للمعاملة السيئة في الخليل، لكن أوضاع السجن حيث كان في حجرة ومعه ستة رجال آخرين وليس فيها غير أربع حشايا للنوم، فاقمت من مشكلة ظهره.
وقابلت هيومن رايتس ووتش الرجل الثاني الذي قال إنه تعرض للاحتجاز والتعذيب في سجن أريحا في نفس توقيت تواجد سلهب فيه. قال "م.ب." لـ هيومن رايتس ووتش إن بعد قيام أعوان الأمن الوقائي بالقبض عليه في 16 سبتمبر/أيلول في الخليل، نقلوه إلى مركز احتجاز الخليل، حيث فحصه طبيب. ثم أحالته السلطات إلى المحامي العسكري العام، الذي وعلى حد قوله، اتهمه بـ "العمل في عكس توجه السلطة الفلسطينية". وزارت هيئة حقوق الإنسان السجن في 23 سبتمبر/أيلول ولاحظت وجود "م.ب." هناك.
وفي 30 سبتمبر/أيلول، نقل عناصر من الأمن الوقائي "م.ب." - ومعه ستة أو سبعة رجال آخرين - إلى سجن أريجا، حيث تم وضعه وحده في حجرة تحت الأرض ليس فيها فراش، ثم استجوبوه فيما يخص صلاته بحماس. قال "م.ب." إن الحراس نقلوه إلى مدير السجن، الذي قال له إن السجن "مذبح"، مضيفاً: "سوف تُذبح. سوف نقتلع عينيك ونشلّك. سوف تخرج من هنا على نقالة".
على مدار الأيام العشرة التالية، أوثق الحراس رباط "م.ب." في عدة أوضاع مؤلمة، وغمّوا عينيه وربطوا يديه وراء ظهره، وكان يقف على قدميه لعدة ساعات كل يوم. وسمح له الحراس بالنوم مدة 3 ساعات فقط كل صباح، وكانوا يفكون رباطه فقط في حال استخدامه لدورة المياه أو للأكل. وقال "م.ب." لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد رجال آخرين في أوضاع الشبح أثناء تواجده في السجن، ومنهم رجل كان مربوطاً إلى جهاز تعذيب يتخذ شكل نصف الدائرة، معروف باسم "البكرة"، ويتم استخدامه لربط ظهر الشخص إليه في وضع مؤلم.
أفرجت السلطات عن "م.ب." في 10 أكتوبر/تشرين الأول. كانت هذه هي ثاني مرة يُعتقل فيها "م.ب.". وسبق أن قام عناصر الأمن الوقائي باحتجازه لمدة ثلاثة أشهر بين مايو/أيار وأغسطس/آب 2009، ومن تلك المدة شهر في الحبس الانفرادي. أثناء احتجازه، قال "م.ب." إن وزنه نقص 40 كيلوغراماً، وأنه أصيب بمصاعب في التنفس وألم حاد في العضلات.
وفي أغسطس/آب 2009 ردت وزارة الداخلية بالسلطة الفلسطينية على وفاة أربعة رجال أثناء الاحتجاز بإصدار قرارات (قرار 149) قاضية بمنع مسؤولي الأمن الوقائي من "المشاركة في أي نوع من أنواع التعذيب". وذكر المسؤولون إن 43 عنصراً من الأجهزة الأمنية - من بينهم عناصر من الشرطة المدنية - قد تم تأديبهم بسبب ما ارتكبوه من إساءات، لكن لم ينشر المسؤولون أية معلومات إضافية في هذا الشأن.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطة الفلسطينية أن تجري تحقيقات مستقلة في مزاعم التعذيب والأوضاع في السجون، وأن تعلن النتائج على الملأ، وتضمن مقاضاة أي مسؤول تظهر أدلة على مسؤوليته عن الأمر بالتعذيب أو التسامح معه أو تنفيذه أو التواطؤ في التعذيب بأي شكل.
كما قامت هيومن رايتس ووتش - التي وثقت عدة إساءات من قبل السلطة الفلسطينية وحماس بحق المحتجزين - بدعوة السلطة الفلسطينية إلى فتح جميع مراكز الاحتجاز أمام تفتيش الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان. وعلى الأطراف الدولية المانحة للسلطة الفلسطينية - ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - أن تصر علناً على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق المحتجزين في الأمن الوقائي والمخابرات العامة. وطبقاً لمنظمة "كرايسس غروب" الدولية، فإن هناك نحو 17 دولة ومنظمة دولية قامت بتمويل وتدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية منذ عام 2008.