Skip to main content

[سبق نشر المقال في دورية فورين بوليسي]

بغض النظر عمّن سيفوز بانتخابات العراق البرلمانية شديدة التنافسية، فإن الأولويات الأساسية للحكومة المُنتخبة حديثاً تتلخص في أمر لا خلاف عليه وهو: منع حرب أهلية كارثية أخرى وضمان احترام حقوق جميع العراقيين.

في السابع من مارس/آذار، تحدى ملايين العراقيين من كل المدن والفصائل قذائف الهاون والصواريخ من أجل الخوض في العملية الديمقراطية الجديدة في العراق. لقد أدى الناخب العراقي ما عليه، والآن فإن رجال السياسة المنتخبين حديثاً عليهم أن يؤدوا ما عليهم: تبني أجندة حقوقية لتحريك بلدهم المليئ بالنزاعات نحو المصالحة الوطنية والابتعاد عن العنف المذهبي المرعب الذي بدأ في إثر الانتخابات الوطنية لعام 2005.

وفيما هناك الكثير مما يزال خارج قدرة الحكومة على إدارته، فهناك الكثير أيضاً مما بوسعها التأثير فيه. فمن الممكن للحكومة أن تُصلح من أو تُلغي لجنة اجتثاث البعثيين المُسيسة، وأن تقاضي المسؤولين عن الهجمات بحق الأقليات، وأن تُعدّل من قوانين الإعلام التي تقيد من حرية التعبير، وأن تضع حداً للتعذيب في مراكز الاحتجاز، وأن توفر للاجئين العائدين الدعم الذي يحتاجونه لتأسيس حياتهم من جديد.

وبلا شك، فإن رجال السياسة في العراق سيتعرضون للتضييق على ما سيبذلون من جهد. فبينما أحرز العراق تقدماً ملموساً على مسار الأمن على مدار العام الماضي، فهناك مكاسب مماثلة ما زالت لم تتحقق في مضمار الحقوق الإنسانية الأخرى. وهذا حقيقي تمامًاً فيما يخص الأشخاص النازحين والمحتجزين والصحفيين والأقليات الدينية والعرقية، والمجموعات المعرضة للضرر بشكل خاص مثل النساء والفتيات، والرجال المشتبهين بالسلوك المثلي.

كخطوة أولى، على الحكومة القادمة أن تُصلح فوراً من سياسات اجتثاث البعثيين من أجل وقف التوترات المذهبية التي اشتعلت إثر الانتخابات الأخيرة. وفي ضربة قوية مسددة لمصداقية الانتخابات، قامت اللجنة الوطنية العليا للمحاسبة والعدل بإلغاء تأهل أكثر من 500 مرشح للانتخابات بسبب صلات مزعومة تربطهم بحزب البعث، منهم عدة مرشحين بارزين من الطائفة السنية ورجال سياسة شيعة علمانيي الهوى، ممن كان متوقعاً أن تكون لهم فرص نجاح طيبة في الانتخابات.

من حق العراق مقاضاة المسؤولين البعثيين السابقين على المذابح والأعمال الوحشية المُرتكبة في نظام صدام حسين. لكن على الحكومة الجديدة أن تكف عن استخدام لجنة اجتثاث البعثيين كذريعة لتقييد الخصوم السياسيين. إن على الحكومة الجديدة أن تضع حداً للعقاب على أساس الانتماء الجماعي المزعوم للبعث، وليس ارتكاب أخطاء بشكل فردي. وأي شخص يُتهم يجب أن يكون قادراً على الطعن في الأدلة المقدمة ضده.

ثانياً، يجب على حكومة العراق الجديدة أن تحمي أقلياتها الدينية والعرقية المتضررة وغيرها من الجماعات المعرضة للضرر بشكل خاص، عبر دعم الأمن في المناطق الخاصة بهذه الفئات والتحقيق في والمقاضاة على الهجمات التي يتعرضون لها. وفي الأسابيع السابقة على الانتخابات، قام معتدون بشن حملة من القتل المنظم يبدو أنها سياسية الدوافع، ضد المسيحيين في الموصل. وكان نمط العنف ذاك مشابهاً لنمط حملة الاستهداف بالقتل عام 2008 التي خلفت 40 كلدانياً أشورياً قتلى و12 ألفاً من النازحين. وتستمر الجماعات المسلحة في اضطهاد أقليات أخرى في ظل الإفلات من العقاب. ومع اشتداد النزاع بين الحكومة المركزية التي يهيمن عليها العنصر العربي وحكومة إقليم كردستان على السيطرة على الأراضي المتنازع عليها التي يسكنها بعض أقليات العراق، فإن هذه الجماعات المتضررة تجد نفسها في وضع لا تُحسد عليه بشكل متصاعد. فعندما لا يتحقق القانون والنظام مقاضاة المسؤولين عن أعمال القتل، فمن المرجح أن تستمر هذه الأعمال.

ثالثاً، على الحكومة أن تكف عن قمعها للصحفيين العراقيين. فالعمل كصحفي في العراق أمر خطير: حيث قُتل 20 صحفياً في العامين الماضيين وحدهما، والكثيرون غيرهم تم اختطافهم أو استهدفوا بالانتهاكات والتهديد من الجماعات المتمردة. لكن مع تحسن الوضع الأمني، فإن الصحفيين الذين يجرؤون على انتقاد المسؤولين العموميين، تتزايد مواجهتهم للاعتداءات المتعددة على حريتهم واستقلايتهم.

ومنعت السلطات منح التراخيص لوسائل الإعلام واستخدمت قوانين التشهير الفضفاضة المعمول بها في العراق لمقاضاة المُعقلين على الأحداث ممن انتقدوا المسؤولين. وأثناء الانتخابات المحلية العام الماضي، ضايقت الشرطة وقوات الأمن واعتقلت عددًا كبيرًا من الصحفيين واعتدت عليهم. وعلى الحكومة الجديدة أن تقاضي المسؤولين عن الاعتداءات على الصحفيين وتحقق معهم، وعليها أيضاً أن تحد من وتُعرّف الأنظمة الفضفاضة التي تقيد من حرية التعبير، ومنها تعبيرات قانونية مثل "التحريض على المذهبية". إن البيئة التي تروج لحرية التعبير والنقاش العلني للأحداث ضرورية للغاية لنجاح التجربة الديمقراطية في العراق.

رابعاً، على الحكومة الجديدة أن تكف عن التعذيب والمعاملة السيئة التي ما زالت ممنهجة في السجون العراقية، وأن تحقق في جميع مزاعم مثل هذه المعاملة وأن تقاضي المسؤولين عن ارتكابها. ومراكز الاحتجاز التي تديرها الحكومة تكافح من أجل استضافة أكثر من 40 ألف محتجز يعانون من التأخر الجسيم في المراجعات القضائية لأوامر الاحتجاز، مما فاقم من ازدحام السجون ومراكز الاحتجاز. وبعض المحتجزين أمضوا عامين وأكثر في السجون دون نسب اتهامات إليهم أو محاكمتهم، وما إن يتم الإفراج عنهم، فإن الآثار النفسية والبدنية التي لحقت بهم جراء الإساءات والحبس تصعب من إعادة دمجهم بالمجتمع.

خامساً، على الحكومة الجديدة أن تُطور خطة وطنية لتيسير العودة الطوعية للاجئين والنازحين داخلياً. فالنزوح في العراق يشكل أحد أكبر الأزمات الإنسانية الخاصة بالنزوح في العالم، لكن الحكومة أخفقت بشكل تام في التصدي لهذه المشكلة. وهناك 1.5 مليون عراقي ما زالوا يعيشون خارج حدود البلاد، وهناك 2 مليون آخرين نزحوا داخل العراق. وفيما تدفع الضغوط والمصاعب الاقتصادية ومصاعب الحفاظ على الوضع القانوني في سوريا والأردن ولبنان من عودة اللاجئ العراقي، فنادراً ما يتمكن اللاجئ من العودة لبيته في مدينته بالعراق. وفي المناطق الريفية، يعود الكثيرون ليجدوا منازلهم قد دُمرت أو في حال لا يُرجى معه الإصلاح، ولا يجدون وسيلة لكسب الرزق أو الحصول على الخدمات الأساسية، منها المياه والكهرباء والرعاية الصحية. على الحكومة أن تساعد من يحتاجون لهذا بشكل آمن وكريم وأن توفر المساعدة المالية من أجل إعادة دمج العائدين.

وعلى مدار الشهور القليلة القادمة، سوف يواجه رجال السياسة في العراق تحديات لا حصر لها في تشكيل تحالف حكومي جديد. وما إن يتم إعداد الائتلاف، فهو بحاجة لإعطاء الأولوية لمشكلات حقوق الإنسان في العراق، من أجل منع البلاد من الاندفاع نحو هوة جديدة من العنف العرقي والمذهبي.

سامر مسقطي هو باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة