(لندن، 15 ديسمبر/كانون الأول 2008) - قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد أصدرته اليوم إن المحكمة الجنائية المركزية في العراق قاصرة عن الوفاء بالمعايير الدولية لإجراءات التقاضي السليمة. ودعى التقرير الحكومة إلى اتخاذ خطوات فورية من أجل حماية المحتجزين من احتمال التعرض للتعذيب وغير ذلك من الإساءات ولضمان إتاحة الدفاع للمحتجزين وعقد جلسات تحقيق ومحاكمة لهم في فترة زمنية مقبولة.
وتقرير "أداء العدالة: أوجه القصور في مجريات عمل المحكمة الجنائية المركزية العراقية" الذي جاء في 42 صفحة يقول إن الآلاف من المحتجزين في العراق ينتظرون لشهور وحتى سنوات قبل المثول أمام القاضي وعقد جلسات بشأن الاتهامات المنسوبة إليهم في المحكمة الجنائية المركزية العراقية، ولا يمكنهم السعي لتوفير الدفاع الفعال أو الطعن في أدلة الثبوت بحقهم. ومن شأن الاتفاق الأمني الأميركي العراقي الذي يبدأ نفاذه نهاية هذا العام أن ينقل المحتجزين طرف القوة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة إلى الاختصاص القضائي العراقي، مما يضيف إلى حِمل المحكمة من القضايا.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "العراقيون الذين يمثلون أمام هذه المحكمة لا يسعهم توقع الإنصاف". وتابع قائلاً: "فالمشكلات الأمنية وغياب الموارد وحِمل القضايا الثقيل هي عوامل تصب مجتمعة في أوجه القصور هذه، لكن هذه الأوجه جسيمة ومنهجية، وتقوض من فكرة أن المحكمة المركزية تفي بالمعايير الأساسية للمحاكمة العادلة".
ويوثق التقرير استناد المحكمة إلى أدلة مستقاة من مخبرين سريين واعترافات قد تكون مُنتزعة بالإكراه. وتبين من الشهادات في المحكمة ومن المقابلات أن الإساءات رهن الاحتجاز، والتي تتكرر كثيراً بقصد انتزاع الاعترافات، هي ممارسة منتشرة. ويوثق التقرير قضايا تم احتجاز المدعى عليهم لمدة بلغت العامين دون عقد جلسات تحقيق أو محاكمة. ولدى عقد المحاكمة، كان الدفاع في العادة لا يطلع على المحتجزين وملفات قضاياهم بما يكفي أو لا يطلع عليها بالمرة قبيل الجلسات، وقدم محامون قليلون دفاعاً فعالاً.
وفي مايو/أيار 2008، حضرت هيومن رايتس ووتش أكثر من 70 جلسة تحقيق وعدة محاكمات في المحكمة، وقابلت قضاة عراقيين ومحامين ومدعى عليهم ومسؤولين آخرين. كما قابلت هيومن رايتس ووتش مسؤولين بالجيش الإميركي، وكانوا قد أحالوا بعض المحتجزين طرف الاحتجاز الأميركي إلى المحكمة للنظر في قضاياهم.
وفي حالات كثيرة أقر قضاة عراقيون بوجود أوجه القصور هذه، وبناء عليه أقفوا النظر في القضايا المشوبة بالقصور. لكن عدد القضايا التي يوجد فيها مزاعم بالإساءات والتأخير لفترات طويلة قبل عقد الجلسات يوحي بتكرر إهدار العدالة.
وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة قد شكلت المحكمة إبان غزو العراق عام 2003، ومنحت المحكمة ولاية قضائية شملت جميع أنحاء البلاد وكلفتها التركيز على القضايا الأمنية في إطار القانون الجنائي العراقي.
وقال جو ستورك: "إن أوجه القصور التي تعاني منها المحكمة مُقلقة على الأخص لأن هذه المحكمة يُفترض بها أن تكون نموذجاً يُحتذى في العراق".
وقد أدت المشكلات المؤسسية التي تكابدها المؤسسات العراقية إلى تقويض مجريات العمل في المحكمة. وقد أدت الاعتقالات الجماعية من طرف الولايات المتحدة والعراق في العمليات العسكرية أثناء الخطة الأمنية المعروفة بـ " فرض القانون" في عام 2007 إلى زيادة كبيرة في تعداد المحتجزين في العراق. وقد حد التأخر والتنفيذ الجزئي من أثر قانون العفو العام العراقي الذي كان يُقصد به جزئياً التخفيف من العبء على النظام القضائي. وبالنتيجة، فإن عبء القضايا في المحكمة ما زال ثقيلاً، وقد أدى لمزيد من التأخير في المراجعة القضائية للاحتجاز ويفاقم من العلل التي تعتور القضايا لدى وصولها إلى مراحل التحقيق والمحاكمة.
وتدعو هيومن رايتس ووتش الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات فورية من أجل منع الأخذ بالاعترافات وغيرها من الأدلة المنتزعة بالتعذيب وغير ذلك من الأساليب غير القانونية وأن تدين علناً أي استخدام للتعذيب أثناء الاحتجاز على ذمة المحاكمة، وضمان أن الأقارب والدفاع يقابلون المحتجزين بعد فترة قصيرة من احتجازهم، وأن تضمن للدفاع الاطلاع السريع على ملفات القضايا. كما تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات العراقية إلى ضمان أن المحتجزين يمثلون أمام قضاة التحقيق في أثناء 24 ساعة من الاعتقال، بما يتفق مع قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، وإلى الإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين حالياً دون اتهامات أو توجيه اتهامات يمكن مقاضاتهم جنائياً عليها.