Skip to main content

سخرت مديرية الأمن العام من نتائج تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2008 بشأن التعذيب "المنتشر والمتكرر" في السجون الأردنية. وتزعم مديرية الأمن العام بأن هيومن رايتس ووتش استعانت بمنهجية معيبة في التقرير وأنها سعت لتحقيق بعض "الأهداف السياسية" غير المحددة بإصدارها تقرير "التعذيب والإفلات من العقاب في السجون الأردنية". وتُصر المديرية على أن سجونها مراكز إصلاح وتأهيل نموذجية تتمتع بخدمات وأنشطة ممتازة.

وهذه الاتهامات ليست فقط زائفة، بل أيضاً تُظهر فشل مديرية الأمن العام في إدراك الحقيقة الخطيرة للحياة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة للمديرية. ولهذا السبب توجد الحاجة للمحققين المستقلين للكشف عن صحة روايات مديرية الأمن العام بشأن مراكز الإصلاح والتأهيل النموذجية، وللكشف عن النطاق الفعليّ للإساءات ولمراقبتها.

وقد اتهم الناطق باسم مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، منهج هيومن رايتس ووتش البحثي بالقصور، والمتمثل في زيارة سبعة من سجون الأردن العشرة، وزعم بأن المقابلات التي أجريناها مع 110 سجناء كعيّنة تمثل عينة صغيرة للغاية، وانتقائية إلى حد كبير. إلا أن التقرير ذكر بوضوح أننا لم نختر السجناء مُسبقاً من أجل مقابلتهم، بل تم انتقائهم بطريقة عشوائية. ولم نختر النزلاء من أصحاب الشكاوى السابقة عن التعذيب، ولا نحن طرحنا أسئلة من شأنها أن توجه النزلاء إلى التحدث عن الإساءات البدنية، كما تحققنا من صحة المزاعم عبر التحقق من صحة الشكاوى بسؤال سجناء آخرين عمّا رواه زملاؤهم من السجناء.

وقد تقدم 55 في المائة من السجناء في عينة التقرير بمزاعم موثوقة بالمعاملة السيئة، وكثيراً ما بلغت هذه المعاملة مستوى التعذيب. ومقابلاتنا مع 110 شخصاً مُختارين بصورة عشوائية منحنا قدراً كبيراً من الثقة في أن نتائج التقرير تُبين وجود ظاهرة تتجاوز حدود عينة التقرير.

وقد طلبنا تحديداً التحدث إلى مجموعتين كبيرتين من النزلاء، هما السجناء الإسلاميين (التنظيمات) والمحتجزين الإداريين، لكننا اخترنا من قابلناهم من بين هاتين المجموعتين بصورة عشوائية. واشتكى المحتجزون الإداريون من التعذيب بدرجة أقل نوعاً عن متوسط شكاوى السجناء الآخرين من التعذيب، فيما كان مُعدل شكوى سجناء التنظيمات من التعذيب أعلى من متوسط شكاوى السجناء الآخرين. وزعم مساعد مدير مديرية الأمن العام خالد سعيدات لـ هيومن رايتس ووتش أن سجناء التنظيمات اختلقوا مزاعم التعذيب لأنهم لا يحبون مؤسسات الدولة الأردنية. إلا أننا شهدنا آثاراً حديثة للتعذيب على بعض سجناء التنظيمات، أكثر مما شهدنا لدى السجناء الآخرين الذين رأيناهم، مما يُبعد الشكوك عن مزاعمهم.

وقال شريف العمري، مدير مراكز الإصلاح والتأهيل، إن تقرير هيومن رايتس ووتش: "أداة سياسية... بقدر خدمة أهداف سياسية للجهات الممولة والداعمة للمنظمة (هيومن رايتس ووتش)". وكما يعرف العمري، فإن هيومن رايتس ووتش منظمة مستقلة وليس لها انتماءات سياسية ولا تقبل تمويلاً من أية حكومة. وقد ناقشنا نتائج التقرير الأولية مع المسؤولين الأردنيين عدة مرات، لكن لم نسمع باتهامات خدمة الأهداف السياسية هذه إلا لدى الإصدار العلني للنتائج.

وعلى النقيض من المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء والمركز الوطني لحقوق الإنسان، الذين انصتوا باهتمام لتوصيات هيومن رايتس ووتش وأقروا بالحاجة إلى التحرك؛ فقد ردت مديرية الأمن العام مجدداً على الانتقاد بإنكار وقوع أية مخالفات. وإذا لم يكن هناك تعذيب في السجون، فإن بإمكان السجناء أن يشتكوا وسوف تحقق مديرية الأمن العام، حسب قول ماهر الشيشاني، رئيس مكتب المظالم وحقوق الإنسان بمديرية الأمن العام، والذي أضاف أن العاملين بإدارته تلقوا شكاوى قليلة للغاية تفيد التعرض للإساءات.

إلا أن التقرير جاء فيه بوضوح أن نظام النظر في شكاوى السجناء والتحقيق في مزاعم التعذيب هو نظام غير ملائم؛ إذ لا يتقدم السجناء في أحيان كثيرة بالشكوى من المعاملة السيئة لمسؤولي المظالم لأنهم لا يثقوا بهم، والسبب منطقي، إذ أن المسؤولين لا يحمون ضحايا التعذيب ولا الشهود على وقائع التعذيب.

في واقع الأمر، لا يُبعد مكتب الشكاوى المسؤولين المُتهمين بالتعذيب عن الاتصال بالسجناء. ولم يتحرك لاتخاذ أي إجراءات بحق حراس مراكز الإصلاح والتأهيل الذين قاموا بضرب السجناء أو هددوهم وأرهبوهم لكي يعدلوا عن التقدم بشكاوى أو الشهادة ضد الحراس. ويرتدي ماهر الشيشاني والعاملين في مكتبه نفس الزي الرسمي الخاص بمسؤولي السجن. وفي الحالات القليلة التي حققوا فيها وقاموا بمقاضاة الحراس، تم تعذيب الضحايا لدرجة تطلبت علاجهم في المستشفيات. وفي أكثر من حالة قام الحراس بتعذيب النزلاء تعذيباً أفضى إلى الموت.

إن الأردن بحاجة لآلية مستقلة وفعالة من أجل استقبال شكاوى التعذيب والتحقيق فيها على نحو عاجل. وينبغي أن يقوم المدعون والقضاة المدنيون – وليس ضباط الشرطة في محكمة الشرطة – بمحاكمة المتهمين في هذه الجرائم حين تظهر أدلة كافية لبدء المحاكمة.

وقد حاول بعض المسؤولين شرح وتبرير التعذيب بصفته ظاهرة قائمة في المجتمع الأردني. ولا توافق هيومن رايتس ووتش على هذا الرأي، بما أن عدم معاقبة القائمين بالإساءة – وليس أي سمات مجتمعية – هو ما يعيق جهود القضاء على التعذيب. والطريقة الصحيحة لوضع حد لهذه الممارسة هي وجود محققين مستقلين يعرفون كيف يصلون إلى الحقيقة، ومعهم مدعين مدنيين يُحملون القائمين بالتعذيب مسؤولية عملهم، بمن فيهم عناصر مديرية الأمن العام الذين يمارسون التعذيب.

* كريستوف ويلكى هو الباحث المعني بالأردن في هيومن رايتس ووتش وكاتب التقرير

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة